في غياب الهيئة الوطنية لحقوق الانسان

تحرك لصالح المعتقلين وتشكيل حزب سياسي

ناصر عنقاوي

رفع المثقفون السعوديون نداءً عاماً ونادراً الى الملك عبد الله مطالبين بالإفراج عن مجموعة من الإصلاحيين الذين وجّهت إليهم تهمة تمويل الإرهاب، وجمع تبرعات لـ (عناصر مشبوهة)، إشارة الى العناصر السعودية التي تقاتل في العراق وغيره. حقيقة الأمر، كما يؤكّد محامي المعتقلين وزملائهم أن خلفية الاعتقالات هي لإجهاض خطط لتأسيس حزب سياسي.

العائلة المالكة التي تقود ملكية مطلقة وتعارض فتح باب المشاركة السياسية، وقامت خلال الأعوام الثلاثة الماضية بوضع كل العراقيل أمام أية خطوات نحو الإصلاح السياسي. فليس هناك أحزاب أو إنتخابات برلمانية، وأن الحياة السياسية خاضعة بصورة كاملة تحت سلطة العائلة المالكة، ثم ساهمت الروابط الحميمية مع الولايات المتحدة وارتفاع أسعار النفط في توفير حصانة لها أمام الضغوط من أجل التغيير.

لم يكن مستغرباً، أن لا تحظى قضية الإعتقالات ولا الحملات الداعية للإفراج عنهم باهتمام الإعلام الرسمي والمحلي وكذلك الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، فقد لاذوا جميعاً بالصمت طيلة أكثر من ستة أشهر، كما صمتوا سنوات وعقوداً سابقة، عن قضايا حقوقية ووطنية مشروعة، حيث لا يزال يمضي مئات من المعتقلين على خلفية سياسية منذ سنوات في المعتقلات السعودية دون محاكمات علنية وعادلة، فيما يحرم المعتقلون من الإتصال بمحامين للدفاع عنهم، فضلاً عن الإتصال بأسرهم وذويهم.

تقول الحكومة أن نحو ثلاثة آلاف شخص محتجزين من إجمالي تسعة آلاف أعتقلوا منذ أن شن مسلّحون متحالفون مع تنظيم القاعدة حملة عنف في مايو 2003 بهدف الإطاحة بالعائلة الحاكمة وطرد الاجانب. ولكن هؤلاء الثلاثة آلاف يعيشون ظروفاً إنسانية بالغة الصعوبة، حيث لا مدد محددة للإعتقال، ولا محاكمات عادلة أو علنية، ولا محامون يترافعون عنهم، ولا منظمات حقوقية محلية أو خارجية تدافع عنهم أو حتى تطّلع على أحوالهم.

كل الإصلاحيين الذين شاركوا في التوقيع على عرائض سابقة تطالب بالإصلاح مرشّحون للاعتقال تحت ذرائع جاهزة سلفاً: تهديد الأمن الوطني، التعامل مع جهات أجنبية، دعم وتمويل الإرهاب، وهي تهم حلّت مكان قائمة سابقة كانت تتضمن التجديف، وممارسة البدع، والإنتماء للفرق الضالة، بدلالاتها الدينية.

يوجّه الإصلاحيون خطابهم الإحتجاجي لوزارة الداخلية، التي وصفت في يوم ما بأنها رائدة التغيير، ففي سجونها عاش الإصلاحيون معاناة إنسانية وصحية ونفسية سيئة، وعلى أوراقها تم أجبارهم على توقيع إقرارات وتعهّدات بعدم مزاولة أية نشاط إصلاحي. الاصلاحيون يتّهمون بحق وزارة الداخلية ورأسها بسن وممارسة تدابير القمع والاضطهاد ضد الإصلاحيين.

وقد مثّل شهرا أغسطس وسبتمبر مرحلة تصعيد شعبي بطابع حقوقي، فكانا وصلة حقوقية بامتياز، قد تحوّل المشهد السياسي والحقوقي المحلي. فبعد مرور أكثر من ستة أشهر على اعتقال تسعة من الناشطين الاجتماعيين والحقوقيين بتهم مزاولة نشاطات محظورة منها تمويل جماعات إرهابية، تقدّمت مجموعة من الاصلاحيين بعريضة إلى الملك عبد الله طالبت فيها بالإفراج الفوري عن المعتقلين التسعة بموجب المادة 114 من نظام الإجراءات الجزائية، حيث نصّت المادة على أن لا تزيد مدة التوقيف عن 6 أشهر من تاريخ القبض على المتهم ويتعين بعدها مباشرة إحالته الى المحكمة المختصّة.

وفي عريضة تجاوزالموقّعون عليها المائة والعشرين شخصاً، تم التشديد على الحالة الصحية لسبعة من المعتقلين الذين تم إيقافهم في فبراير الماضي منهم عصام بصراوي وهو ناشط إجتماعي (من ذوي الاحتياجات الخاصة وتتعذر عليه الحركة بدون مساعدة)، والمحامي سليمان الرشودي، وكذلك الطبيب سعود مختار الهاشمي والشريف سيف آل غالب والأستاذين الجامعيين موسى القرني وعبدالرحمن الشميري إلى جانب عبدالعزيز الخريجي. وطالب الموقّعون الحكومة السعودية بـ (حفظ حقوق المعتقلين السبعة في الحصول على تعويض عادل جراء ما لحق بهم من أضرار معنوية أو مادية وذلك وفق نظام الإجراءات الجزائية). كما طالبت العريضة (بوقف إنتهاكات حقوق الإنسان بحق هؤلاء)، على أساس أن (اعتقال هذه الشخصيات تم بطريقة تعدّت على احترام كرامة الإنسان حيث أصاب المعتقلين وذويهم الكثير من الأذى وامتهان الكرامة وانتهاك الحرمة والخصوصية خلال عملية الإعتقال).

وقد رصدت العريضة قائمة بالمخالفات الصريحة لنظام الإجراءات الجزائية ومبادىء حقوق الانسان العالمية حيث:

ـ أن المعتقلين لم يتمكنوا من (الإلتقاء بمحاميهم لإبلاغهم عن القبض عليهم وتفاصيل التهم الموجهة لهم)، ويعد ذلك (مخالفاً لنظام الإجراءات الجزائية ومواثيق حقوق الإنسان التي وقّعت عليها حكومة المملكة).

ـ إخضاع المعتقلين للتحقيق من قبل الجهات الأمنية دون إحالتهم إلى هيئة التحقيق والادعاء العام وهي الجهة المختصة بالتحقيق وفق نظامها الصادر بمرسوم ملكي.

ـ أن المتهمين لم يتمكنوا من الإستعانة بمحام يتولى حضور التحقيقات معهم، وأن الجهات المعنية في وزارة الداخلية اكتفت باتهام جميع المعتقلين بتمويل الإرهاب دون الإعلان عن وثائق أو قرائن تثبت صحة هذا الادعاء.

من جهة ثانية، قامت السلطات الأمنية السعودية باعتقال ثماني نساء خلال اعتصام قمن به في مدينة بريدة (تبعد 300 كيلو متر عن العاصمة الرياض) في الثالث من سبتمبر للمطالبة بإجراء محاكمة لأزواجهن المعتقلين بتهمة التورّط في موجة أعمال العنف التي وقعت في مايو 2003. وقال المحامي محمد صالح البيجادي بأن ثلاثة أشخاص الذين أوصلوا النساء الى مكان التجمع قد تم اعتقالهم. وكانت النساء تطالب (بمحاكمة علنية وتشكيل لجنة وزارية للتحقيق في مزاعم التعذيب الذي تعرضوا له في السجن).

وأكّد البيجادي أن هؤلاء الاشخاص المتهمين بالاشتراك في موجة العنف التي قامت بها جماعات مسلّحة على صلة بشبكة تنظيم القاعدة في مايو 2003، مسجونون منذ أكثر من سنتين.

أما الدكتورة وجنات عبد الرحيم ميمني فقد وجّهت في التاسع والعشرين من أغسطس الماضي بياناً ونداءً عاجلاً الى كل المنظمات الحقوقية في العالم ومجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، عرضت فيه قضية اعتقال زوجها الإصلاحي الدكتور عبد الرحمن الشميري في الثاني من فبراير الماضي مع تسعة من زملاءه الإصلاحيين الذين ينتمون الى تيار (الدستور والمجتمع المدني وحقوق الانسان). وقالت الدكتور ميمني بأن اعتقال زوجها مع بقية الاصلاحيين (تم بطريقة إرهابية وذلك برمي القنابل في المكان والدخول عليهم بالرشاشات وكأنهم أعتى المجرمين ثم كبّلوهم بالأغلال وهم منبطحين على الأرض وفيهم أساتذة جامعات وقضاة.. وفي نفس الليلة دخلوا على أهاليهم في الساعة الثالثة والنصف صباحاً وفتشوا المنزل وأخذوا ما طاب لهم من الأوراق وأجهزة الحاسوب وغادروا بعد ساعة من الزمن). وأضافت (ظل أمرهم مغيبا عن أمهاتهم وزوجاتهم وأولادهم لمدة خمسة أشهر ونصف لا يعرفون لهم قرار، كانوا خلالها في زنزانات إنفرادية فيها فتحات لإدخال الطعام وكأنهم حيوانات والأضواء مسلَّطة عليهم ليلاً ونهاراً، وفي الأيام الأولى كانت فرشة صغيرة في زنزانتهم ثم جاء الأمر بإخراج الفرشة التي كانوا يؤدون الصلاة عليها).

وتمضي الدكتورة ميمني في شرح ظروف الاعتقال والمعتقل للإصلاحيين التسعة بالقول (في الشهر الخامس نقلوا إلى سكن، كل في غرف انفرادية، وظلوا على هذا الحال حتى أنهوا سبعة أشهر وزيادة دون أن يقدّموا للمحاكمات أو الإفراج عنهم، فضلا عن عدم السماح لهم بعمل توكيلات لمحامين أو موكلين للدفاع عنهم، وإخضاعهم لتحقيقات غير قانونية وشرعية، عبر ضباط المباحث بدون وجود محامين لهم، في مخالفة صريحة للشريعة والأنظمة العدلية المحلية بما في ذلك نظام الإجراءات الجزائية التي أصدرتها الحكومة السعودية وبموافقة من الداخلية السعودية، فضلاً عن مخالفاتها الصريحة للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمتهم والتي وقّعت عليها الحكومة السعودية).

وتوجّه الدكتورة ميمني انتقاداً شديداً للتهمة الموجّهة لزوجها وبقية الاصلاحيين بالإرهاب، وتقول بأن (إعتقالهم تحت مزاعم الإرهاب ما هي إلا محاولة من الأجهزة الأمنية والداخلية السعودية لعزلهم عن الرأي العام المحلي والحقوقي العالمي، والتفرّد بهم لضربهم وضرب حركة الإصلاح الدستورية السلمية التي ينتمون لها. إنهم جميعاً دعاة إصلاح سلمي مدني وعلني وإنهم جميعا ضد العنف والإرهاب).

وتختم الدكتورة ميمني نداءها بعرض لحالة الإصلاحيين الصحية وتحميل السلطات السعودية ما قد ينجم عن الإنتهاكات الصارخة لمبادىء حقوق الإنسان العالمية وللأنظمة الإجرائية المحلية، حيث جاء (وحيث يئسوا من الحال التي هم عليها، دون إفراج أو محاكمات علنية عادلة، فإنهم بدأوا بالإضراب عن الطعام منذ عشرة أيام وفيهم المريض بالسكر والضغط والقلب والمقعد، حتى ساءت أحوالهم وتدهورت صحتهم. ونحن أهالي المعتقلين نحمل السلطات الأمنية عواقب ما يحصل لهؤلاء المعتقلين، ونناشد الرأي العام ومنظمات حقوق الإنسان، في كل أنحاء العالم، التدخل لإنقاذ حياة هؤلاء المعتقلين، والمطالبة بالإفراج الفوري عنهم أو تقديمهم لمحاكمة علنية تتوفر فيها كل الضمانات القضائية الشرعية والمعايير الدولية لإجراءات المحاكمات العلنية العادلة).

نلفت الى أن تقريراً حقوقياً صادراً هذا العام عن لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في الجزيرة العربية، والمثبّت على موقع اللجنة على شبكة الإنترنت رصد جملة إنتهاكات لحقوق الإنسان، وظروف السجون، وأوضاع المعتقلين. وفيما يرتبط بظروف السجون، ذكر التقرير بأن: ظروف مراكز الحجز والسجون سيئة وغير متوافقة مع المعايير الدولية ولا تراعى فيها المعايير المقبولة من الناحية الصحية والغذائية والطبية والخدمات الاجتماعية إضافة إلى الحجز المطول للسجناء الذين يعانون من متاعب صحية. وما زالت الكثير من مراكز الإعتقال تشهد ازدحاماً، كما لا يسمح لعائلات بعض السجناء بزيارتهم إلا بعد احتجاز المتهمين لفترة طويلة. ويضيف التقرير: إن ظروف الإحتجاز تهدد حياة السجناء و تمثل خطراً شديداً على صحتهم. وتشمل هذه الظروف الاكتظاظ الشديد للزنزانات حيث تبلغ مساحة بعضها 40×100 قدم وتتسع لـ 500 نزيل، وينام العديد من السجناء أزواجاً تحت السرير أو في الممرات الضيقة بالإضافة الى نقص الطعام والشراب، ونقص مرافق الصرف الصحي الملائمة، والتعرض للبرد أو الحر الشديدين، والتعرض للإصابة بالأمراض المعدية، كما يحرم السجناء المرضى من الرعاية الطبية.

ورصد التقرير حالات بعض المعتقلين، منها: في عام 2005 توفى المعتقل السياسي الشيخ سلطان بن عبد الرحمن بن مناع الزيد في سجن الحاير السياسي بالرياض، بعد إضراب طويل عن الطعام استمر 13 يوما متواصلا احتجاجا على محاكمته التي لم تتوفر فيها شروط المحاكمات العادلة بحيث لم يتمكن من توكيل محامٍ ولم تكن هناك أي أدلة على التهم الموجهة له. وفي نفس العام قام أحد المعتقلين عضو جمعية (حقوق الإنسان أولاً) خالد العمير بالإضراب عن الطعام في معتقله بسجن عليشة، واستمر في إضرابه لمدة شهرين، وكان يصر على تحقيق مطالبه وأهمها السماح له بتعيين محام ووكلاء. وفي نوفمبر 2005 بدأ حوالي 400 سجين في سجن بريدة العام بمنطقة القصيم إضراباً عن الطعام إحتجاجا على عدم صدور عفو عام عن سجناء الحق العام كما كان متوقعا بعد تولي الملك عبدالله للحكم.

في 19 اغسطس الماضي أعلن السجناء في سجن الملز إضرابا عن الطعام إحتجاجاً على إدارة السجن التي قامت بالانتقام منهم بسبب هرب سبعة سجناء من السجن وقد تعرض السجناء للضرب المبرح بالأيدي والعصي المكهربة وسرقة أموالهم وحاجياتهم بما في ذلك الكتب والمصاحف مع الشتم والقذف الاستهزاء مع تضييق في الطعام وسوء في المعاملة وحرمان في الزيارة.

وفي 8 سبتمبر قام احد المعتقلين وهو المواطن هادي بن سعيد بن حمد آل مطيف في سجن نجران بالإضراب عن الطعام وهو معزولا بزنزانته الإنفرادية وحاول الانتحار أكثر من مرة في السنوات القليلة الماضية من سنين سجنه والتي إمتدت خمسة عشر عاما.

وذكر التقرير أسماء معتقلين منسيين أو لازالوا سجناء بدون تهم واضحة، فيما استعرض أنواع التعذيب والعقوبة القاسية التي يتعرض لها المعتقلون في السجون السعودية، وخصوصاً التي تديرها المباحث العامة ومراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الصفحة السابقة