السعودية تقود الحملة

تقسيم العرب للغطاء على العدوان على غزة

عمر المالكي

العدوان الاسرائيلي على غزة منذ السابع والعشرين من ديسمبر الماضي، لم يكن يتم قبل تشبيع الساحة العربية بقضايا خلافية تصرف الأنظار، جزئياً على الأقل، عن ما تعزم الآلة العسكرية الوحشية الاسرائيلية على القيام به في غزة..لا تخفي وسائل الإعلام الاسرائيلية فرحة المسؤولون الصهاينة لما قامت به حكومات عربية معتدلة ووسائل إعلامها من حملة على حركة حماس وتحميلها مسؤولية العدوان الهمجي الصهيوني على غزة، كما عبّرت عن سرورها لإقحام إيران في المشهد الدموي الصهيوني.

مجازر تحت سمع الحكام العرب وبصرهم!

صحيفة (جيروزاليم بوست) الإسرائيلية كتبت في 6 يناير الجاري تقريراً نقلت فيه عن محللين صهاينة بأنه في الوقت الذي تشن إسرائيل الحرب على غزة، تواصل مصر والسعودية حملتها على إيران. وتقول الصحيفة بأن الحملة الاسرائيلية في غزة تساهم في فضح خطوط الخطأ الاستراتيجي في العالم العربي والاسلامي.

وتقول الصحيفة بأن الانقسام الجوهري هو بين الدول المتحالفة مع الغرب، وبصورة رئيسية مصر والسعودية من جهة، ومن جهة ثانية التحالف الذي تقوده إيران، والتي تشكل حركة حماس جزءاً منه. وأن الحملة الاسرائيلية على غزة أفضت إلى توتّرات غير مسبوقة بين ممثلي هذين المعسكرين المتخاصمين. وسبب الأهمية الاستراتيجية للسيطرة المصرية على معبر رفح، فإن هذا الإنقسام كان له دلالات عملية مباشرة على مسار والنتيجة المحتملة للمعركة الجارية.

وتضيف الصحيفة بأن الدول العربية المتحالفة مع الغرب كانت في السابق تدعم إسرائيل بهدوء في نزاعاتها مع القوى المتحالفة مع إيران، ولكن في هذا الوقت، وبسبب القرب الوثيق والسيطرة المصرية على معبر رفح، فإن مثل هذا الغموض ـ في الموقف ـ لم يكن ممكناً.

التطورات الأخيرة عكست الى أي مستوى يمكن عدم الفصل بين العدوان على غزة والمشهد الأقليمي الواسع. فكل تصرفات قادة الاعتدال العربي تشي بجرأة غير مسبوقة في توفير الغطاء والوقت للعدوان الاسرائيلي على غزة، بل وعلى الشعب الفلسطيني، في إطار خطط تسوية مذلّة جرى العمل عليها منذ 2002.

لقد بات واضحاً الآن، أن تصريحات المسؤولين المصريين ذات الطبيعة المثيرة والعلنية، والدبلوماسية السعودية ذات الطبيعة السريّة لاستثمار العدوان الصهيوني على غزة وتصفية الحسابات مع إيران والمقاومة العربية في المنطقة ليست مقطوعة الصلة عن ترتيبات مستقبلية مأمولة، بل إن التحالف القائم بين إسرائيل ومعسكر الاعتدال العربي قد بدأ أولى خططه العملية على الأرض، ابتداءً من غزة..ولم يكن الحصار الشامل المفروض على غزة منذ سنتين على الأقل إلا جزء من خطة التحالف الجديد، والذي انتقل الى مرحلة الحرب العسكرية بعد أن استكمل الحصار مهمته، وما رفض السلطات السعودية لحجاج بيت الله الحرام القادمين من غزة من خطة الحصار الشامل إلا جزء من مخطط عدواني يراد منه تصفية المقاومة الفلسطينية لبدء التسوية بالشروط الأميركية الاسرائيلية..

ما تناقلته وسائل إعلام عربية وأجنبية عن لقاءات الأمير بندر بن سلطان، مستشار الأمن الوطني السعودي مع مسؤولين إسرائيليين في عمان وواشنطن بحضور مسؤولين أمنيين وسياسيين أردنيين وفلسطينيين يندرج في إطار خطة مابعد تصفية حركة المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها في غزة، وإعداد الأرضية لعودة سلطة محمود عباس. وبالرغم من أن الأخير شعر بالحرج الشديد بعد أن تكشفت تفاصيل الخطة، التي تشمل تدريب قوات فلسطينية خاصة برئاسة محمد دحلان تستعد لدخول غزة بعد تصفية حماس، وهو ما اضطر عباس الى رفض أي مبادرة تقضي بعودة سلطته الى غزة على حساب تدمير حركة حماس، إلا أن عباس وفريقه الأمني يحاول الحفاظ على تماسك السلطة في رام الله التي تواجه إنقساماً حاداً بعد تصاعد الإحتجاج الشعبي الفلسطيني في الضفة الغربية، وخصوصاً في ظل أحاديث عن خيار إلغاء مبدأ الدولة الفلسطينية.

لابد أن تل أبيب راقبت بقدر كبير من الإبتهاج صور الانقسام الخليجي والعربي والاسلامي، فبعد ثلاثة أيام من بدء المجزرة في غزة، لم يكن قادة الخليج المجتمعين في عمان، عاصمة السلطنة، على استعداد لإدراج قضية العدوان الإسرائيلي على غزة في جدول أعمال القمة الخليجية، مكتفين بمجرد دعوة باهتة للاسرائيليين بإنهاء المجازر بحق الفلسطينيين في غزة، فيما فشلوا في الخروج بموقف موحّد بشأن الدعوة لقمة عربية طارئة لمناقشة الوضع المأساوي الذي يعيشه سكّان قطاع غزة.

وصدر بيان بعد قمة الخليج يوجّه فيه الحكّام المتحالفون مع الولايات المتحدة اللوم لحركة حماس بشأن العنف الذي تقول الدولة العبرية بأن الحركة تسبّبته بإطلاقها الصواريخ على جنوب المدن الاسرائيلية. وفيما اقترحت قطر، الدولة العضو في مجلس التعاون الخليجي، عقد قمة عربية طارئة في الدوحة لمناقشة الهجوم الاسرائيلي على غزة، إعترضت السعودية على الاقتراح بذريعة أن لا فائدة مرجوة من عقد اللقاء، وأن البيانات الصادرة لا وزن لها، الأمر الذي أثار استغراب قيادات عربية وفلسطينية إلى جانب القيادة القطرية التي حمّلت السعودية بصورة غير مباشرة مسؤولية تدهوّر الاوضاع في غزة بسبب ضعف الموقف العربي، و(اجتهاد بعض الاخوة) بحسب أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في الذهاب الى مجلس الأمن قبل عقد القمة العربية وتشكيل موقف موحّد من العدوان الاسرائيلي على غزة؟.

شاهت الوجوه!

وفيما دعت الحكومة السعودية الكيان الاسرائيلي الى وقف الهجمات، إلا أن المراقبين يقولون بأن تلك الدعوة لا تنسجم مع رغبة السعودية في انعقاد قمة عربية قد تعزز موقع حركة حماس، المدعومة من سوريا وإيران، والمتعارضة مع السعودية بخصوص السياسات اقليمية. ويقول دبلوماسي عربي كبير لوكالة رويتر في 30 ديسمبر الماضي (أن السعودية لا ترى مصلحة في مساعدة حركة حماس عبر مواقف سياسية، وأنها تدرك بأن القمة العربية من شأنها أن تحقق ذلك للحركة).

بالنسبة لموقف قطر، والذي يوضع في سياق المدافع عن القضايا العربية، فإن السعودية تجد نفسها محشورة في زاوية حرجة، ويضعها في خانة المتواطىء على الشعب الفلسطيني، والمتحالف مع الدولة العبرية في عدوانها على غزة. الاسرائيليون يرون في هذا الإنقسام الذي بدا شديد الوضوح هذه المرة يوفّر غطاءً نموذجياً لحروب قادمة، في حال نجح عدوانهم على غزة، وكسر المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها، وهو ما شجع رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت لاطلاق تصريح متبجّح بأن بعد حماس سيأتي الدور على حزب الله وإيران.

في الصمت السعودي المريب، في ظل الانتقادات المتواصلة للقيادة المصرية بسبب إغلاق معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، لا تبدو الصورة مكتملة، وستدفع السعودية ثمناً باهظاً بعد وقف إطلاق النار، كما دفعته بعد حرب تموز على لبنان سنة 2006، حيث ستقترف الرياض ذات الخطأ في مشروع إعادة إعمار غزة، فيما ستكسب قطر الجولة كما كسبتها سابقاً في لبنان. إن تعويل العائلة المالكة على انكسار المقاومة الفلسطينية وعودة سلطة عباس الى قطاع غزة، يفقد تدريجياً صدقيته وجدواه، خصوصاً مع مواصلة المقاومة الفلسطينية إصرارها على دحر القوات الصهيونية عن قطاع غزة، وفي نهاية المطاف لن يكون الإندحار إسرائيلياً محض، بل سيشمل ثالوث الاعتدال الممثل في السعودية ومصر والإردن.

وسيتذكر الفلسطينيون ومن ورائهم الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج إصرار الحكومة السعودية على إعاقة كل الجهود الرامية الى عقد قمة عربية طارئة للضغط على المجتمع الدولي وخصوصاً الولايات المتحدة لوقف نزيف الدم الفلسطيني. كما سيتذكر قادة عرب وخليجيون وخصوصاً قطريين ما قاله السعوديون في أيام العدوان الصهيوني على غزة، وكيف أن المسؤولين السعوديين ضغطوا خلال قمة مسقط للحيلولة دون الدخول في تفاصيل العدوان على غزة، ورفض المقترح القطري لعقد قمة عربية طارئة.

وفيما اشتغل شيوخ الخليج خلال قمة مسقط ببحث الأزمة الاقتصادية ومناقشة قضية العملة الخليجية الموحّدة، وتوحيد الجهود لمواجهة الأزمة المالية العالمية، فإن مأساة غزة لم يكن بالإمكان تجاوزها بسهولة، الأمر الذي انعكس على طبيعة النتائج التي خرجت بها قمة مسقط، حيث وقع الإنقسام داخل الملجس ولم تسفر القمة عن نتائج عملية ناجحة.

لقد بدا واضحاً أن ثالوث الإعتدال (السعودية ومصر والأردن) يتقاسمون أدواراً بالسويّة في هذه الأزمة، وتضطلع السعودية بتعطيل أي جهود دبلوماسية لوقف العدوان داخل المجال العربي، وتحاول بالتعاون مع أمين الجامعة العربية عمرو موسى، الذي بات يعمل بالتعاون مع وزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل من أجل عرقلة التحرّك السوري ـ القطري لعقد القمة العربية من أجل إعطاء فرصة كافية للدولة العبرية من أجل استكمال خطط القضاء على حركتي حماس والجهاد وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية..

كل شيء بات منقسماً في العالم العربي، من المحيط الى الخليج، من هم مع العدوان الاسرائيلي ومن هم مع قوى الممانعة، ببساطة لأن معسكر المعتدلين أراد ذلك كيما تحقق الدولة العبرية أهدافها، فقد استكمل المعسكر شروط بنائه وعمله الفاعل بعد حرب تموز 2006، وبات الآن قادراً على أن يعمل ويتحرك في الهواء الطلق دون خشية، فهو يملك إمبراطورية إعلامية يعتقد بأنها قادرة على تغيير مزاج الرأي العام العربي والإسلامي. ولكن المفارقة التي لم يحسب المعتدلون حسابها أن معسكر الممانعة بات هو الآخر قوياً بدرجة كبيرة، وأن مسلسل الفتن الطائفية والسياسية التي عمل المعتدلون على إشغال العرب والمسلمين بها كيما ينسوا المؤامرة الكبرى على فلسطين لم تنجح في إحداث إنقسام داخل معسكر الممانعة، فقد بقي تماسكاً بدليل أن من المظاهرات المتضامنة مع سكان قطاع غزة خرجت في القطيف الشيعية وفي طهران وبيروت كما خرجت في القاهرة والدار البيضاء وتونس والجزائر وصنعاء والبحرين، وكل عواصم الدول العربية والاسلامية، فيما بقي معسكر المعتدلين بحجمه الصغير، شكلاً ومضموناً..

لقد بدا واضحاً أن الاعلام الاسرائيلي يشعر بارتياح كبير وهو ينقل صور الإنقسام العربي، بل ويمارس لعبة التحريض في الساحة العربية، حين ينقل مواقف قادة الإعتدال ووقوفهم الى جانب الكيان الصهيوني في هجومه الوحشي على قطاع غزة، كما لا يكف المسؤولون الاسرائيليون عن إطلاق التصريحات المتعاقبة بشأن تأييد قادة عرب للحرب الاسرائيلية على غزة. فلا تكاد تخلو صحيفة أو قناة فضائية إسرائيلية من إشارة أو تذكير بمواقف قادة عرب من حركة حماس والرغبة في تصفية المقاومة الفلسطينية، فيما تلتزم كل قيادات الإعتدال الصمت حيال دفق التقارير والمقالات العبرية التي تورد مواقف دول الاعتدال، باستثناء نفي القيادة المصرية لما ذكرته صحيفة (هآرتس) في الخامس من يناير بأن الرئيس المصري حسني مبارك ذكر لعدد من الوزراء الأوروبيين بعدم إفساح المجال أمام حركة حماس أن تحقق النصر في القتال الدائر في قطاع غزة، في ظل الضغوطات التي تواجه القيادة المصرية حيال قرارها إغلاق معبر رفح، والحديث عن وجود ضباط أميركيين يراقبون الأنفاق بين معبري رفح المصري والفلسطيني، بحسب قناة إن بي سي الأميركية.

وعلى أية حال، فإن الغطاء الذي توفّره دول الإعتدال للعدوان الإسرائيلي على غزة لم يعد سراً، يضاف إلى التحركات والتصريحات المريبة التي تنطلق من عواصم الاعتدال العربي. وفيما تبدو ملاح الفشل الذريع على الحملة العسكرية الصهيونية على قطاع غزة، يشعر قادة الإعتدال بأن الرهان على هزيمة حماس في فلسطين بات خاسراً، شأن الرهان على هزيمة حزب الله في لبنان.

الصفحة السابقة