بين حكم (7/7) وحكم القانون

ملف (سوداء اليمامة) مازال مفتوحاً!

فريد أيهم

التهديد الشهير الذي وجّهه رئيس مجلس الأمن الوطني الأمير بندر بن سلطان لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير خلال زيارة الملك عبد الله الى لندن في أكتوبر الماضي، بأنه سيجلب (7/7) مجدداً، في إشارة إلى تفجيرات لندن التي وقعت في 2005، كرد فعل على التحقيق القضائي في ملف الرشى الخاص بصفقة اليمامة، والتي حصد منها الأمير بندر ملياري دولار لم يؤد ـ أي التهديد ـ إلى إقفال الملف بل أثار مجتمع الصحافة في بريطانيا من أجل تكثيف الضغوطات على الحكومة البريطانية لجهة شجب التهديد السعودي كونه يشكّل إعتداءً سافراً على السيادة البريطانية والقيم الليبرالية.

وكانت صحيفة الغارديان قد ذكرت في الخامس عشر من فبراير الماضي بأن وثائق محكّمة كشفت بأن الأمير بندر بن سلطان هدد بتسهيل قيام الإرهابيين بمهاجمة لندن ما لم توقف الحكومة البريطانية التحقيقات حول صفقة اليمامة. ونقلت الصحيفة عن قاضي المحكمة العليا قوله بدا وكأن الحكومة (البريطانية) غيّرت موقفها بعد التهديدات.. وأنا مندهش لأنها لم تحاول إقناع السعوديين بسحب تهديداتهم ولو أن ذلك حدث في نطاق السلطة القضائية للمملكة المتحدة لكانوا ارتكبوا جنحة جنائية.

الجديد في تداعيات ملف الفساد الخاص بصفقة اليمامة، أن الصحافة صوّبت نقداً لاذعاً لرئيس الوزراء السابق توني بلير الذي سمح للأمير بندر بن سلطان بأن يخرق الخطوط الحمراء ويسخر من النظام القضائي البريطاني وتعطيل سيادة القانون تحت مبرر (المصلحة الوطنية). القضاء البريطاني خضع لاختبار جدي يتّصل بنزاهته واستقلاليته، وهو ما عبّر عنه قرار المحكمة العليا في أبريل الماضي بعدم قانونية قرار وقف التحقيق في رشى اليمامة، والذي أصدره بلير والتزم به المدعي العام اللورد جولدسميث، على قاعدة أن مواصلة التحقيق يعرّض حياة البريطانيين للخطر. نشير الى أن إتفاقاً مندغماً في صفقة اليمامة يقضي بالتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، ما جعل تهديد الأمير بندر بن سلطان بتكرار حوادث 7/7 في لندن خروجاً على مقتضى التعاون بين البلدين.

كان إلغاء التحقيق في الرشى بمثابة ضربة مباشرة للعصب الليبرالي والديمقراطي في بريطانيا، الأمر الذي أثار استفزازاً جماعياً لجهة إعادة الإعتبار لما قد ينجم عن مثل هذه التهديدات من تعطيل لعمل القانون والحريات العامة والمصالح العليا لبريطانيا، خصوصاً حين يأتي قرار وقف التحقيق من أعلى سلطة في البلاد ممثلة في رئيس الوزراء. كان اللجوء إلى القضاء المدخل لإعادة الاعتبار، بوصفه الجهاز المسؤول عن تحقيق العدالة والكشف عن حقائق أخفاها المتورّطون في رشى (اليمامة)، ومنهم رئيس وزراء بريطانيا الأسبق السيدة مارغريت ثاتشر ونجلها مارك، إضافة إلى عدد من الوزراء مثل مايكل هزلتاين.

اختلس ملياري دولار في صفقة

قرار المحمة العليا الجديد بإعادة فتح التحقيق في ملف الرشى، يأتي في سياق الرد على محاولات تعطيل عمل القضاء وإسقاط مبدأ فصل السلطات، والحد من تدخّل السلطة التنفيذية في السلطة القضائية، مهما كانت الذريعة، وطالما أنها غير خاضعة للمعايير القانونية المشروعة، يضاف إلى ذلك أن القضاء وحده الضامن الأساسي لتطبيق الديمقراطية والحارس على حكم القانون، إذ لا يمكن اختزال الدولة في السلطة التنفيذية، وليست هي المخوّلة في الفصل في الخصومات ولا وضع قياسات للمصلحة الوطنية وتطبيق القانون.

ردود الفعل على تهديدات بندر بن سلطان بدأت بحزب العمال نفسه، الذي أرغم توني بلير على الاستقالة قبل نهاية فترة ولايته، وهاهو الآن يمارس ضغوطاً مماثلة من أجل تنحية جوردن براون، فيما يتأهب حزب المحافظين على تثمير التصدّع العمالي من أجل كسب المعركة الانتخابية المقبلة. تعيش الحكومة العمالية وضعاً لا تحسد عليه في المستويات المحلية والأوروبية والدولية، فقد خسرت مواقعها تباعاً في المعادلة الدولية لصالح غريمتها التاريخية فرنسا التي باتت تحصد ثماراً سياسية وإقتصادية جمّة.

على أية حال، لا يبدو الأمير بندر بن سلطان وجهاً مريحاً في الإعلام البريطاني، فقد أعدّت منظمات المجتمع المدني حملة واسعة لملاحقة هذا الرجل من أجل منعه من ممارسة غطرسته مجدداً. وسيكون لقرار المحكمة العليا في بريطانيا بعدم شرعية قرار وقف التحقيق في رشى (اليمامة) انعكاسات ليس على مسار التحقيق فحسب بل وعلى العلاقات المستقبلية بين لندن والرياض، خصوصاً وأن هذه العلاقات، سيما ذات الصلة بتجارة السلاح، ستبقى خاضعة للفحص الدائم من قبل وسائل الإعلام البريطانية التي ستنظر بريبة لكل ما يتم إبرامه بين البلدين.

لقد أبدى القضاة الكبار إستياءً لافتاً من قرار توني بلير والمدّعي العام جولدسميث والذي وصفوه بأنه تهديد لسمعة العدالة البريطانية، وخضوع مهين للتهديدات الفاضحة بوقف السعودية لتعاونها في مجال مكافحة الإرهاب، في حال عدم إيقاف التحقيق في الرشى. وما يجعل الإستياء بالغاً أن يضع القضاء بل والقيم الليبرالية أمام امتحان جدي خصوصاً حين يكون الطرف الآخر محسوباً على أنظمة شمولية غير ديمقراطية بل وفاسدة، ما يضع العدالة في مهب مساومة رخيصة تتخذ من (المصلحة الوطنية) دثاراً، وقد وصف القضاة بأن خضوع الحكومة البريطانية للضغوط السعودية بأن ذلك قدّم صورة سوداء حول تهاوي موقع القانون ما يدعو للأسف، وأن الحكومة فشلت في درء التهديد الذي واجه النظام القضائي جراء القبول بوقف التحقيق. وقال القضاة بأن لو أن من وجّه هذا التهديد خاضع لسلطة قانون هذا البلد، لكان هناك إحتمال باتهامه بمحاولة حرف مجرى العدالة. دلالة ذلك واضحة، فثمة من يشعر بأن القانون لم يعد حاكماً في الشأن العام، وأنه قد يتعرض للإعاقة في العلاقات التجارية الفاسدة، من مثل التي تشكّلت طيلة فترة سريان مفعول صفقة اليمامة، كيف والأمر بأن هذا القانون أريد له أن يغيب في لحظة حماية النظام الديمقراطي من الإبتذال في البازار السياسي والتجاري، في تعبير عن سقوط مريع للديمقراطية أمام أعتى الدكتاتوريات الدينية في الشرق الأوسط.

في العاشر من أبريل الماضي، إعتبرت محكمة لندنية وقف التحقيق في ملف اليمامة من قبل حكومة بلير في 14 ديسمبر 2006 بأنه (غير شرعي)، ودعت الى استئنافه. وكانت جمعيتان لمكافحة الفساد وانتشار الأسلحة نقضتا هذا القرار أمام القضاء في فبراير الماضي على أساس أن الدافع الأول لوقف التحقيق هو دافع تجاري، حيث تخشى المجموعة الدفاعية (بي أيه إي سيستمز) أن تخسر عقداً جديداً مع السعودية إذا واجه الأمراء السعوديون منهم الأمير سلطان وأبناؤه متاعب مع القضاء.

وكان رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون قد تعرّض لضغوطات شديدة لإعادة فتح التحقيق الذي باشره مكتب مكافحة التزوير البريطاني في قضية فساد تتعلق بصفقة اليمامة مع السعودية والتي تتجاوز قيمتها 85 مليار دولار أميركي. ونقلت بي بي سي في الحادي عشر من أبريل الماضي عن المحكمة العليا البريطانية بأن مكتب التحقيق في مكافحة التزوير البريطاني خرق القانون بقراره وقف التحقيق بقضية الفساد المتعلقة بصفقة الأسلحة السعودية. وقال أحد القضاة بأن مدير مكتب مكافحة التزوير لم يفلح في اقناع المحكمة يأن كل ما فعله المكتب كان قانونياً. وأضاف أن (لا احد لا في هذه البلاد ولا خارجها يمكنه أن يتدخل في القضاء البريطاني)، مشيراً الى أن (إساءة الحكومة وهيئة الدفاع فهم مبدأ إستقلالية القضاء هو الذي جعل هذه القضية أمام المحكمة العليا). وقالت منظمة (الحملة ضد تجارة الاسلحة) التي ادّعت مع منظمة (كورنر هاوس) على مكتب مكافحة التزوير بسبب وقف التحقيق أن قرار المكتب خرق معاهدة مكافحة الرشوة الموقّعة مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وافاد سيمون هيل الناطق بإسم الحملة بعد قرار المحكمة أنه (من الواضح منذ البداية أن التخلي عن التحقيق في هذه القضية لم يكن مسألة أمن قومي ولا وظائف لكنه كان حتما بسبب تأثير بي أيه إي وبعض الأمراء السعوديين على الحكومة البريطانية). وقالت سوزان هاولي من كورنر هاوس أن (المحكمة العليا بقرارها الذي اتخذته وقفت الى جانب الحق ورفضت إخضاع القضاء البريطاني للضغوط السياسية).

وكان ولي العهد ووزير الدفاع الأمير سلطان قد هدّد بفسخ عقد بمليارات الدولارات مع بي أيه إي يتعلق بطائرة يوروفايتر تايفون وبقطع العلاقات الدبلوماسية حتى يسحب مكتب مكافحة التزوير الشكوى.

وفيما أعلنت المحكمة العليا بأنها ستستمع لمزيد من الحجج، قررت (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية) القيام بتحقيقها الخاص لمعرفة سبب إغلاق مكتب التحقيقات لهذا الملف.

دعوات إجراء تحقيق علني كامل صدرت في العاشر من أبريل الماضي من قبل المحكمة العليا، التي وصف إثنان من قضاتها التهديد السعودي واستجابة الحكومة بأنه (استسلام مدقع) و(تهديدات سافرة)، وقال القضاة بأننا نخشى على سمعة تحقيق العدل إذا كان من الممكن التلاعب بها عن طريق التهديد. وحذروا من أن أي تهديدات مماثلة غير مشروعة لسيادة القانون فى المستقبل ويجب مقاومتها من جانب الحكومة وعلى المحاكم التدخل.

واعتبر القضاة إعادة فتح التحقيق بأنه انتصار لمكافحة الرشوة، وإعادة الإعتبار للقضاء بعد الضرر الذي أصاب مكانة بريطانيا على المستوى الدولي. وبحسب الزعيم الديمقراطي الليبرالي نيك كليج بأن هناك الآن حاجة ملحّة لإجراء تحقيق كامل بعد إنهاء الضغط الذي مورس من قبل الحكومة. سوزان هاولي من (كورنر هاوس) وصف قرار إستئناف التحقيق بأنه (يوم عظيم للعداله البريطانية). وقد وقف القضاة في وجه المدّعين العامين لعدّم الخضوع للضغوط السياسية تحت حجّة الترتيبات الأمنية لمجرد الإدعاء بأنها ليست جزءً من مصالحهم، خصوصاً وقد تبيّن بأن نفوذ بي أيه إي والأمراء السعوديين بات أكثر من حكومة المملكة المتحدة. رئيس تحرير صحيفة (الغارديان) وصف إستئناف التحقيق بأنه إنتصار طال أمدّه، بعد أن شاركت بي أيه إي في الفساد الكبير في بيع الأسلحة. فيما وصف المحامي ريتشارد شتاين بأن قرار إستئناف التحقيق هو للدفاع عن إستقلال القضاء من الضغط والتهديد، سواء من قبل الحكومة البريطانية أو من قبل حكومات أجنبية، الأمر الذي سيحول دون عودة التدخّل مرة أخرى لأسباب تتعلق بالأمن الوطني.

صحيفة (صنداي تايمز) وصفت في أبريل الماضي الأسرة السعودية الحاكمة بأنها (تجلس على بركان من الفساد وتصاعد الغضب الشعبي)، حيث تصل فيها البطالة إلى أكثر من 20 بالمئة، فيما تخفق مداخيل النفط التي تجاوزت المائة دولار للبرميل في توفير فرص عمل للمواطنين، ما يفجّر فضول المراقبين لمتابعة البذخ الفاحش الذي ينعم فيه الأمراء من خلال شراء القصور والفنادق والطائرات الفارهة المطلية محتوياتها بالذهب الخالص والحسابات البنكية المتضخمة، والتي تمرّ عبرها رشى الصفقات العسكرية الفلكية. وتحدّثت الصحيفة عن صفقات تجارية مدنية.

وذكرت صحيفة دايلي تليجراف في الحادي عشر من أبريل الماضي: تمّت معاملة الأمراء والأميرات السعوديين بكل البذخ المتوفّر حين طاروا إلى جزيرة الجنة الهاوائية في أوهو سنة 1998، للإستمتاع بالبقاء في واحد من أفضل فنادق العالم. فقد تم تخصيص قافلة من السيارات وطائرة بوينغ خاصة من نوع 707 كي تنقلهم إلى جزيرة هاوائية أخرى، ماوي، للبقاء في فندق جراد وايليا ذي الخمس نجوم.

لم يخضع هذا الإنفاق الباذخ لانتباه المحققين البريطانيين في الفساد. ولكن تبيّن لاحقاً بأن الرحلة كانت جزءً من الرشى التي قدّمتها شركة بي أيه إي للسعوديين. هذه المعلومات تكشّفت خلال تحقيق مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير في مزاعم حول الفساد المتعلّق بصفقة اليمامة مع السعودية.

المال يسقط القيم!

ما كشفت عنه الصحيفة مثيراً حيث نقلت عن المحققين بأن قيمة الرشى بلغت 30 بالمئة من قيمة عقد اليمامة، أي ما يعادل أكثر من 22 مليار دولار، وكان لمارك ثاتشر، نصيب منها، إلى جانب الأمير سلطان وأبنائه ووسطاء آخرين عرب وبريطانيين، بحسب تقرير خاص لم يتم نشره على حد الصحيفة كونه يحتوي على مواد حسّاسة حول الرشى المدفوعة إلى وسطاء. وهذا التقرير بات في عهدة المحقّقين في قضية الفساد، وفيما يبدو فإن كثيراً من الوسطاء قد وردت أسماؤهم في التقرير من سعوديين وعرب وأجانب، وكذلك الشركات والوكالات السياحية.

وفيما يبدو فإن التقرير السرّي يحتوي على معلومات تفصيلية بما في ذلك معلومات عن شهر العسل لبنت الأمير بندر بن سلطان الذي دفعته بي أيه إي. فقد استمتعت إبنت الأمير بستة أسابيع شهر عسل في منتجعات فارهة في سنغافورة، وماليزيا، وبالي، وأستراليا، وهاواي، وأقامت في فنادق الخمس نجوم بكلفة 8 آلاف دولار لليلة الواحدة.

وذكر السيد جاردينر بأن (أبلغتني شركة بي أيه إي بأن أمنح بنت بندر وزوجها شهر عسل على حساب بي أيه إيه). وتساءل: (من يقول بأن التجارة الكبيرة لا تملك قلباً؟) وقال بأن شركته تقوم (بدفع نفقات الفنادق، وتذاكر السفر، والشقق، واليختات، والطائرات الخاصة، وكذلك استئجار سيارات الليموزين والحرّاس الخاصين). وقال جاردينر (قمنا بشراء سيارات، ونقل الأموال، واستئجار شقق في لندن، وحجز الفنادق، وتذاكر السفر، وكذلك تغطية نفقات بطاقات الإئتمان). وقال أيضاً بأنه (نظّم حفلات لمسؤولين سعوديين آخرين بكلفة 12 ألف جنيه إسترليني (24 ألف دولار) لليلة الواحدة في فندق كارلتون تاور في لندن).

وكانت الحفلة تقام في فندق نايتس بريدج حيث يتم نقل المشاركين في سيارات ليموزين مسلّحة من مطار هيثرو ثم يتم نقلهم في مصعد خاص إلى الطابق الثامن عشر في الفندق. وكان من بين الزوّار المنتظمين إلى حفلات لندن هذه في سنة 2001 ممثلة سينمائية سابقة، والتي تلقّت آلافاً من الجنيهات الإسترلينية من قبل بي أيه إي عبر وكالة وورلد ترافيلرز. وقد دعمت سجّلات مالية تعود للوكالة قد حصلت عليها صحيفة (دايلي تليجراف) ما يدعم أقوال السيد جاردينرز والتي تقول بأن أنظمة بي أيه إي كانت تموّل حياة البذخ هذه. وتبدي هذه السجّلات بأن شركة بي أيه إي قامت بتغطية كلفة نفقات فترة ستة أشهر في النصف الثاني من سنة 2001 من الفنادق، والحراسة، وكل الفواتير الأخرى الخاصة بمسؤولين سعوديين كبار. بعض الفواتير تشمل الحراسة بكلفة 130 ألف جنيه إسترليني في شهر يوليو في لوس أنجلس وأخرى بقيمة 257 ألف جنيه في أغسطس، فيما تم إنفاق 150 ألف جنيه على فواتير في فندق هيلتون بيفرلي هيلز.

وكان ناطق بإسم السعوديين رفض التعليق. وقال للصحيفة بأن الأمير بندر نفى دائماً أي عمل خاطىء وكذلك الحال بشأن تسلّمه مبالغ تمثل عمولات سريّة. مصدر مقرّب من السعوديين قال (لا يمكنك رشوة الناس بأموالهم الخاصة)، وهو ما يلخّص عقيدة الأمراء السعوديين الذين يرون بأن ليس هناك مالاً خاصاً وآخر عاماً، فكل ما في البلاد هو ملك خاص بهم. بالنسبة لشركة بي أيه إي فإنها رفضت كذلك الإقرار بأي عمل خاطىء، على أساس أن العمولات قد تمّت المصادقة عليها من قبل السعودية. وتقول بأنها كانت عمولات قانونية وليست رشى سرية قد تمّت بدون موافقة أو مصادقة السعودية. وأشارت الشركة إلى دليل من قبل المدّعي العام في المحكمة العليا (إن سبب مكافحة الفساد لا يتحقق من خلال إجراء التحقيقيات التي تخفق في التمييز بين العمولة والرشوة). إن ما أثار غضب السعوديين جاء بعد محاولة المحققين الوصول إلى حسابات بنكية في سويسرا يسيطر عليها سعوديون. وبحسب تقرير خاص فإن هذه التدبير إستحثت الأمير بندر للذهاب إلى مقر الحكومة البريطانية في 10 داوننغ ستريت، وإبلاغ رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير (يجب إيقاف هذا الإجراء). وكان التهديد واضحاً: ما لم يتوقف التحقيق فإن التمديد في صفقة اليمامة بقيمة 6 مليار جنيه (12 مليار دولار) لشراء 72 طائرة يوروفايتر من طراز تايفون سيتم إلغاؤه، وسيتم تعليق الروابط الأمنية والدبلوماسية. وكان الأمير بندر بدأ في المفاوضات حول صفقة قتالية جديدة مع الفرنسيين وعقد لقاءات أخرى في 6 ديسمبر مع المسؤولين في وزارة الخارجية. وقد اضطر توني بلير عقب ذلك لتمرير ملاحظة شخصية إلى المدّعي العام اللورد جولدسميث في الثامن من ديسمبر يحذّر فيها من التداعيات السلبية على الأمن الوطني البريطاني في حال استمرار التحقيق. نقل المدّعي العام اللورد جولدسميث تلك المخاوف الى روبرت واردل، مدير مكتب التحقيق في الغش التجاري. وكان الأخير قد تلقى تحذيراً من قبل السفير البريطاني في السعودية في سبتمبر 2005 بأن حياة البريطانيين في الشوارع البريطانية كانت في خطر، باستمرار التحقيق. والتقى واردل مع السفير مرة أخرى في 11 ديسمبر حيث أعاد السفير بأن الخطر بأن السعودية ستقدم على تنفيذ التهديد لوقف التعاون مع المملكة في مجال مكافحة الإرهاب كان (حقيقياً وحاذقاً). وقد ترك ذلك كله للسيد واردل لوقف التحقيق، فكان القرار في 13 ديسمبر 2006 بأن ثمة ضرراً فادحاً وشيكاً وحقيقياً للأمن القومي والدولي للمملكة المتحدة وقد يهدد حياة المواطنيين البريطانيين..سنتان من التحقيق قد تم إنهائهما في اليوم التالي.

الصفحة السابقة