(العربية) و (العالم) يمهدان الطريق لصراع أكبر

السعودية: جاهزون للمعركة!

ناصر عنقاوي



لم تخض السعودية حرباً مباشرة مع أية دولة مجاورة، ولكنها خاضتها عبر آخرين. هذا هو تاريخ السعودية الحديث منذ أن أعلن عن تأسيسها عام 1932م.

نعم اشتبكت السعودية مع اليمن الجنوبي في السبعينيات وعبر الحدود، ولكنها تفاجأت بأنها هزمت وانسحبت وخلفت بضعة قتلى!

وقبلها كانت السعودية تحارب في اليمن عبر تمويل الملكيين ضد الجمهوريين المدعومين من عبد الناصر.

واشتبكت في بداية التسعينيات مع قطر حول قطعة ارض متنازع عليها (الخفوس) خلفت قتيلين!

هذا هو حجم السعودية العسكري!

وشاركت في الحرب على إيران عبر عراق صدام حسين لثمان سنوات، واستغلت فرصة الحرب لتشكل مجلس التعاون الخليجي بعيداً عن العراق، وحين انتهت الحرب، عاد العراق فوجه سهامه لداعميه.

واشتركت السعودية في حرب أفغانستان، عبر البروكسي الوهابي، ودعم المليشيات الأفغانية ضد الغزو الروسي.

واشتركت السعودية في حروب أبعد الى نيكاراغوا بالتمويل، والى العراق بعد احتلاله اميركياً، ليس ضد أميركا، وإنما ضد الشيعة العراقيين الذين يمثلون أكثرية، لا لأنهم عملاء لأميركا (فالسعودية نفسها متهمة بالعمالة) ولكن لأنهم زادوا من النفوذ الإيراني.

السعوديون لا يدخلون الحروب، وإنما بالنيابة، عبر فتح الإسلام أو عبر المرتزقة هنا وهناك.

حتى في الحرب الأهلية اليمنية التي قامت عام 1994م، اصطفت الى جانب الشيوعيين القدامى لتخريب الوحدة، وجاءت بطيارين مرتزقة من أوروبا ليقوموا بحملات على اليمن الشمالي أوقفها الأميركيون حين وجهوا تحذيراً للسعوديين.

السعودية تستخدم القبائل والنفوذ الوهابي في أي بلد، والمال، وغير ذلك لضرب خصومها، أو حتى لصناعة انقلاب (كما حدث في سلطنة عمان قبل نحو خمس سنوات، وكما حدث في سوريا قبل عامين مكررين تجربة عبدالحميد السراج عام 1958 لتخريب الوحدة المصرية السورية).

أما المواجهة المباشرة، فهم أجبن من أن يقتحموها. والمدهش ان صدام حين احتلّ الخفجي أثناء حرب 1991م، لم يخرج القوات العراقية سوى الحرس الوطني القطري! فيما هرب الجيش السعودي وحرس وطني آل سعود عن ساحة المواجهة.

هذا يعني أن الحروب القادمة التي تحرّض عليها السعودية، لن تشارك فيها بغير المال، بأي قدر كان.

ألم يقل الملك الغبي (عبدالله) لوفد عراقي من وزارة الداخلية يضم سنّة وشيعة، بأن بلاده أنفقت خمسين ملياراً لإسقاط صدام، وستنفق لو تطلب الأمر ضعف المبلغ لإسقاط (حكم الشيعة) حسب قوله؟!

في موضوع العلاقة مع إيران، فإن السعودية زاهدة فيها، وتميل الى المواجهة بدلاً من التفاهم، والى التصعيد بدلاً من التهدئة التي كانت سمة علاقاتها مع طهران طيلة عقد كامل.

لكن السعودية لم تجرؤ حتى الآن على قطع علاقاتها مع طهران، وهي فيما يظهر تصعّد موقفها بحجم التصعيد في الموقف الأوروبي ضد إيران. أي أن السعودية، وإن كانت سبّاقة إعلامياً في شنّ الهجوم، كما فعلت العربية منذ الإنتخابات الإيرانية الأخيرة وحتى الآن، فإنها لن تجازف على الأرجح بتوسعة رقعة الصراع ما لم يقدم الأوروبيون والأميركيون ابتداءً بفعل ذلك.

ايران ألغت العمرة خلال شهر رمضان، وألغت رحلاتها الى السعودية، بحجة انفلونزا الخنازير، والأرجح أنها (انفلونزا سياسية) جاءت كتعبير عن استياء ايراني من الموقف السياسي والإعلامي السعودي.

مالذي يزعج السعودية من ايران؟ إنه النفوذ السعودي الذي تآكل إقليمياً بسبب المنافسة. والسعوديين غير القادرين على المنافسة الشريفة، تحركوا على مسارات أربعة:

الأول الإعلامي، حيث دشّنت السعودية الإم بي سي بالفارسية، وراديو باللغة الفارسية، والعربية نت بالفارسية. وقادت العربية والشرق الأوسط وإيلاف الحملة على إيران إعلامياً منذ ثلاث سنوات تقريباً، ولكنها تصاعدت بشكل صارخ بعد الإنتخابات الإيرانية الأخيرة. الإعلام السعودي والموالي له في لبنان بالتحديد هو من يقود الحملة المستمرة على إيران، ويصورها بأنها العدو الأول على العرب، وأنها أخطر من إسرائيل.

والثاني عسكري، حيث تحرّض السعودية واسرائيل ادارة أوباما وأوروبا على مهاجمة ايران عسكرياً، لأنها لن تتنازل عن مشروعها النووي. وكان بندر قد وعد الأميركيين أيام بوش وبناء على تعليمات أبيه واعمامه بأن السعودية ستشارك في أية معارك ضد نظام الحكم في ايران. والطرفان السعودي والإسرائيلي، كل من موقعه، يروّجان بأن إيران ضعيفة، ويمكن أن تنهار بمجرد أن يتم قصفها بالطائرات، وسينتج عن ذلك خوراً وربما إسقاطاً لنظام الحكم.

والثالث تفكيك إيران داخلياً، حيث تدعم السعودية حركتين انفصاليتين في الأهواز وبلوشستان، وتوفر لهما المواقع الإعلامية، وتستضيفهما القنوات السعودية، خاصة العربية، وتغطي نشاطاتهما، بل أن السعودية افتتحت مكتباً لانفصاليي الأهواز في الرياض، وموّلت آخر في القاهرة.

والرابع إرهابي، عبر دعم منظمة مجاهدي خلق، التي قتلت عشرات من القيادات الإيرانية، واحتضنها صدام بقواعدها العسكرية في معسكر أشرف، والآن تتولّى السعودية ومصر والأردن، ومن ورائهم دولاً أوروبية وأميركا واسرائيل، دعمهم السياسي والمعنوي والمالي (رفعت المنظمة من قائمة الحركات الإرهابية قبل نحو عام، وبدأ الأمر من لندن).

ويعتبر دعم مجاهدي خلق، القشّة التي قصمت ظهر البعير، إذ أنه يعني اختراق السعودية لكلّ الإتفاقيات الأمنية الموقعة بين البلدين، وبالتالي فإن طهران قد تكون في حلّ من تلك الإتفاقيات والمعاملة بالمثل.

ينبغي التأكيد هنا، بأن ما يهم طهران ليس الموضوع الإعلامي أي (الحرب الإعلامية) مع الرياض، فتلك الحرب ما هي إلا أداة سياسية قد تسهّل الإنزلاق الى مواجهة مباشرة، لن تقدم عليها السعودية إلا اذا اصطفت ابتداءً معها دول غربية، وحينها قد نشهد قطعاً للعلاقات بين البلدين.

السعوديون حين تتوتر علاقاتهم مع أية دولة، فإنهم يعكسون توترها على الرعايا، مثلما جرى من طرد أكثر من مليوني يمني من السعودية عشية احتلال العراق للكويت. فقد أخرجوهم بملابسهم فقط، دون ممتلكاتهم التي جرى نهبها في عملية قلّ نظيرها في التاريخ العربي الحديث. والآن يتكرر السيناريو، ولكن مع الحجاج والمعتمرين الإيرانيين، حيث تتم مضايقتهم بشكل مستمر، رغم احتجاجات وزارة الخارجية الإيرانية. فهؤلاء الحجاج والمعتمرون هم الحلقة الأضعف، التي يستطيع السعوديون (تنفيس احتقانهم) المريض، شأنهم في ذلك شأن الحجاج السوريين، والفلسطينيين القادمين من غزة، الذين منعوا من الحج العام الماضي.

السعودية مستعدة لاستخدام كل أوراقها في الحرب، بما فيها الحج، فضلاً عن المشاريع القذرة التي اعتاد بندر بن سلطان وتركي الفيصل أن يتحفانا بها. لكن أن يصل الامر الى المواجهة العسكرية فذلك أمرٌ مستبعد، ولكنه غير مستحيل أن تنضم السعودية الى مشروع هجوم ينطلق من أراضيها ودعمه بالمال، تقوده أميركا وأوروبا، مثلما حدث مع نظام صدام حسين، مع علم السعوديين بتكلفة الأمر، حيث من المتوقع ان تنهمر الصواريخ الإيرانية على المواقع النفطية السعودية.

السؤال: أين تتجه بوصلة السعودية في حركتها السياسية الخارجية؟

موضوعان متصلان ببعضهما البعض: تحييد الموضوع الفلسطيني، وحلّه إن أمكن، وبأيّ شكل من الأشكال، والتفرّغ للموضوع الإيراني ومواجهته بحسم الآلة العسكرية الإسرائيلية، أو الأميركية أو بهما معاً.

لا بد من تهدئة الجبهة الفلسطينية، وسحب الورقة الإيرانية، ومن ثم توفير مظلّة نووية صادّة للصواريخ الإيرانية، أعلنت عنها كلينتون ضمن مشروع أميركي في يوليو الماضي، تدفع تكاليفها السعودية ودول خليجية أخرى، وذلك للإنتقال الى الخطوة التالية: ضرب ايران جوياً على الأقل.

على الصعيد الفلسطيني، لم يعد المطروح اليوم (المبادرة العربية/ السعودية) للسلام. أي السلام واقامة علاقات مع الكيان الصهيوني مقابل الإنسحاب عن أراضي 1967 المحتلة. بل المطلوب فقط، هو (تجميد الإستيطان) في الضفة الغربية من قبل الصهاينة ولو لمدة عام، وهو ما رفضه نتنياهو، وقال انه مستعد للإيقاف (المؤقت) ولمدّة (ستة أشهر)! مقابل أن تفتح السعودية أجواءها للطيران الإسرائيلي المدني والعسكري، وأن تطبع علاقاتها مع اسرائيل كما فعلت الأردن ومصر.

أوباما، والكونغرس، كما ممثلهم ميتشيل، يريدون من الدول العربية أن تدفع ما سموه بـ (ثمن السلام) مقدماً، وكتب اوباما رسائل خطية الى الملك السعودي يحثه على تنفيذ طلبات اسرائيل مقابل (تجميد مؤقت للإستيطان)! في حين وقع 200 عضو من الكونغرس على مذكرة للسعودية تطالبها بتطبيع العلاقات مع اسرائيل. يقولون أن الملك السعودي رفض الإملاءات الأميركية، وميتشيل يقول أن السعوديين ودول عربية أخرى استجابت للطلب الأميركي، وقال ان استجابتها جيدة جداً!

المهم ان السعودية تريد التخلص من الملف الفلسطيني بصورة أو بأخرى، فهذا الملف صار عبئاً عليها، وتريد بيعه بأية ثمن بخس. فيما العين معلّقة على الوضع الإيراني ومحاولة اختراقه من الداخل وإشغال إيران بنفسها، كما يطالب بذلك قادة دينيون وهابيون من خلال منتدياتهم ومواقعهم على الإنترنت.

الصحافة السعودية بدأت تتحدث هذه الأيام عن صراع بين (العربية) و (العالم) كما أن تعليقات المنتديات السعودية استبشرت خيراً بأن بعض الحقيقة ستظهر عن السعودية في حمّى الصراع السياسي بين البلدين ونشر الغسيل لكليهما! واللافت أن أكثرية المعلقين يرون بأن (العربية/ السعودية) هي البادئة في الهجوم على إيران. ربما وحده كان متميزاً، ذاك الباحث المزعوم البعثي الممول من السعودية والذي أسس له مركز دراسات إعلامي مخصص لدعم آل سعود، وهو مصطفى العاني، فإنه قال للسي إن إن بأن الإعلام الإيراني هو الذي يشنّ الحملة الإعلامية على السعودية، وأن الأخيرة ضحية للإرهاب، وليست مصدرة له!

الصفحة السابقة