تمويل الوهابية في الخارج حماية للداخل

ناصر عنقاوي

جاء في الخبر أن الولايات المتحدة أخبرت حلفائها في حلف الناتو بأن هناك أموالاً تأتي من بعض الأشخاص في دول الخليج كالسعودية أصبحت الآن تنافس أموال المخدرات كمصدر لتمويل لمتمردي طالبان في أفغانستان. غير أن ريتشارد هولبروك، الموفد الأمريكي الخاص إلى أفغانستان وباكستان، عبر عن مخاوف جديدة لسفراء الناتو أثناء لقائه بهم الشهر الماضي في إطار استعراض السياسة الأمريكية تجاه أفغانستان وباكستان. وقال دبلوماسي (هناك قلق حقيقي حول أموال تأتي لدعم التطرف في أفغانستان وباكستان من الخليج، ونتوقع أن هذه الأموال تنافس أو حتى تتجاوز حجم الأموال التي يحصلون عليها من المخدرات)، وأشار إلى بعض التقديرات التي أشارت إلى أن الأموال التي يجنيها المتمردون من المخدرات تتراوح بين 150 و300 مليون دولار.

ماثيو ليفيت المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأمريكية، والذي يعمل حالياً في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى قال (السعوديون بشكل عام مترددون في الاعتراف إما بأن هناك تمويل يأتي من السعودية للإرهاب، أو بأن الإجراءات السعودية لمكافحة الإرهاب ليست كافية).

المسؤول الأميركي الذي زار أفغانستان الشهر الماضي وعثر على أدلة تثبّت تورّط جماعات سعودية في تمويل القاعدة وحركة طالبان لم يشأ تجاهل دور الحكومة السعودية، ولكنّ قيادته في البنتاغون قررت ذلك، ريثما تجري اتصالاتها مع الحكومة السعودية، خصوصاً وأن تعهّدات ملزمة أعطاها المسؤولون السعوديون لنظرائهم الأميركيين بوقف وملاحقة كل مصادر تمويل الجماعات الإرهابية في الداخل والخارج.

ما هو ثابت أن التمويل السعودي للخارج ليس استثناءً أو عملاً مؤقتاً، بل هي استراتيجية تعتمدها السعودية لبناء تحالفات في الخارج وحماية الداخل، لذلك هي تخوض معاركها خارج الحدود كيما تحفظ وجودها.

ولذلك، لا يمكن أن تتخلى السعودية عن تصدير مذهبها الوهابي للخارج، فقد بات ذلك مصدر حماية لها في الداخل ونفوذ في الخارج، وبدأ ذلك عملياً في عام 1962 حين قام آل سعود بتمويل رابطة العالم الإسلامي لمواجهة تيار القومية العربية الذي كان يقوده الزعيم جمال عبد الناصر، والذي كان ينادي بإسقاط الملكية السعودية كما سقطت الملكية المصرية.

إن المهمة الدينية لتصدير الدعوة الوهابية لا تنفصل عن رغبة السعودية في صنع حلف سياسي على قاعدة دينية يمارس دوراً مناهضاً لكل القوى المنافسة التي تنشأ في المناطق المحيطة بها والتي تهدّد نفوذها الاقليمي. ولذلك يتحصّن الحكم السعودي بالدعاوى الدينية لتغليف أهدافه السياسية، فقد عمدت السعودية على تمويل بناء 200 كلية دينية و210 مركز إسلامي و1.500 مسجداً، منها 1345 مسجداً في عهد الملك فهد، و2000 مدرسة للأطافل المسلمين في الدول غير الاسلامية كما ثبت ذلك في الموقع الشخصي للملك فهد على الانترنت.

تمويل الوهابية

وبحسب مستشار سابق بوزارة الخزانة الأميركية ديفيد أوفهوسر في يونيو 2004 فإن تقديرات إنفاق الحكومة السعودية على نشر المذهب الوهابي في العالم تجاوز مبلغ 75 مليار دولار، فيما قال إدوارد مورس، محلل نفطي في شركة هس لتجارة الطاقة، بأن الملك خصّص حساباً نفطياً خاصاً يقوم بحجز قيمة مائتي ألف برميل في اليوم- أي 1.8 مليار دولار في العام حسب مستوى الأسعار في عقد الثمانينيات. وهناك تقديرات تفيد بأن السعودية تنفق ما بين مليارين ومليارين ونصف سنوياً على نشر الوهابية في العالم.

وفي حقيقة الأمر أن الأموال الطائلة التي تنفقها السعودية في الخارج لا تسلك طريق الأعمال الخيرية دائماً، بل جرى توظيف قسم منها لتمويل تنظيمات مسلّحة، وقد جرى الكشف عن بعضها خلال حملة الحرب على الإرهاب، حيث صنّفت بعض الجمعيات الخيرية في خانة المنظمات الداعمة للإرهاب، حيث كان يتم تحويل الأموال الى منظمات مسلّحة في أفغانستان وباكستان والصومال. وقد اضطرت الحكومة السعودية إلى إغلاق بعض المؤسسات الخيرية المرتبطة مالياً بوزارة الشؤون الإسلامية.

وتجدر الإشارة إلى أن الجمعيات السعودية في الخارج كانت تعمل لسنوات طويلة على أساس توافق غربي سعودي لمواجهة النموذج الثوري الإيراني، وهو ما كشف عنه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في مارس 2004 بقوله (طلبت دول غربية كثيرة من المملكة العربية السعودية التدخل في هذه المراكز الإسلامية، لأنهم في ذلك الوقت كانوا يعتبرون المملكة العربية السعودية دولة معتدلة). وقال (لقد شعر الأمريكيون بالإطمئنان بعد تواجد السعوديين). وقد فتحت الأبواب أمام حركة الأموال السعودية التي وجدت قنوات سهلة للوصول الى تنظيمات سياسية مسلّحة في عدد من دول العالم، لمواجهة إيران وتحقيق مآرب سياسية مشتركة مع الولايات المتحدة والغرب عموماً. وقد شعر الغربيون في التسعينيات بأن خطاباً دينياً راديكالياً بدأ ينتشر في أوساط الجاليات المسلمة في عدد من دول أوروبا والولايات المتحدة، حيث بدأت مساجد ومراكز إسلامية تشيّد بأموال سعودية عن طريق رجال دين متشدّدين. ولكن التدابير المتأخرة التي اعتمدتها الحكومات الغربية جاءت بعد أن تمكّن التشدّد الوهابي من تشكيل قواعد تنظيمية له في أرجاء مختلفة من العالم، وأخذه شكله الدولي في تنظيم القاعدة.

بالرغم من التدابير الصارمة التي فرضتها حكومات غربية على مصادر تمويل حركة طالبان وتنظيم القاعدة، إلا أن مصادر التمويل السعودية أخذت طريقها عبر قنوات أخرى، وبات استعمال (اليد) الوسيلة الأكثر آماناً، حيث يتم نقل الحقائب المليئة بالأموال عبر أشخاص عاديين ومقطوعي الصلة بالمصدر الأصلي، الى الجهات المعنية في الخارج. وغالباً ما يعثر المسؤولون العسكريون والأمنيون الغربيون على آثار واضحة لعمليات التمويل السعودي في أفغانستان وباكستان، ولكن المسؤولين السعوديين يتذرّعون دائماً بعدم صلتهم بها، وقد تكون من بقايا فترات سابقة، أي مرحلة الجهاد الافغاني التي كان يتم فيها التنسيق على مستويات عليا بين الحكومة السعودية وحكومات غربية، أو أن تلك الأموال جاءت عن طريق جماعات محلية ليست على توافق مع الحكومة السعودية، بل قد تكون هذه الجماعات تعمل على إسقاط النظام السعودي، وتهديد المصالح الحيوية والاستراتيجية للغرب.

ولكن تلك المزاعم السعودية جرى استيعابها من قبل مؤسسات رسمية غربية، حيث كشفت مستندات محكمة أميركية في أغسطس 2008 عن أن أعضاء بارزين في الأسرة المالكة دفعوا ما لا يقل عن 300 مليون دولار لتنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان في أواخر التسعينيات، بموجب إتفاق بين رئيس الاستخبارات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل وزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بعدم مهاجمة الأخير لأي أهداف داخل المملكة، مقابل عدم المساس بمصادر تمويل القاعدة.

ولكن تلك المزاعم السعودية جرى استيعابها من قبل مؤسسات رسمية غربية، حيث كشفت مستندات محكمة أميركية في أغسطس 2008 عن أن أعضاء بارزين في الأسرة المالكة دفعوا ما لا يقل عن 300 مليون دولار لتنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان في أواخر التسعينيات، بموجب إتفاق بين رئيس الاستخبارات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل وزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بعدم مهاجمة الأخير لأي أهداف داخل المملكة، مقابل عدم المساس بمصادر تمويل القاعدة.

ويعلّق السفير الأميركي السابق لدى كوستاريكا كورتين وينزر، في دراسة نشرت في مجلة ميدل ايست مونيتر (عدد يونيو\يوليو 2007) بعنوان (السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية السنية): وهذا يفسر سبب عدم تعرض المملكة لأي هجوم من القاعدة حتى أحداث 11 سبتمبر، ولكن بعد قيام السلطات السعودية تحت ضغط واشنطن بملاحقة أنصار القاعدة وحدثت مواجهات بين الشرطة والإسلاميين المسلحين بصورة متقطعة منذ مايو 2003م .

ولكن على الرغم من ذلك، يقول وينزر، أظهرت القاعدة إلتزاما باتفاقها مع المملكة، ويفسّر ذلك تنقل المئات من أفراد العائلة الملكية السعودية بكل حرية دونما خوف من الاغتيالات كما أن المنشآت النفطية السعودية لم تستهدف سوى مرة واحدة وبصورة طفيفه. ومقابل ذلك استمرت المملكة في دعم انتشار الوهابية ومدارسها التي استمرت هي الأخرى في تخريج متطوعين للقاعدة).

الصفحة السابقة