الرياض تعوّل على مشرف لتوازن إقليمي

آل سعود والقاعدة في المسرح الباكستاني

محمد قستي

لعبها برويز مشرف صح، فقد نجح في توظيف كل أوراق الضغط على حلفائه من أجل تأمين مستقبله السياسي، فقد رمى الكارت تلو الآخر على طاولة المساومات ليحصل على القدر الأعلى من التنازلات. لم يكن التحرّك العاجل للقيادة السعودية في الرابع من سبتمبر الماضي لكبح جماح رئيس الوزراء السابق نواز شريف للحيولة دون عودته الى باكستان والإلتزام بما تعهّد به للملك فهد ورئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري بعدم العودة الى بلاده والعمل في السياسة مدة عشر سنوات على الاقل مفصولاً عن أوضاع داخلية في باكستان وأمنية وسياسية واستراتيجية في المنطقة والعالم.

شريف: السعودية تمنع عودته للحكم

السعودية استقبلت نواز شريف بعد إطاحته في انقلاب قاده الجنرال برويز مشرف في 12 أكتوبر 1999، وأقام شريف في جدة منذ ذلك الحين قبل أن ينتقل الى لندن العام الماضي في خطوة تمهيدية لاستئناف العمل السياسي.

وفور إعلان شريف أنه سيعود الى باكستان في العاشر من سبتمبر بعد صدور قرار المحكمة العليا في الرابع والعشرين من أغسطس يسمح له بالعودة الى باكستان، استنفرت الدبلوماسية السعودية على حين غرّة من أجل تطويق تداعيات منتظرة في الداخل الباكستاني الهش. وكان شريف يخطط للإطاحة بمشرف وتخريب الاتفاق بينه وبين بنازير بوتو، الا أن شريف عاد على أساس رصيد سابق، إنتقل معظمه الى خلفه مشرف، وقد اكتشف نواز شريف أنه ليس أثيراً كشخص لدى الرياض، وأن الأخيرة مستعدة لإبرام تحالفات مع من يكفل مصالحها في باكستان. صحيح أن نواز شريف يعتبر أحد الرعاة الأوائل لحركة طالبان بجانب السعودية والإمارات، ولكن مشرف نجح في الحلول مكان شريف في الرعاية الثلاثية، كما ينجح الآن في توظيف الخطر القاعدي والطالباني في معركته الداخلية، حين هدد بالتحالف مع القوى الدينية المتشدد في باكستان من أجل ضرب خصومه، وهذا يعني السماح للقاعدة بالتمدد والانتشار داخلياً وخارجياً، في الوقت الذي تسعى الرياض ومعسكر الإعتدال الأميركي الى جعل باكستان قاعدة خلفية لمواجهة الخطر الإيراني المتخيّل، وكذلك ملاحقة فلول القاعدة وطالبان في التخوم الباكستانية.

الزيارة العاجلة التي قام بها رئيس الاستخبارات السعودية الأمير مقرن بن عبد العزيز ورئيس تيار المستقبل اللبناني سعد الحريري في الثامن من سبتمبر الماضي الى باكستان ودعوة نواز شريف من هناك بعدم العودة الى باكستان خشية إنفلات الأوضاع الداخلية في باكستان من خلال ترشّحه للانتخابات الرئاسية التي جرت في السادس من أكتوبر، كانت زيارة محمّلة بكل الدلالات السياسية الهامة.

شريف فوجىء بالدعم السعودي المبالغ فيه لنظام برويز مشرف، ما دفع به للتخلي عن تعهده السابق للقيادة السعودية، والذي لم يضعه حينذاك في سياق التدخل في شؤون بلاده الداخلية، ولكن دعوة حليفه السابق بالكف عن قرار الترشّح للرئاسة بل وعن العودة الى باكستان إعتبره تدخلاً، ولم يكن يدرك شريف بأن خصمه مشرف قد أتقن تنسيقه مع الرياض، فكان على استعداد لتبني خيارات راديكالية من أجل تطويق حركة زعيم حزب الرابطة الإسلامية نواز شريف. وبالفعل، وبعد وصوله الى كراتشي بساعات، نقلته طائرة باكستانية الى السعودية حيث وقع تحت سلطة جهاز الاستخبارات العامة، التي يديرها الأمير مقرن، حيث قدّمت الرياض نفسها كلاعب أساسي في الملف الباكستاني، لاعتبارات عديدة، فثمة صندوق باندورا في باكستان يثير هلع السعودية.

شريف خرج من السجن بعد إنقلاب أبيض قاده بروزير مشرف، وطلب الأول وساطة السعودية لإخراجه من السجن، فقبل بالشرط السعودي، فبعث الملك فهد سعد الحريري الى باكستان لإبرام الإتفاق مع مشرّف بحيث يلتزم شريف بوقف نشاطه السياسي وعدم العودة الى البلاد فور الإفراج عنه وقدومه الى السعودية في العام 2000، على أساس أن يبقى شريف في المنفى مدة عشر سنوات في مقابل تجنبه عقوبة السجن مدى الحياة بتهم الخطف والفساد، وشمل الاتفاق عائلة شريف.

فهم شريف مغزى دعوة الأمير مقرن والنائب سعد الحريري، وقال بأنها بمثابة محاولة لإنقاذ مشرف، ولذلك (قرر التصدي لمحاولة مشرف إعادة انتخابه رئيساً للبلاد). فشلت محاولة شريف، ونجح مشرف وبوتو في التوصل الى إتفاق مصالحة على قاعدة تقاسم السلطة، ونجح مشرّف في ترشيح نفسه للرئاسة بعد تنازله عن قيادة الجيش.

تصريح الأمير مقرن في الثامن من سبتمبر بأن (السعودية سترحب بعودة شريف إذا قام مشرف بترحيله)، يشي بإتفاق مسبق بين الجانبين على أن يتم ترحيل شريف الى الرياض وليس الى لندن حيث مقر منفاه الأخير، بالرغم من تأييد المحكمة العليا في باكستان قرار عودة شريف الى بلاده.

شعرت السعودية بأن قرار عودة شريف الى باكستان يضرب مصداقيتها في ظل إخفاقات متزامنة حصدتها القيادة السياسية في السعودية بعد فشل اتفاق مكة ووقوع أخطر إنقسام داخلي شهده الشعب الفلسطيني في تاريخه النضالي، وفشل مبادرة الملك عبد الله في موضوع السلام بالشروط الأميركية والاسرائيلية، وتعقّد الاوضاع الأمنية على المستوى الإقليمي.. هذه وغيره لابد أنها كانت حاضرة بقوة في رد الفعل السعودي الاستثنائي من أجل إنقاذ مصداقية المملكة في الملف الباكستاني، حيث مازالت تراهن الرياض على إسلام أباد في لعب دور جوهري في التحديات التي تواجهها الرياض سواء داخل باكستان أو في موضوعات أخرى رئيسية مثل: أفغانستان، القاعدة، إيران، وموضوعات فرعية مثل تجارة المخدرات.

كانت الرياض تسعى الى تسوية سريعة للخلاف المتصاعد بين الأطراف الأساسية على الساحة الباكستانية: مشرف، شريف، بوتو، لأن إيقاع الخطر الأمني والسياسي والإستراتيجي على المستويين الإقليمي والدولي سريعاً، إذ بمقتضى الإتفاق مع برويز مشرف الذي اشترط سحب البساط من أسفل قدمي شريف من أجل توفير شروط نجاحه في الرئاسة وقبل أن يتبدد خطر التحالف بين مشرف والأصولية المتطرفة ممثلة في طالبان والقاعدة.

أنصار شريف الذين تعرّفوا على خدعة الاتفاق بين مشرف والأمير مقرن بن عبد العزيز فوجئوا بتصريح للأخير ينبيء فيه خلال مؤتمر صحافي في إسلام أباد عن قرار مشرف بترحيل شريف في حال عودته الى باكستان. ومصدر المفاجأة أن التصريح ينطوي على إختراق صارخ للسيادة الباكستانية، وثانياً أنه بمثابة إعلان قطيعة نهائية مع نواز شريف وحزبه وهو الذي كان يمثل حليفاً استراتيجياً سابقاً، بل أن التصريح يضمر عداوة غير مباشرة، وثالثاً أن تصريح الأمير مقرن يشي بمؤامرة حيكت خيوطها مع خصوم شريف، وربما للمرة الأولى التي تخوض العائلة المالكة معركة خارجية بصورة علنية، ورابعاً أن تصريح الأمير مقرن كان بمثابة إهانة لنواز شريف، ففي المرة السابقة كان نفيه الى السعودية قد تم عبر القنوات الدبلوماسية، وفي هدوء وسرية شبه تامة، ولكن أن يأتي الأمير مقرن ليعلن من باكستان بأن شريف سينفى الى السعودية حال وصوله الى باكستان، ففي ذلك توهين وخرق للأعراف الدبلوماسية وأخلاقيات التعامل الأخوي.

لاشك أن الاستنفار السعودي أنبأ عن أمر بالغة الأهمية، فالتقارير الاستخبارية والصحافية الأجنبية حول الأوضاع السياسية في باكستان ومنذ تفجّر قضية المسجد الأحمر في يونيو الماضي، والتي انتهت بصورة مأساوية، وكان ذلك بداية تحوّل دراماتيكي في الوضع الداخلي، وجاء قرار مشرف في منتصف يونيو بعزل رئيس المحكمة العليا افتخار تشودري واعتقال المئات من بينهم زعيم الجماعة الاسلامية القاضي الحسين أحمد ورئيس باكستان الأسبق محمد رفيق ترار ونواب وقادة أحزاب ليضع باكستان على شفير مواجهة مفتوحة بين الحكومة وقوى المعارضة، وكانت التقارير قد أشارت بأن باكستان قد تشهد إنفلاتاً أمنياً ستكون له انعكاسات على منطقة واسعة. كل هذه التطورات تأتي في سياق تحدّيات أخرى سعت السعودية لمواجهتها عبر تشكيل جبهة سياسية مؤلفة من دول عربية معتدلة بالحسابات الأميركية إضافة الى تركيا وباكستان تقف أمام أخطار متخيّلة تفرضها إيران وسوريا وحلفاؤهما في المنطقة.

مشرف لازال حليفاً لأميركا والسعودية

التدابير القمعية التي فرضتها أجهزة مشرف على نشاطات المعارضة ورموزها وخصوصاً في مجال الحريات العامة، وتجاوز السلطة القضائية بعد قرار المحكمة بإعادة قاضي القضاة الى منصبه، وضرب النظام الحزبي التعددي والتوافقي السائد في البلاد.

لا غرابة أن يواجه مشرف السلطة القضائية التي لم تبت بعد في شرعية فوزه بالرئاسة، ما يعد سابقة في باكستان، ولا غرابة أيضاً أن ينعقد التحالف بين مشرف وبوتو على أساس تطبيع العلاقات مع الدولة العبرية، فالمخالفات باتت القاعدة في الدول الحليفة لواشنطن، وطالما أن الرياض شريك أساسي في التحالف الإقليمي وبأبعاده الدولية فإن مبادرة الرياض للسلام مع الدولة العبرية ستأخذ مديات بعيدة حتى وإن تطلب الأمر تخريب المؤسسات التشريعية والقضائية في الدول الحليفة، فقد أصاب شرر التخريب دول عظمى مثل بريطانيا.

يضعنا التحرّك السعودي العاجل في سياق تحوّلات سياسية وأمنية باكستانية حرجة أمام مصير العلاقة بين الرياض وإسلام أباد. فمن المعلوم، أن التحالف السعودي الباكستاني قديم وأخذ أشكالاً متنوعة، أمني وعسكري وإقتصادي، وقد شاركت قوة مؤلّفة من عشرة آلاف جندي باكستاني في بداية الثمانينات ضمن القوات المسلّحة السعودية، كما ساهمت باكستان في بناء القوة البحرية السعودية. كما عمل العشرات كطيارين متعاقدين لحساب سلاح الجو الملكي السعودي خلال ثلاثة العقود الماضية، وأن ما يقرب من مليون عامل باكستاني (ماهر وغير ماهر) يعملون في أنحاء متفرقة من المملكة.

وبلغ التعاون بين الدولتين درجة متطوّرة في السنوات الأخيرة، فقد توصّلت باكستان والسعودية في أكتوبر 2003 الى إتفاقية سريّة حول (التعاون النووي) حيث يقضي الإتفاق بأن تحصل السعودية على تكنولوجيا الأسلحة النووية في مقابل حصول باكستان على النفط بأسعار رخيصة. هذه الإتفاقية تمّت خلال الزيارة التي قام بها الملك عبد الله (إبان ولايته للعهد) الى إسلام أباد ضمن جولة آسيوية إستراتيجية، شملت الصين والهند. وبالرغم من أن البلدين نفيا تلك المعلومات المتصّلة بالإتفاقية، وقد انبرى الأمير سلطان البارع في النفي في تصريح لصحيفة عكاظ في 21 أكتوبر 2003 بأن لا إتفاق عسكري بين البلدين قد تم خلال زيارة عبد الله الى إسلام أباد. وكما كان متوقّعاً فإن السعودية التي واجهت شكوكاً دولية قوية لسنوات طويلة بأنها كانت تبحث عن القدرة النووية عبر الباكستان قد لجأت الى النفي بقوة. ومهما يكن، فإن التعاون بين الرياض وإسلام أباد قد تعزز بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة بفعل بروز أخطار جديدة ليس أشدّها الخطر النووي الايراني، فثمة خطر يواجه باكستان وهو وقوعها في قبضة القاعدة والقوى الدينية المتشددة، بحيث تصبح باكستان البديل النموذجي لأفغانستان، والتي قد تكون منطلقاً لاعادة عقارب الساعة للوراء، الأمر الذي يحيل من باكستان الى مصدر شقاء للسعودية بعد أن تقع في قبضة طالبان والقاعدة وحلفائهما.

فاز مشرف في انتخابات رئاسية مثيرة للجدل جرت في السادس من أكتوبر، وقد أعلنت النتيجة قبل نهاية الفرز وقبل البت في الطعون، وبالرغم من المقاطعة الكاملة للإنتخابات من قبل المعارضة، ودفعت السعودية أموالاً طائلة من أجل إبقاء مشرف في سدة الرئاسة (وذكرت وسائل الإعلام بأن الانتخابات الأخيرة هي الأعلى كلفة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الباكستانية)، وفي المقابل أبدت الرياض سخاءً متميزاً مع شريف من أجل تهدئة غضبته بعد أن هدّدته في أعماله التجارية داخل المملكة، لولا شراكته مع الأمراء النافذين في العائلة المالكة، بمن فيهم الأمير سلطان.

ترى الرياض في باكستان حليفاً قابلاً للسيطرة عليه بخلاف تركيا التي لها حسابات خاصة وأجندة مختلفة، وهكذا كانت تركيا تاريخياً. لقد جرّبت الرياض أن تخوض مع أنقرة إمتحان التحالف غير المتكافىء، إلا أنها أخفقت في تمرير أفكارها، فتركيا كما إيران ليس بالبلد اللذي يسهل هضمه سياسياً، فقدرته على تكييف نفسه ضمن أوضاع ضاغطة تجعله أقرب الى الإفادة وتثمير الفرص في بناء الذات أكبر من مجرد دفع الضرر.

في الزيارة التي قام بها برويز مشرف الى الرياض في الثاني والعشرين من يناير الماضي كانت ثمة ما ينبىء عن علاقة إستثنائية تربط الحكومتين، فطبيعة الوفد المشارك في الزيارة وكذلك الشخصيات الرفيعة المشاركة في الإستقبال، والموضوعات التي كانت على طاولة التشاور الثنائي والتوقيت أيضاً تظهر مدى إلتزام الرياض وإسلام أباد بتحالف إستراتيجي على المستوى الإقليمي، وهو يأتي إستكمالاً لصوغ توجّه جديد لدى العائلة المالكة بإحياء وتعزيز تحالفاتها التقليدية في العالم بعد أن تبيّن أنها ـ أي السعودية ـ لم تعد تحتفظ بالمكانة الأثيرة في المنظور الاستراتيجي الأميركي وخصوصاً بعد سقوط الإتحاد السوفييتي، ولولا مأزقها في العراق، وأزمة الملف النووي الإيراني لكان وضع الرياض مختلفاً، وربما أصبح الآن جزءً من مخطط التقسيم الأميركي.

على أية حال، يبدو إن الرسائل المثيرة للفزع القادمة من خلف الأطلسي دفعت الرياض لتوظيف المال النفطي مجدداً لتشكيل تحالفات ذات طبيعة حمائية، وهو ما يجعل دوائر الاستخبارات الأميركية وخصوصاً وكالة الـ (سي آي أيه) على قناعة تامة بأن إسلام أباد قد دخلت في مفاوضات مع الرياض من أجل تبادل بعض المعلومات حول التكنولوجية النووية، ولكن الرياض تبدو في حالة إرتياب دائم من الإقدام على ما يعتبر في التحليل السعودي إستفزازاً أميركياً وإسرائيلياً، ولذلك فهي تتريث في الدخول الى عالم الصناعة النووية قبل التأكّد من أن منسوب الحماقة لدى فريق الرئيس بوش قد انخفض الى مستوى يجلب الإطمئنان، خصوصاً وأن الاتهامات الأميركية مازالت مستمرة حول تعاون نووي بين باكستان وكوريا الشمالية، في مقابل حصول إسلام أباد على صورايخ سي ـ 130 من بيونج يانج.

وكما ذكر مصدر باكستاني، فإن باكستان والسعودية ينظران الى عالم ينتقل من عدم إنتشار الى إنتشار الأسلحة النووية. ويحلل مصدر غربي هذه النظرة الثنائية بالقول أن الحكام السعوديين، الذين ينتمون الى الإسلام السني، ربما قد توصّلوا الى نتيجة أن لاشيء يمكن أن يحول دون إستمرار المسلمين الشيعة، الذين يحكمون إيران، في البحث عن القدرة العسكرية النووية.

باكستان التي عبّرت عن قلقها بشأن الاتفاقية العسكرية يبن الهند، القوة النووية المنافسة لها، واسرائيل، وهي القوة النووية التي تملك ما يقدر بين 200 الى 400 سلاح نووي، ترى في الشراكة الاستراتيجية مع الرياض ضرورة لمواجهة تهديدات إقليمية مزدوجة، ولذلك قررت إسلام أباد بيع المعرفة النووية الى الرياض في مقابل الحصول على نفط رخيص، وخصوصاً في ظل تصاعد متسارع لأسعار البترول.

وبالرغم من أن مشرف كان ينظر الى إقدام الملك عبد الله على إحياء تحالفه مع باكستان كتعويض عن خسارة الولايات المتحدة التي كانت تستعد حينذاك لنقل قواتها من السعودية والتموضع في قطر، الا أن مشرف يدرك خوف السعودية، ويقدّر الضغط الأميركي الذي كانت تتعرّض له العائلة المالكة على خلفية الحادي عشر من سبتمبر، وما أعقبها من مخططات تصل أحياناً الى مشاورات داخل هيئة السياسة الدفاعية الأميركية باحتلال منابع النفط.

لاشك أن ثمة وقائع سابقة أثارت أسئلة حول مدى التعاون السعودي الباكستاني في القضايا الدفاعية. سيمون هندرسون، المحلل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ذكر بأن الأمير سلطان زار معمل كاهوتا لتخصيب اليوارنيوم العام 1999، وقد تسببت هذه الزيارة في شكوى دبلوماسية رسمية من قبل واشنطن، كما حضر ابن الملك عبد الله تجربة إطلاق صاروخ من طراز غاوري، والذي يصل مداه نحو 950 ميلاً وقد يستعمل لحمل شحنات نووية. وقد تسرّبت أخبار في زيارة برويز مشرف الى واشنطن ولقائه بالرئيس بوش بأن الأخير وجّه انتقاداً لاذعاً لمشرف حول القضية النووية السعودية، كما أثار نائب وزير الخارجية ريتشارد أرميتاج القضية مرة أخرى خلال زيارة الى إسلام أباد. وبحسب هندرسون فإنه وبعيداً عن مخاوف إنتشار السلاح النووي، فإن لدى واشنطن مخاوف عامة حول ما سيحدث فيما لو أصبحت الرياض وإسلام أباد متطرفتين دينياً.

موقع الأمن العالمي (globalsecurity.org) كان قد ذكر في استطلاع بأن لدى السعودية بنية تحتية لاستثمار الصادرات النووية بصورة سريعة. ويمضي الموقع للقول بأنه بالرغم من غياب دليل مباشر على أن السعودية قد تبنّت الخيار النووي، فإن لدى السعوديين التأسيس لبناء صناعة نووية. وبالتأكيد ثمة إشارات مضمرة الى دور إسلام أباد في نقل المعرفة النووية وربما التكنولوجيا النووية في مرحلة ما. ومن اللافت، أن هذه الرغبة في الحصول على القدرة النووية كانت حلماً راود ومازال قادة تنظيم القاعدة وقد سعوا للحصول عليه من الأقربين قبل الأبعدين، وهو مايجعل خوف واشنطن من الحليف والخصم سواء مع فارق التوقيت.

الصفحة السابقة