المقاتلون الأجانب في العراق ينتمون لحلفاء أميركا

خالد شبكشي

كتب ريتشارد أوبل في صحيفة (انترناشيونال هيرالد تريبيون) في الثاني والعشرين من أكتوبر الماضي، بأن السعودية وليبيا، ويعتبران معاً حليفين للولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب، هما مصدر 60 بالمئة من المقاتلين الأجانب الذي جاءوا إلى العراق في الماضي للعمل كإنتحاريين وتسهيل هجمات أخرى، بحسب مسؤولين عسكريين أميركيين كبار.

المعلومات التي حصلت عليها الصحيفة جاءت في معظمها من مجموعة من الوثائق وأجهزة الحاسب الآلي التي تم العثور عليها في سبتمبر الماضي، حين قامت القوات الأميركية بغارة على معسكر خيمي في صحراء بالعراق قرب سينجار، المحاذية للحدود السورية. وكان هدف الغارة خلية من المتمردين التي يعتقد بأنها المسؤولة عن تهريب الغالبية العظمى من المقاتلين الأجانب إلى داخل العراق. الإكتشاف الأكثر أهمية كان مجموعة من القوائم التعريفية التي تضم تفاصيل عن مدن أكثر من 700 مقاتل تم إدخالهم الى العراق منذ أغسطس 2006.

تكشف الوثائق أيضاً كيف أن التمرد في العراق، والذي يشارك فيه عشرات الآلاف من المتمردين، يبقى بجذور محلية سنية. ويقدّر المسؤولون الأميركيون الآن بأن تدفق المقاتلين الأجانب كان 80 الى 110 شهرياً خلال النصف الأول من هذا العام (2007)، ونحو 60 مقاتلاً شهرياً خلال الصيف. وقد انخفض العدد بصورة حادة في أكتوبر إلى نحو 40، جزئياً كنتيجة للغارة على سنجار، كما يقول مسؤولون أميركيون.

ويشكّل السعوديون العدد الأكبر من المقاتلين المسجّلين في الوثائق بحوالي 305، أي 41 بالمئة، حيث عثر ضباط المخابرات الأميركيين خلال فحصهم للوثائق وأجهزة الحاسب الآلي خلال أسابيع بعد الغارة. وتبدي المعلومات بأنه بالرغم من الجهود المتزايدة من قبل السعودية لكبح جماح الإرهابيين منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث كان 15 من أصل 19 خاطفاً كانوا سعوديين، فمازال البعض يقوم بذلك. يبلغ عدد الليبيين 137 من المقاتلين الأجانب، أو 18 بالمئة من إجمالي المقاتلين، كما يقول المسؤولون العسكريون الأميركيون الكبار. لقد ناقشوا الغارة بشرط عدم الإفصاح عن أسمائهم، بسبب الطبيعة الخطرة والحساسة للقضية.

لقد قدّم المسؤولون الأميركيون في السابق تقديرات متقاربة لتركيبة المقاتلين الأجانب داخل العراق. ولكن المعلومات التي تم الحصول عليها في سنجار هي كبيرة وتفصيلية، وأن المسؤولين الأميركيين يعتقدون بأن الأنماط والنسب المئوية التي تم الكشف عنها، فإنها تقدّم ولأول مرة حساباً دقيقاً للظروف الشخصية للمقاتلين الأجانب في البلاد.

خلال السنوات الماضية، كانت الحدود السورية نقطة الدخول الرئيسية للمتطرفين السنة والمقاتلين الآخرين الى العراق، كما يقول المسؤولون. ففي السابق، جاء كثيرون عبر منطقة الأنبار، في غرب وسط العراق. ولكن مع الإنتفاضة القبلية السنية ضد الميليشيات المتطرّفة الذي بدأ العام الماضي في الأنبار، القاعدة في بلاد الرافدين وجهاديين آخرين الذين يركّزون تهريبهم في الغالب وربما بصورة محددة في منطقة الشمال من الأنبار ونهر الفرات على طول الحدود السورية، المنطقة الملتحمة بـ (سنجار).

خلية سنجار التي تمت الغارة غليها في سبتمبر الماضي كانت المسؤولة عن عمليات تهريب المقاتلين الأجانب عبر الحدود من القائم، في الأنبار، وحتى الحدود مع تركيا، على طول 300 كيلومتراً. في مقابل العدد القليل من المقاتلين فهناك أكثر من 25000 محتجز في مراكز الإعتقال الأميركية في العراق. من بينهم، هناك نحو 290 أو 1.2 بالمئة من الأجانب، كما يقول مسؤولون عسكريون. ويقولون بأن كل المحتجزين هم إما مشتبه بقيامهم بنشاطات تمرّد أو أنهم يشكّلون تهديداً قوياً للأمن. ويعتقد بعض المسؤولين الأميركيين أيضاً بأن القاعدة في بلاد الرافدين، هي مجموعة تمرّد محلية تزعم تقديم بيعة غير صلبة لأسامة بن لادن، لديها ما يربو عن 10 آلاف عضواً في العراق.

فنحو أربعة من كل خمسة محتجزين في مراكز التوقيف الأميركية هم من السنة العرب، بالرغم من أن العرب السنة يمثّلون خمس الشعب العراقي. وكل المقاتلين الأجانب المدرجين في الوثائق التي تم العثور عليها قرب سنجار، باستثناء إثنين من حملة الجنسية الفرنسية، جاءوا أيضاً من بلدان ذات غالبية سنيّة.

المسؤولون العسكريون والدبلوماسيون الأميركيون الذين ناقشوا موضوع تدفق المقاتلين من السعودية كانوا متحفّظين في رسم خط فاصل بين الحكومة السعودية والجمعيات الخيرية والأفراد الذين يقومون بتشجيع الشباب السعودي على القتال في العراق. وبعد أن مارس المسؤولون الأميركيون ضغوطات على القيادات السعودية في الصيف الماضي، قامت الحكومة السعودية باتخاذ بعض الخطوات التي بدأت بالحد من تدفّق المقاتلين، كما يقول المسؤولون. يبقى، أن المسؤولين العسكريين الأميركيين يقولون بأنهم يعتقدون بأن المواطنين السعوديين يقدّمون معظم التمويل للقاعدة في بلاد الرافدين. وبحسب مسؤول أميركي (إنهم لا يريدون أن يروا الشيعة يأتون للهيمنة على العراق).

وتكشف وثائق سنجار بأن 290 مقاتلاً، أي نحو 39 بالمئة، جاءوا من دول شمال أفريقيا خلال الفترة التي تبدأ من أغسطس 2006. وهذا أعلى بكثير من التقديرات العسكرية السابقة بنحو 10 الى 13 بالمئة من شمال أفريقيا. وأغلب المقاتلين الأجانب جاءوا من منطقة درنه في ليبيا، التي قدّمت 50 مقاتلاً. ولسنوات طويلة، كان المسؤولون الأميركيون يضعون ليبيا في قائمة الدول الراعية للإرهاب. ولكن في السنة الماضية، أزالتها الولايات المتحدة من القائمة وأعادت تأسيس العلاقات الدبلوماسية الكاملة، مستدعياً ما وصفته وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس بالتزام ليبيا المستمر بإدانة الإرهاب والتعاون الممتاز الذي قدّمته في الحرب ضد الإرهاب.

ومن بين المعلومات الصادمة التي تم العثور عليها في سنجار كان الأعداد الصغيرة من بلدان أخرى التي كان يعتقد بأنها كانت المزوّد الرئيسي للمقاتلين الأجانب. فحتى الصيف الماضي، قدّر المسؤولون الأميركيون بأن 20 بالمئة جاءوا من سوريا ولبنان. ولكن لم يكن هناك أي لبناني، بين كنز سنجار، وهناك 56 فقط من سوريا، أو 8 بالمئة من إجمالي المقاتلين الأجانب. يتّهم المسؤولون الأميركيون إيران بصورة دائمة، الدولة الشيعية الأكبر في الشرق الأوسط، بأنها تهاجم القوات الأميركية. كما يدّعون بأن القيادات الإيرانية العليا تدعم جهود تسليح المقاتلين الشيعة.

ولكن مهما كانت المساعدة التي تقدّمها إيران للمليشيات داخل العراق فإنها لا تبدو تصل الى حد تزويد مقاتلين. فهناك 11 إيرانياً فقط في السجون الأميركية داخل العراق، كما يقول المسؤولون الأميركيون. وبعد الغارة على خلية سنجار، فإن عدد التفجيرات الإنتحارية في العراق قد انخفض الى 16 تفجير في شهر أكتوبر الماضي، أي نصف العدد الذي كان يُرى خلال شهور الصيف وانخفض بصورة حادة بالقياس الى 59 عملية في مارس الماضي. يعتقد المسؤولون العسكريون الأميركيون بأنه قد يكون 90 بالمئة من تلك التفجيرات قد تمّت من قبل مقاتلين أجانب. ويعتقدون أيضاً بأن نصف المقاتلين الأجانب الذي يأتون للعراق يصبحوا إنتحاريين.

وقال مسؤول دبلوماسي رفيع بأن الحكومة السعودية (قامت بخطوات هامة لمنع الأشخاص، وخصوصاً الذكور المؤهلين للسن العسكري، والذين يسافرون بتذكرة سفر ذهاب فقط) وقال بأن هذه الجهود قد ساعدت في (انخفاض ملحوظ في تدفق الإرهابيين الأجانب والإنتحاريين)، ولكنه أضاف بأنه لا يزال يبقى المزيد من الجهد المطلوب (من أجل وقف شريان التمويل من مصادر خاصة داخل المملكة).

سنجار المحاطة بصحراء معزولة كانت لفترة طويلة محطة للمقاتلين الأجانب. ويُعتقد بأن الغارة التي قامت بها القوات الأميركية على خلية المتمردين في هذه المنطقة كانت تهرّب ما يصل إلى 90 بالمئة من كل المقاتلين الأجانب إلى العراق، بحسب مسؤولين عسكريين أميركيين. وقد تمّت الغارة في ساعات الفجر الأولى من الحادي عشر من سبتمبر، حيث قامت مجموعة من الجنود التابعين للقوات الأميركيين بتشكيل طوق حول عدد صغير من الخيم تبعد 10 كيلومترات عن الحدود السورية. وقد أسفرت عملية إطلاق النار عن مقتل 6 عناصر في الخارج، فيما قتل إثنان حين كان أحدهما يتأهب ليزنر نفسه بحزام إنتحاري، إضافة الى قائد بارز في قاعدة بلاد الرافدين المعروف بـ (المثنى) على حد قوله.

وإضافة الى 18 ألف دولار وأسلحة معدّة كانت بحوزتهم، فقد تم العثور على خمسة آلاف جيجابايت من المعلومات التي تشمل استمارات تفصيلية يقوم بتعبئتها المقاتلون القادمون إلى العراق. معلومات عن خلفية أكثر من 900 مقاتل قد تم العثور عليها، أو 750 إستمارة بعد حذف الإستمارات المزّورة أو الاستمارات غير المستكملة.

الصفحة السابقة