مؤتمر تلمّع فيه وجوه الطغاة والمجرمين

حوار سعودي لا علاقة له بالأديان بل بإسرائيل

سعد الشريف

ما علاقة السعودية بحوار الأديان؟

صحيح أنها تحتضن الحرمين الشريفين، وصحيح أن السعودية تزعم بأنها الدولة الإسلامية الوحيدة. وصحيح أن الأيديولوجيا الوهابية ترى نفسها (المسلمة الوحيدة) وأنها وحدها على طريق الإسلام الصحيح.

كل هذا صحيح، ومن هنا يأتي التساؤل.

لماذا تأخرت السعودية في طرق موضوع حوار الأديان، وهو موضوع قديم عمره لا يقل عن نصف قرن، بل أكثر، منذ مؤتمر بحمدون (لبنان) الأميركي في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي.

لم تكن السعودية معنية به، رغم أن الراعي أميركي حليف، والحضور أصدقاء وحلفاء!

ولم ترفع السعودية في تاريخها أي لافتة أو راية تدعو الى شيء إسمه (حوار) لا بين الأديان ولا بين المذاهب الإسلامية نفسها. لا في داخل السعودية ولا في خارجها.

بل أن لفظة (حوار) و (تقارب) لم توجدا في قاموس النظام السياسي السعودي، كما هي بكل تأكيد غير موجودة ـ ولاتزال غير موجودة ـ في قاموس المؤسسة الدينية الرسمية والأيديولوجيا الرسمية.

لم يكن النظام السعودي يجد في مفردة (حوار الأديان/ أو حوار المذاهب) مرتعاً خصباً للإستثمار السياسي. بل كانت توحي له بالشرّ، كون المفردتين غير مقبولتين تماماً من السلطات الدينية الرسمية.

لهذا لم تشارك السعودية في مؤتمر حوار أديان واحد، وكانت متعففة رسمياً عن المشاركة في أي اجتماعات تقريب بين المذاهب الإسلامية.

أما إذا جئنا الى المؤسسة الدينية الوهابية، فهي تستفز بلفظة حوار، أو تقارب، وسبق لها أن شنت حملة على دار التقريب التي انطلقت في الستينيات الميلادية الماضية في مصر، واعتبرتها داراً إسرائيلية في القاهرة. ورفضت المؤسسة الدينية حتى الإلتقاء بشخصيات دينية سعودية سنية كالمرحوم السيد علوي مالكي، باعتباره صوفياً كافراً، ورفض إمام الحرم الشيخ السديس قبل بضع سنوات، حينما أوتي بجثمان السيد الزكي في الحرم للصلاة عليه، رفض الصلاة على كافر!. ولا ننس أن المؤسسة الدينية رفضت حتى ملاقاة مفتي عمان الأباضي، واعتبرته كافراً ضالاً، مما اثار غضباً عارماً في السلطنة.

باختصار، الحوار والتقارب الدينيين، حتى ضمن الدائرة الإسلامية، ليسا من بضاعة الوهابية الدينية، ولا هي تراها ذلك، لا في الماضي ولا في الحاضر.

نعم بضاعة السعودية بحق هي: التكفير، والقتل، ونشر الفتن الطائفية في كل أرض وطأها وهابيون، وهذا ما لاحظه العلامة البوطي وعدد كبير من علماء المسلمين. هذه البضاعة هي التي تستخدم اليوم لتمزيق وحدة الصف، وتأجيج النزاع والكراهية، وإشعال الفتنة كلما هدأت.

لماذا ـ إذن ـ ظهرت مقولات الحوار الديني السعودية الآن؟!

لماذا صارت السعودية بحاجة الى أن تظهر نعومة وتسامحاً على صعيد العالم في حين أن بيتها تعتوره فتاوى التكفير والقتل والتنابذ؟

أليس الحوار في الداخل وبين أهل الداخل السعودي أولى من حوار الأديان؟

أليس الفاشل داخلياً في موضوع الحوار، لا يرجى منه خير في الخارج؟

ثم لماذا لا يكون حوار الأديان في السعودية وليس في مدريد أو نيويورك؟!

ولماذا، لم تشارك المؤسسة الدينية الرسمية وهيئة كبار العلماء ولجنة الإفتاء في الحوار الديني، لا في مدريد ولا في نيويورك، في حين توجه دعوات لشيخ الأزهر ومفتي مصر ومفتي كل العواصم الإسلامية؟!

أليس هذا مخجلاً، أن تدعو السعودية لحوار أديان على أرض في غير أرضها، ولحوار لا تحضره مؤسستها الرسمية الملتصقة بآل سعود ومصالح النظام؟

ما معنى هذا كلّه؟!

معناه أن المؤتمرات الحوارية التي تتغطى بالدين السعودي، ليست صادقة، وإنما هي مؤتمرات سياسية، ذات استهدافات سياسية، خاصة بعد أن تشوهت سمعة السعودية بعد احداث سبتمبر 2001.

من يريد أن يدافع عن سمعة الإسلام، عليه أن يشكم الوهابيين الذين هم في داره، ممن يذكرون الله قبل أن يذبحوا خصومهم الكافرين المشركين الضالين المضلين. عليه أن يحدّ من سلطاتهم، وأن يخمد سورة غضبهم الأعمى ضد من يخالفهم الرأي من المواطنين قبل العرب والمسلمين والأجانب غير المسلمين.

لم يسوّد سمعة الإسلام إلا هؤلاء، وإلا المنتج المرّ للأيديولوجيا السعودية الوهابية. إن كان الملك يريد غرس ثقافة التسامح بين الأديان، فعليه أن يبدأها في داره وبين شعبه، لا أن يروّج لها في الخارج، وهو محروم منها!

لو لم يكن الهدف سياسياً، لتبييض صورة السعودية السوداء في الخارج، لما كانت مؤتمرات الحوار التي بذل من أجلها مئات الملايين من الدولارات!

وفي مؤتمر حوار نيويورك، بدا فاقعاً الموضوع السياسي، فالحضور في مجملهم من رؤساء الدول ورؤساء الحكومات والوزراء الممثلين لبلدانهم كانوا من السياسيين، ومكان الإنعقاد له معنى سياسي، وهدف السعودية ـ كما هو مجمع عليه ـ سياسي محض. وهو إضافة الى تبييض صورتها العالمية، محاولة للتطبيع مع الإسرائيليين من الباب الخلفي، كما رأى ذلك حزب الله، والأخوان المسلمون، وقيادات إسلامية وسياسية عديدة.

وإلا هل كان بيريز وليفني داعيتان يهوديان، أم متصهينان مجرمان قاتلان؟!

أم هل كان بوش وممثلي بريطانيا ودول غربية أخرى، مسيحيون، ويهتمون بالمسيحية والأديان، مجردة من البعد السياسي والمصلحي؟!

أم هل كان ملك الأردن، كما ملك البحرين والسعودية، ووزراء ورؤساء وزارات عربية عديدة، مشفقون على صورة الإسلام، وعلى السلام العالمي، فجاؤوا يتراكضون ليأخذوا البركة وشرف الدفاع في نيويورك.. في حين أن غزة تعيش الحصار والهجوم الإسرائيلي القاتل والمستمر؟!

تحت غطاء الإسلام، وحوار الحضارات، جاءنا ملك لا يجيد قراءة آية أو جملة صحيحة، ونظن أنه لا يستطيع أن يجيد قراءة اسمه جيداً، ليبني له مجداً، وليحصل على جائزة نوبل، المتوقع ان يرشح إليها، وليدخل علينا الإسرائيلي من النافذة رغم الصد العربي والإسلامي.

هذا ليس مؤتمر حوار أديان، ولن يكون. هذا مؤتمر سياسيين انتهازيين. مؤتمر تلمّع فيه وجوه الطغاة والمجرمين. وسيكون قريباً أثراً بعد عين.

الصفحة السابقة