لماذا تتحوّل رأس حربة في حروب المنطقة

مـمـلـكـة الـشـرّ

سعد الشريف

لماذا كلما دار حديث عن حرب في المنطقة كان إسم السعودية حاضراً إما لكونها قاعدة لاندلاع شرارتها، أو لتسهيل عبور الصواريخ والطائرات والجيوش منها الى الأهداف العسكرية
عبدالناصر والملك سعود
المحدّدة سلفاً؟.

ولماذا يستحضر تاريخ الحروب الحديثة في الشرق الأوسط الدور السعودي فيها، وخصوصاً الحروب التي تندلع ضد دول عربية، سواء مصر، أو سوريا، أو العراق، أو حتى اليمن، وأخيراً إيران.

في العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، كان للسعودية دور مزدوج، ففي العلن تبرم اتفاقات الدفاع المشترك، وتقدّم المعونات المالية لدولة المواجهة، وفي السر تقود المؤامرة مع الدول المعتدية. في أكتوبر 1955 وقّعت مصر وسوريا إتفاقية لإقامة حلف عسكري، وتم تشكيل لجنة مشتركة، وهيئة دفاع مشترك بقيادة عبد الحكيم عامر، فانضمّت السعودية إلى الاتفاقية، ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ، وبقيت مجرد ورق.

وفي 13 نوفمبر 1956، عقدت قمة عربية بدعوة من الرئيس اللبناني كميل شمعون، إثر العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة. وشارك في القمة تسعة زعماء عرب وصدر بيان ختامي ينص على:

- مناصرة مصر ضد العدوان الثلاثي، وفي حالة عدم امتثال الدول المعتدية لقرارات الأمم المتحدة وامتنعت عن سحب قواتها، فإن الدول العربية المجتمعة ستلجأ إلى حق الدفاع المشروع عن النفس. واعتبار سيادة مصر هي أساس حل قضية السويس.

- تأييد نضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي من أجل الاستقلال.

ولم تلتزم السعودية بمقررات القمة، بل قامت إلى جانب النظامين الملكيين في اليمن والعراق، بدعم حلف بغداد المرتبط ببريطانيا، التي شاركت إلى جانب فرنسا والكيان الاسرائيلي في العدوان على مصر وقطاع غزة، ولم تقدم على قطع فعلي للعلاقات مع انجلترا وفرنسا، وكذا الحال بالنسبة لدعم الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي. وبالرغم من القروض المالية السعودية لكل من سوريا ومصر في نوفمبر 1955 وأغسطس 1956 على التوالي، فإن التوجّهات السياسية لدى الحكام السعودية كانت تتم في سياق مناهض للحقوق العربية، يستثنى ذلك موقف الملك فيصل، وكان ولياً للعهد حينذاك، حين أعلن تأييده في صيف 1956 لقررات قمة بريوني التي ضمّت تيتو ونهرو وناصر، وأعرب حينذاك عن أسفه للموقف الأميركي بعد سحب عرض تمويل السد العالي.

وعموماً، لم تكن السعودية على وفاق مع مصر الناصرية، فقد التزم حكام آل سعود موقفاً عدائياً من ثورة 23 يوليو 1952، والتي نظرت إليها باعتبارها تهديداً لوجودها، خصوصاً بعد أن شهدت، عن قرب، تموّجات الأيديولوجية الثورية الناصرية في أرجاء متفرّقة من العالم العربي، بل وفي منطقة الخليج بصورة عامة، الذي كان يحفل بدعوات (تصدير الناصرية) الى دوله، حتى أن بعض المصادر ذكرت بأن مظاهرة خرجت بالقرب من القاعدة العسكرية الأميركية في الظهران بالمنطقة الشرقية من المملكة رفعت شعار (بعد سعود.. عبد الناصر).

بقيت العلاقة بين الزعيم عبد الناصر والحكّام السعوديين متوتّرة على الدوام، وسعت السعودية الى زعزعة الاستقرار في مصر، واشغاله في حروب جانبية من أجل إضعافه وتشتيت جهوده، وبدأ التأزم يتصاعد في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر، وتحديداً العام 1957 عندما تبنى النظام السعودي مبدأ إيزنهاور، ثم ازدادت درجة التأزم في العلاقات بين القاهرة والرياض بعد قيام الوحدة بين مصر وسورية في 22 فبراير سنة 1958، حيث بدأ الملك سعود بنسج المؤامرات ضد مشروع الوحدة، وحاول اغتيال عبد الناصر أكثر من مرة، من بينها فضيحة دفع ثلاثة ملايين دولار للعقيد عبد الحميد السراج وزير الداخليه السوري في مرحلة الوحدة، وكان المخطط المطلوب من السراج نسف المنصة التي سوف يقف عليها عبد الناصر في دمشق أثناء أعياد الوحده، لكن السراج كشف أمر المخطط أمام عبد الناصر وأمام العالم. ثم جرت محاولة ثانية عبر إقامة تحالف يضم الأردن والسعودية وبريطانيا والمخابرات الأميركية بمشاركة كل من تركيا وشاه إيران، بهدف التغلغل في الجيش السوري وتقديم المال لعدد من الضباط لتنفيذ انقلاب عسكري بهدف إفشال الوحدة المصرية السورية، وتم ذلك في أيلول سنة 1961. وقد أدى ذلك إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر والسعودية.

حرب أكتوبر والدور السعودي

تلفت بعض الوثائق الأميركية الى تنسيق مشترك سعودي إسرائيلي في الحرب على عبد الناصر، أدّت الى هزيمة 1967، بعد إشغال الجيوش المصرية في جبهة اليمن، وذكر الاسرائيليون ذلك قبل نحو عام حين تحدّثوا عن الدور الاسرائيلي في انقاذ العرش السعودي في حقبتين حرجتين: حقبة عبد الناصر، وحقبة صدام حسين.

على أية حال، فإن الدور السعودي في حرب أكتوبر 1973 كان إعلامياً أكثر منه فعلياً، بالرغم من أن نوايا الملك فيصل لا تتطابق مع بعض الصقور في العائلة المالكة الذين كانوا ينسّقون مواقفهم مع الحكومتين الأميركية والاسرائيلية.

وكان الملك فيصل قد التزم بما أقرّه مجلس الدفاع العربى المشترك بتاريخ 30 نوفمبر 1971 من توصيات اللجنة الفرعية العسكرية المنبثقة من لجنة وزراء الخارجية العرب بحيث تلتزم دول المساندة العربية بتقديم الدعم لدول المواجهة ممثلاً في 16 سرباً جوياً وفرقة مدرعة وفرقة مشاه ولواء مدرع ولواءان مشاه، وتم توزيع هذا الدعم على سبع دول عربية وهي العراق والجزائر والسعودية والكويت وليبيا والمغرب والسودان، والتي تعهدت بتقديمه بنهاية فبراير 1973 كدعم لتتمكن دول المواجهة من الصمود فى مواجهة إسرائيل مع الوعد بتقديم دعم آخر للمساعدة فى العمليات الهجومية ضد إسرائيل. ولكن لم تصل أي من هذه المساعدات في موعدها، بل لم يصل أي من قوات هذه الدول الى جبهات القتال حتى نهاية الحرب، وظهرت عبارة تهكّمية على القوات العراقية (ماكو أوامر)، دون اغفال دور الفرقتين العراقيتين في حماية العاصمة السورية من السقوط، فيما كانت باقي المشاركات رمزية.

أما قرار حظر البترول عن الغرب، في 17 أكتوبر 1973، أي بعد 11 يوم على بدء المعركة، والذي أعلن عنه الملك فيصل في كلمته المشهورة (إننا على استعداد أن نحرق البترول ونعود لعصر الجمل والخيمة)، فبدأ بتخفيض تدرجي لإنتاج النفط بنسبة 5 الى 10% شهرياً، الى أن تنسحب القوات الإسرائيلية من كل الأراضي العربية واسترداد حقوق الشعب الفلسطيني. واقتصر الحظر على نسبة 15% اعتباراً من يناير 1974، كونها كافية لتحقيق الهدف، وأدى ذلك الى ارتفاع سعر برميل النفط من دولارين الى 38 دولاراً للبرميل.

وبالنظر في الوثائق الأميركية الخاصة بوقائع عامي 1973 ـ 1947 حول قرار السعودية رفع حظر البترول عن الولايات المتحدة، والتي أفرج عنها بعد مرور المدّة القانونية المسموح بها لرفع السريّة، تتحدث وثيقة بتاريخ 9 نوفمبر 1973 عن لقاء وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر مع الملك فيصل جاء فيها: قابلت الملك فيصل لثلاث ساعات في القصر الملكي في الرياض ونقلت له الإتفاقية التي توصلنا إليها بين مصر وإسرائيل لتأكيد وقف إطلاق النار على قناة السويس (بعد نهاية حرب أكتوبر). وفرح الملك بما سمع.

ثم شرحت للملك الإستراتيجية التي وضعتها أنت (الرئيس نيكسون) للعمل في المستقبل من أجل السلام، في حذر و جدية، وفرح الملك بذلك، وأكّد لي مراراً ثقته فيك، وصداقته لأمريكا.

وتحدثت مع الملك عن تخفيف قطع البترول السعودي عن أميركا، و قلت له أن تفاقم أزمة البترول في أميركا سيؤثر في وضعك أنت كرئيس (نيكسون)، سيساعد الجماعات الأمريكية (في إشارة الى الجماعات اليهودية) التي تعارض حل المشكلة، وتريد التقليل من مكانتك كرئيس.

و قال الملك فيصل أنه سيسعد بإعادة إرسال البترول الى الأمريكيين، بل و زيادته، لكنه قال إن هناك ضغوطاً.. وأن كل العرب متفقون على الطلب الأساسي، وهو حل المشكلة بين العرب و إسرائيل.

وفي 20 ديسمبر 1973، أوصل عمر السقاف وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي رسالة من الملك فيصل الى الرئيس الأميركي نيكسون عبر سفير واشنطن في المملكة يخبرها فيها بأن الملك فيصل قرر (رفع حظر البترول). وأن هذا القرار سينقل الى مؤتمر وزراء البترول العرب بعد خمسة أيام. وفي 26 ديسمبر 1973، أبلغ السقاف وزير الخارجية الأميركي كيسنجر بأن إعلان رفع الحظر سيصدر في شهر يناير 1974، كثمن لفك الإشتباك بين مصر واسرائيل، وليس لما تم الاتفاق عليه بانسحاب الجيوش الاسرائيلية من الأراضي العربية، والامتثال لحقوق الشعب الفلسطيني.

آل سعود واحتلال العراق

بالرغم من محاولات تخفيض الدور السعودي في حرب احتلال العراق في إبريل 2003، فإن ثمة تصريحات سعودية وأميركية تكشف عن دور إستراتيجي للسعودية في هذه الحرب. فقد أعلنت السعودية منذ الأيام الأولى للحرب الاميركية البريطانية على العراق بأنها على استعداد لتعويض أي نقص في سوق النفط نتيجة الحرب على العراق، بما يطمئن القوى الغازية من أن الصادرات النفطية السعودية لن تتأثر نتيجة الحرب، بل كان الاعلان السعودي في حد ذاته تطميناً للسوق النفطية العالمية إزاء الاسعار.

ولكن ما هو أخطر من ذلك، ما اعلن عنه الأميركيون من أن السعودية قدّمت تسهيلات عسكرية ولوجستية جوهرية للجيش الأميركية الذي كان يطلق صواريخ وطائرات مقاتلة الى الأراضي العراقية، فضلاً عن استعمال شبكة الرادارات السعودية من قبل القوات الأميركية. وقد لحظنا كيف أن المسؤولين السعوديين، وخصوصاً وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل عبّر عن انزعاجه من أن دولته لم تحصل على (مكافأة) مجزية في مقابل الدعم العسكري اللامحدود في الحرب على العراق.

بعد زوال نظام صدام حسين، الذي كان يشكّل، كما كان عبد الناصر، تهديداً للنظام السعودي، لم يبق أمام السعوديين مصدر تهديد سوى إيران. وقد استخدمت السعودية كل إمكانياتها من أجل إطاحة النظام الإيراني، وحرّضت الأميركيين والاسرائيليين على شن الحرب عليها، وقال الإسرائيليون بأن السعودية أشد حماسة لفكرة الحرب على ايران منهم، ولطالما شجّعوها من أجل الضغط على إدارة بوش لشن الحرب قبل نهاية ولايته.

بعد قدوم باراك أوباما الى البيت الأبيض، وتراجع الخيار العسكري في تسوية الملف النووي الايراني، بدأ الحديث عن تنسيق ثنائي سعودي إسرائيلي، بحيث يقوم الكيان الاسرائيلي بتوجيه الضربة العسكرية ضد المنشآت النووية الايرانية على أن تغطي السعودية تكاليف تلك الضربة. وقد كشفت صحيفة (صنداي اكسبرس) اللندنية في 28 سبتمبر الماضي حول خطة ضرب إيران في اجتماع اسرائيلي ـ سعودي في لندن عبر الأجواء السعودية، بعد قيام الاستخبارات البريطانية بالمساعدة بالكشف عنها بالقرب من مدينة قم، والتي اعتبرتها تل أبيب والرياض تهديداً كبيراً ضدهما. وكشف جون بولتون السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة جون بولتون عن موضوع إجتماع لندن، وأكّد بأن (الرياض ستصادق بالتأكيد على استخدام إسرائيل لمجالها الجوى لضرب المنشأة النووية الإييرانية الجديدة)، وقد ألمحت أيضاً صحيفة (صنداي تايمز) في نفس التاريخ الى القرار السعودي.

السؤال الكبير الذي يبقى دائماً مثاراً، لماذا تحوّلت السعودية إلى رأس حربة في حروب المنطقة، حتى أصبحت بمثابة صندوق باندورا، لصنع الشرور في المنطقة، فيما تبشّر بالتعايش بين الحضارات، وحوار الأديان؟ فهل تكشف عن جوهر طالما أخفته عن الرأي العام الداخلي والعربي والاسلامي، لتخرج في هيئة شريك استراتيجي مع الكيان الاسرائيلي، فيعاد إحياء نظرية العمودين المتساندين.

الصفحة السابقة