المنتج الوهابي.. هل يشعلها حرباً في شبه القارة الهندية؟

محمد الأنصاري

أحداث مومباي، العاصمة الإقتصادية الهندية، والتي وقعت الشهر الماضي خلفت إضافة الى عدد كبير من القتلى والجرحى (نحو 200 قتيل و300 جريح).. أزمة متصاعدة تنذر بوقوع مجابهة عسكرية بين الهند والباكستان، العدوين اللدودين منذ تقسيم القارة الهندية عشية استقلالها عام 1947م.

الهند تتهم وتقول بأن (كل) المهاجمين جاؤوا من الباكستان.

وتطالب الباكستان بتسليمها 20 باكستانياً مطلوباً، وهو أمرٌ مستحيل الوقوع على أية حال.

وتعلن بأنها ستستخدم القوة لمنع الهجمات على أراضيها والمنطلقة من الأراضي الباكستانية.

أما الباكستان، فتستخدم اللغة الإعتذارية، وتقول بأن على الهند المفجوعة أن تتلمس خطواتها بشكل واقعي، وأنها مستعدة للتعاون الأمني لمكافحة الإرهابيين، وأنها قد تسحب جزءً من جيشها على الحدود الأفغانية ووضعه على الحدود الهندية (مقابل القسم الهندي من كشمير) إن أصرّت الهند على اتخاذ خطوات عسكرية، في محاولة من الباكستان جرّ الولايات المتحدة للتدخل لكبح جماح الإنفعال الهندي، والذي سيؤثر إن تطور الى حرب، على وضع أفغانستان نفسها.

لكن أيّاً من الخبراء والمعلّقين لم يركز كثيراً على طبيعة الجماعة المهاجمة. ليس المهم إسمها، ولا المهم معرفة أهدافها بالضرورة، بقدر ما هو مهم، معرفة العقلية والأيديولوجية التي دفعت بأشخاص (باكستانيين أو غيرهم) ليقوموا بتلك التفجيرات الشنيعة والقتل العام للأبرياء، في بلد غير بلدهم، ولأهداف لا يظهر منها سوى الإنتقام.

طريقة القتل العام، والتفجيرات، ورفض التفاوض ـ كما تقول السلطات الأمنية الهندية ـ صورة جربناها منذ أحداث 9/11، وهي نسخة من أحداث جرت في السعودية نفسها، بل في عاصمتها، كما جرت في العراق بنحو أكثر عنفاً وحدة، وجرت في عواصم أوروبية في مدريد ولندن وغيرها.

لم يحدث في تاريخ المسلمين الحديث، ظهور مثل هذه الصور، ما يشي أن ما جرى يحمل بصمات القاعدة. وبصمات القاعدة مؤسسة على ايديولوجية سلفية وهابية، لا تكترث بحياة الناس كيفما كان دينهم أو مذهبهم. وما يقوم به الوهابيون به يختلف عن الحروب الطائفية التي جرت في أماكن أخرى من العالم الإسلامي، مثل نيجيريا وأندونيسيا وغيرهما، كما تختلف حتى عن تلك الصور النضالية التي قدمها الفلسطينيون من اختطاف طائرات وتفجير مواقع داخل كيان العدو الإسرائيلي.

هنا القتل مفتوح على أبوابه في مدينة مختلطة الديانات والجنسيات والمذاهب والألوان والأعراق.

وهنا القتل والتدمير يتخذ طابع الشراسة والتعدد في أماكن مدنية عديدة.

وهنا تفتقد مبررات العنف بشكل كبير. فالهند في نهاية المطاف دولة ديمقراطية، بل أكبر ديمقراطية في الكون كلّه. وهي دولة لم تخلو من العنف الطائفي وحتى السياسي المحلّي. لكن لم يصل عدم الإكتراث الى هذا الحدّ. ولم يأت أشخاص من خارج الحدود، لا قضيّة لهم مع الهند، اللهم إلا الصراع التاريخي منذ تقسيمها، ليقوم بما قام به. حتى القوى الكشميرية التي تؤمن بالنضال المسلّح لنيل الإستقلال عن الهند لم تنخرط في مشاريع عنف بهذا الحجم، ووفق هذا المنهج، اللهم إلا إذا دخل العنصر الأيديولوجي السلفي الوهابي على بعض الحركات الكشميرية خلال السنوات الماضية (لشكر طيبة). آخذين بعين الإعتبار أن من قام بالعملية أو تبناها سموا أنفسهم بـ (مجاهدين ديكن)!

منتج وهابي

إن صدقت مزاعم الهند بأن كل المهاجمين كانوا من الباكستان، فإن الحقيقة تقول بأن هؤلاء ليسوا منتجاً باكستانياً محضاً.

الحاضنة فقط هي باكستانية. أما الصانع الحقيقي فهو يقيم بعيداً في السعودية، وبالتحديد في وسطها.

هناك المفرخة الحقيقية للإرهاب.

هناك الصنّاع المهرة في إنتاج شياطين العنف والمتعطشين للدماء في أنحاء مختلفة من العالم.

هناك حيث مصدر الفكر/ والأيديولوجيا والمال الذي يخلق مثل أولئك الشياطين.

الباكستان تدفع اليوم ثمناً عالياً للعلاقة المتميّزة مع السعودية لعقود طويلة.

لطالما اعتبرت الباكستان الحديقة الوهابية الخلفية الأكبر منذ بدايات الستينيات الميلادية من القرن الماضي.

وآل سعود لم يستثمروا في ذلك البلد سياسياً واقتصادياً، بل كان استثمارهم الأكبر في مجال (الأيديولوجيا) وترويج الفكر الوهابي، وفتح المدارس والكليات الوهابية، واستقبال المئات إن لم يكن الآلاف من الطلبة الباكستانيين للدراسة في الجامعات الدينية السعودية، وبالخصوص الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، التي خرّجت أجيال التطرف التي يحارب الكثير منها اليوم الحكم المركزي.

كانت التيارات السياسية الباكستانية ذات النزعة الدينية الحليف المقرب للحكم السعودي. وحتى السياسيين الذين لا يهمهم أمر الدين، تلفعوا بعباءاته بغية كسب ودّ وأموال السعودية. ولعلّ تجربة السعودية مع ضياء الحق، الجنرال الذي انقلب على الحكم المنتخب الذي يمثله ذو الفقار علي بوتو، كانت الأنجح في تعزيز الوهابية وانتشارها كالنار في الهشيم منذ أواخر السبعينيات الميلادية الماضية.

دعمت السعودية ضياء الحق، ورفضت التدخل لإنقاذ بوتو من حبل المشنقة، باعتبار ذلك شأناً داخلياً! ثم صار ضياء الحق الحليف الحقيقي للسعوديين، وأرسل نحو 25 ألف جندي لحماية السعودية في فترة الحرب العراقية الإيرانية، وكان كثير السفر للسعودية، والتمسّح بالدين، بحيث أنه أدّى العمرة مرات عديدة في العام الواحد!!

كتائب الوهابيين، خاصة بعد احتلال السوفيات لأفغانستان، كانت تنطلق من نجد السعودية (قرن الشيطان كما سماها الرسول صلى الله عليه وسلم) لكل المدن الباكستانية مبشرة بعقيدة (التوحيد!) حتى إذا شبّت الأجيال الوهابية الجديدة، أحرقت ـ كما في دول أخرى ـ الأخضر واليابس من حولها. وما يجري في الباكستان اليوم، هو الثمن الذي تدفعه أية دولة بدون استثناء، اسلامية كانت أو غربية، عربية أو أعجمية، تسمح لهذا الفكر الدموي بالإنتشار.

ستدفع الباكستان الكثير، وهي لاتزال تدفع الثمن، حتى أصبحت ضمن التعريفات الغربية (دولة فاشلة/ Failed State)، لا استقرار سياسي، ولا ديمقراطية قائمة إلا تحت رحمة العسكر، ولا تطور اقتصادي، بل هي على حافة الإفلاس. وفي المقابل يمكن رؤية الصورة معاكسة تماماً على الجانب الهندي.

ما يثير الإستغراب، وهو ما لمح له فارس حزام في أحد مقالاته الأخيرة، هو أن الوهابيين السعوديين نأوا بأنفسهم هذه المرّة عن مديح علني لتفجيرات مومباي، واتخذوا موقف الصامت، فيما التوترات الهندية الباكستانية تنذر بالحرب. أما مشاري الذايدي، فأشار في مقالة له في الشرق الأوسط، الى أزمة الفكر الديني الباكستاني، ولكنه لم يشر مطلقاً للفكر الوهابي السعودي الدخيل الذي ينذر بتفتيت الدولة الباكستانية.

حال الوهابيين ينطبق عليه المثل: رمتني بدائها وانسلّت!

الصفحة السابقة