الملك عبد الله (إصلاحي سابق)

رغم أنه لم يكن إصلاحياً حقيقياً، ولكن على الأٌقل كان يلهج بلسان إصلاحي في استجابة لمناخ إصلاحي ساد ثم باد، ولكن بالنسبة لأولئك الذين صدّقوا بأن (إصلاحية) الملك تمثّل نهجاً جاداً، وأنه يحمل تطلعات إصلاحية، توقّفوا عند قرار تعيين الأمير نايف، وزير الداخلية، نائباً ثانياً وتساءلوا عن دلالاته السياسية، وخصوصاً فيما يرتبط بالمدعى الإصلاحي، وقالوا هل أن القرار يرمز إلى انسحاب الملك من ميدان الإصلاحات؟.

في الواقع، أن تعيين الأمير نايف يشير إلى أن الملك توصّل إلى اتفاق مع الجناح السديري على ما يمكن وصفه توزيع السلطة بين الجناحين الرئيسيين داخل العائلة المالكة، أي جناح الملك عبد الله والجناح السديري. وجاءت الخطوة مباشرة بعد إلإعلان عن التغييرات الوزارية والإدارية، حيث عيّن الملك عبد الله إبنه مشعل حاكماً على منطقة نجران، فيما عيّن الأمير فيصل بن عبد الله آل سعود، المقرّب من الملك، وزيراً للتعليم. نلفت هنا إلى أن تعيين الأمير مشعل بن عبد الله حاكماً على منطقة نجران ما كان ليتم دون تذييل القرار بعبارة (بناء على توصية من وزير الداخلية)، ما يشير إلى الإتفاق بين الملك والجناح السديري.

بلا ريب يمثّل تعيين الأمير نايف تبديداً لأي أمل مستقبلي في الإصلاحات السياسية، بالنظر الى التصريحات الأخيرة له بشأن الانتخابات ومشاركة المرأة في مجلس الشورى، ولكن ما هو حقيقة أيضاً أنه منذ الخامس عشر من مارس 2004 لم يعد الملك عبد الله إصلاحياً لا بالفعل ولا بالقوة، وجاء تعيينه للأمير نايف كي يثبت بأنه منذاك ليس لاعباً قوياً في السياسة السعودية. فقد أصبحت القوى المناهضة للإصلاح أقوى مما كانت عليه في السابق، ومع وصول الأمير نايف الى العرش، ستشهد البلاد أوضاعاً صعبة، ما لم تتدخل قوى أخرى محلية أو دولية لفرض تغييرات على الدولة السعودية.

وإذا ما قبلنا حقيقة أن الأمير نايف يمثّل رمز الحرس القديم، فإن الحرس الجديد لا يحوز سوى على هامش ضئيل في المستقبل. وبوصفه معسكراً هشّاً هزيلاً، فمن المقدّر للحرس الجديد أن يموضع نفسه في سياق المعادلة السياسية الجديدة، التي يتحكّم بعناصرها الحرس القديم، وعلى وجه التحديد السديريين.

على أية حال، فإن الملك عبد الله بدا، بعد تعيينه نايف، بأنه ليس سوى شخصية محافظة، بالمعنى السياسي، شأن الملوك السابقين، ويتمسك بمبدأ استمرارية الإدارة السياسية بالنمط التقليدي. وإن الحديث عن تغييرات دراماتيكية وجوهرية في بنية النظام قد حسمه قرار الملك الأخير، إذ لم يعد المراقبون المحليون والأجانب يتوقّعون أن يصنع الملك مفاجئات إصلاحية ، فقد رسم الأمير نايف رؤية الدولة عموماً للنظام السياسي. فإضافة إلى اعتبار نظام التعيين لأعضاء مجلس الشورى بأنه الأمثل، وأن ليس ثمة حاجة لتضمين المرأة في عضوية مجلس الشورى، فإن وزير الداخلية هو المعني بصورة مباشرة بالانتخابات البلدية التي تم تعطيلها لأجل غير مسمى، الأمر الذي يلمح إلى أن ثمة ارتداداً فاضحاً عن أي وعود إصلاحية الآن وفي المستقبل.

ومن سوء الطالع، أن الإنسحابات هذه تتم في ظل مباركة أميركية فاحشة، فبعد أن بشّرت إدارة بوش السابقة بثورة ديمقراطية في الشرق الأوسط، عادت وأسبغت تأييدها لديكتاتوريات حليفة، فأصبحت السعودية دولة اعتدال، ولم يحد أوباما عن سلفه، حيث جدّد دعمه، عبر وزير دفاعه روبرت غيتس، للنظام السعودي على خلفية التحالف الاستراتيجي ضد الإرهاب.

ولاشك أن المباركة الأميركية والدولية للدور السعودي في مكافحة الإرهاب، يقدّم مكافأة للأمير نايف الذي سمع كلاماً مريحاً في نيويورك مؤخراً، من المسئولين الأميركيين. ولكن ما يثير الدهشة أن يعود الأمير نايف محمّلاً بمواقف راديكالية، بدلاً من التبشير بديمقراطية ولو عرجاء، وكأنه أراد طرد أي ربط بين قرار تعيينه وزيارته الى الولايات المتحدة وما دار هناك من أحاديث، فاختار أن يرضي حليفه الديني في الداخل، وأن ينذر غالبية السكّان بأن المسافة بينه وبين العرش لم تعد بعيدة، في وقت التزم الملك عبد الله الصمت، واختار أن يحتفظ بمنصب (إصلاحي سابق).

الصفحة السابقة