إعلان تأسيس إمارة وهابية في غزّة

إنقلاب سعودي على حماس

محمد شمس

ما حدث في رفح يوم الجمعة 14/8/2009 كان انقلاباً سعودياً بامتياز. نفذته أياد تنتمي الى فكر سعودي، ومدعومة بمال سعودي.

لنأخذ العبارات ابتداءً:

إعلان (جندالله) قيام دولة إسلامية على الطريقة الوهابية في أكناف بيت المقدس! جاء في صلاة الجمعة وتحت قعقعة السلاح، ومن مسجد إسمه (إبن تيمية). كثيرة هي مساجد الوهابية التي تسمّى بـ (ابن تيمية) وهي معاقل للفكر المتطرف والعنف والسلاح. رأينا ذلك في العراق والباكستان، واليمن ومناطق أخرى. إسم المسجد، يعني أن القائمين عليه ومرتاديه هم من (الوهابية) ليس إلا!

ثم خذ العبارات الأخرى: (جندالله)، هو اسم التنظيم، وهو يتكرر في كل مكان وجد فيه السعوديون الوهابيون. لأن الوهابية منذ قيامها تعتبر مقاتليها وحدهم (جنود الله)، أو (جنود التوحيد)، أو (جنود الإسلام). معظم التنظيمات التي تحمل الإسم ـ إن لم يكن كلها ـ هي تنظيمات وهابية، سواء تلك التي في لبنان، أو في بلوشستان، التي تروج لها قناة العربيّة!

ثم هناك تعبير (السلفية الجهادية) تمييزاً لها عن (السلفية التقليدية) الموالية للأنظمة، وهذه السلفية بالتحديد تشتغل على نمط القاعدة، رأينا أسماءها تتكرر في السعودية واليمن والعراق.

وهدف التنظيم: تشكيل إمارة إسلامية، على غرار ما قامت به الوهابية في العراق، حيث كانت الإمارة هناك وبالاً على الجميع بمن فيهم متزعميها، ومنذ أن أعلنت تشظّى المجتمع أكثر، واشتعلت الحرب الأهلية حتى بين السنّة أكثر من ذي قبل.

ثم للنظر في الوسائل: التحدّي المباشر وبالسلاح، وهذا ليس جديداً. لكن أن يفجر وهابي فلسطيني في رفح نفسه في سيارة تابعة لقوات أمن حماس في مكان الإشتباكات، فهذه سمة للتنظيمات الوهابية/ القاعدية. لا يقوم بذلك إلا من اعتقد بأن (الآخر) كافر يحل ماله ودمه. تماماً مثلما شهدنا مثله ولازلنا في باكستان وأفغانستان والعراق والسعودية وحتى إيران.

ثم انظر الى اتهامات زعيم التنظيم الوهابي عبداللطيف موسى لحماس، فهو يصفها بأنها حركة (علمانية) وهذا أسهل الأوصاف. والعلماني عند الوهابية كافر يجوز قتله، إن لم يكن قتله واجباً.

عبداللطيف موسى يعلن إمارته الإسلامية في رفح!

ثم انظر انشقاق جندالله، أو السلفية الجهادية عن السلفية التقليدية، التي فرّختها، فهي سمة لكل التنظيمات الوهابية، حتى تلك التي في السعودية. فلم يخرج ابن لادن من العدم، ولم تخرج قاعدة جزيرة العرب إلا من رحم المؤسسة السلفية الرسمية التقليدية التي تطلق النار على الجميع (عدا آل سعود)! وهذا يثبت أن الفكر الوهابي التقليدي هو المفرخة الحقيقية للعنف وفكر التكفير.

ولأن السعوديين يزرعون نبتتهم الضالة أينما أمكنهم ذلك، فقد أسسوا من قبل (جماعة الكتاب والسنّة في فلسطين) وكان عبداللطيف موسى نائباً لتلك الجماعة التي تؤيّد الحاكم، ولا ترى الخروج عليه بالسيف، وإنما يجب نصحه (تماماً مثلما يفعل آل الشيخ وطاقم الوهابية الرسمي في السعودية). لكن هذه الموادعة تتحول الى الآخر ناراً تلتهب. وقد اعتبر تنظيم جند الله انشقاقاً عن جماعة الكتاب والسنّة، مثلما انشقّ وهابيون آخرون عن زعاماتهم التقليدية التي تنتقي العدو الذي تتربص به بناء على تعليمات السعودية.

لم يخرج عبداللطيف موسى على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي يتهم وهابياً بالبهائية، ولم يقل أحدٌ منهم أنه كافر، وإنما الكافر هو خالد مشعل وجماعته فحسب! ولاغرو أن يكون بين السلطة التي طردت من غزة تواصلاً مع هذه الجماعة التكفيرية، الى حد أن الناطق الرسمي باسم الحكومة في غزة، طاهر النونو، اتهم عبداللطيف موسى بأنه ينسق عمله مع أجهزة الأمن الفلسطينية المنحلّة (جهاز دحلان).

كل مواصفات جماعة جند الله، التي أعلنت عن قيام إمارتها في رفح، ومن مسجد ابن تيمية، هي مواصفات متكررة أمامنا. هي وهابية بكل تفاصيلها وفكرها، وتكفيرها، وحديتها، وقد وصفها المتحدث باسم الحكومة طاهر نونو بأنها (مجموعة تكفيرية) وأن أتباعها (أعلنوا قيام كيان لا يقوم على القانون ويكفر أبناء شعبنا). كما وصفها بأنها (جهة خارجة عن الصف الوطني والإسلامي).. أي أنها أقرب الى فكر الخوارج والى عملهم، وهذا هو ما يقوله الكثيرون عن الوهابية منذ انطلاقها قبل قرنين، فأتباع الأخيرة أقرب الى فكر الخوارج، ولكن الوهابية نفسها تصم غيرها بالخروج وأن فكرهم خارجي إن تطاولوا على آل سعود ونظام حكمهم! كما فعلوا مع جهيمان ومع القاعديين الجدد الذين فرّوخهم.

وكما في العراق ولبنان وأماكن أخرى، فإن الزرع الوهابي شديد الوطأة على المجتمع، متراخ مع اسرائيل والحكومات. وقد قامت جماعة جندالله في غزة في 21 يوليو الماضي، بتفجير حفل زفاف في خان يونس! ما ادّى الى مصادمات مع حكومة حماس.

ضربة سعودية لحماس

اعتبر حمساويون ما جرى في رفح من تمرد وهابي عنفي، أسفر عن مقتل نحو عشرين شخصاً، بينهم عبداللطيف موسى، رسالة سعودية إليهم. فمنذ وقت غير قصير يئست السعودية من تغيير مواقع حماس السياسية، وفتحت عليها النار منذ نحو أربع سنوات حتى اليوم، ولا يخلو الإعلام السعودي، خاصة الشرق الأوسط وإيلاف والعربية، من تهجمات متكررة ويومية ضد حماس وسياساتها.

يترافق ذلك كله، مع مزايدات ابن لادن والظواهري العلنية على الحركة، واستسخاف نهجها السياسي، وإبداء الفوقية والإستعلائية التي كثيراً ما نجدها لدى الوهابيين، الذين يرون في أنفسهم أنهم أنقى عنصراً وأعلى شأناً، وأفهم بدين ودنيا العالمين!

زد على ذلك، فإن العديد من الصحويين الوهابيين فتح هو الاخر النار على حماس، شأنهم في ذلك شأن المشايخ الرسميين، الذين تبنّوا مقولة آل سعود واتهاماتهم بأن حماس عميلة لإيران.

ويخرج بعد صلاة الجمعة محفوفاً بمسلّحيه

السعودية الرسمية في الأساس ليست ضد القاعدة والتنظيمات الوهابية العنفية الأخرى (السلفية الجهادية)، إلا لأنها تحوّلت ضدّها، ولو بقيت تلك التنظيمات تأتمر بأمرها وتأخذ الإذن والتعليمات منها حول مَن (تغزو) ومَن (تهاجم وتفجر) لما كانت هناك مشكلة في احتضانها. لكن السعوديين من جهة ثانية، تألموا من جهة أن ابن لادن والتنظيمات العنفية الوهابية الأخرى في المغرب العربي وغيره، استطاعوا أن (يحصدوا) الزرع الوهابي كلّه، وتجييره لصالحهم. لذا طرأ تفكير جديد بين المسؤولين السعوديين، يقول بالإستفادة من تلك التنظيمات في المناطق التي تريد السعودية ضربها. حدث ذلك في التفجيرات التي وقعت في سوريا قبل عامين، وحدث مع فتح الإسلام في لبنان، وحدث ولازال يحدث مع جندالله البلوشية في إيران، وها هي السبحة تتكرر مع جندالله رفح أو غزة!، بل أن هناك شواهد عديدة تفيد بأن السعودية كانت ترسل الأموال الى القاعدة في العراق، ولاتزال، وليس الرجال فقط، ماداموا يقاتلون الشيعة هناك. ونستذكر الآن، فتوى اللحيدان بأن الجهاد الصحيح هو في العراق، وليس في السعودية. كما نتذكر محاولات سفر الحوالي اقناع قيادات القاعدة في السعودية بالسفر الى العراق ليستشهدوا في (أرض الرباط) بدل أن يقتلوا أنفسهم كفاراً في ديار التوحيد، وقد كشف القاعديون عن ذلك علناً في كتاباتهم ومنتدياتهم.

المخابرات السعودية تعمل على أرض الواقع للإستفادة من التيارات الوهابية العنفية لضرب خصومها، وهي لن تتعفف عن فعل ذلك. ولقد قال الريحاني في العشرينيات الميلادية من القرن الماضي في كيفية تعامل مؤسس دولة آل سعود مع متطرفي الوهابية، بأن لكل واحد منهم عنده مقاماً: فالمتسامح للخدمة عنده، أو للتجارة، والمجنون للقتال! اي حطب حرب فقط! وهذا ما آلت اليه فتح الإسلام، وغيرها.

وبالنسبة لحماس، وما جرى مؤخراً في رفح، فإنه ينطبق على السعوديين المثل القائل: (رمتني بدائها وانسلّت). فأغلب المؤشرات تفيد بحبكة استخباراتية بين مصر والسعودية وسلطة ابو مازن لدعم هذا المتطرف الوهابي الذي لقي مصيره الذي يستحق، ليضعف سلطة حماس، ويفجرها من الداخل، بعد أن فشلت حرب اسرائيل وضغوط مصر والسعودية وحصارهما لغزة مالياً وسياسياً وجغرافياً، في تحقيق ذلك.

من حسن الحظ، أن الإعلام السعودي والإسرائيلي الذي كان يروج لتحالف القاعدة مع حماس في غزة، ثبت عكسه هذه المرّة. وخرست التعليقات الاعلامية المضللة من الصهاينة وال سعود، لا لأن القاعدة (والوهابية بشكل عام) بمثابة نار تحرق من يقترب اليها فحسب، بل لأن التورّط السعودي قد ينكشف في أية لحظة. ولذا نأى الإعلام السعودي ـ حتى كتابة هذه السطور ـ وهو المتحفّز لاصطياد أي شيء ضد حماس، نأى عن التأييد العلني لمنتجهم الحارق عبداللطيف موسى، والغمز من قناة الشدّة التي اتصفت بها حماس في معالجة القضية. وهناك خوف من أن تكشف حماس الأوراق على الملأ، وهو أمرٌ غير مستبعد، في حال تطاول السعوديون في إعلامهم عليها وعلى قياداتها.

وحتى المواقع الوهابية السعودية المتطرفة، مرّت على الخبر مرور الكرام، ولم تعتبره صيداً إعلامياً ثميناً كالعادة، ما يفيد بالتنسيق المسبق بين آل سعود، وأياديهم الوهابية البغيضة. حتى أن موقع لجينيات قال بأن عبداللطيف موسى (استولى على مسجد ابن تيمية الذي بني وأسس ـ سعودياً ـ على منهج سلفي يدعو سلماً الناس الى الإحتكام الى كتاب الله)!!

ونحن نعرف أن الوهابية طبعها عنفي، وهي ليست مسالمة ولم تكن، وأينما وجدت وجد العنف والشقاق بين المسلمين. ويكفي ان نلقي نظرة على خارطة العنف في العالم الإسلامي لنجد أن رؤوسئها هم من خريجي المدرسة الوهابية، فكراً، وممولة من السعودية، وربما وجد رجال من السعودية يقاتلون ويمارسون العنف.

الصفحة السابقة