الدولة العار

عار آخر يضاف إلى آخر سبقه وسيلحقه.. فهي دولة قد أدمنت العار..ولا يبدو هناك في العائلة المالكة من يشيح بوجهه عن عار لحق به.. وقد تبعثرت قيم القبيلة التي ملأوا جماجم العباد بها في وقت هي أحوج ما تكون للتعبير عن نفسها نخوة، وشهامة، وشرفاً، في غزة الدامية.. وها هي تسخر آلة الدمار الصهيونية بكل تلك القيم المتعفّنة سعودياً، فليس هناك ما يتحرك الآن سوى الذل، والتخاذل، والتواطؤ.. هذا ما يعكسه آل سعود في مواقفهم، وإعلامهم المقرف، في مقابل غزة، وصمود رجالها ونسائها وأطفالها، الذين يلقّنون المتناسلين من الخلف دروساً في النخوة والبطولة العربية الأصيلة.

موقف مشين قلّ نظيره في تاريخ هذه الدولة، فصمت وقح ونطق يثير الإشمئزاز..فإن صمتوا فعن تواطيء مع الكيان الصهيوني في عدوانه الجبان على سكان قطاع غزة، وإن نطقوا فعن تسويغ للجبن والتخاذل عن مؤازرة أهلنا وأطفالنا..فهل بعد هذا الهوان هوان..

أخطأوا الحسابات ثانية، وراهنوا على معركة خاطفة تنجيهم من وصمة عار تلحق بهم جراء الصمت والتواطؤ، فأوكلوا لكتيبة من الأقلام المشبوهة، والأصوات الوقحة لتزوير العدوان، وتحميل الضحية مسؤولية الدم الغزّاوي الذي يراق بفعل مؤامرة (المعتلّين العرب)، ولم يكتفوا بالعار، بل أرادوا تجميله عبر إخراجه في هيئة رواية هزيلة السبك، وكل ذلك هروباً من العقاب.

ولنا أن نسأل نحن الذين نبرأ إلى الله من هذه العائلة الجائرة، التي تقبض على مفاصل الحكم في هذا البلد: لماذا صارت العبقرية الدبلوماسية السعودية منتجاً عنيداً للعار، ولماذا أصبح تكرار العار خياراً إستراتيجياً سعودياً؟ وهل فقدت الدبلوماسية السعودية القدرة على التمييز حتى صارت تمشي برجلها إلى حيث يكمن العار..وهام يذهبون بعارها وشنارها في مأساة غزة، التي فرضوا عليها حصاراً شاملاً طيلة ثلاثة أعوام، ورفضوا إمدادها حتى بالدواء لإنقاذ مرضاها، أو بالوقود لتشغيل أجهزة مستشفياتها..ثم يأتون متبّجحين بأنهم يستقبلون الجرحى، فكم عدد هؤلاء الجرحى الذين يرقدون في مستشفيات آل سعود، من بين أكثر من أربعة آلاف جريح..وهل العار يمحيه عشرة أو عشرين جريحاً جرى استقبالهم في مستشفيات دول الاعتلال؟..تباً لكم ياعبيد الدنيا، أبعد القتل والدمار، توهمون العالم بأنكم تحملون قلوباً رحيمة..

هذه الدولة تكشف عن قبائحها وقت الأزمات، ولا تكاد تزاول حتى دور رجل الإطفاء، إن لم تشعل الحرائق، أبعد الصمت المخزي في العلن، والتواطؤ في السر تعمدون إلى تضليل الرأي العام العربي والإسلامي بأنكم على استعداد لاستقبال الجرحى..فهل عسيتم أن توليتم عن أهالي غزة في لحظة المحنة، تريدون أن تحيلوا من مأساتهم مناسبة دعائية لفعل شنيع دبّرتموه أنتم وحلفائكم في معسكر الاعتلال..ومنحتم عدوّ أهلنا في غزة، كيما يمطرهم بصواريخ مجنونة، وقنابل صمّمت لحرق الأشجار، فصارت تكوي جلود الأطفال والنساء..

ونقول للملك عبد الله، الذي صوّرته إمبراطوريته الإعلامية على أنه فارس العرب، وبطل الصحراء، بأنك تتحمّل دماء الأطفال والنساء، حين رفضت عقد قمة عربية طارئة لوقف نزيف الدم في غزة، وفعلت المستحيل حتى لا ينجح أي مسعى في تحقيق النصاب لعقد القمة، بالرغم من أن قرارات القمم العربية لا ترتفع عن مستوى سطح البحر..

ونال أعضاء وفد اتحاد علماء المسلمين الذين زاروك في مهمة إنسانية محض لرفع بعض المأساة عن سكان قطاع غزة الهوان، فأزبدت، وكثيراً ما تزبد، وشنّنت حملة شرقية وغربية على حركة حماس وعلى جهات متعددة داخلية وخارجية عجز حتى الوفد عن تحديد هويتها، باستثناء قطر وسوريا، التي غمزت في قناتهما، وخرج الوفد لا يلوي سوى على جرعات سياسية عالية، ووعود مستحيلة بحجة أن المساعدات التي ستقوي حماس لن تصل إلى فلسطين!

ورفضت فكرة قطع النفط عن الدول التي تقف إلى جانب الكيان الصهيوني، من أجل الضغط عليها، ورد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل على مقترح وقف إمدادات النفط عن الدول المؤيدة للصهاينة في عدوانهم على قطاع غزة، بالقول أن منتجي النفط في حاجة إلى عائداتهم النفطية. وأضاف وزير خارجيتك: أن استخدام النفط سلاحاً وخاصة في هذا الوقت فكرة فقدت قيمتها، مشيراً إلى عدم إمكانية إيقاف الصراع في غزة باستخدام النفط.

ما نفهمه، وفهمه المراقبون جميعاً والضحايا في مقدهم، أن دولتك لا تريد استعمال أي ورقة ضغط لا على الكيان الإسرائيلي ولا على الدول المساندة لها، لأنها تريد تصفية فصائل المقاومة، بل والقضية الفلسطينية بكاملها، وإلا ماذا يعني الصمت ـ العار منذ بدء العدوان، ولماذا هذه التقيّحات الإعلامية التي تظهر في الصحف السعودية المحلية والخارجية المموّلة من قبل العائلة المالكة، وكذلك القنوات الفضائية العار، التي لم تخجل من دماء غزة، فتنقل أخبار الفنانين والراقصات والرياضة في الوقت الذي يفجّر صراخ أطفال غزة وأنين نسائها ورجالها الصمّ الصياخيد..

لا لن ننسى هذه المرة ما فعلتموه في غزة، وسيبقى العار يلاحقكم أينما كنتم، ولن تنفعكم أموالكم ولا إعلامكم من العقاب، فقد ملئتم قلوب أهالي غزة والعرب والمسلمين قيحاً، وها أنتم تحصدون ما زرعتم طيلة سنوات التآمر مع الكيان الصهيوني على لبنان وفلسطين، وتأكّدوا بأن الرهان عليكم عار، وستذكرون حين يحلّ بكم العذاب أن صفقتكم كانت خائبة وستولون مدبرين.

الصفحة السابقة