تظاهرة (سلطانية) ضدّ (ملك الموت)!

الموت والمرض والشيخوخة (عيب) عند آل سعود. فمن المعيب أن يمرض الأمير أو الملك أو حتى يشيخا أو يموتا، لأنهما محصّنان ضدّ كل ذلك، وإنما خلق الموت والمرض لأجل العامّة.

سموه أو جلالته (بصحة جيّدة).

بماكياج جيد يخفي الشعر الأبيض، ويخفي تجاعيد الوجه الذي نحت الزمن عليه بصماته.. يطلّ علينا آل سعود دائماً.

يستحيل أن ترى الملك أو ولي عهده بلحية بيضاء، فرغم عنصريتهما وانحيازهما ضد السواد أينما كان (حتى ولو كان أوباما!) فإنهما وإخوتهما أعداء لـ (الشعر الأبيض) الذي يذكّرهم بخريف العمر، وهادم اللذات، والآخرة، والحساب، والعقاب، وأمثال هذه المفردات التي لا يطيقون سماعها.

في اللحظة التي قيل فيها أن الملك فهد قد أُصيب بالجلطة الدماغية، قالوا أن (خادم الحرمين بصحة جيدة) وأن كل شيء على ما يرام، بل أن نايف كان شديد الإنزعاج من التقارير الصحفية التي تحدثت عن مرض الملك وأنه سيبقى معوقاً.

وقد شاءت إرادة الأمراء ان تبقي الملك محنّطاً لما يقرب من تسع سنوات، زعموا أن جلالته! كان خلالها يدير الدولة، ولم يكن في واقع الحال إلا دمية تمت إهانتها بشكل متكرر حين أُظهرت على شاشات التلفاز وقت الضرورة.

الآن، ولي العهد سلطان، مريض. فيأتيك بعض الوهابية الأغبياء لا ليقول بأن الموت حق، وأن المرض أمرٌ طبيعي، وإنما: (موتوا بغيظكم، سلطان الخير بصحة جيدة، ولا نلتفت الى الدعايات المغرضة التي تريد النيل من بلاد الحرمين)!

يتناسى هؤلاء الجهلة، أن البيان الرسمي الذي نشره الديوان الملكي قال بأن سلطان سافر الى أميركا لأمور تتعلق بصحته، أو لاجراء فحوص طبيّة! ومتناسين أن الأمير وحاشيته لم يصدروا بياناً بتطورات تلك الفحوصات، ولا نوعية المرض، ولكنهم استخدموا العبارة المعتادة (صحته سموه جيدة وبخير).. في حين أن الإتصالات الهاتفية تتوالى عليه من مشايخ الخليج لـ (الإطمئنان على صحته)!

وها قد اطمئنوا!

يمكن الكذب في كثير من الأمور، إلا في موضوع المرض والموت، فعزرائيل لا يمازح أحداً، وقدر الله يأتي الأمراء كما الأفراد العاديين ولو كانوا في بروج مشيدة، أو تحت رحمة أطباء نيويورك!

لكن من يرى الموت عيباً، ويعتبر المرض سرّاً من أسرار الدولة البهيّة السعودية، ومظاهر الشيخوخة عاراً تستدعي صناعة وجوه شابّة من العدم.. هؤلاء لا بدّ أن يحتجوا ويتظاهروا ويعملوا على مقارعة الموت بوسائلهم البدائية.

فماذا تفيد جملة أن سلطان بصحة جيدة، إن كان السرطان قد انتشر مرة أخرى في القولون، وأن العلاج ميؤوس منه؟ وبماذا يكون تبرير غياب سلطان عن المملكة لفترة طويلة من الزمن؟ وكيف سينجح خبراء التجميل في إظهاره لشعبه حين تفعل الإشعاعات المكافحة للخلايا السرطانية فعلها فلا تبقي له من شعر يمكن تلوينه بالأسود أو غيره؟! بل ماذا سيقول هؤلاء إذا ما حلّ ملك الموت ضيفاً عند سموه، في حين أن الشعب المسعود ـ الذي لا يستطيع العيش بدون سموه والذي لم يُفطم بعد! ـ غير مهيّأ لسماع الخبر؟! ألا يخشون أن ينتحر نصف الشعب، ويسقط النصف الباقي مغمىً عليه، حزناً وأسى وكمداً؟!

كيف يمكن أن يبقى سموّه حيّاً حتى اللحظة الأخيرة؟ هذا سهل، والتجربة أفضل برهان. فالعاملون بقسم العلاقات العامة لدى سموّه، ينشرون التصريحات، ويزورون الأخبار، ويظهرون سموه متابعاً لكل ما يجري ليس في بلاده فقط، بل وفي الكون كله. إن سموه لم ينس شعبه، ولم يترك عمله لمرض تافهٍ ألمّ به، بل هو حريص على الوطن وأهله ومصالحه!

هكذا استقبل سموّه بعض الطلاب المبتعثين في أميركا، ليقول للآخرين بأنه صحيح الجسد والعقل، ومنح كلاً منهم عشرة آلاف دولار فقط. ثم وسّع الأمر فأمر بمنح كل مبتعث في أميركا ثلاثة آلاف دولار، وطبعاً كل هذا من فضل سموه، ومن ميزانيته الخاصة، مؤملاً أن ترتفع الأكفّ له بالدعاء والشفاء.

سموّه أيضاً بشر الشعب من ميكروفون في مستشفى نيويوركي بأنه سيزيد عدد أعضاء مجلس الشورى المعيّن ثلاثين عضواً، وكرر القول بأن المجلس سيمثل كل فئات الشعب، وأن سموه سيزوّده ببعض الأسنان، لا لتنهش لحم السرّاق المستبدين من آل سعود، بل لحم الشعب، الذي عليه أن يلتزم ببعض قرارات المعينين.

سموّه أيضاً وأيضاً، كان حياً وبكامل عنفوانه وشبابه، حينما استقبل وتباحث مع بان كي مون حول الأمور الدولية والشرق الأوسطية عدا (غزّة) طبعاً، وليقول له بأن الإسلام بريء من الإرهاب. طبعاً هو بريء منها، ولكن الوهابية ليست بريئة، ولا تمثل الإسلام، فالوهابية والإسلام شيئان مختلفان.

ترى إن كان سموّه بهذه الحيوية، فلمَ لا يعود الى الوطن؟

ولماذا هذا العدد الهائل من الأمراء الذين يرافقونه، وكأنها رفقة الوداع؟

وهل ملك الموت عاجز عن اختطاف سموّه حين يحين أجله، أم أنه سيتم تضليله من قبل الإعلام السعودي، ومشايخ الفساد الوهابيين؟!

الصفحة السابقة