رئيس وزراء يكتب عن ملك

الشيخ السنيورة يدعو للملك في صلاة الجمعة!

خـالـد شـبكـشـي

ليس من المتعارف سياسياً في كل دول العالم أن تقوم شخصية في قمة السلطة التنفيذية للدولة، بتقريض شخصية نظيرة لها في دولة أخرى، اللهم إلا في حالة واحدة وهي إذا ما انتقلت شخصية سياسية الى الرفيق الأعلى! حينها يمكن أن تذكر محاسن الفقيد!

السنيورة ورايس في بيروت أثناء حرب تموز

لكن رئيس الوزراء اللبناني، فؤاد السنيورة، خرق القاعدة طولاً وعرضاً، فكتب مقالة مطنطنة مطولة في الشرق الأوسط (9/8/07) يمتدح فيها الملك عبدالله، وبمناسبة تافهة مفتعلة، وهي (مرور عامين على توليه الحكم)!

ترى لماذا لا يكتب أمير ولو صغير، بل لماذا لا يكتب صحافي سعودي ولو تافه، مقالة عن السنيورة نفسه تمتدحه بعد مرور عام على عدوان إسرائيل في تموز 2006؟ أو تخترع له فضيلة يمتدحه السعوديون كتابة؟

في لبنان وحدها، ومن معسكر 14 آذار، ظهر لنا وزراء يمتدحون دولاً غير دولهم، ورموز دول غير رموزهم، في صفحات تطفح منها الدعاية والإسفاف. رأينا ذلك من قبل مثلاً من كتابات غازي العريضي عن عدد من دول الخليج وزعمائها.

الآن السنيورة يأتي ليكتب في صحيفة سعودية عن الملك عبدالله، متناسياً أن هذا لا يليق بشخصية بحجمه تتولى رئاسة وزراء لبنان.. وليته إذ فعل كان بمناسبة تستحق، ولها علاقة بلبنان. وليته إذ فعل مركزاً الحديث عن السياسة لا العلاقة الشخصية، وأن يكتب بمستوى رئيس وزراء، لا بمستوى صحافي (شحاذ) يميل الى التطبيل منتظراً المكافأة.

يفتتح السنيورة مقالته موضحاً هدفه منها ـ الإغراق في مديح الملك ـ فقال: (فكرت كثيراً في الكتابة عن الملك ونهضويته).. مذكراً القارئ بأنه يكتب عن شخصية عظيمة، فـ (الكتابةُ عن الملك عبد الله بن عبد العزيز، وهو قائدٌ وصانع سياسات، تختلف عن كتابة الانطباعات الشخصية عن أحد الأعلام أو الأصدقاء). ويقول أنه يكتب بناء على معرفة وانطباع شخصي، وأنه قابله مراراً وجالسه مرتين، بل أن ما سيكتبه مبني على (تحقيق أجراه السنيورة عن عبدالله) وكأنه يقوم بتحقيق في حل مشكل سياسي لبناني محلّي، حيث يقول بأنه تحدث (الى عشرات ممن عرفوه معرفة متفاوتة في العمق والطول) ليصل الى النتيجة بأن الملك: (شخصية مستقيمة، تتوافر لها وفيها صفات الزعامة والقيادة، تُؤْثِرُ الصدق والصراحة على أيّ أمر آخر، كما تؤثر الفعلَ على الكلام). ومثل هذه الصفات وغيرها كثيراً ما كتبها دجالون وسياسيون أفاقون سابقون من قبل عن الملك فهد والملك خالد وعن شيوخ الخليج الآخرين!

بعدها ينتقل السنيورة ليشرح رؤية الملك عبدالله السياسية، الملك الذي لا يعرف أن يقرأ جملة صحيحة، ولا يعلم في أية قارة تقع اليابان أو تنزانيا، ولا يجيد من الكتابة إلا التوقيع بقلم من ذهب. ولكن لماذا يريد السنيورة التنظير لعبقرية الملك عبدالله؟ لماذا لا ينظر لعبقرية ملك الأردن مثلاً، أو حسني مبارك، أو حتى جورج بوش؟! لماذا يريد رئيس وزراء دولة أن يقنع السعوديين والعرب بأن الملك يسعى لتحسين شروط حياتهم، وما دخله في هذا؟! لو حصر اهتمامه بسياسة السعودية في لبنان أو حتى في سياسة السعودية في المضمار العربي لكان هذا مفهوماً الى حد ما، أما أن يتحدث رئيس وزراء دولة (في مقالة مكتوبة) عن إنجازات نظير له في شأن داخلي لا يخصّه، ولا هو مطلع عليه، ولا يستطيع أن يقول فيه غير المديح، فذلك (تسافل سياسي) لا يليق بالسنيورة ولا بأصغر مسؤول لبناني أن يفعلوه.

ماذا يهم المواطن السعودي الممتعظ من مساعدات السعودية للبنان ـ فريق السنيورة ـ في حين يعيش وضعاً إقتصادياً مزرياً، لم تجد الصحافة السعودية إلا أن تكشف بعض جوانبه.. ماذا يهمه إن كانت انطباعات السنيورة حسنة أم سيئة، وما إذا كان الملك (الأخرس) يتمتع بشجاعة وموهبة! وقدرة على التخطيط وأنه قائد محنّك ورجل دولة يبعث نهضة بين يدي شعبه؟! كنا نتمنى أن يكون هذا النوع من المديح الرخيص له رصيد من الواقع، وليته كان يعبر عن قناعة أكثرية المواطنين، لكنه ليس كذلك، لهذا تكون الفجاجة صارخة بأجلى معانيها.

والسنيورة على قناعة بأن عبدالله أطلق نهضة تنموية ستكون أكبر مما فعله فهد الذي غير وجه المملكة كما يقول! وفي الوقت الذي توقفت فيه عملية الإصلاح وصارت الدولة مشلولة، يأتي السنيورة ليمتدح الإصلاح (الإداري!) و (انطلاقة مجلس الشورى) و (الخطوات الإصلاحية الكبرى) و (الإصلاح الديني والفكري والثقافي والوطني) و (مؤتمرات الحوار الوطني) وتقاليد الديمقراطية الملكية في اللقاء المباشر أو ما يسمى بالمجالس المفتوحة، و (الشورى المؤسسية) و (مجالس التخطيط والتوجيه والدراسات) و (موجات النمو المتصاعدة) و (التطوير في الإدارة المحلية) و (المناعات المدعومة للطبقة الوسطى والمجتمع المدني).. الخ. يبدو أن السنيورة يتحدث عن بلد آخر غير السعودية، ولكن المديح المفرط أعمى، ويؤتي نتائج معكوسة.

من المتيقن بأن ما كتبه السنيورة ليس أعلى مستوى مما كتبه محررو وكالة الأنباء السعودية (واس) لنفس المناسبة (مرور عامين على تولي عبدالله العرش السعودي)، بل نظن أن ما كتبه أدنى من أولئك المحررين، كونهم يضعون حدوداً للمديح، خاصة بالنسبة للجمهور المحلي الذي لا تستطيع أن تكذب عليه، لأنه يعيش واقعاً مرّاً، ولذلك اتسمت بعض كتابات محرري واس بـ (الذرائعية) التي يفتقدها السنيورة، والذي ذهب في المديح شوطاً بعيداً مشوهاً. انظر قوله مثلاً: (لقد كثُر الاستشهاد خلال العقود الخمسة الماضية بمسرحية الإيطالي لويجي بيرانديللو بعنوان: «ست شخصيات تبحثُ عن مؤلِّف». والواقعُ أنَّ المؤلِّف ـ بكل المعاني ـ للأوضاع العربية والإسلامية الحاضرة هو الملك عبد الله بن عبد العزيز). واقرأ خاتمة مقالته الدعائية الفجّة، وكأنه شيخ وهابي يخطب في صلاة الجمعة: (أمّا الملك عبد الله بن عبد العزيز، الإنسان الكبير، والقائد الكبير، والفارس النبيل، فرعى الله ودَّه، وأطالَ عهدَه، ومتَّعَنا بوجوده وعملِه، جزاءَ ما قدَّم وأسهم، وجزاءَ ما سعى وكافح، من أجل عزَّة وتقدُّم المملكة، حصن العرب والمسلمين، ومن أجل خير الأمة العربية، وسلامِ لبنان وحريته وعروبته وسيادته واستقرار نظامه).

الصفحة السابقة