مستقبل السياسة الخارجية السعودية

إنحدار رغم وفرة النفط والغطاء الأميركي

محمد فلالي

السياسة الخارجية السعودية الى أين؟ ومكانة السعودية الإقليمية والإسلامية والدولية الى أين؟ وهل هناك انعكاس لوضع السعودية الداخلي على مكانتها الخارجية، أو العكس؟ هذه الأسئلة تصاعدت في الآونة الأخيرة، بالنظر الى حقيقة تراجع الدور السعودي ومكانة السعودية في محيطها الإقليمي/ الخليجي والعربي، كما في المحيط الإسلامي، وحتى الدولي. سنحاول هنا استعراض وجهتي نظر حول مستقبل السياسة الخارجية السعودية والجدل القائم حولها.

لا زعامة سعودية بدون رضا دمشق

وجهة نظر أولى ـ الدور السعودي مرشّح للتصاعد

هناك بين المراقبين والباحثين من يعتقد بأن الدور السعودي مرشّح للتصاعد خليجياً وعربياً وإسلامياً ودولياً. ومبررات ذلك هي الآتي:

1/ الوفرة الماليّة التي تحققت للسعودية (تصدير ما يزيد على تسعة ملايين ونصف المليون برميل يومياً، توفر ما يزيد على المليار وثلاثمائة مليون دولار يومياً). هذه الوفرة تفسح الطريق لنشاط سياسي سعودي فاعل، ودور إقليمي ودولي، من خلال المساعدات التي تقدمها للدول وللمنظمات الدولية، حيث يقوم المال بدور المسهّل للعمل السياسي السعودي الخارجي، كما كان واضحاً في حقب سعودية سابقة.

2/ الرغبة الأميركية: هناك رغبة، بل حاجة ماسة، غربية ـ أميركية، لدور سعودي أكثر فعالية في مواضيع تتعلق بالأمن الأقليمي، وبالسياسة النفطية والمالية العالمية. ورغم أن السعودية بدت في بعض الأحيان غير راغبة للعب دور متميّز في بعض القضايا، إلا أن الدور الأميركي في الشرق الأوسط بحاجة الى مساعدة السعوديين. ولعلنا نذكر هنا بصورة محددة قضيتين أساسيتين:

أ ـ الحاجة الأميركية لدور سعودي فاعل في استقرار العراق، وإنجاح التجربة الأميركية المترنّحة هناك. وهو دور تلكأت السعودية في القيام به، وتحايلت على الضغوط الأميركية، فلم تعترف بالنظام القائم هناك، كما رفضت حتى الآن فتح سفارة، أو حتى إسقاط الديون المترتبة على العراق منذ احتلال الكويت. ورغم أن العراق خرج من عنق الزجاجة، وبدأ يميل نحو التعافي التدريجي، فإن الدور السعودي الإيجابي لازال مطلوباً في العراق، رغم أنه لن يكون ـ على الأرجح ـ بمستوى الأهمية التي كان الدور السعودي يولى إياها في السنتين الماضيتين (2006-2007).

ب ـ الحاجة الأميركية لدور سعودي فيما يتعلق بالسلام مع اسرائيل. فإذا كانت السعودية لم تلبّ المطالب الأميركية بشأن العراق، فإنها لعبت دوراً مهمّاً في محور (السلام مع اسرائيل) حيث المبادرة العربية التي أطلقها الملك السعودي، ولم تنل حتى الآن موافقة اسرائيلية. وستحتاج الولايات المتحدة والغرب عموماً لدور سعودي في القضية الفلسطينية كي:

ألف/ تشجع عملية السلام وتساهم في تبعاتها المالية،

باء/ وتحاصر القوى الراديكالية الفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي) والعربية (سوريا وحزب الله). لهذا لا يتخيل أن يكون هناك غياب للدور السعودي عن الساحة الفلسطينية، بل ستكون للسعودية دور ريادي في مشروع السلام إن نجح وانطلق الى آفاق واعدة. فالسعودية نفسها ترغب في تقديم تنازلات على حساب الآخرين من أن تقدم تنازلات من حسابها الخاص، أي فيما يتعلق بالمواضيع السياسية المحلية، أو بانتهاج سياسات قد تؤدي الى توتير وضع الحكومة مع شرائح شعبية داخلية.

زد على ذلك فإن الولايات المتحدة ترى أهمية الدور السعودي في مواضيع عديدة أخرى، من بينها: محاصرة النفوذ الإيراني، إن لم يكن أكثر من ذلك: أي المشاركة في خطة بعيدة المدى لإسقاط النظام هناك. والمسألة الأخرى التي تأمل أميركا والغرب ان تساهم فيها السعودية: محاصرة التطرف الديني الذي تمثله القاعدة ذات الأفكار الوهابية العنيفة تحت شعار أميركا: (مكافحة الإرهاب)، وسيدخل ضمن المستهدفين في هذه المواجهة: حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي ومنظمات فلسطينية أخرى.

3/ الطموح السعودي: هناك رغبة سعودية لاستعادة دورها السياسي الخارجي المتميز والذي انحدر شيئاً فشيئاً منذ احتلال العراق للكويت عام 1990، حيث لعبت عوامل عديدة في تركيز الإهتمام على الوضع الداخلي الذي كان يعاني من أزمة اقتصادية وسياسية وانشقاقات في العائلة المالكة ومرض الملك فهد، كما كان يعاني من خيبة أمل سعودية كبيرة من قوى ودول لم تقف معها وتساندها أثناء احتلال الكويت، مما عطل بعض مفاعيل القوة في السياسة الخارجية السعودية: (الحركات الإسلامية، الأردن، اليمن، بعض الدول المغاربية).

اليوم السعودية تمتلك المال الكافي لدعم السياسة الخارجية السعودية، وهي قد حسمت موضوع دعم الحركات الإسلامية عامة، وحصرت دعمها ببعض القوى (السلفية) التي جاء منها التطرف والعنف، وهي (هضمت) مشاكلها مع الأردن خاصة بعد وفاة الملك حسين، فأُصلحت العلاقات بين البلدين، ومثل ذلك حدث مع اليمن، فضلاً عن ان الوضع الداخلي صار أفضل مما كان عليه في الماضي، وجرت السيطرة على الخلافات الداخلية بين أجنحة الحكم بنحو أو آخر بعد وفاة الملك فهد. المملكة تعيش استرخاءً من نوع ما، فقد جرت السيطرة على القاعدة في السعودية، على الأقل حتى الآن، وإن كان متوقعاً أن تبرز مرة أخرى.. كما جرى إضعاف القوى الليبرالية المطالبة بالإصلاح، وجرى بنحو كبير احتواء الخلافات بين السعودية مع العواصم الغربية، خاصة واشنطن والتي ظهرت بعد أحداث 9/11الى حد تهديد نظام الحكم واستقراره وتفكيك الدولة السعودية نفسها.

حلف الفاشلين

باختصار السعودية تشعر بالثقة بنفسها اليوم أكثر من الماضي.

وهناك عامل آخر حفّز السعودية للقيام بدور أكبر من الماضي، وهو تصاعد النفوذ الإيراني والنجاحات العديدة التي حققها على صعيد العراق ولبنان وفلسطين وأفغانستان ودول آسيا الوسطى. السعودية مدفوعة اليوم بالدفاع عن مواقعها كقائدة للعالم الإسلامي، السنّي على الأقل، وهي ترى في النفوذ الإيراني المتصاعد تقزيماً لدورها، وتصغيراً من شأنها، وطعناً في شرعيتها على الصعيد المحلّي. وهي ـ أي السعودية ـ كانت تؤمّل أن يؤدي ازدياد النفوذ الأميركي في العراق وأفغانستان واحتلالهما الى تطويق إيران وإضعافها، ولكنها اكتشفت أن الذي حدث عكس ذلك، ورأت أن الولايات المتحدة غير قادرة وحدها على إضعاف إيران، وبالتالي أصبح تدخلها المباشر أمراً ضرورياً، ولكن ضمن مقاربة سعودية أكثر منها أميركية، بحيث تركز على مواضيع عقدية/ مذهبية، تحدّ من ذلك النفوذ، وتشتته.

النفوذ الإيراني عامل محفّز لدور سعودي سياسي مستقبلي على مستوى المنطقة والعالم الإسلامي. وهو ربما كان من أهم العوامل التي تدفع بالسعودية للإستيقاظ من سباتها السياسي الذي امتدّ لعقد ونصف على الأقل.

وجهة نظر ثانية ـ الدور السعودي مرشّح للأفول أكثر

الرأي الثاني يقول بأن الدور السعودي الخارجي، أو ما سمي بالحقبة السعودية التي بدأت منذ منتصف السبعينيات ـ حسب هيكل، لن يعود كما كان، بل أن الدور السعودي الإقليمي مرشح للهبوط أكثر فأكثر، والمبررات هي التالية:

أولاً ـ يقول أصحاب هذا الرأي: صحيح أن السعودية تمتلك وفرة مالية، وتمتلك رغبة لتسنّم دور قيادي يعيد أمجادها السابقة، وصحيح أن الغرب يريد لها أن تلعب دوراً ريادياً في تحقيق سياسات معيّنة، ولكن هذا لا يكفي لأن يجعل السعودية اللاعب الأكبر على الساحة. فهناك دولٌ عديدة لديها المال، وأن الرغبة السعودية تصطدم مع معوق حقيقي وهو غياب الآليات، وضعف الخيار السياسي الإستراتيجي (اي المواقف من القضايا العربية والإسلامية) ، كما أن السعودية تفتقر الى الرؤية السياسية الواضحة، والى العنصر البشري المؤهّل لتنفيذ مهمات السياسة الخارجية. فمن يقود السياسة الخارجية هم مجموعة من العجزة يقدّرون القضايا بدون دراسات، ولا توجد في السعودية مراكز أبحاث، كما لا توجد مراكز تأهيل للسياسيين، ولا يراد لغير أمراء العائلة المالكة أن يلعبوا دوراً حقيقياً لا في رسم السياسة الخارجية ولا في تنفيذها. أي أن حركة السياسة السعودية بطيئة جداً (مقارنة مع تسارع الأحداث، ومقارنة مع حيوية وشبابية المنافسين في إيران) وتنقصها الرؤية العلمية.

ثانياً ـ ويرى أصحاب هذا الرأي، بأن السعودية لا تستطيع أن تحقق لها مركزاً مهماً على صعيد المنطقة، إلا من خلال (اجماع) سياسي عربي، تتربع على رأس قيادته. لا توجد دولة عربية ـ حتى في عهد عبدالناصر ـ تستطيع أن توجّه السياسة في العالم العربي بدون أن تصل الى شبه اتفاق أو تحييد القوى الأساسية الكبرى: سوريا، العراق، مصر، الجزائر، السعودية.

والسعودية بالذات، لم تتحقق لها الزعامة العربية في السبعينيات الى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، لمجرد أنها (واهب للمال) أو لأن لديها (مكانة دينية) بل لأن القوى الأساسية العربية إما قبلت بتلك الزعامة، أو لأنّه تم تحييدها بشكل أو آخر (العراق البعثي آنئذ).

اليوم نرى عالماً عربيّاً مفككاً، والقوى الأساسية المحرّكة لعمل عربي جماعي مشغولة بمشاكلها الخاصة من جهة، ومنقسمة على نفسها من جهة أخرى. السعودية ومصر من جانب، والعراق الذي لديه مشاكله الخاصة لا يرى في الدور السعودي عاملاً إيجابياً، وهو ـ اي العراق ـ أقرب جوهرياً الى سوريا وإيران منه الى السعودية ومصر اللتان قادتا سياسة محاصرة النظام الجديد في بغداد. أما سوريا، فإن السعودية استعدتها الى حد محاولة القيام بانقلاب ضدها أواخر العام الماضي 2007، والسعودية هي التي تقود حملة العداء وحصارها السياسي. في حين أن الجزائر لم تفق حتى الآن من مشاكلها المزمنة السياسية والأمنية والإقتصادية، وهي قد قلصت دورها الإقليمي الى حدّ كبير، كما أنها قوة لا تستطيع السعودية الإعتماد عليها بشكل موثوق (لاحظ أن الجزائر وجدت نفسها أقرب الى دمشق في مؤتمر القمة العربية الأخير، وقد حضرت المؤتمر، ربما عرفاناً لسوريا كون رئيسها بوتفليقة قد وجد حضناً سياسيا يلجأ إليه في دمشق قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية).

لا توجد محاولات سعودية جادّة لتحصيل إجماع القوى الرئيسية العربية، تستطيع من خلاله تحقيق زعامتها. على العكس من ذلك، وعلى عكس الدور السعودي القديم في سبعينيات القرن الماضي، أصبحت السعودية محوراً، أو صنعت لها محوراً، كان من الطبيعي ان يؤدي الى تفكيك القوى العربية الرئيسية، وبذلك تكون السعودية قد قضت على إمكانية تزعم العالم العربي، والقيام بدور سياسي نشط.

التابع والمتبوع

لهذا السبب، عدم وجود اجماع، ظهرت سياسة المحاور (محور الإعتدال العربي/ ومحور سوريا ـ ايران، ومجموعة كبيرة من الدول الأخرى مفككة غير راغبة في الإنخراط مع محور الإعتدال). ولهذا السبب أيضاً، طفت على السطح دول إقليمية تحاول سدّ الفراغ في النظام العربي، لتلعب دوراً أكبر من حجمها الطبيعي، وذلك من خلال (إرضاء) الدول العربية الكبرى. وأوضح نموذج هو (الدور القطري) الذي وإن حُسب على محور سياسي معين (الإعتدال العربي) إلا أن له علاقة وثيقة بسوريا وبالسودان وبليبيا وباليمن والى حد ما بإيران، وهو ما مكن قطر مثلاً من إنجاح مبادرتها فيما يتعلق بلبنان (اتفاق الدوحة) والذي من المستحيل أن تستطيع السعودية أو مصر أو سوريا أن تنجزه منفردة، أو بمعارضة إحداها.

ثالثاً ـ لكي تستطيع السعودية تحصيل إجماع عربي تتزعمه وتلعب من خلاله دوراً محورياً في المنطقة، فإنها بحاجة الى تغيير شامل في سياستها، كثمن لتحقيق ذلك الإجماع. وهذا الثمن باهظ من وجهة نظر السعودية أو يتعارض مع الرؤية الأميركية، فمثلاً:

ـ لكي تكسب السعودية العراق، عليها أن تغيّر نهجها السياسي فتعترف بالنظام الجديد وتفتح سفارتها وتكفّ انحيازها لقوى معيّنة، كما وتضبط حدودها، وتمنع رعاياها وأموالها من التسلل الى العراق. وعليها ـ وهو الأهم ـ أن تسقط ديونها التي على العراق، وأن تستبعد (الرؤية المذهبية) للأحداث والقضايا والأشخاص والأنظمة، أي لا تقيّم المسائل السياسية والأشخاص على أساس مذهبي طائفي. في حين أن السعودية ترى استخدام (العزل المذهبي) أهم أداة لمكافحة النفوذ الإيراني، وإضعاف القوى الشيعية في العراق.

ـ لكي تكسب السعودية سوريا، لا يمكنها تحقيق ذلك إلا من خلال القيام بأمرين سبق لها أن قامت بهما من قبل، ثم تخلّت عنهما، فأخذت إيران مكانها: 1/ أن تدعم النظام السوري مالياً واقتصادياً؛ 2/ أن تقترب من الرؤية السورية السياسية فيما يتعلق بموضوعين حسّاسين: لبنان والعلاقات السورية به؛ والرؤية السورية لموضوع الصراع مع اسرائيل. السعودية مستعدة أن تدفع المال، ولكنها إذ تفعل ذلك فإنما تريد تغيير الرؤية السورية لموضوع الصلح مع اسرائيل. وقد انزعج السوريون من الموقف السعودي تجاه القضية الفلسطينية عامة، وتجاه موضوع احتلال اسرائيل للجولان، ورأوا أن السعوديين يقررون أموراً سياسية ليست من شأنهم، وتضرّ بأصحاب القضية الأساسيين. والسعودية إن قبلت بالرؤية السورية للصراع مع اسرائيل، فإن أميركا لا تقبل اليوم، والسعودية اليوم هي في أضعف أوقاتها ولا تستطيع أن تعود الى مساحة الحرية التي كانت متوفرة لها سابقاً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

إذن.. لماذا تقبل سوريا وتدعم دوراً سعودياً متميزاً في المنطقة، إن كان ذلك الدور يضرّ بمصالحها ومصالح حلفائها في لبنان وفلسطين وإيران، خاصة إن كان بدون مقابل مادي؟!

أما مصر، فليس لها قضية محورية، وهي فاقدة البوصلة كما لم تفقدها من قبل في تاريخها الحديث. هي تابع للسعودية، والأخيرة ترشي النظام ورموزه بالمال، وقد قبلت بلعب دور التابع للسعودية في كل القضايا تقريباً، حتى وإن كان ذلك مخالفاً لمصالحها: (العلاقة مع ايران مثلاً، وترطيب العلاقات مع دمشق حيث غاب مبارك عن قمة دمشق، وبعدها غاب عن اجتماع طرابلس حتى لا يلتقي بالأسد، وكذلك الموقف من حصار حماس الذي انعكس على الأمن المصري المباشر).

رابعاً ـ ويرى القائلون بتراجع الدور السعودي أكثر فأكثر في المستقبل، بأن النفوذ السعودي على مستوى العالم الإسلامي والعربي مرتبط بالنفوذ الأميركي والقوة الأميركية، فإذا صعد النفوذ الأميركي صعد معه النفوذ السعودي، وإذا هبط ذلك النفوذ هبط السعوديون معه. ومعلوم أن أميركا تعيش انتكاسة حقيقية في سياساتها الشرق الأوسطية وعلى كل المحاور تقريباً (ايران، العراق، لبنان، فلسطين) فضلاً عن أفغانستان. هذا التراجع الأميركي لا بد وأن يؤدي الى تراجع الدور السعودي نفسه، وتراجع دور حلفاء أميركا عموماً بمن فيهم مصر. اللهم إلا إذا بادرت أطراف الإعتدال العربي ـ وفي مقدمتهم السعودية ـ الى مغادرة السفينة الأميركية وإن كان مؤقتاً ريثما يتم إصلاحها، أو إذا كانت ستغرق فلينجو بأنفسهم.

هذا ينطبق على السعودية نفسها فيما يتعلق بسياساتها مع مصر واليمن ودول الخليج. فحتى هذه الدول التي تمثل مجال السياسة الخارجية السعودية الحيوي، وجدت نفسها ـ معظمها ـ مضطرة الى تمييز نفسها عن الدور السعودي تجاه العديد من القضايا، أو حاولت أن تجد لها موقعاً مختلفاً على الخارطة السياسية.

اليمن يحاول أن يلعب دوراً خارج محيطه الجغرافي، هناك في فلسطين والمصالحة بين حماس وفتح، واتفاق صنعاء لازال جاهزاً للتطبيق.

والإمارات قد تكون أول دولة خليجية من حلف الإعتدال تفتح لها سفارة في بغداد، وستليها البحرين على الأرجح، حسبما أعلنت المنامة، وكذلك الأردن الذي لا يريد أن يخسر مصالحه وامتيازاته من العراق.

وحتى مصر سعت أثناء زيارة مبارك الأخيرة الى الرياض إقناع الأخيرة بإعادة النظر في سياسات حلف الإعتدال الإقليمية. فمن الواضح أن هناك غلَبَة لحلف سوريا ـ ايران، ولا بدّ من التكيّف مع المتغيرات الإقليمية خاصة بعد تداعيات أحداث بيروت في مايو الماضي.

لكن السعوديين بطيئين في الفهم والحركة، ولا يرغبون في تغيير سياساتهم فيما يبدو.

وهذا ما يدعو للتساؤل: إذا كان عباس قد لمس باليد أن لا دولة فلسطينية هذا العام، وأن إسرائيل لن تتنازل بل ستتشدد في الإستيطان وغيره، فعمد الى إحياء اتفاق صنعاء والحديث عن فتح حوار مع حماس، وزار دمشق، فلماذا تكون السعودية أكثر تشدداً من عباس تجاه حماس؟! ولماذا تكون السعودية متشددة تجاه حماس أكثر حتى من اسرائيل التي وافقت على التهدئة أو الهدنة معها، والتي لا يعلم الى متى ستستمر (وإن كانت المؤشرات تقول بأن عمرها قصير)؟

ولماذا تكون السعودية أكثر تشدداً من ساركوزي تجاه سوريا، حيث دعا الأسد الى باريس وفتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين؟

ولماذا تكون السعودية أكثر تشدداً تجاه حزب الله من القوى التي تدعمها السعودية في لبنان؟

والأغرب لماذا تكون السعودية ـ التي في الوقت الذي تتحدث فيه عن مصالح السنّة في العراق ـ أكثر تشدداً من أولئك السنّة الذين انخرطوا في العملية السياسية والقوا السلاح؟!

لهذه الأسباب يرى الكثيرون أن الدور السعودي آخذ في الإضمحلال، برغم الوفرة المالية، والغطاء السياسي الأميركي ـ الغربي. السعودية بعقليتها الحالية لا تستطيع أن تلعب دوراً محورياً، وأنها ـ بتشددها وعدم تسامحها مع المخالفين لها كما هو واضح في تجربة العلاقات السعودية السورية ـ قد تفقد حتى أقرب الأصدقاء منها في دول الخليج ومصر.

الصفحة السابقة