هل تغيّرت الرؤية أم تمّ تدجين الوهابية؟!

أول استطلاع للرأي العام في السعودية

سعد الشريف

ثمة عوامل سيكولوجية، وسياسية، وأيديولوجية، تتداخل في تحديد إتجاهات الرأي العام في أي بلد، ومهما قيل عن هامش الخطأ، فإن حسابات علمية في هذا الصدد تبدو صعبة بالنسبة لأولئك الذين لا يملكون خلفية ثقافية وإجتماعية وسياسية عن المجتمعات أو الفئات المستهدفة بالإستطلاع.

في 18 ديسمبر الماضي، أعلن باحثون أميركيون في مؤسسة (غد خالٍ من الإرهاب) تتخذ من واشنطن مقراً لها، أنهم أجروا إستطلاعاً للرأي غير مسبوق في السعودية عبر الهاتف. وتبيّن من نتائج الإستطلاع، حسب الباحثين، أن معظم السعوديين يعارضون تنظيم القاعدة ويرغبون بعلاقات أوثق مع الولايات المتحدة، غير أن غالبية منهم تعارض إقامة سلام مع إسرائيل، وسط رفض لإمكانية أن تطور إيران سلاحاً نووياً، وتأييد أكثر من النصف لأن تحوز المملكة على سلاح مماثل.

ويقول الباحثون بأن استطلاع آراء 1104 مواطنين سعوديين في الفترة ما بين 30 أكتوبر و5 ديسمبر سنة 2007، مع خطأ بنسبة 3 بالمئة حمله الإستطلاع، كشف عن أن 10 في المئة من السعوديين لديهم (رأي إيجابي) حول تنظيم القاعدة، وأن 15 في المئة منهم قالوا أن (رأيهم إيجابي) في زعيم التنظيم السعودي أسامة بن لادن. كما قال 85 في المئة من هؤلاء أن إنسحاب الإحتلال الاميركي من العراق، سيحسن من وجهة نظرهم تجاه الولايات المتحدة.

وللسعوديين وجهة نظر أفضل نحو الولايات المتحدة مما هي عليه في باقي دول العالم الإسلامي، حيث قال 40 في المئة منهم إن نظرتهم إيجابية تجاهها (11 في المئة في مارس العام 2006)، مقارنة مع 19 في المئة من الباكستانيين، و21 في المئة من المصريين، و9 في المئة من الأتراك.

وبشأن العلاقة مع طهران، قال 46 من المستطلعين أنهم ينظرون بإيجابية إلى إيران، في مقابل 43 في المئة يبدون وجه نظر سلبية. ورفض 57 في المئة من هؤلاء أن تطور إيران سلاحاً نووياً، في مقابل تأييد 25 في المئة، فيما عبّر 52 في المئة منهم عن رغبتهم في أن تطوّر السعودية سلاحاً نووياً، في مقابل رفض 31 في المئة.

وحول الصراع العربي الاسرائيلي، قال 30 في المئة من المستطلعين أنهم يؤيّدون توقيع إتفاقية سلام مع إسرائيل في حال قيام الدولة الفلسطينية، في حين عبّر 51 في المئة عن تأييدهم لاستمرار قتال إسرائيل حتى القضاء عليها. وأيّد 33 في المئة من السعوديين تعزيز الدور الأميركي في عملية السلام، في مقابل 44 في المئة. وقال 6 في المئة من هؤلاء أنهم ينظرون بإيجابية إلى اليهود، في حين قال 89 في المئة أنهم لا ينظرون بايجابية.

كما أظهر الإستطلاع أن 33 في المئة من السعوديين ينظرون بإيجابية إلى (حزب الله)، مقارنة مع 42 في المئة ينظرون إليه بطريقة سلبية، في حين أن 37 في المئة ينظرون إلى حماس بطريقة إيجابية، مقارنة مع 38 في المئة ينظرون إليها بطريقة سلبية.

في تحيل نتائج الإستطلاع يجدر الإلتفات الى عوامل رئيسية تسهم في ضبط إتجاهات الرأي العام:

أولاً: أن الإستطلاع جاء في مناخ تصعيدي ضد تنظيم القاعدة في سياق الحرب على الإرهاب، ما يجعل توجيه مواقف الشارع محكوماً بطبيعة المناخ الموتور.

ثانياً: أن الإستطلاع جرى في ظل شحن سياسي كثيف بمفعول مذهبي لافت، سواء على مستوى الخلاف بين إيران والغرب بشأن البرنامج النووي، أو بين إيران والسعودية على مستوى النفوذ الإقليمي، في مناطق محددة: العراق، لبنان، وفلسطين، وهذا الشحن الكثيف بنبرته العدائية فرض نفسه على إتجاهات الرأي العام، بالنظر إلى الفارق الشاسع بين حجم وتأثير وسائل الإعلام التي تنتصر لوجهة نظر معينة.

ثالثاً: أن الإستطلاع تمّ في بلد لا يتمتع سكّانه بالحرية التامة وحكم القانون، الأمر الذي يملي على الأشخاص المستهدفين إختيار إجابات غير مهددة لأوضاعهم، بصرف النظر عن طبيعة مصادر التهديد، حقيقية كانت أم متخيلة، ولكن لا يمكن إلغاء وجودها، خصوصاً مع وجود شهادات ووقائع تؤكّد أن التعبير عن الرأي ليس مكفولاً من الناحية القانونية أو مأمون العواقب، وما تعكسه على سيكولوجية المستطلعين وتوجيه مواقفهم.

رابعاً: أن جهة الإستطلاع ليست مقبولة لدى الرأي العام في السعودية، بفعل الصورة النمطية حول الولايات المتحدة والتي ساهمت في صنعها السياسات الأميركية في المنطقة. وقد تأخذ الإجابات، أحياناً، منحى معاكساً من خلال إعطاء إجابات مرضية إحساساً من المستطلعين أنهم يخضعون لمراقبة أجهزة إستخبارية، ما يجعل بعضهم على الأقل يتبنى مواقف أقرب الى الحكومة منها إلى قناعات شخصية صلبة.

خامساً: أن الفئة المشاركة في الإستطلاع لا تكتسب صفة تمثيلية، لغياب معيارية واضحة عمرية أو سياسية أو إجتماعية أو إقتصادية، وخصوصاً في بلد يصعب فيه تصنيف الأفراد وفق معايير محددة.

عائدون من غوانتنامو العودة أخطر من إبن لادن!

كان كثيرون بانتظار أن يقدم رموز الصحوة الدينية، الذين شاركوا في تعميم ثقافة التشدد خلال العقدين الماضيين على مراجعة فكرية تفضي الى التراجع عن آراء ذات طبيعة عقدية متطرفة، بعد أن تخلوا عن بعضها أو تبيّنوا خطر بقائها وتداولها بين الشباب، الذين خضعوا تحت تأثيرها وأحالوها إلى مسوّغات شرعية بتنفيذ عمليات تفجير أو أصبحوا أعضاء في جماعات مسلّحة أشاعت الرعب والموت بين الأبرياء في الداخل والخارج.

الشيخ سلمان العودة، أحد أبرز رموز الصحوة في السعودية، كان أحد الفاعلين الرئيسيين منذ بداية التسعينيات في حركة الأفكار المتشددة، والذي شكّلت كتاباته وخطبه مرجعية أساسية لدى كثير من العناصر القاعدية التي ترجمت الأفكار إلى أفعال تدميرية. منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وبدء حملة دولية لملاحقة المنابع الفكرية للتطرّف حيث أصبحت (العقيدة السلفية الوهابية) في مركز الإستهداف العالمي، قرر العودة التصدي لتلك الحملة عبر تطوير خطاب سلفي بنكهة معتدلة، في خطوة تشبه الى حد كبير عملية تغيير الأقنعة، وإعادة طلاء وجه الدولة السعودية، درءً لعقوبات مباشرة كان المجتمع الدولي يوشك أن يفرضها على المؤسسة الدينية بمجالات عملها.

دور العودة الجديد، لم يتزامن مع مراجعة فكرية، وإن بدت لهجته الخطابية معتدلة، فمضامين المواقف العقدية المتشدّدة حافظت على تماسكها. يرفض الشيخ العودة الرجوع الى الماضي، لأن فيه استحقاقاً مؤجّلاً يفرض عليه مراجعة أفكاره المتشددة، بصلاحية مفتوحة ما يجعلها صالحة للتداول والإستعمال والتسويغ الشرعي.

في برنامج (الشريعة والحياة) الذي بثّته قناة (الجزيرة) في 23 ديسمبر الماضي، تهرّب الشيخ العودة من الإجابة عن سؤال التراجع عن الأفكار المتطرفة، وبدا كما لو أنه أراد ألا يفتح ملف المراجعة الفكرية، كونها تتطلب عملية جراحية قاسية، تطيح رمزية الشيخ العودة، وسط مؤيديه، ويخشى أن يكون هدفاً للمتضررين والضحايا الذين لا يعجب الشيخ العودة أن يكون في دائرة إنتقاداتهم، فهو ينبذ الفحص من قبل من يصنّفهم في خانة (الخصوم).

وفيما يرفض الشيخ العودة أن يتولى بنفسه إجراء مراجعة لأفكاره السابقة، وفي ظل غياب مراجعة فكرية مهما كان مصدرها والجهة التي تقف ورائها، وبصرف النظر عن نبل أهدافها، تولى بعض ضحايا الفكر المتطرف إجراء مراجعة عاجلة، تعبّر عن موقف إجمالي من فكر الشيخ العودة، وتأثيره على الشباب، كما يعكس رؤية مكثّفة لدى من عايشوا واعتنقوا ودفعوا ثمن أفكار التطرف.

صحيفة (الوطن) الكويتية نشرت في 24 ديسمبر الماضي تصريحات لعائدين من سجن غوانتنامو، من حملة الجنسية الكويتية، اعتبروا فيها الشيخ سلمان العودة أخطر من إبن لادن. ورأى العائدون من سجون غوانتنامو بأن مفكري الجهاد السابقين والداعين إليه كالشيخ سلمان العودة وسيد إمام الشريف المعروف باسم الدكتور فضل (أخطر من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري)، وقالوا بأن (أسامة بريء جداً بالنسبة لفكر ومنهج العودة الذي طالب بالخروج على ولاة أمور المسلمين).

ورأى الكويتي عادل الزامل الذي أعيد إلى البلاد في 2005 أن (فكر العودة أقوى من فكر أسامة بن لادن في الخروج على ولاة أمور المسلمين.. وأكثر الأرواح التي أزهقت والدماء التي سالت وأهدرت في ساحات الجهاد كلها بسبب فكر سلمان العودة الذي كان محرّضاً على القتال، بل إنه سبق أسامة في الحديث عن اليهود ومعاداة الوجود الأمريكي في جزيرة العرب). ويقول: (أسامة مسكين مقارنة بأفكار العودة لكن الأخير متذبذب، ولا يعد من علماء المسلمين أصلا حتى يتكلم في أمور الجهاد). ويضيف (الحكومة الأمريكية تبحث عن أخينا الشيخ سلمان أبو غيث، وهو مجرد متحدث بإسم القاعدة، ولا يحمل فكراً وليس له كتب كي تضعه في غوانتانامو فلماذا تركت الدكتور فضل وسلمان العودة؟).

أما العائد من غوانتانامو سعد العازمي، فتحدث عن معاناة ضيوف المعتقلات الأميركية وما لقوه بداخلها، حيث أكّد بأن الحرّاس في غوانتانامو بصقوا على المصحف الشريف وبالوا عليه ورموه في المراحيض، وعرضوا على المعتقلين الغانيات من أجل الإيقاع بهم. ويضيف :(أشعر أنني مراقب وهناك من يسجّل مكالماتي.. والأمريكان سرقوا مني نحو 100 ألف دولار ويرفضون إعادتها حتى الآن).

وفيما يخص دور الشيخ سلمان العودة، خاطبه بالقول (أقول للعودة وفضل: إذا كنتما تزعمان أن ما يفعله إبن لادن والظواهري جريمة فهما من تلاميذكما، وإذا تراجع العودة فليس من حقه أن يصف جهاد الآخرين خطأ).

من جهته، يشير عبد الله كامل وهو أحدث الكويتيين العائدين من غوانتانامو بعدما قضى هناك خمسة أعوام أنه وزملاؤه رأوا ألوانا من التعذيب (لم نسمع عنه في أسوأ الديكتاتوريات في العالم). وأضاف (تعلمت أن حقوق الإنسان يجب أن تكون في مقدم الفكر الإسلامي كله).

ويبقى السؤال مفتوحاً، من يتحمّل مسؤولية النتائج الكارثية التي أوصلت إليها تلك الأفكار المتطرفة التي حصدت أرواح أبرياء في أفغانستان، والعراق، ولبنان، ودول خليجية بما فيها المملكة، إضافة الى أرواح أبرياء سقطوا في واشنطن ونيويورك ولندن ومدريد وغيرها، كما أوصلت شباباً يافعين إلى الموت أو السجون أو الضياع، وأحدثت إنقساماً خطيراً بين المسلمين، وتسبّبت في تشويه صورة الإسلام؟ من يجرؤ على فحص تراث مازال شائعاً بين الشباب ويحرّض على قتال الآخر، المسلم المخالف أو غير المسلم؟ لماذا يكتفي المتراجعون بانتقاء أفكار تتصل بسلطتهم الدينية والإجتماعية والدولة التي ينتمون إليهم من أجل إبعاد شبح السقوط والزوال؟ فلماذا تصبح أرواح الأبرياء ذات أهمية ضئيلة بالقياس إلى مكاسب دنيوية.

وإذا كان هؤلاء الضحايا العائدون من غوانتنامو قد أفصحوا عن إنطباعاتهم في دور الأفكار المتشددة التي صاغها الشيخ العودة، ومشايخ آخرون يندرجون في خانة (مشايخ الصحوة)، فإن ثمة ضحايا آخرين كثر ينتظر بوحهم بما أصابهم من مفعولات لأفكار كان الشيخ العودة وزملائه من رجال الصحوة وراء رواجها، أما الذين قضوا نحبهم قاتلين ومقتولين فإن حساباً أخروياً ينتظرهم.

الصفحة السابقة