الوهابيون ورثة أميركا الساقطة (الذاهبة)!

يحي مفتي

فيما مضى من زمن، كانت المناهج السعودية للتاريخ تدرسنا كيف نجحت (الدعوة السلفية/ الوهابية) دون سواها من الدعوات في إسقاط الدولة العثمانية، التي كان الملك عبدالعزيز يتندر مع مبارك الصباح عليها قبل سقوطها، وكانا يسميانها بـ (الدولة الذاهبة).. وهو وصف مشابه لوصف الإنجليز لها: (الرجل المريض) أو (رجل أوروبا المريض) قبل أن يقوموا بقتله، بدل أن يموت حتف أنفه!

وقد عدد منهج التاريخ أسباب نجاح الوهابية في إسقاط الدولة العثمانية (وهي لم تسقطها بالقطع وإن ساهمت في ذلك) فقال بأنها كثيرة، من بينها، أن الدعوة السلفية قامت على كتاب الله وسنّة رسوله، في حين أن الدولة العثمانية كافرة!؛ وأنها ـ أي الدعوة ـ نشأت وترعرعت بعيداً عن مركز الخلافة.. ومن الأسباب أن الله اختار أن تكون تلك الدعوة وارثة لحكومات الضلال (.. ونجعلهم الوارثين).

وحين كبرنا، اكتشفنا أن الذي ورث الإمبراطورية وقسمها واحتل واستعمر أجزاءها المقسّمة، هم الإنجليز والفرنسيون، وأن الوهابية وزعماءها الذين تشفّوا بسقوطها، واستغلّوا ضعفها لاحتلال مناطقها، حصلوا من تلك التركة أن سمح لهم الإنجليز بالإحتفاظ بالأحساء وبأن يحتلّوا الحجاز ويعاقبوا الشريف حسين والأشراف وأهل الحجاز عامة، كما سمحوا لهم ومولوهم لاحتلال عسير ونجران وجيزان. ولما حاولت الوهابية المتحمّسة ـ خلافاً لرأي ملكها ـ تخطّي الحدود الى الكويت والأردن والعراق، لاحقتهم الطائرات البريطانية وقصفتهم.

بنى آل سعود مملكتهم النجدية الوهابية على أنقاض الدولة العثمانية ومملكة الحجاز، وتنقلوا من الحماية والدعم الإنجليزي، الى الحماية والدعم الأميركي، ولازالوا.

المفتي: زعيم الوارثين!

لكن الوهابية اليوم، وهي تشهد تصدّع الرأسمالية، استبشرت خيراً، فها هي امبراطورية تترنح، وتساءل مفكروها وعباقرتها: ما هي حصّتنا من ذلك؟ وأين وراثة الأرض التي وعدنا الله إياها؟ وطفقت منتديات التكفير الوهابي تتحدث عن (دورنا) و (خططنا)! فهناك صيد ثمين، وضحيّة تتخبط في دمها، وتعاني العجز، وبالتالي هنالك فرصة لأن ترث (الدعوة السلفية المباركة) الأرض وتنجح في نشر رسالة التوحيد الوهابي الى كل الأصقاع.

الوهابية الحالمة المصابة بالرعب من تفكك امبراطوريتها السعودية. والوهابية الجاهلة التي بالكاد قادرة على الإحتفاظ بما في يدها وحراسة ما تبقى من مناطق نفوذها.. تريد أن تبتلع امبراطورية مثل أميركا. حالها مثل حال نملة تريد أن تبتلع فيلاً.

يظن الوهابيون أن بالإمكان إرسال فرق المجاهدين الى واشنطن ونيويورك لإخضاع المسيحيين الحُمر! وإرغامهم على الإسلام ودفع الجزية. وقد يكون ذلك في غزوة جديدة على نمط غزوات الوهابية القديمة أو حتى الحديثة التي قادها ابن لادن، الذي لمع نجمه وهابياً هذه الأيام، كونه البطل الذي أطاح بالإقتصاد الأميركي وبالقوة الأميركية.

ويظن الوهابيون الذين فشلوا في (توهيب) الأكثرية ممن هم تحت قبضتهم في دولتهم، أنه بالإمكان ـ في هذا الوقت الذي نفر منها العالم الإسلامي بل العالم كله ـ الدخول في عملية (توهيب) كونيّة!

يظنّ الوهابيون أن لديهم (جواهر فكرية) لم يكتشفها أحدٌ غيرهم من المسلمين، وإن اكتشفوها فهم لم يقبلوها حسداً وعناداً وكفراً!. وأن هناك إمكانية لأن يعرضوا (جواهرهم!) على غير المسلمين، الخالين من العصبيات، والذين لم تتلوث فطرهم!، كيما يقبلوها. ولذا يستغرب المتابع لنشاطات الدعاة الوهابيين كيف أنهم ـ كذباً ـ وخلال دقيقتين يحولون الفرد المسيحي الى مسلم وهابي؛ وتتعجّب من الكذب حين تعلم بأن الداعية السلفي لم يكن يتقن كلمة يخاطب بها المستهدف بتلك الجواهر. حتى ان أحدهم قال بأنه أوقف مجموعة في استراليا، وقرأ عليهم سورة مريم (هكذا) فعادوا اليه في اليوم التالي وأسلموا! يا له من انتصار! ويا لها من سهولة في تغيير المعتقدات!

يغيب عن الوهابية ودعاتها الجهلة، أن ضعف أميركا الإقتصادي والعسكري سينعكس على بنيانهم هم، على مملكتهم المربوطة بالحبل السري الحمائي من أميركا. سيكتشفون ـ متأخرين كالعادة ـ بأن ضعف أميركا لا يقويهم وهم الملتصقون بها التصاق الرضيع بثدي أمّه! وسيرون إن لم يروا بعد أن انحسار الدور السعودي حالياً على المستوى الإقليمي كان متوازياً مع انحسار الدور الأميركي/ الإسرائيلي. هذا لا يلتفتون إليه، ولا يبحثون سببه؛ ولا يريدون أن يصدّقوا أن دولتهم ورموزها من آل سعود مجرد (برغي) في الآلة السياسية والعسكرية والمالية الغربية. وإذا ما ضعف أداء الآلة، سياسياً وعسكرياً ـ كما في العراق ولبنان وفلسطين ـ فإن الرابح ليس آل سعود ولا آل مبارك ولا الآلات الأخرى، بل هم منافسوهم وربما أعداؤهم.

ثم كيف سترث الوهابية الإمبراطورية الأميركية، ويتحقق الحلم الوهابي بالسيطرة على الكون؟!

يعتقد الوهابيون بأنهم الفرقة الناجية دون باقي المسلمين. أي ان الفرقة الناجية تمثل أقل من ثلاثة بالمائة من المسلمين! وهذه الثلاثة بالمائة الناجية، هي أيضاً (الوارثة!) لمن يسقط. فهلا ورثوا العراق، أو لبنان، أو فلسطين، أو أفغانستان، أو حتى إيران إن كانوا لازالوا يعتقدون بأنها ستسقط اليوم أو غداً؟! إن كانت معدة الوهابية غير قادرة ـ وبعد قرن ـ على هضم ممتلكاتها داخل الجزيرة العربية، فكيف ستهضم تلك المعدة الصغيرة، ممتلكات بحجم دول أو إمبراطوريات؟!

كيف تستطيع الوهابية وراثة إمبراطوريات وتغييرها، وهي لا تملك عقلاً ولا أفقاً ولا قدرة تحمّل لرأي مخالف من داخل الوسط الإسلامي السنّي؟

كيف تستطيع الوهابية وراثة امبراطورية بجهالة لازالت ترفض العلم وترى أن الأرض ليست كروية وأن الإنسان لم يصل الى القمر حتى الآن. وتعتبر ذلك كذباً، ولازال بعض الوهابيين في كلية العلوم يقولون بذلك ويعلقون فتاوى ابن باز على الحيطان!

كيف تستطيع الوهابية وراثة امبراطورية مثل أميركا، وهي لا تمتلك مصنعاً للسكاكين، وليس فقط مصنعاً للأسلحة والمتفجرات، أو الطائرات والدبابات؟!

كيف تستطيع الوهابية بثقافتها المغلقة، وبأتباع أقليّة، وبالإنتحاريين المتخرجين على يدي فكرها ومشايخها، وبكتابات ابن تيمية، أن توسع ممتلكاتها واحتلالاتها الى غيرها المسيحي هذه المرّة، بعد أن كانت كل حروبها ضد المسلمين؟

الوهابية ستضعف بضعف أميركا، وليس سترث الأخيرة. إن ضعفت أميركا ستضعف السعودية ودورها، وحين تضعف الدولة تضعف الوهابية تلقائياً!

الصفحة السابقة