يأتيك بالأخبار من لم تزوّد

السعودية التي لا تعرفونها

محمد قستي

تقديرات لمؤسسة بنكية أوروبية كشفت بأن هناك حسابات في جنيف لنحو 1300 أمير سعودي وأميرة، يمتلك كل واحد منهم رصيداً يزيد على المليار دولار. بعضهم له أكثر من حساب، وبعض الحسابات تصل الى سبعة مليارات دولار فقط. ويقدر عدد الحسابات البنكية للأمراء في سويسرا بنحو 1950 حساباً بنكياً، كما يقدّر مجموع الأرصدة بأقل من 4 تريليون دولار فقط.

لن نتحدث عن حسابات ملكية وأميرية أخرى في دول ثانية، كالولايات المتحدة، ولندن، ومونت كارلو، وعدا الإستثمارات غير المسيّلة في المغرب وهي بالمليارات، وكذلك في غيرها.

هذا جواب للمواطنين والأجانب الذين يسألون: أين تذهب ثروات المملكة؟ ومن هو الذي يقوم بنهبها؟ وماذا يستفيد الناهبون من تحويلها الى الخارج بدل استثمارها في الداخل؟!

وهذا جواب على أسئلة مثل:

لماذا يعيش 30% من السعوديين تحت خط الفقر، حسب الإحصاءات الرسمية عام 2004م؟ ولا بدّ أن العدد قد زاد بعد النهب المنظم فيما عرف بأزمة سوق الأسهم، وبعد اضمحلال الطبقة الوسطى.

ولماذا يعيش نحو 70% من المواطنين السعوديين في بيوت مستأجرة؟.

ولماذا صار أكثر من 60% من المدارس الحكومية عبارة عن بيوت مستأجرة؟

ولماذا يوجد في السعودية بطالة عن العمل مزمنة لم تستطع الدولة حلّها حتى اليوم، الى حد لجوء المواطنين زرافات ووحدانا، نساءً ورجالاً، للعمل كمدرسين في دول الخليج، وخاصة قطر والكويت؟

ولماذا صار على المواطن السعودي أن يدفع أكثر من أي مواطن خليجي آخر ضرائب وغيرها مقابل الخدمات الحكومية، وفي نفس الوقت هو الأقل بينهم جميعاً في الرواتب والحوافز؟

ولماذا يحتاج المواطن السعودي الإنتظار الى ما يصل الى عشرين عاماً ليحصل على قرض صغير يساعده في بناء منزل؟ ولماذا يحتاج الى عشر سنوات على الأقل ليوفر قيمة أرض، والى عشرين سنة لكي يبني عليها منزله؟!

الأسئلة كثيرة، وجوابها متعدد:

فأموال وأراض ونفط وامتيازات الدولة صارت نهباً للأمراء وحاشيتهم. وهؤلاء يصلون الى نحو 40-50 ألف شخص، بينهم أكثر من عشرين ألفاً من الأمراء والأميرات.

فالسلطة تأتي بالمال، والمال والأرض وما تحتها ـ حسب الرؤية الملكية السعودية ـ هي ملك لآل سعود. ولكن آل سعود، الذين يزعمون تملك الأرض والبشر حتّى، لا يستثمرون ما ينهبونه في المملكة، ولو فعلوا لكان وضع المواطن أفضل حالاً ـ ولو قليلاً ـ مما هو عليه اليوم. ولكن الأمراء، لا يريدون لشعبهم أن يعلم بحجم السرقات، وهم يتعاملون مع الدولة وكأنها (ذاهبة) وبالتالي فإنهم ـ وكما حدث أثناء الغزو العراقي للكويت ـ يستعدون لقدوم اليوم الأسود، فيرحلون الى المكان الذي تتوفر فيه أرصدتهم. عكس هذا نجده تقريباً في دولة مثل الإمارات، التي تقدم المحفزات للإستثمار في أراضيها، في حين أن آل سعود أنفسهم غير مقتنعين بالإستثمار في بلدهم، مما قد نهبوه منه، فكيف يستطيعون إقناع الآخرين؟!

وليت آل سعود، الذين ينهبون بلا حدود، قد جيّروا المال لخدمة أنفسهم، في غير زيادة المال. إذ هناك جوانب انسانية وسياسية وعلمية يمكنهم الإستثمار فيها والتبرع اليها خدمة لسمعتهم. ولكنهم لا يفكرون بهذه الطريقة، ولو فعلوا ما وصل حال المملكة وسمعتها الى الحضيض.

والسؤال: ماذا قدّم المال لسمعة المملكة؟

وماذا قدّم الحرمان الشريفان لها من سمعة؟ وكيف استثمرهما آل سعود؟

ما نشاهده علاقة متعاكسة غريبة. فكلما زاد إيراد الدولة، زاد فقر أبنائها. وكلما زاد ثراء الدولة (عملياً في حال استبعد النهب) انحطّت سمعة الدولة، كما هو الحال اليوم، سواء بين العرب أو المسلمين أو حتى دول العالم. أما الدين والحرمان الشريفان، فصارا الغطاء الشرعي لكل ممارسات الرذيلة التي يقوم بها الأمراء، حتى أن المرء ليعجب من المتناقضات التي تقفز الى ذهن كل أحد بمجرد ذكر إسم (السعودية).

فما إن يذكر الإسم، حتى يتوارد الى ذهنك أمران: فساد الأمراء، والدين.

وترى الصورة في الإعلام: إن أفسد إعلام عربي يموّله آل سعود في محطاتهم الفضائية، ومع هذا ستجد الى جانب ذلك إذاعة للقرآن الكريم! ومحطات دينية وكتب تدعو الى الوهابية.

وحين تذكر الدين في السعودية، يأتي الى ذهنك الحرمان الشريفان، والوهابية في تناقض عجيب. التسامح والأمان مقابل العنف الوهابي والتشدد والتنطع والإنغلاق!

وحين تستمع الى ملك أو أمير تسمع ألفاظ: الله، ورب العزة والجلال، والتوحيد وما أشبه. ومن يقول ذلك هم أفسد خلق الله وأكثرهم انحطاطاً في مسلكهم الشخصي: يعربدون ويزنون ولا يعرفون أين هي القبلة!

ناعمو الملمس: متآمرون حتى النخاع

كانت للسعودية سمعة ذات شأن، بناها في الأساس الملك فيصل. وقد تآكلت السمعة في عهد فهد شيئاً فشيئاً حتى مات، وجاء من بعده خلفه (خاصة ولي العهد سلطان) لتصبح السعودية اليوم في الحضيض.

المملكة قد تكون بنظر البعض: بئر الثراء، ولكن الكثير من العاملين ما إن يأتون الى المملكة حتى يكتشفوا بأن الموجود بئر خال من المياه.

بعضهم يعتقد أن السعودية معدن الإيمان والتقوى، لكثرة ما يسمع عن الدين والتدين في الدعاية السعودية، وحين يأتي هؤلاء، خاصة بالنسبة للحجاج، يكتشفون بأن (دين السعوديين خفيف) أو أنهم بالنسبة للمقيمين في السعودية (بلا دين)! وأن أمراء الزهد والتقوى، هم من أفسد ما أنجبته البسيطة.

البعض حكم على السعوديين من الخارج، فيكفي ما يفعلونه في العواصم الأوروبية وحتى العربية والإسلامية، حيث وجدهم على دين ملوكهم من آل سعود.

والمملكة ـ ناعمة الملمس ـ تنقلب شيئاً فشيئاً حين الإقتراب منها.

البعض يعتقد بأن المملكة وبحكم احتضانها للحرمين الشريفين هي المدافع عن المسلمين، فإذا به يرى ابتعادها عن قضاياهم شيئاً فشيئاً، فلا تجد إلا بعض المزاعم، وبعض الفعل للتغطية على عدم الفعل نفسه، وكفّ الألسن. السعودية لا تريد أن تتحمّل المسؤولية المترتبة على وجود الأماكن المقدسة في أراضيها، فهي الى جانب استفادتها منها في شرعنة الحكم والتغطية على مفاسده، فإنها في نفس الوقت ترى أن وجود الحرمين يحمل آل سعود أعباءً غير قادرين على الإيفاء بها، أو لا يريدون الإيفاء بها.

في السابق لا تجد مشكلة إلا والسعودية في المقدمة متحركة لحلّها، من الباكستان الى أعماق أفريقيا، وفي المسائل العربية تجدها في المقدمة أيضاً. كان السعوديون يدركون بأن دورهم الوسيط (دور القاضي) لا يتم إلا من خلال عدم الإنحياز، والإمساك بالعصا من المنتصف في الغالب. ولكنهم تحوّلوا في عهد فهد الى دور (الخصم)، فخسروا دور (القاضي).. وبالتالي أصبح الإجماع على السعودية في مهب الريح، كما هو واضح اليوم.

السعودية التي تزعم أن سياستها الخارجية قائمة على (التضامن العربي) و (التضامن الإسلامي) تغيّرت كثيراً الى حدّ الإنقلاب. هي اليوم:

ـ ليست فاعلة في أية قضية عربية. لن تجد لها دوراً لا في الصومال، ولا في السودان، ولا في الصحراء الغربية، ولا في المشاكل بين المغرب والجزائر، ولن تجد لها دوراً ذي أهمية (إلا سلباً كما سنرى) في قضايا فلسطين أو لبنان أو العراق.

ـ وتخلت السعودية عن التضامن الإسلامي، فليس لها دور اليوم لا في أفغانستان ولا في الشيشان ولا في البوسنة ولا كوسوفو، ولا كشمير، ولا قضايا الأقليات الإسلامية: فطاني في تايلاند، ومورو في الفلبين، ولا غيرها من القضايا الإسلامية في القارة الأفريقية.

الأكثر من هذا، هو أن السعودية ـ وخاصة في عهد فهد فصاعداً ـ صارت متآمرة على الكثير من الأنظمة والأشخاص. نقول متآمرة بكل ما في الكلمة من معنى.

البعض لا يستطيع أن يصدّق أن السعودية تقوم بهذا الفعل أو ذاك، ودائماً ما يجابه المرء بأن الأمراء السعوديين مجرد أفراد بسطاء، غير موغلين في التآمر، ولا في الدم.

الحقيقة أن (البسيط) و (الساذج) هو من يعتقد ذلك.

السعودية تغيّرت، وتمارس كل أفعال الرذيلة السياسية من تحت الطاولة.

هناك قضايا واضحة: مثل دعم صدام حسين في حربه على إيران. هذه يعترف بها السعوديون ويفاخرون.

ولكن من يعلم أن السعودية كانت على علاقة عميقة مع إسرائيل منذ أواخر الثمانينيات الميلادية في القرن الماضي؟ علاقة استخباراتيه وعسكرية، بل وحتى علاقة صداقة بين أقطاب الدولتين، وعلاقات تجارية: (نذكر قصة الأمير سلطان بتجارة الألماس الإسرائيلي).

تلك العلاقة القديمة لم تتوضح بعض معالمها إلا مؤخراً في حرب تموز، وما تبعها من لقاءات الأمير بندر بن سلطان مع عدد من الرموز الصهيونية وفي مقدمتهم أولمرت، رئيس الوزراء، وبضيافة ملك الأردن.

لكن السعودية، وحسب وثيقة للخارجية الأميركية، خططت مع اسرائيل لإحداث انقلاب ضد الأسد (الأب) في بداية التسعينيات الميلادية، أي في الفترة التي كان فيها النظامان منخرطين في علاقة السمن مع العسل، وكانت القوات السورية قد عادت للتوّ من حربها دفاعاً عن الكويت والسعودية!

السعودية قبل هذا التاريخ، هي التي موّلت صفقة الكونترا الشهيرة، عبر بندر بن سلطان.

وهي عبر نفس الأمير موّلت وكانت جزءً من التخطيط في تفجير بئر العبد في الضاحية الجنوبية ببيروت والتي كان من المقدر لها قتل السيد محمد حسين فضل الله، فأودى التفجير بقتل نحو مائة شخص بريءن وجرح ما يزيد على المائتين.

والسعودية نفسها، هي التي مولت ودعمت انفصال اليمن الجنوبي مرة أخرى. وهذه معلومة ليست جديدة على أية حال. وكانت مستعدة لاستخدام طائراتها الحربية، لولا التدخل الأميركي، فجاءت بطيارين أجانب ليقودوا الطائرات كما يعترف بذلك بعض المقربين من الأمراء.

والسعودية هي التي خططت لاغتيال حسن الترابي.

والسعودية هي التي حثّت إسرائيل على الإستمرار في حربها ضد حزب الله في تموز 2006، كما هو معلوم.

وهي التي ساندت فتح الإسلام لإشعال حرب بين الشيعة والسنة، والتصدي لحزب الله، قبل أن ينقلب السحر على الساحر.

والسعودية هي التي موّلت عمليات القتل والإرهاب في العراق عبر ارسال عناصرها وأموالها وأفكارها الى هناك، فصار المقاتلون الوهابيون السعوديون في طليعة المجرمين القتلة.

والسعودية هي التي تخطط الان لإسقاط نظام بشار الأسد، كما شددت على ضرورة حصار العراق اقتصادياً في التسعينيات حتى وإن أدى الى قتل كل الشعب العراقي، كما كان يقول فهد. وهي التي ساندت أميركا في حرب العراق من قواعدها العسكرية الشمالية.

والسعودية هي التي موّلت الدحلان للإنقلاب على حماس قبل عام، فكانت النتيجة معاكسة لما أرادوه.

والسعودية اليوم هي رأس الحربة لمحاربة حماس وحزب الله وسوريا وإيران، وهي التي تدفع بأميركا ـ عبر بندر ـ للقيام بعمل عسكري أميركي ضد إيران.

والسعودية هي التي تموّل أياد علاوي، وتستثمر مجاميع المهدويين في العراق، لإشعال الحرب الداخلية كما في أحداث الزركة، وكما كشفت عن ذلك التحقيقات.

والسعودية هي التي تحاول جرّ تركيا والباكستان وماليزيا وأندونيسيا للتصدّي للنفوذ (الشيعي الإيراني) وخلق فتنة سنية شيعية على مستوى العالم الإسلامي، تكون مصلحتها خدمة للسعودية وقتالاً بالنيابة عنها، فكان اجتماع باكستان قبل أكثر من عام خطوة في تلك الطريق.

والسعودية ـ كما سيظهر ـ إضافة الى الأردن، قد نفذتا دوريهما في اغتيال عماد مغنية في دمشق.

والسعودية هي التي اختطفت المناضل ناصر السعيد وقتلته، ولا أحد يعرف قبره منذ نهاية 1979. وهي التي حاولت مراراً قتل سعد الفقيه وغيره من المعارضين.

باختصار.. السعودية لم تعد تستنكف القيام بأي فعل سياسي واستخباراتي بشع، بالتعاون مع أميركا، وبالتنسيق مع إسرائيل.

في الحقيقة كان أكثرنا لا يدرك حجم العلاقة الإسرائيلية بالسعودية الى هذا الحد. كان من المعتقد أن هناك تعاوناً او اتصالاً استخباراتياً. أما اليوم فمن الواضح أن العلاقة وطيدة ولها رصيد تاريخي طويل.

هذه هي السعودية على حقيقتها. هذه هي دولة آل سعود: إنها مصدر كثير من الشرور. إنها تقاتل بالتآمر والمال والتعاون مع أميركا واسرائيل. تقاتل بدون جنود، لأنها لا تثق في جنودها، اللهم إلا متطرفي الوهابية منهم، الذين عادة ما يستخدمون كحطب في معاركهم.

ومن لا يصدّق الوقائع نقول له:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً

ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد!

الصفحة السابقة