الرياض تتلقى صفعة أخرى ولكن في.. أفغانستان

عمر المالكي

ليس جديداً القول بأن السعودية خسرت مواقعها في افغانستان، بعد أن كانت مع الباكستان تشكلان الرقم الأصعب في معادلته. الخسارة تمت قبيل الغزو الأميركي بسنوات حين رفضت الطالبان فك التحالف مع القاعدة، رغم أن السعودية من الدول الأولى التي راهنت على الطالبان ومولتها وأولدتها واعترفت بها هي ودولتين أخريين: الإمارات والباكستان.

فشل سعودي جديد

الاحتلال الأميركي لأفغانستان، وإدارة معاركه من قواعد أميركية في السعودية، كما هو معلوم، أطلق رصاصة الرحمة على العلاقات بين الطرفين السعودي والطالباني. ولأن السعودية كانت تبحث عن (براءة ذمة) من أحداث سبتمبر، وضعت الطالبان مع القاعدة في سلّة واحدة ورأت التخلص منهما، وهو ما حدث.

خطأ السعودية أنها انسحبت من أفغانستان بعيد احتلاله، تاركة لأميركا والناتو تدبر أمره، مع تمويل سعودي إن تطلب الأمر. وبسبب الإحتلال عادت العناصر المدعوم أكثرها من إيران لتسيطر على سدة السلطة، وهو أمر أزعج السعودية، وكان سبباً في تراخيها عن دعم النظام الجديد. الأمر الذي جعل موقع إيران في التأثير الثاني بعد الباكستان أو الأول حتى.

انتهجت السياسة الخارجية السعودية فلسفة التخلص من مواطن التورط، التي قد ترتد عليها في وقت هي بحاجة الى تلميع صورتها الإرهابية بعد أحداث 9/11، فكان ان طلقت شبه نهائياً أفغانستان والصومال، وحتى المشاكل القديمة الأخرى والمستجدة: الصحراء الغربية، ودارفور والشيشان وما أشبه.

فجأة صحت السعودية على دور أراد الغرب اناطته لها لتخفيف خسائره في الحرب الأفغانية. والسعودية رحبت بالدور لتكون الوسيط بين كرزاي والملا عمر، لعلها تستعيد بعض الدور المفقود، ولكن بمباركة وتأييد الغرب، بحيث إذا ما نجحت زادت رصيدها عند حلفائها وحماتها الغربيين، ولتثبت بأنها (اي السعودية) لم تتغير، وأنها الصديق والحليف الذي يعتمد عليه في الأزمات وأوقات الطوارئ.

الخطوط مع الطالبان متقطعة، ولكن السعودية حاولت الاتصال بأولئك السياسيين القدامى مثل الملا ضعيف الذي رأس خارجية الطالبان فترة من الزمن، واستدعته ليتباحث مع موفد من الحكومة في الرياض، في محاولة ابتدائية لجسّ النبض لدى الملا عمر، ومؤملة أن يقبل بتقاسم السلطة مع القابضين عليها اليوم، بل وسرت شائعات نشرتها مجلة دير شبيغل بأن السعودية عرضت على الملا عمر اللجوء الى الجنة (السعودية!).

مثل هذه الأخبار أثارت الملا عمر، فهو أولا يعتبر السعودية شريك في احتلال بلاده، وهو ثانياً تلقى إهانة بمثل هذه التصريحات، وهو من جهة ثالثة أُسيء تقدير قوته غربياً وسعودياً، فيما هو يسيطر اليوم على ثلاثة أرباع أفغانستان. فلماذا يقبل بالهدنة في ظل الإحتلال؟

السعودية طرف غير محايد، وإن كان قادراً على الدفع أي تمويل مستحقات الوساطة!، وافتقاد السعودية لعنصر الحياد في اكثر من موقع جعلها تدفع ثمناً باهظاً، سواء في أفغانستان أو لبنان أو العراق. لا بد من طرف آخر يقوم بالوساطة وليس السعودية، التي هي طرف معاد.

الملا عمر: لا صلح ولا تقاسم سلطة

لهذا السبب خسرت السعودية قبل أن تبدأ حتى الجمع بين الملا عمر وكرزاي، او من يمثلهما. وقد توقعنا (في أعداد سابقة) أن السعودية ستصل الى هذه النتيجة الحتمية.

في السابع من ديسمبر أعلن الملا عمر في رسالة له بمناسبة عيد الأضحى أن دعوة الصلح (المضللة، تعتبر حماقة ولا يقبلها العقل) في ظل استمرار الصراع (وتحت ظل طائرات المحتلين الفتاكة وقنابلهم الضخمة، وفي حالة وجود الاحتلال وإرسال مزيد من القوات). وأضاف موجهاً كلامه للسعودية: (عل? الذين يبتغون المصالحة إنهاء الاحتلال أولاً، فهؤلاء هم الذين فرضوا وسلطوا الحرب عل? الشعب الأفغاني المجاهد، ولا يمكن في مجتمع إنساني أياً كان أن يتحدث للمصالحة بفوهة البندقية، فإجراء المفاوضات في ظل مواصلة الصراع أمر مستحيل).

وتابع الملا عمر متحدياً رافضاً تقاسم السلطة: (لا تحسبوا أن قادة الجهاد الإسلامي سوف يتخلون عن حقهم المسلم وجهادهم المقدس بوعودكم الزائفة، والمصالح المادية، وإعطاء حق العصمة الشخصية، واقتراح منح الحقائب الوزارية والمناصب العالية في غضون الاحتلال).

وطالب زعيم حركة طالبان (المعتدين على شعبنا المنكوب وبلادنا المظلومة) سحب قواتهم من أفغانستان، محذراً من هذه القوات لن تنجو (من ضربات مجاهدينا الغاضبة).

وجاءت تصريحات الملا عمر هذه، في وقت توقعت فيه السعودية اجراء مفاوضات بين مبعوث من طرفه مع مبعوث حكومي بحيث تتم أثناء موسم الحج. لكن الملا عمر لم يرسل أحداً، ولم يقبل بالمفاوضات من أساسها، بل وصرّح رافضاً لها، كونها تستهدف محاصرة القاعدة ولا تمنحه شيئاً مهماً.

وتعليقاً على ذلك قال مصدر سعودي في 8/12 للسي إن إن أن بأن تصريح الملا عمر، لم يتضمن اللغة المنتظرة منه، زاعماً أنه لا تربطه أي صلة بزعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن. وأشار المصدر السعودي إلى أن محادثات السلام الأفغانية مع طالبان، والتي كان يتوقع أن تعقد على هامش موسم الحج، ألغيت في الوقت الحالي، دون أن يشير إلى إمكانية عقدها في وقت لاحق غير محدد.

وبهذا يسدل الستار عن محاولة سعودية فاشلة لاستعادة نفوذها في أفغانستان بدعم غربي.

إن هذا يكشف عن مدى انحدار السعودية في المكانة والإهتمام، بعد أن استعدت سياساتها الخارجية شعوباً عربية وإسلامية عديدة، فضلاً عن قوى سياسية لها ثقلها في بلدانها. كما يقدم الفشل درساً لآل سعود، بأن المال لوحده لا يصنع المعجزات، حتى لدى الفقراء والمحتاجين، وعليهم أن يصلحوا منهجهم السياسي قبل أن يخطوا الخطوة الصحيحة والمستقلّة، أما قطع الحبال مع الآخرين ومن ثم محاولة بنائها من جديد كما هو الحال مع أفغانستان، دون تغيير المنهج، وبإملاء غربي، فإنه لا يعيد المجد الضائع لهم ولا لبلدهم.

الصفحة السابقة