اللعب على المكشوف

كتب الأستاذ فهمي هويدي في صحيفة (الدستور المصرية) في 3 يناير الجاري، عن طبيعة المساجلات الإعلامية التي تجري بين معسكرين: الممانعة والإعتدال، وقال بأن (إحدى الملاحظات المهمة التي يستخلصها المرء من ملابسات المذبحة الجارية في غزة ان اللعب في الساحة السياسية العربية اصبح يتم على المكشوف، فالاسرائيليون أصبحوا يعلنون أن ثمة تأييداً وتشجيعاً من بعض الانظمة العربية للعملية التي قامت بها ولا يترددون في إجراء اتصالات والقيام بزيارات في العلن مع بعض حلفائهم العرب قبل أيام أو ساعات من عمليتهم العسكرية، في ايحاء للجميع يثبت التنسيق والتطابق في المواقف ووجهات النظر.

وبعض رجال السياسة العرب اصبحوا لا يخفون مشاعرهم، حتى سمعنا أحدهم يقول بكل جرأة ما يفيد بأن فلسطينيي غزة يستحقون المذبحة التي تعرضوا لها، لأن قياداتهم حُذروا وأنذروا ولم يتجاوبوا مع النصائح التي أسديت لهم. والسيدة ليفني وزيرة خارجية اسرائيل لم تتردد في أن تعلن على الملأ أن الدولة العبرية وبعض الدول العربية يقفون في مربع واحد في مواجهة حماس وحزب الله وإيران.

موالاة العدو أصبح يتم الجهر بها في وسائل الإعلام، حتى بتنا نفاجأ بكتابات تنضح بتلك الموالاة في بعض الصحف المحترمة التي اعتدنا منها الرصانة والتعبير المحافظ والمسؤول، بل ترانا في بعض الصحف المحسوبة على الحزب الحاكم ان اسرائيل بعد اتفاقيات السلام لم تعد عدوا للأمة العربية وأن إيران هي العدو الآن. وبمناسبة الأطراف (المحافظة) فإن بعض الدول العربية التي اعتادت ان تتعامل بحساسية وحذر مع اسرائيل، وما برحت تردد على ألسنة مسؤوليها انها ستكون آخر المطبعين فوجئنا بها وقد تخلت عن ذلك الحذر ولم تعد تكتفي بالاتصالات السرية مع العدو وإنما دخلت في اللعب على المكشوف من بابه الواسع، إذ مرة واحدة وجدنا قيادتها وقد ظهرت مع رئيس اسرائيل في لقاء رتب تحت غطاء مؤتمر دولي (للحوار) أقيم في نيويورك وكان ذلك بداية للقاءات أخر? تلاحقت في عدد من العواصم الأوروبية.

لم يقف الأمر عند ذلك الحد وإنما أصبحت مقاومة الاحتلال جريمة وتهمة، تُسب من خلال المنابر الإعلامية الرسمية ليل نهار، وأصبح الانحياز الى المقاومة تأييداً للإرهاب ودعوة الى التطرف وانطلاقاً من (أجندات) أجنبية.

بالمقابل فإن المفرطين والمفاوضين والمستسلمين هم (المعتدلون) الذين يتصدرون الواجهات وتحتفي بهم وسائل الإعلام دون أن يتساءل أحد عن أي (أجندة) ينحاز إليها هؤلاء.

في خطاب هذا الزمان أصبحت المقاومة هي المشكلة وليس الحل، لذلك فإن السباب والشتائم التي توجه الى دعاة الممانعة أفراداً كانوا أو جماعات لا يقصد بها سوى الموقف الرافض للتسليم، وكما منح ياسر عرفات جائزة نوبل لأنه اتفق مع اسحاق رابين، ثم جرى حصاره وتسميمه وقتله لانه لم يسلم بطلبات باراك، فإن الاسلوب ذاته جرى تعميمه على العالم العربي فمن استسلم فاز بالرضا ومن امتنع حلت عليه اللعنة. ذلك شديد الوضوح في الساحة الفلسطينية الآن، فالسلطة في رام الله مشمولة بالرضا والهبات والمساعدات لأنهم قبلوا بقواعد اللعبة، والمقاومون في غزة محاصرون ويراد لهم ان يلقوا مصير عرفات حيث لا فرق بين القتل بالسم أو القتل اثناء المذبحة بصواريخ طائرات اف 16.

من كان يتصور ان يشارك الطرف العربي في حصار غزة وتجويعها؟ ومن كان يصدق ان يهب بعض الناشطين الأوروبيين لإغاثة المحاصرين عبر البحر، في حين يغلق «الإخوة العرب» طريق البر ولا يفتحون المعبر إلا بعد ان يتحول الأمر الى فضيحة عالمية؟ من كان يصدق ان تتحرك القوافل من قبل القاهرة لإغاثة المحاصرين في غزة، ثم تفاجأ بأرتال الشرطة تقطع عليها الطريق، وتجبرها على العودة من حيث أتت؟!

ليس صحيحاً أن حماس هي الهدف لأن المقاومة هي الهدف الحقيقي، بعدما اصبح الموقف واضحا ومحسوما لمصلحة التفريط في القضية وبيعها بأي ثمن، ومن يسبح ضد التيار يجب أن يسحق بكل قوة علنا وفي وضح النهار حتى يكون عبرة لغيره.

ذلك قليل من كثير في اللعب على المكشوف مع الاسرائيليين، أما اللعب مع الأميركيين فحدث فيه ولا حرج والخوض فيه يحتاج الى كتاب لا زاوية صباحية، ثم انه حافل بالخطوط الحمراء والمعلومات الملغومة.

الصفحة السابقة