وراثة العرش في نظام هرم

طابور الملوك نحو.. القبر!

سعد الشريف

لاتزال مسألة وراثة العرش تشغل بال الكثيرين في الداخل والخارج السعودي.

الأمير سلطان، ولي العهد، ونائب وزير الدفاع، لازال غائباً عن المملكة منذ أشهر عديدة، حيث يتلقى العلاج في الولايات المتحدة الأميركية، ويأخذ فترات نقاهة بين الفينة والأخرى في قصره بأغادير، وفي جنيف.

وكلما طالت مدّة الغياب، كلّما زاد الشعور بأن رحيل سلطان قد اقترب، وبالتالي ازداد الصراع بين أجنحة الحكم، وانشغال المواطنين وبعض الدول ذات العلاقة بما سيكون عليه صراع الأجنحة في العائلة المالكة، والكيفية التي سيتم بها تدبر أمر انتقال وراثة الحكم بعد وفاة سلطان، وربما الملك أيضاً.

الديوان الملكي، المختص بنشر أخبار العائلة المالكة فيما يتعلق بسفرهم وصحتهم وسقمهم، لم يقدم للجمهور حتى الآن سوى نتف من المعلومات غير مترابطة، ما يشي بأن الأمور ليس على خير.

مشعل: عرض المسلم حلال!

اختفى سلطان لبضعة أشهر، وحين غادر الى نيويورك قبل نحو شهرين، قال الديوان إنه من أجل الفحوصات.

ثم عاد بعد ذلك ليقول بأنه انتقل الى المغرب بعد أن أجرى الفحوصات وسيعود مرة أخرى الى نيويورك لإكمال الفحوصات.

والفحوصات لم تنته من (خطب) الديوان.

فحين وصل سلطان في المرة الأخيرة الى نيويورك قال الديوان في 20/2/2009، بأن سلطان سيتابع الفحوصات الطبية اللازمة والعلاج، بعد أن أنهى في مدينة أغادير فترة النقاهة المحددة (بشكل مطمئن)!

وعاد الديوان ليبلغ المواطنين في بيان له بتاريخ 25/2/2009 بأن سلطان (أجرى عملية ناجحة) في حين (طيّر!) شقيقه نايف وزير الداخلية خبراً يفيد بأن عودة شقيقة الى المملكة (قريبة)!

ورغم التبريكات المفتعلة التي انهالت على الديوان الملكي وديوان ولي العهد، لنجاح عملية إزالة السرطان من قولون سلطان وللمرة الثانية، إلا أن شعوراً غالباً للأجواء يفيد بأن الأمير ـ ولي العهد ـ قد شارف على النهاية.

يعكس ذلك تصاعد حدّة الصراع في الداخل السعودي بين الأمراء.

فالغياب السياسي والفعلي للأمير سلطان أطلق جماح الطامحين الى السلطة من جديد بين أجيال متنافرة من الأمراء، من أبناء وحفدة الملك المؤسس.

والغياب النهائي قدّم وجوهاً متخالفة لمن سيقبض على وزارة الدفاع، ومن سيتولى ولاية العهد.

الإبتعاد المتدرّج لسلطان، والذي أخذ مساحة زمنيّة طويلة حتى الآن، استمرت ما يقارب التسعة أشهر، لم يفسح المجال لتوليد آليّة يحتكم اليها المتنافسون والمتنازعون على السلطة.

أمر أساس يريد الملك وجناحه التمسّك به وهو:

اعتماد مرجعية هيئة البيعة التي شكلت قبل نحو عامين والتي أوكل اليها اختيار ولاة العهد (وبالتالي ملوك المستقبل). ما يعني في جانب من الجوانب (توسعة) لدور عدد المهمشين من أبناء عبدالعزيز وحفدته في صناعة القرار والمشاركة الجادّة في الحكم.

هيئة البيعة لم تخض تجربة واحدة بعد، ولكن التيار السديري الذي ينتمي اليه ولي العهد واشقاؤه السديريون (نايف وسلمان وأحمد ومن معهم من الأبناء محمد بن فهد، بندر بن سلطان، خالد بن سلطان وغيرهم) لا يريد الإعتماد على هيئة البيعة المشكلة من أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز أو (في حالة وفاة أحدهم) من أحد من أبنائه، والتي لها حكم الفصل في انتخاب ولي العهد (سرّاً).

الجناح السديري كان يعتقد بأن الملك عبدالله سيموت قبل ولي العهد (الفارق بين الرجلين مجرد عامين ـ 85 و87 عاماً). وحينها ـ كما بدا لهم ـ يمكن لهم فرض مرشحهم السديري كولي العهد (نايف على الأرجح، ومن ثم سلمان) عبر إلغاء هيئة البيعة ابتداءاً، أو عبر رشوة اخوتهم الأمراء الآخرين او بعضهم، خاصة وأن وصول سلطان لسدة الحكم كملك سيعطي قوّة للجناح السديري في فرض مرشحه.

طلال: الوليد مرشحاً!

الأمور قد لا تأت وفق شهية السديريين.

فهم وإن تمنّوا بقاء منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، محفوظاً لنايف، فيصبح الأخير تلقائياً ولياً للعهد، فإنهم في ذات الوقت لم يستطيعوا مقاومة المطالب من بقية أبناء الملك عبدالعزيز لكي تكون لهم كلمة في اختيار الملوك القادمين. فتم إلغاء المنصب بصمت.

الملك عبدالله من جانبه كان يعلم بأن وضعه ضعيف للغاية، وقد نجح في تأسيس هيئة البيعة حتى أصبحت اليوم الدرع الأساس الذي يحمي السلطة من السيطرة السديرية الكاملة عليها.

لكن الملك ـ وفي نفس الوقت ـ ضعيف في طرح البدائل.

بمعنى أن شخوص ولاة العهد المقترحين من جانب جناح الملك ضعيفة ويكاد يكونوا عديمي الخبرة، كونهم ـ من الناحية الواقعية ـ لم يمارسوا السلطة منذ زمن طويل، ولم يشاركوا فعلياً في صناعة القرار، وبعضهم كان مهمشاً لعقود طويلة، فضلاً عن أنهم ـ أي مرشحي جناح الملك لولاية العهد ـ من مجموعة (الديناصورات) التي تشارف على الإنقراض، أي أنهم من المعمرين سنّاً.

ما يثير في الموضوع هو أن هيئة البيعة يفترض أن لا تلتزم بحاكمية السنّ في اختيارها، بل تقدّر من هو الأصلح للحكم وتختاره كولي للعهد.

لكن مع هذا، فإن النظام التراتبي ـ حسب السن ـ لازال فاعلاً وقائماً، وكأن الهيئة جاءت ناظمة له، تأخذه كأحد أهم شروط (الأصلح) في الحكم، وكلمة (الأصلح) كانت جزءً من مادة في النظام الأساسي تمّ الإستغناء عنها وحذفها، بعد تشكيل مجلس هيئة البيعة.

اذا ما اعتمد السنّ كأساس في الإختيار، فهذا يعني أن مرشحي الملك لولاية العهد سينتصرون.

مشعل بن عبدالعزيز

ابتداءاً هناك الأمير مشعل بن عبدالعزيز، وزير الدفاع الأسبق، تولى الوزارة بعد وفاة شقيقه منصور (مؤسس الوزارة الفعلي) والمنافس الأول لكل من سعود وفيصل، قبل أن يصبحا ملكين على التوالي. توفي منصور في ظروف غامضة عام 1950م، وأصبح مشعل وريث أخيه في وزارة الدفاع، ولكنه فشل في الإحتفاظ بها.

اليوم مشعل هو الأكبر سنّاً بعد الملك، وهو رئيس مجلس هيئة البيعة.

الملك لا يكبره بسوى عام واحد.

وسلطان ـ ولي العهد ووزير الدفاع ـ يصغره بعام واحد.

مشكلة مشعل أنه معمّر، وأنه لم يباشر عملاً رسمياً منذ أمد طويل، ولا يتمتع بأي خبرة في إدارة شؤون الدولة، كما اشتهر عنه بأنه (نهّاب) من الطراز الأول! وأنه لا يتثبّت مما يقوله، ما جعله عرضة للسخرية على شبكات الإنترنت واليوتيوب. فقد قال مرة: (ربنا الله وربنا محمد) وقال أيضاً: (دم المسلم حرام، وعرضه حلال)!!

زد على هذا، فإن مشعل تنازل لسلطان بولاية العهد، وقد يرى الجناح السديري أن تنازله ذاك (حالة دائمة) وبالتالي ليس من حقّه أن يطلب الحكم لنفسه على الأقل، فضلاً عن احتمال ان يعتبر السديريون ان التنازل لم يكن لشخص بقدر ما هو لمجموعة من الأشقاء، أي للجناح السديري كاملاً.

نقطة قوّة مشعل أن لديه شقيقا لازال حيّاً يمكن أن يدعمه في مدّعاه، وهو يلعب دوراً ـ وإن كان هامشياً ـ في إدارة بعض الأجهزة. الشقيق هو متعب بن عبدالعزيز، تولى عدّة مناصب سابقة، كان آخرها وزارة الأشغال العامة والإسكان، وهو الآن وزير الشؤون البلدية والقروية.

عبدالرحمن بن عبدالعزيز

منصور بن متعب: مستقبل زاهر!

أحد السديريين السبعة، من مواليد 1929م، أي أن عمره ثمانون عاماً. وهو يأتي ـ من حيث السن في المرتبة التي تلي سلطان، وهو يتولى منذ عام 1983 منصب نائب وزير الدفاع، ويرى بأنه الأحق في الترشّح لكي يكون ملكاً إذا ما توفي شقيقه سلطان. ولكي يدعم موقفه، فهو يتصارع الآن مع ابن أخيه خالد بن سلطان للسيطرة على وزارة الدفاع، التي يرى كثيرون أنها أحد أهم مفاتيح الوصول الى كرسي الحكم.

لكن عبدالرحمن هذا، ورغم أنه سديري، فإنه لم يكن من بين صنّاع القرار الأساسيين داخل الدائرة السديرية، وبالتالي فهو لم يمارس دوراً حقيقياً حتى في اتخاذ قرارات وزارة الدفاع، فعادة ما توكل اليه المهام التشريفية، في غياب سلطان نفسه، كأن يحضر حفلات تخريج عسكرية، أو يبارك لقيادات وزارة الدفاع في الأعياد!

في سيرته الذاتية، فإن الأمير نال شهاد البكالوريوس في الإقتصاد وادارة الأعمال من جامعة كاليفورنيا. بل وأنه خريج كلية العلوم العسكرية في سان دييغو بكاليفورنيا أيضاً. المطلعون على بواطن الأمور يقولون أن الرجل لا يفقه لا في الإقتصاد ولا العسكرية، وأن ما يقال عن دراسته مزعوم، وربما حصل على شهادة بطرق ملتوية.

حظوظ عبدالرحمن في أن يصبح ولياً للعهد ويخلف شقيقه سلطان ضعيفة، فهناك منافسون له من بين الجناح الذي ينتمي إليه، أي من بين أشقائه، خاصة سلمان ونايف.

متعب وطلال

كلاهما من مواليد عام 1931م، وكلاهما يمكن اعتباره من جناح الملك عبدالله. الأول وزير الشؤون البلدية وشقيق مشعل كما ذكرنا آنفاً. لا يبدو أن لمتعب طمع في ولاية العهد، وينصب اهتمامه في أن يكون لأبنائه دوراً في إدارة دفّة الدولة. وأهم أبنائه منصور الذي يدير الوزارة من الناحية العملية تحت مسمّى وكيل وزارة، ويتوقع أن يكون له دور أكبر في المستقبل.

أما طلال فلا يخفي طموحاته في الحكم، أو على الأقل في تعديل النظام السياسي. وهو يطرح نفسه كـ (مثقف العائلة المالكة) وداعية (تحديث). وكان قد دعا في زمن غابر الى ملكية دستورية، ووضع مقترحاً لدستور. تولى منصب وزارة المالية في بداية الستينيات الميلادية، وقبلها كان سفيراً للسعودية في باريس. عارض أشقاءه الحاكمين، وأسس حركة الأمراء الأحرار، وعاش في المنفى برهة من الزمن، ثم قبل بعودة مشروطة بحيث لا يتدخل في الحكم، وربما لا يطالب بمناصب حكومية.

ظاهرياً فإن طلال لا يعلنها صراحة بأنه هو شخصياً يريد حكم المملكة السعودية، ولكنه يريد لأبنائه دوراً، وأن يترشحوا حتى لولاية العهد، كما قال ذات مرة لإحدى القنوات الفضائية.

والأمير طلال يعتبر من جناح الملك، أو هو يعتبر نفسه كذلك. ومعروف عن طلال أنه شديد المعارضة ضد سيطرة الجناح السديري على الحكم والتفرّد به دون بقيّة أبناء الملك عبدالعزيز. ورأى ـ في مقابلات صحافية ـ أن سبب ما تعانيه المملكة من مشاكل متعددة يعود الى تفرد (فئة) بالقرار!

على الأرجح، سيكون لطلال دوراً بارزاً في الصراع على ولاية العهد، فهو من أقطاب الجناح المنافس للجناح السديري، وسيدعم مرشح جناح الملك مقابل مرشح الطرف الآخر.

لطلال شقيق واحد هو الأمير نواف وهو أيضاً أكبر من أهم مرشحين في الجناح السديري (نعني بهما وزير الداخلية نايف، وأمير الرياض سلمان). فنواف من مواليد عام 1933، وقد تولى رئاسة الإستخبارات خلفاً لتركي الفيصل بين عامي 2001-2005، ولكنه أصيب بجلطة في الدماغ، فاستقال وطلب أن يكون ابنه عبدالعزيز ممثلاً له في هيئة البيعة، على أمل أن يحصل على شيء من كعكة الحكم التي يحتكر معظمها الجناح السديري.

بدر بن عبدالعزيز

مقرن: مرشح التسوية

وهو أحد أعضاء جناح سديري آخر، يشمل شقيقين آخرين هما: عبدالإله وعبدالمجيد، وأمهم هيا بنت سعد السديري.

هذا الجناح كان في فترة الثمانينيات أقرب الى الجناح السديري الحاكم، والذي كان رأسه الكبير الملك فهد قبل موته، وسلطان ـ ولي العهد ـ قبل مرضه. ولكن الملك عبدالله، ومنذ منتصف التسعينيات الميلادية الماضية، خاصة بعد إصابة الملك فهد بالجلطة، استطاع أن يستقطبه اليه بشكل شبه كامل.

ويعتبر بدر أكبر الأشقاء الثلاثة سنّاً، فهو من مواليد عام 1932م، ويتولّى نيابة الحرس الوطني منذ ما يقرب من أربعين عاماً. وبالرغم من أن دوره في الحرس ليس كبيراً، إلا أن مكانته من ناحية السنّ، ربما استطاعت دفع أحد أشقائه كمرشح لولاية العهد، إن لم يكن هو المرشح.

الملك عبدالله كان يعتمد على الأمير عبدالمجيد، أمير مكة، الذي توفي في العام 2007 بالسرطان. وكان من المتوقع أن يكون له دوراً كبيراً في رسم خارطة الحكم، ولو كان حيّاً فمن المحتمل جدّاً أن يكون أحد أهم مرشحي جناح الملك عبدالله لولاية العهد.

أما عبدالإله، فتولى إمارة عدد من المناطق، بينها القصيم والجوف، ثم ولسبب غير معلوم تمّ إبعاده، وقيل تبريراً لذلك أنه طلب أعفاءه ليتفرغ لأعماله الخاصة، ولكن الملك عبدالله عاد وقرّبه منه وجعله أحد مستشاريه.

من هنا فإن بدر وعبدالإله، وإن كان من المستبعد أن يطرحا كمرشحين لولاية العهد، إلاّ أن دورهما في ترشيحه سيكون مهمّاً.

قد تحدث بعض التسويات داخل جناح الملك عبدالله فيما يتعلق برئاسة الحرس الوطني فيما بعد، وليس مستبعداً أن يصبح ابن الملك (متعب) رئيساً رسمياً (كما هو فعلياً الآن) على أن تصبح نيابة الرئاسة في ذريّة بدر، وذلك في حال نجح جناح الملك في فرض مرشحه لولاية العهد.

مرشحو الجناح السديري

قلنا أن عبدالرحمن بن عبدالعزيز، نائب وزير الدفاع، يعتبر مرّشحاً ـ وإن ضعيفاً ـ لولاية العهد. وقد يكون همّه الأكبر: أن يصبح وزيراً للدفاع، إن فاته قطار ولاية العهد.

من تبقّى من الجناح السديري هم حسب ترتيب السن كالتالي: تركي، نايف، وسلمان، وأحمد.

تركي وأحمد ليسا مطروحين على قائمة الترشيح كولاة عهد، ولا كمسؤولين كبار من ذوي القيمة.

تركي من مواليد عام 1932م، وكان نائباً لوزير الدفاع حتى عام 1978م، حين أقيل بسبب زواجه من هند الفاسي، ومنذ ذلك الحين، استقرّ في هيلتون القاهرة، فأمضى ما يزيد على ربع قرن في ذلك الفندق ولازال. وتركي ليس مبعداً، بل اختار المنفى وطلّق السياسة، وانغمس في حياته الخاصة.

تقرّب الملك عبدالله منه يوم كان ولياً للعهد. واستطاع أن يكوّن علاقة وثيقة معه عبر ابن تركي الأكبر خالد. وكان الملك ولازال يثني على تركي، ويحتمل بشكل قليل أن يتدخّل تركي لصالح أحد من أشقائه، إذ من المعروف عنه أنه مستاءٌ جداً من المعاملة القاسية التي تلقاها من سلمان ونايف. ولكن من غير المستبعد أن يحصل الملك ـ ومن خلال هيئة البيعة ـ على صوت تركي في دعم مرشحه لولاية العهد، على أن يحصل خالد بن تركي على منصب ما في الدولة (أمارة منطقة مثلاً).

أما أحمد، فهو أصغر الأشقاء في الجناح السديري، وقد تدهورت مكانته بشكل متسارع خلال الخمس عشرة سنة الماضية، بعد أن أصبح ابن أخيه (محمد بن نايف) وكيلاً لوزارة الداخلية، وأخذ يديرها فعلياً بالنيابة عن والده نايف.

أحمد، من مواليد عام 1941، كان نائباً لأمير منطقة مكة، قبل أن يعيّن عام 1975 ـ بعد موت الملك فيصل وصعود الجناح السديري ـ في منصب نيابة وزارة الداخلية ولازال في منصبه، وبصلاحيات تشريفية.

بقي نايف وسلمان، وهما أقوى مرشحين في الجناح السديري، بل ربما في مجمل أعضاء العائلة المالكة، لتولي ولاية العهد.

بدر: مستقبل الأبناء

الجناح السديري يمكنه أن يختار مرشحاً وحيداً بعد وفاة سلطان: إمّا نايف غير المحبوب من الملك، أو سلمان. بمعنى يمكن لعبدالرحمن نائب وزير الدفاع ان يتنازل لأحد شقيقية الأصغر سنّاً، مقابل مكافأة ما له ولأولاده، مناصب وأموال.

وتبقى مشكلة هذا الجناح منحصرة في إمكانية تخطّي الأعضاء الأكبر سنّاً خاصة (مشعل وطلال) وإيجاد إجماع من بقية أعضاء هيئة البيعة يصطف وراءه.

لا تعوز الجناح السديري الحنكة والذكاء والإمكانات المالية والوظيفية الناشئة من كونه يقبض حالياً على زمام السلطة بشكل شبه كامل. وبالتالي فإن قادر من الناحية النظرية على توفير إغراءات لأعضاء هيئة البيعة أكثر مما يمكن للملك توفيرها.

يمكن لهذا الجناح أن يعطي امتيازات مالية أكبر، وهو جناح عرف عنه بالسخاء، كما بالنهب أيضاً (وهاب نهاب). اما الملك فأقلّ نهباً! ولكنه بمقاييس الأمراء (بخيل)! وهو قد قطع العديد من الإمتيازات المالية عن الأمراء بعد تولّيه الحكم، ما يحتمل معه أن بعضهم لن يقف معه، خاصة اذا كانت حظوظ هذا البعض من السلطة قليلة.

وفي المجال الوظيفي وتوزيع المناصب، فإن الملك قادر على الإغراء أكثر من الجناح السديري، إذا ما أحسن اللعبة.

فإبعاد الجناح السديري عن ولاية العهد يترتب عليه تغييرات كبيرة في المناصب، خاصة في تولي الأمارات، والإدارات المستقلة المرتبطة برئاسة الوزراء. ويمكن للملك ان يعد إخوته أو من يمثلهم بالمناصب في حال اختاروا مرشحه.

بيد أن قدرة الملك على الحشد مشكوك فيها، بمعنى أنها لم تجرّب في الماضي، بعكس إخوته السديريين.

من جهة أخرى، فإن جناح الملك لا يمتلك مرشحاً واحداً، ولا يبدو أنه استقرّ على مرشح واحد حتى الآن.

وكل المرشحين ضعفاء وأعمارهم أكبر من نايف (مواليد 1933) وسلمان (مواليد عام 1936).

ولاة العهد (الشباب)!

نقول (شباباً) تجاوزاً. ونقصد بـ (الشباب) الجيل الثالث في العائلة المالكة، بعد جيل الآباء والأجداد، والذين يفترض أن ينتقل إليهم الحكم.

بديهي ان الحاجة الى انتقال السلطة لجيل جديد مسألة محسوسة ومعلومة. فجيل أبناء الملك عبدالعزيز الذي حكموا منذ وفاة ابيهم عام 1953، أصبحوا من المعمّرين، ومع الزمن تقصر مدّة حكم كل واحد منهم، بحيث يصبح الفارق بين موت أحدهم والآخر ضئيلاً. وكما لاحظنا فإن أعمار عدد غير قليل من مرشحي ولاية العهد إما فاقت الثمانين أو ما يقرب من الثمانين عاماً. ما يعني أن الدولة ستصاب بكثير من الخضّات بسبب التغييرات السريعة في ملوكها، حتى أن بعض الباحثين الغربيين تحدث عن خمسة ملوك في خمس سنوات!

الجيل الثالث، أو ما يسمّى بجيل الشباب، ليس شاباً، فأكثر الفاعلين منهم تجاوزوا الستين عاماً، وبعضهم زاد على السبعين!

والسؤال الملح: هل يستطيع الملك عبدالله، سواء بالتوافق مع الجناح السديري أو عدمه، أن يفرض مرشحاً شاباً لولاية العهد من الجيل الثالث؟ وهل هو راغب في ذلك أصلاً؟ وهل دائرة أعضاء هيئة البيعة قادرة على توليد مرشح من هذا النوع، ومن سيكون؟

تتشكّل هيئة البيعة الآن من 33 أميراً، بعضهم يمثل نفسه (وهم جيل الآباء الحاكمين من أبناء الملك عبدالعزيز) وعددهم 15 أميراً، وبعضهم الآخر يمثل نفسه وأشقاءه (وهم حفدة الملك المؤسس) وعددهم 18 أميراً.

خمسة من هؤلاء الثمانية عشر، يتولون إمارات مناطق:

الشرقية، محمد بن فهد بن عبدالعزيز، 59 عاماً، تولى أمارتها منذ 24 عاماً ولازال!

ـ مكة المكرمة، خالد الفيصل، 69 عاماً، تولى امارتها منذ ثلاث سنوات، وقبلها كان أميراً لعسير لمدة 37 عاماً فقط!

ـ عسير، فيصل بن خالد بن عبدالعزيز، 55 عاماً، أصبح أميراً لعسير منذ ثلاث سنوات.

ـ القصيم، فيصل بن بندر بن عبدالعزيز.

تركي بن عبدالعزيز

ـ جازان، محمد بن ناصر بن عبدالعزيز.

ايضاً هناك من بين الثمانية عشر عدد من الأمراء ممن مارسوا تجربة ما في الإدارة وهم:

ـ محمد بن سعود بن عبدالعزيز، تولى رئاسة الحرس الملكي، ورئاسة الديوان الملكي، ثم وزارة الدفاع بداية الستينيات الميلادية في عهد والده الملك سعود وفترة صراعه مع أخيه الملك فيصل.

ـ طلال بن منصور بن عبدالعزيز، كان ئيساً لنادي الإتحاد الرياضي!

ـ عبدالله بن مساعد بن عبدالعزيز، كان رئيساً لنادي الهلال، والآن رئيساً للشركة السعودية لصناعة الورق.

ـ خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، 62 عاماً، قائد القوات الجوية.

ـ مشعل بن ماجد بن عبدالعزيز، 49 عاماً، محافظ مدينة جدة.

ـ فيصل بن ثامر بن عبدالعزيز، 54، كان وكيل امارة مكة للشؤون الأمنية ثم عزله نايف.

رغم أن هذه الأسماء من جيل الأحفاد قد تلقت في مجملها تعليماً حديثاً، ورغم أنه بدء بتأهيل بعضها باكراً لتولي المناصب، إلا أنها جميعاً تلعب دوراً تابعاً لجيل الأعمام (أبناء الملك عبدالعزيز) فهم ليسوا محور السياسة، وإنما أدوات فيها. هم ليسوا صناعاً للسياسة، وإنما منفذون لها.

لا يوجد أحدٌ من هؤلاء يطمح الآن ـ فيما نعلم ـ لأن يخلف الأمير سلطان في حال وفاته ليحل مكانه في ولاية العهد. ويبدو أنه لازال مبكراً الحديث عن وجود تصوّر مشترك بين ابناء هذا الجيل، متفاوت الأعمار والمكانة والخبرة، فيما يتعلق بمستقبل المملكة وكيفية ادارتها. كما أنه من المبكر الحديث عن تبلور شخصية من بين هؤلاء يمكن الوثوق بها لتصبح ملكاً مستقبلياً.

وبالرغم من أن 18 صوتاً داخل مجلس هيئة البيعة تمثل أكثرية، تستطيع ان تستقطب آخرين من جيل الآباء والأعمام، إلا أن موازين القوى على الأرض لا تساعدهم في فرض مرشح لهم، فيما لو نجحوا ـ أصلاً ـ في الإتفاق على مرشح واحد. ما يعني أن معركة ولاية العهد القادمة هي معركة بين جيل الآباء، ويمكن في المستقبل أن تتحول الى معركة بين جيل الحفدة/ الشباب!

يبقى أمام هذا الجيل فرصة تقريب الحكم الى أقدامهم، في حال استطاعوا دعم مرشح تسوية بعيداً عن الإصطفافات المعتادة بين جناحي الملك والسديري.

واضح ان مرشحي جناح الملك ضعفاء، ولكنهم قادرون على منع الطرف الآخر من أن يفوز.

وواضح أيضاً أن مرشحي الجناح السديري القويين: نايف وسلمان، غير محبّذين من جناح الملك وآخرين.

ومع أن سلمان يحاول أن يطرح نفسه كمرشح تسوية بين الأطراف، ولكن الآخرين لا ينظرون إليه كذلك.

الحل المتاح حسبما يرى البعض، دعم مرشح مقبول من الطرفين، وإن كان الطرفان لا يمحضانه كامل الثقة.

والأسم المطروح حتى الآن هو رئيس الإستخبارات مقرن بن عبدالعزيز.

مقرن لازال شاباً بالقياس الى إخوته الآخرين، فهو من مواليد عام 1945م، أي أنه أكثر شبابية حتى من بعض أمراء الجيل الثالث. وحسب المحبذين لترشيحه، فإنه متعلم وخدم في العسكرية كونه حصل على البكالوريوس في علوم الطيران، والماجستير في العلوم العسكرية من بريطانيا، ولقد كان ينظر اليه واحداً من الأمراء الرواد في (سعودة/ نسبة الى آل سعود) القوات الجوية وحشد الأمراء فيها حتى يقطع الشك باليقين بأن لا تتحول الى وكر للتآمر والإنقلاب!

ومقرن فوق هذا جرب الإدارة وكان أميراً على حائل لمدة تصل الى عشرين عاماً، ثم أميراً للمدينة المنورة لخمس سنوات قبل أن يصبح قبل اربعة أعوام رئيساً للإستخبارات العامة.

بمقاييس آل سعود، فإن مقرن الذي لم ينخرط في الصراعات الداخلية للأمراء، أكثر حظاً في المنافسة، فإذا ما اصبح ولياً للعهد خلفاً لسلطان، فإنه في حال موت الملك عبدالله، أقدر على تحويل الحكم الى الجيل الثالث.

الصفحة السابقة