الأسعار تضاعفت وحال الناس لم يتغيّر

أين تذهب أموال النفط؟

هاشم عبد الستار

سؤال، دون أدنى ريب، مشروع، ويحرّض على البحد في معير ثروة نفطية تتراكم بوتيرة سريعة. أين تذهب كل تلك الأموال؟ سؤال طرحه جوناثان سكانزر في (ناشيونال ريفيو أون لاين) في الثالد من أكتوبر في مقالة بعنوان (التبذير السعودي). يقول سكانزر: قبل خمس سنوات، كان سعر برميل النفط 30 دولاراً. وقبل يوم العمال في سنة 2008، صعد النفط ليعل الى 82 دولاراً للبرميل. وقد أنتج ذلك الإرتفاع كسباً مفاجئاً من مليارات الدولارات لعالح الدول المنتجية للنفط، وخعوصاً السعودية، التي تربض على أكبر إحتياطي للنفط في العالم. وقام سكانزر بوضع مخطط لكيفية صرف هذه المملكة للبترودولارات الأميركية.

البنية التحتية الهرمه: فقد رفض السعوديون تحسين البنية التحتية المتداعية. ونقل سكانزر عن نورا السعد من جريدة (عرب نيوز) قولها في السابع من أغسطس الماضي بأن جدة، ثاني أكبر مدن السعودية بعد العاصمة الرياض، (لا تملك الماء الذي يمرّ عبر المواسير ليصل لبيوتها من خلال نظام الصرف الصحي المتعارف عليه..فقد عرف عن الناس في جدة أنهم يمضون أياماً بدون مياه). وقد اعتبرت السعد هذا الفشل بأنه (انعكاس لحالة المملكة بصورة عامة وكيف تدار).

وكانت نورا السعد قد ذكرت في مقالتها بأن من المدهش حقاً أننا نعيش في القرن الحادي والعشرين فيما لا نزال نرسل الشاحنات من نقاط التوزيع المركزية لإيصال الماء الى أحواض تحت الأرض لكل بناية. وتضيف السعد قائلة فيما لا نزال نفكّر في الأسباب التي تجعل جدة ومناطق أخرى في المملكة تحصل على الماء من خلال صهاريج المياه، فإن الحكومة تبدو منشغلة بسدّ ثغرات التسرّب في النظام بدلاً من تشخيص المشكلة الجوهرية. وذكرت السعد مثالاً في الصيف الماضي، حيث شهدت جدة نقصاً حاداً في المياه ولم تحل المشكلة بصورة مؤقتة الا عبر استعمال نظام بطاقات الدفع المسبق لفواتير المياه. وكان الهدف كما يبدو منع السائقين من سرقة المياه من مراكز التوزيع وبيعها بأسعار مرتفعة في الشوارع، والتي يشتريها عادة الأثرياء المحليون الذين هم على استعداد لدفع أعلى الأثمان من أجل تفادي خطوط الانتظار داخل المركز.

وتشير السعد الى أحياء في جدة لا يمكن لصهاريج المياه الوصول اليها بسبب ضيق الشوارع حيث لا تقدر تلك الصهاريج العبور فيها. والبديل عن ذلك هو شراء خزّانات صغيرة (وبالطبع بأسعار حالية جداً للوحدة)، وحملها الى البيوت. وبعض السكّان يكابدون من أجل إقناع سائقي الصهاريج من أجل إيصال المياه الى بيوتهم الواقعة في مناطق بعيدة. فهذه المشاكل لا تحلّها بطاقات الدفع المسبق. وما يجري في جدة ينسحب على الطائف التي تعاني من النقص وكذلك مدن أخرى.

ولنتخيّل أن جدة التي تعتبر واحدة من أهم المدن الاستقبالية، فهي بوابة المدن المقدسة في مكة والمدينة، وتستقبل زائرين من أرجاء العالم، ما يجعلها وجه المملكة عموماً. وتلفت السعد إنتباه أولئك الذين لا يعيرون إهتماماً لمشكلة المياه الى أن يتخيلوا الحياة بدون ماء يجري داخل بيوتهم لعدة أيام.

تختم السعد مقالتها بحسرة: من الجيد أن تدشّن صناعة سياحية في السعودية، ولكن ماذا لو تم تدشين بنية تحتية للخدمات البلدية الحديثة أيضاً.

مثال آخر من العاصمة الرياض، حيث نشرت وكالة أنباء الجزيرة (واجز) مقالاً في موقعها على شبكة الإنترنت في الثالث من أكتوبر بعنوان (مياه المجاري.. أكبر مشكلة لصيقة بالحياة اليومية) جاء فيه:

تعاني مدينة الرياض التي تعتبر عاصمة المملكة السعودية، من مشكلة الصرف الصحي ، فرغم كونها عاصمة أمراء آل سعود فإن أغلب أحيائها لا توجد فيها شبكة مجاري صرف صحي أو آلية أخرى لتصريفها.

ويعاني سكان الرياض خاصة الطبقة الفقيرة منهم الكثير بسبب هذه المشكلة، نظرا لأن بلدية الرياض لم تضع الحلول المناسبة لذلك منذ سنوات، بحيث أصبحت شكاوى المواطنين من مشاكل المجاري تذهب سدى ولا من مستجيب في بلدية الرياض.

وفي هذا السياق أكد عضو المجلس البلدي بالرياض سليمان الرشودي في حديث صحفي أن أكثر من نصف شكاوى السكان تتركز في مشاكل الصرف الصحي، خاصة في عملية النقل والتكلفة المالية العالية لذلك، مشيراً إلى عدم فعالية الشبكة القائمة في بعض الأحياء بالمدينة إضافة إلى تسرّب المياه منها مكونة بركاً ومستنقعات أصبحت مرتعاً للبعوض والحشرات الأخرى، مبيناً أن أجزاء كبيرة من الرياض لا توجد فيها أصلا شبكات صرف صحي.

وأضاف أن أموراً أخرى لا يمكن ذكرها تتعلق بالإدارة أدّت بدورها إلى تباطؤ مشاريع الصرف الصحي طيلة عمر هذه المدينة والتي لا دخل للمواطن بها.

وفي توضيح لآراء السكان حول مشكلة عدم وجود شبكة المجاري بمدينة الرياض تجول مراسل وكالة أنباء الجزيرة في بعض أحياء العاصمة حيث تنتشر مستنقعات المياه الآسنة وتنبعث منها الروائح الكريهة وسط الأحياء السكنية مستوضحا آراء الناس، حيث تحدث المواطن (ج ز) فقال من الغريب أن نطلق إسم العاصمة على هذه المدينة التي تفتقر إلى أهم عناصر البنى التحتية لأية عاصمة في العالم وهي شبكة الصرف الصحي، مضيفا بأن المشكلة لا تكمن في عدم وجود شبكة صرف صحي بالعاصمة بل تكمن في عدم وجود مسؤولين في البلاد أو في مدينة الرياض لديهم وطنية وغيرة على بلدهم ومواطنيهم.

المواطن (ض ل) قال من جانبه إن مناطق الأمراء في المدينة هي فقط يمكن أن نطلق عليها العاصمة أما بقية المناطق فإننا نعتبرها قد اقتطعت من أفريقيا جنوب الصحراء وضمت إلى أراضي المملكة.

واستغرب من ناحية أخرى كيف يمكن لمدينة مثل الرياض أن تعيش بدون شبكة صرف صحي خاصة وأن مشاكل النقل والتكاليف العالية لمياه الصرف الصحي تثقل كاهل الناس مالياً ناهيك عن المشاكل الأخرى المترتبة عن أي إهمال أو تقصير في ردم البرك ومستنقعات المياه الآسنة فيتكاثر البعوض وتنتشر معه الأمراض الفتاكة مثل حمى الصنك والملاريا.

ـ السلع باهظة الكلفة: فقد ذكرت الصحف ووسائل الاعلام المحلية والأجنبية في بداية أكتوبر أن المواطنين ساخطون على ارتفاع الأسعار للسلع الأساسية مثل الرز والحليب والفواكه والخضروات. وبحسب الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان فإن ارتفاع الأسعار قد أضرّت بـ 40 بالمئة من السكان. في المقابل، فإن الحكم السعودي يرفض دعم المواد الغذائية. ويعتقد السعوديون بأن وزارة التجارة والصناعة أخفقت في التعامل مع هذه الأزمة.

ـ نقص دخل السكن: وبحسب وكالة الأنباء السعودية فإن المملكة بحاجة الى أكثر من مليون وحدة سكنية من أجل إيواء الفقراء. وبحسب أحمد بن إبراهيم الحكيمي، وكيل وزارة الاقتصاد والتخطيط، فإن خططاً وضعت من أجل بناء 35 ألف وحدة سكنية في مناطق مختلفة من المملكة خلال العامين القادمين. في غضون ذلك، فإن بناء المشاريع التجارية تشهد طفرة عالية.

ـ البطالة: وبحسب الصحافة العربية، هناك إثنان من أصل ثلاثة سعوديين تقريباً عاطلان عن العمل. وفي الواقع، فإن المملكة تستقدم عمالاً أجانب للقيام بالأعمال الوضيعة التي قد توفّر مرتبات شهرية للفقراء من المواطنين، حيث يقدّر عدد سكان المملكة بنحو 22 مليون نسمة بمن فيهم 7 ملايين عامل أجنبي.

ـ التعليم الفاشل: وبحسب صحافي سعودي فإن السعودية مجتمع قد أنتج الاعتماد على عمال أجانب مهرة، وفشل في تعديل مناهجه التعليمية لحاجات البلد النامي. وفي الواقع، فإن من المتوقع من خريجي المرحلة الثانوية أن لا يؤدّوا الدور المطلوب منهم.

ومن الواضح، فإن الحكم السعودي لم يستثمر الطفرة النفطية المفاجئة في تحسين ظروف الداخل، ما يعيد طرح السؤال مجدداً: أين ينفق السعوديون أموال النفط؟

ترف ورفاهية الأغنياء: وفيما تعاني أغلب المملكة من الصمت، فإن العائلة المالكة في السعودية وكذلك شيوخ النفط يديرون حياة الرفاهية المبهرجة. فالصحافة العامة قد وثّقت قصص الأمراء السعوديين الذين يقيمون الولائم السخيّة، وحيث يشترون المجوهرات باهظة الثمن، ويسافرون بطائرات خاصة، ويخرجون في رحلات بحرية على يخوت فارهة ويستمتعون بالبذخ، ونمط الحياة الأوروبية العلمانية. وبحسب أحد التقارير، فإن السعودية أصبحت ثاني أكبر سوق لسيارات بنتلي الفارهة في الشرق الأوسط بعد الإمارات العربية المتحدة.

ـ دعم المتمردين: وبناء على تقرير للحكومة الأميركية، فإن السعودية تمنح (دعماً مالياً للجماعات السنيّية في العراق. فمن بين 60 الى 80 مقاتلاً أجنبياً يدخلون الى العراق شهرياً، هناك ما يقرب من نصفهم يأتون من السعودية، وأن السعوديين لم يقوموا بما يكفي من الإجراءات لمنع تدفق هؤلاء). كما لحظ مسؤولون أميركيون بأن (غالبية انتحاريي الشاحنات في العراق هم من السعودية، وأن نحو 40 بالمئة من كل المقاتلين الأجانب هم سعوديون). وفق تلك المعطيات، الأسئلة تبقى قائمة حول ما اذا كان المال السعودي يموّل بصورة مباشرة هؤلاء المتطرفين في العراق.

ـ نشر الوهابية: فمن أصل 1200 مسجداً في أميركا، فإن 80 بالمئة منها بني بأموال سعودية، بحسب الكاتب رضا صفا (داخل الاسلام). وقد كتب الأخير بأن السعوديين أنفقوا (87 مليار دولار منذ عام 1973 من أجل نشر الإسلام (الوهابي) عبر الولايات المتحدة ونصف العالم الغربي). وفي أماكن أخرى من العالم، فإن ثمة إعتقاداً بأن السعودية تموّل نحو 85 بالمئة من مساجد العالم، حيث يتم تدريس التفسير الوهابي العنفي المتشدد للإسلام. فليس هناك خلاف على أن الكراهية الدينية وأيديولوجيا العنف الديني يتم تعزيزها ونشرها عبر هذه المساجد.

إن التخصيص السعودي غير المسؤول للثروة الفجائية تعتبر مقلقة من جهتين: الأولى، الدعم المسرف للتطرف في العراق وحول العالم يستمر في تغذية فايروس العنف حول العالم. وثانياً، فإن زيادة معاناة المواطنين تفضي الى زيادة اعتقادهم بأن أميركا تستغل المصادر الطبيعية في المنطقة، بما يستحث أعداد متزايدة من السعوديين المحبطين لتبني القضية الوهابية.

ـ صفقات التسلح الخيالية: بلغت نفقات السعودية على الأسلحة منذ بداية الثمانينات وحتى الآن ما يربو عن مائتي مليار دولار، وبلغت صفقات الأسلحة مع كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة خلال العام الماضي ما يقرب من 35 مليار دولار. وفيما لاتزال بريطانيا منشغلة بقضية رشاوى دفعتها شركة الدفاع البريطاني بي أيه إي بقيمة ملياري دولار الى الأمير بندر بن سلطان، فإن عقداً تسليحياً جديداً بإسم سلام يجري تنفيذه في المرحلة المقبلة لشراء طائرات تايفون.

من جهة ثانية، ذكر تقرير للكونغرس الاميركي في الأول من أكتوبر أن الولايات المتحدة لا تزال تحتل المركز الأول عالمياً في تجارة الأسلحة، بحصولها على 42 في المئة من حجم هذه السوق، مشيراً إلى أن حربي العراق وأفغانستان أدتا إلى حمى تسلح في الدول المجاورة لهذين البلدين.

وأشار التقرير إلى أن ابرز مشتري الأسلحة في العام 2006 هي باكستان (1,5 مليارات دولار) ثم الهند (5,3 مليارات دولار) تليهما السعودية، التي بلغت عقود اتفاقاتها لشراء الأسلحة نحو 3.2 مليارات دولار وذلك في العام 2006 وحده، أي انها لا تشمل عقود التسلح السعودية الضخمة التي اعلن عنها خلال الاسابيع الاخيرة مع كل من بريطانيا والولايات المتحدة.

الصفحة السابقة