للمانعة الأرض، وللإعتدال الفضاء!

صراخ الألم السعودي في مواجهة قوى الممانعة!

سامي فطاني

السعودية ـ دون باقي محور المعتدلين الذي يضم مصر والأردن والسلطة الفلسطينية ـ هي التي تصرخ وتشتم وتتهم وتهاجم في إعلامها الإمبراطوري.

لا نحتاج الى إثبات هذا.

إقرأ أية صحيفة سعودية، كالشرق الأوسط، أو الوطن، أو الرياض أو غيرها. أو لنقل تابع ما تنشره العربية، فماذا ترى؟

ترى توجيهاً طائفياً مقيتاً لكل النشاط السياسي المتوتر في المنطقة.

ترى السعودية رافعة الراية الأولى في التعرّض لحماس واتهامها في وطنيتها وضرورة الإستمرار في محاصرتها والنيل من قادتها.

وترى السعودية دون غيرها من يتعرّض المرة تلو الأخرى لدمشق ونظامها، وتغمزه مرة بالطائفية، ومرّة بالعمالة لإسرائيل (نعم العمالة لإسرائيل) ومرة ثالثة ببيع سوريا (لإيران) ورابعة بتسقيط النظام السوري وتحويل أي جهد إيجابي يقوم به الى عمل سلبي وتخريبي.

وترى السعودية نفسها لا غيرها، هي التي تقود الكوارث في لبنان في طرابلس كما قبلها في نهر البارد. رموز الوهابية هم الصاعدون هذه الأيام، والأموال والتحريض يكبّ على تلك المنطقة من أجل الفتنة التي ستحرق السعودية قبل غيرها. وترى شتماً لحزب الله، واستسخافاً لتوجهه المقاوم، والطعن في شرعيته، واتهامه هو الاخر بالعمالة مرة لسوريا وأخرى لإيران وثالثة لإسرائيل!. ومرة يصبح نصر الله شارون مثلما قال سعود الفيصل قبل بضعة أشهر، ومرة أخرى يريد اختراق السنّة في لبنان لأنه حاول إيجاد صيغة تفاهم مع جناح سلفي فيه لم ترض السعودية عنه!

وإذا أتيت الى إيران، فالسعودية هي قائدة الحملة ضدّها دون دول الخليج، ودون قوى الإعتدال الأخرى، فهي الناطقة بإسم العرب مقابل المجوس والصفويين، وهي الناطقة باسم الأكثرية السنية التي تريد الأقلية الشيعية ابتلاعها!، وإيران في الخطاب الإعلامي الرسمي (أخطر من إسرائيل) كما يكتب كاتبهم في الشرق الأوسط طارق الحميد، وكما يفتي مشايخ الوهابية الصغار. وإيران تريد أن تصنع امبراطورية، وتريد أن تدمر دول الخليج، وإيران لا تحب العرب، ولا تدعم القضية الفلسطينية، و..غير ذلك.

ليس هذا مدهشاً، أن تقود السعودية حملتها الفاشلة على قوى الممانعة في المنطقة. وليس غريباً عليها ـ وهي الفاشلة في المنافسة السياسية ـ أن تتكيء على خطاب طائفي هو بكل المقاييس السياسية والأخلاقية والعلمية (هابط.. هابط للغاية). ولكي تصدقوا اقرأوا مقالات طارق الحميد رئيس تحرير الشرق الأوسط! فستجدونها مقالات أدنى مرتبة حتى من تلك التي ينشرها الوهابيون المتطرفون على الإنترنت في موقع الساحات!

ما تفعله السعودية غير مستغرب منها، وإن كان مستنكراً.

المستغرب والمدهش حقّاً، ليس تراجع حلفاء السعودية في محور الإعتدال عن نهج السعودية فحسب، بل الأهم هو أن لا دمشق ولا طهران ولا حماس ولا حزب الله، فتح جبهة ضد السعودية على الصعيد الإعلامي والسياسي. بل وجد أن الحكومة العراقية رغم علاتها الكثيرة كانت أكثر جرأة على مواجهة السعودية في إعلامها المحلي وتصريحات سياسييها وأعضاء برلمانها.

لا نرى ردّاً مقابلاً على تهجمات السعودية وإعلامها، وكأن السعودية مدركة بأن ترسانتها الإعلامية لا تضاهى، ولا يستطيع أحدٌ أو يريد أحد أن يواجهها. وما يدعو للإستغراب أن السعودية تنتظر ولو كلمة من وسيلة إعلامية غير رسمية من سوريا أو إيران لتصعّد الموقف. فهذه الصحيفة محسوبة على النظام الفلاني وتلك على الآخر، وقد نالت من السعودية ومن قادتها الخ. ثم تتواصل الحملات الإعلامية بسعار أكثر من السابق.

ويبدو أن جناح الممانعة فطن الى أن السعودية تريد جرّه الى معاركها الإعلامية، فاختار العمل على الأرض، وترك للسعوديين الفضاء يصرخون فيه بما شاؤوا!

لمن الأرض، لمن الفضاء؟!

الإيرانيون الذين لا يفوتون تعليقاً على صحيفة أو رئيس دولة غربية أو قناة أميركية تجدهم يصمتون عن الغمز واللمز والتصريح ضدهم من إعلام السعودية ومن مسؤوليها كتصريحات سعود الفيصل. وإذا ما اضطروا الى الرد، فردّهم باهت بارد الى أبعد الحدود، في حين تتسم ردودهم على الأميركيين والغربيين والإسرائيليين بالحدّة والصرامة كما نسمعها وتسمعونها. بل وصل الحد بالإيرانيين الى حد السماح لقناة العربية بأن تهاجمهم من مكاتبها في طهران، في حين لم تسمح السعودية بفتح مكتب إعلامي لأي وسيلة إعلامية إيرانية في اراضيها. فما هو السرّ يا ترى؟!

هل هو الخوف من الماكنة الإعلامية السعودية؟ هل أن إعلام آل سعود غير مؤثر؟ هل هي الحكمة القائلة: فإذا ابتليت بجاهل كن عاقلاً/ وإذا ابتليت بعاقلٍ لا تجهلِ؟!

السعوديون أنفسهم لا يفهمون لماذا لا يردّ الآخر عليهم. ربما تصورّوا ـ بسبب الإنتفاخ الوهمي والمرضي ـ أن لا أحد يجرؤ على مواجهتهم إعلامياً. وربما تصوّروا أن صراخهم الإعلامي يبقيهم ضمن دائرة الوهج السياسي ويجعلهم ضمن (دائرة القوة الإقليمية العظمى) كما يعتقدون. أو ربما اعتقدوا بأن الآخر يخشى عضلاتهم، وأنه لا يعرف عجزهم وضعفهم وفشلهم وحيرتهم في أكثر من صعيد وقضية. أو ربما لأن أقوى ما تملكه السعودية هو جهاز إعلامها الخاص (الحياة/ الشرق الأوسط/ العربية وأخواتها/ وال بي سي) إضافة الى الإعلام الممول لحلفائها وهو الطاغي في الساحة العربية، وبالتالي فإنها لا تستطيع أن تستعرض عضلاتها إلا في هذا المجال المتاح لها والذي لا يجاريها فيه أحد.

هل هذه هي الحقيقة؟!

بقدر ما تمتلك السعودية من إعلام، فإنها أكثر من يتأثر سلباً به. إن آل سعود يخشون من موقع على الشبكة العنكبوتية، ومن مقالة تظهر في هذه الصحيفة المنسية أو تلك، أو من تصريح ينشر في صحيفة غربية، أو من إشارة يقولها رئيس دولة مثل (أشباه الرجال). السعوديون المهووسون بالإعلام هم أكثر من يصدقه ويتأثر به ويخاف منه. كل ما لديهم غير قادر على تغيير الرأي العام العربي لصالح مشروعهم السياسي.

إذن لماذا سكوت حلف الإعتدال عن الردّ؟!

ببساطة لأن الجميع يدرك بأن صراخ السعودية دليل إفلاس سياسي، ودليل على أنها تصرخ من الألم عبر إعلامها وشتم معارضيها أو مخالفيها.

وببساطة أيضاً، لأن محور الممانعة أكثر وضوحاً في رؤيته السياسية، وأكثر إيماناً بموقفه وبقدراته في مواجهة التحديات، وبالتالي فإن الإعلام السعودي حتى وإن طغى فإنه لا يغير من المعادلات على أرض الواقع شيئاً.

وببساطة ثالثة، لا يريد خط الممانعة بأن يفتح معارك جانبية، أو لا يريد أن يخوض في أكثر من معركة في وقت واحد. فالمشغول بأميركا وتهديداتها بشن الحرب وإسقاط النظام في إيران ودمشق، والمشغول بالإستعداد لهجوم إسرائيلي على أراضيه كما في لبنان وغزة، لا متسع له في الوقت للمماحكات الإعلامية السعودية المفلسة. خط الممانعة لا يرى في السعودية عدواً مباشراً، ولكن السعودية ترى أنه عدوٌ مباشر.

وببساطة رابعة، لا يريد خط الممانعة قطع شعرة معاوية مع السعودية، وإن كانت الأخيرة في ذروة انفعالها مستعدة لذلك، كما هو واضح من مسلكها مع حماس ومع دمشق ومع حزب الله، لكنها تجنّبت إيران لما في ذلك من توتير لا تستطيع أن تجابهه في ظل ضعف الحليف الأميركي من جهة، ومن جهة ثانية تخشى من انعكاس التوتر المتصاعد مع ايران على وضع الشيعة في السعودية. فضلاً عن أن السعوديين يدركون ما بيد إيران من أسلحة، ومن الحمق جرّهم الى معركة عسكرية مفتوحة تسبب لهم الحرائق في أهم بقعة نفطية في العالم.

وببساطة خامسة، الجميع في حلف الإعتدال يدرك أنه هزم، بمن فيهم السعوديين، ولكن الأخيرين لا يريدون أن يعترفوا بقوانين اللعبة الجديدة التي تسببت فيها نصف هزيمة لأميركا واسرائيل وحلفائهما العرب. أما حلف الممانعة، فيرى السعودية مجرد تابع لأميركا واسرائيل، وأن ليس لها القدرة غير الصراخ والتخريب والتهديد بحروب طائفية، يدرك الجميع في الحلفين (عدا السعوديين) أنها ستحرق السعودية أكثر من غيرها.

وأخيراً فإن حلف الممانعة لازال يطمع بأن تغيّر السعودية سياستها في يوم ما. أي أن عدم فتح معركة حادّة معها قد يتيح لها بعض التراجع المشرّف الى الخندق القديم أو قريب منه. ومع أن هذا الإحتمال وارد بالنسبة لمصر والأردن ومحمود عباس، ودول الخليج الأخرى، فإن السعودية وحدها لاتزال (راكبة راسها!) والجميع ينتظر تهشّم أكثر لتلك الرأس اليابسة!

غير أن هذا كله لا يعني أن جناح الممانعة لا يرد بين الفينة والأخرى بصورة تشير وكأنها إرسال رسائل الى السعوديين. واحدة من الرسائل ما نشرته صحيفة الأخبار اللبنانية من أن السعودية دبرت في أواخر العام الماضي انقلاباً عسكرياً ضد سوريا. ومن الرسائل ما ذكره الأسد بعد لقائه الأخير بساركوزي وامير قطر ورئيس تركيا حين علق على الحرب المذهبية في طرابلس وتمويلها الخارجي (مشيراً الى السعودية). ومن رسائل الإمتعاض ما قررته الحكومة الإيرانية بإغلاق مكتب قناة (العربية)، ولا تستطيع السعودية أن تزعم بأن إيران ليست بلداً حراً، إلا إذا كانت هي الأخرى بلداً غير حر، لأنها لا تسمح لوسائل الإعلام الإيرانية من العمل في أراضيها. ومن الرسائل الأخيرة ما نشرته صحيفة كيهان (اكبر الصحف الإيرانية) في 6/9/08 نقلاً عن مصادر اسرائيلية قولها بأن السفارة السعودية متورطة في أعمال تجسس على إيران لصالح الأمريكيين والإسرائيليين. السفارة السعودية نفت الأمر وطلبت من الصحيفة نشر نفيها. وأما قناة العربية (الحرّة جداً) فلجأت الى الاتحاد الدولي للصحافيين ليدين إغلاق مقر القناة، وكأن السعودية قمّة الحرية، وتتعامل مع إيران بالمثل على الأقل وليس بمستوى أدنى!

أما حزب الله فإنه كان على الدوام ضابطاً لأعصابه ولإعلامه، وإن كان يفسح المجال لبعض الأصوات اللبنانية المعارضة للسعودية بأن تنتقدها. ورغم الموقف المخزي من السعودية في حرب تموز ووصف حزب الله بالمغامر، ورغم الحملة الشعواء التي تشنها الشرق الأوسط والعربية كما الصحف المحلية ضدّه، إلا أنه صامت حتى الآن. وكاد في فترة سابقة أن يكسر الجرّة ضد قناة العربية لولا تدخل وسطاء لم يغير من واقع الإعلام السعودي شيئاً. ومع هذا، لم يشأ حزب الله أن يسرّب للإعلام العربي بأن قائده العسكري الأول إنما قتل في دمشق بتنسيق بين المخابرات الأردنية والسعودية والإسرائيلية، وهي ورقة لديه قد يكشفها إذا ما تطورت الأوضاع سلبياً.

حماس هي الأخرى ملتزمة بالصمت، إلا من إشارات مموهة من إعلامها المكتوب وقناتها الفضائية، فهي لاتزال تتحدث بصفة الجمع ضد معسكر الإعتدال، وتدين صمته بصفة الجمع، ولكنها أيضاً ألمحت في فترات سابقة الى أن بعض المحسوبين على فتح والذين فجروا الأوضاع في غزة إنما كانوا يتلقون أموالهم ودعمهم المباشر من السعودية مثل محمد دحلان، صديق السعودية (الكبير!).

لا يبدو أن إيران وسوريا في وارد مناكفة السعودية إعلامياً، فقد تُرك لها الفضاء لتسرح وتمرح فيه، إلا من ردود باردة متفرقة. لكن الأهم من كل هذا، من يكسب على الأرض.

الجميع يعرف من هو الخاسر، ولا عزاء له وإن طال وعلا صراخه في الإعلام.

الصفحة السابقة