مملكة (مصيفة)!

يُنقل عن محمد حسنين هيكل، الصحافي والكاتب المصري المعروف، أنه جرجر ذات مرة في السنوات الأخيرة للقاء الملك (ولي العهد آنئذ) عبدالله بن عبد العزيز، وذلك في أحد أفخم أجنحة فنادق لندن. ربما كان المرحوم عبدالعزيز التويجري وراء تدبير ذلك اللقاء، خاصة وأنه ـ أي التويجري ـ أقنع هيكل بأن يكتب مقدمة كتابه عن الملك عبدالعزيز: (لسراة الليل هتف الصباح). المهم أن هيكل المعروف بعدائه لآل سعود ونظامهم منذ الخمسينيات الميلادية، دخل على ولي العهد في جناحه، وكان يلتف حوله جمهرة من الأمراء والمقتاتين على الشرهات الأميرية. وفي حركة واحدة بيده، انفضّ الجمع واختفى، عدا إثنين أو ثلاثة، فاستغرب هيكل من ذلك البروتوكول السعودي العجيب.

توقع هيكل أن يتحدث مع فطحل زمانه، وخطيب الخطباء، عن شؤون السياسة أو الفكر، أو يتحدث معه عن رؤاه للمستقبل. لكن الخيخة بادره بسؤال عجيب: كيف احتفظت برشاقتك رغم تقادم عمرك (طبعاً أنا أكتب هكذا، وإلا فالخيخة لا يعرف أن يقول هذا الكلام وإنما هذا هو المعنى). ثم تتالت الأسئلة الشخصية من هذا النوع، عمّا يأكل هيكل وما يشرب، وكيف ينام، وتأثير السجائر وما أشبه (عبدالله يدخن أيضاً وقد كان من قبل محشّشاً مثل خادم الحرمين السابق فهد!).

يقول هيكل، كما نُقل عنه، بأنه استسخف الأسئلة، ولكنه اضطر أن يجيب بأنه ينام مبكراً، ولا يأكل مثلهم صحون الرز العملاقة، ولا يستمتع بالخرفان، وأنه يأكل الخضروات والفواكه، وأنه يستخدم حمية فوق هذا، على أمل أن يصحو مبكراً ويباشر كتاباته وقراءاته!

وطال الحديث وهو في أكثره يدور حول مثل هذه الأمور التي تشغل بال الأمراء، ولم نأت هنا الى موضوع الجنس، الأثير لديهم، وملح موائدهم.

أمراء آل سعود لا يعكفون الليل يصلون، ولا يبدأ يومهم إلا في الظهر. وقد كان خادم الحرمين السابق يلعب الأتاري ـ قبل الجلطة ـ حتى الصباح، وأحياناً يطلب طعام الغذاء صباحاً، ثم ينام الى ما بعد الظهر، حتى أنه في إحدى المرات أخّر وزير الخارجية الأميركي ساعات وساعات، لأن أحداً لم يجرؤ على تنبيه جلالته. وهو نفس الأمر الذي حدث يوم احتل صدام الكويت، فحينها تم إيقاظ بوش (الأب) أما خادم الحرمين فلم يعرف بالموضوع إلا بعد الظهر. طبعاً لا تسل عن الصلاة، فهؤلاء لا يعرفون الله إلا إذا اضطروا أمام الكاميرا.

في الليل يبدأ عملهم كالخفافيش إن إرادوا. نايف ـ وزير الداخلية ـ نموذج لذلك. يبدأ عمله أحياناً الساعة العاشرة مساءً، وكان قبل ملاحقة الأمراض له، يمضي وقتاً في عمله وحتى مواعيده مع الآخرين حتى الساعة الثانية صباحاً، ثم يكمل الأمراء سهراتهم ولياليهم الملاح المليئة بالتديّن الفاحش الى حدّ الرهبنة!.

في الليل يبدأ عملهم كالخفافيش إن إرادوا. نايف ـ وزير الداخلية ـ نموذج لذلك. يبدأ عمله أحياناً الساعة العاشرة مساءً، وكان قبل ملاحقة الأمراض له، يمضي وقتاً في عمله وحتى مواعيده مع الآخرين حتى الساعة الثانية صباحاً، ثم يكمل الأمراء سهراتهم ولياليهم الملاح المليئة بالتديّن الفاحش الى حدّ الرهبنة!.

والآن نحن في الصيف، وقد فرّ معظم الأمراء الصغار والكبار، التافهين والمهمين، ذكورهم وأناثهم، فرّوا الى الغرب أو المغرب ربما من الحرّ (قل جهنم أشدّ حرّا) وكأنهم يعملون مثل الكادحين في الشوارع والمزارع! أو ربما لأخذ أجازة، وكأنّهم كانوا يعملون حقاً، فيما أمور الدولة سائبة بسبب إهمالهم وعجزهم وحتى قصورهم وهم الذين وصلوا الى حافة القبر (نقصد المسؤولين منهم).

الدولة في الصيف تغلق أبوابها. لا أحد يعمل. كانت الوزارات تنتقل لمصيف الطائف، والآن يبدو أنهم استغنوا عن ذلك أصلاً. الملك يحب كازبلانكا، وهو لازال هناك. وسلطان أيضاً. فيما نايف يحب صاحبه زين العابدين بن علي فيمضي وقتاً طويلاً في تونس. كثير منهم جاؤوا الى جنيف، فهي مزدحمة. ولكن بعض أمزجة الأمراء فضلت الحبشة (لا ندري لماذا؟) وبعضهم كان في الماضي يفضل الباكستان ليستمتع بصيد الصقور قبل أن تظهر الطالبان والقاعدة. أمريكا غير محبوبة كثيراً، فهناك من يتصيدهم ويرفع عليهم دعاوى.

المهم البلاد متوقفة في الصيف أكثر من أي وقت. الحكومة تمشي بالبركة، والآن تسيّر بالدعاء من قصور الأمراء في كازبلانكا التي لا تخلو من مسجد يؤمه الخدم والمستضعفين. كازبلانكا التي من فضائلها أنها تشهد طائرات تقلع الى الرياض وتعود في اليوم التالي محملة بحليب النوق، وكانت في عهد الخادم فهد السابق تحمل فواكه بساتينه في المغرب لتوزع على فقراء الأمراء في الرياض!

مملكة كل أيامها صيف، وكلّ مسؤوليها الكبار عجزة لا يغادرون الفراش لأسباب عديدة!

الصفحة السابقة