التوّاقة لخوض الحرب مباشرة أو بالنيابة

من ينقذ السعودية من (عش الدبابير) اليمني؟

محمد شمس

(إنها مسألة وقت فقط. لن ننتظر كثيراً حتى نرى السعودية وقد أصبحت جزءً من الحرب الأهلية في اليمن).. كان هذا
منشورات يمنية ألقيت على القرى السعودية!
تعليق دبلوماسي غربي مقيم في الرياض حول الدور السعودي في الحرب القائمة بين الحكومة اليمنية والحوثيين في صعدة. والصحيح في القول هو أن السعودية كانت ولاتزال المحور الأساس في الحرب (السادسة) في صعدة منذ انقداحها الأخير في أغسطس الماضي، وهي الحرب التي قال الرئيس اليمني أنه يخوضها اعتماداً على (سياسة الأرض المحروقة). فالسعودية كانت المحرّض على الحرب، والمموّل لها، ولمشتريات السلاح اليمنية، بل أنها ـ وحسب الصور التي نشرها الحوثيون ـ تمدّ حكومة علي عبدالله صالح بالذخائر، وإن لم تعترف بأنها تساهم بطيرانها في قصف المدنيين اليمنيين، كما قال الأمير أحمد بن نايف نائب وزير الداخلية في أحد تصريحاته الأخيرة. فقد اعترف بالتنسيق مع الحكومة اليمنية، ودعمها، واستثنى مشاركة الطيران السعودي، وهو ما يؤكده اليمنيون أنفسهم منذ بداية الحرب.

الحرب في صعدة ضرورة من وجهة نظر الحكومة السعودية. وصحافتها تتحدث عنها كما لو كانت حربها هي، وطفقت تشير الى تطويق إيراني للمملكة من الجنوب كما تمّ من الشمال (العراق)! بل أن بعض كتاب السلطة تحدث عن عمامة سوداء تلتف حول جنوب المملكة.

هذه مجرد ذرائع ومسوغات لدخول الحرب بحجة الدفاع عن النفس بصورة استباقية. ونقول (استباقية) لأن مشكلة الحوثيين ليست مع النظام السعودي، بل مع نظام حكم علي عبدالله صالح، وإقحام السعودية نفسها في الحرب، يعني دخولها في مشكل داخلي ضد شريحة كبيرة من السكان، بل كانت تمثل أغلبية السكان فيما كان يعرف بـ (اليمن الشمالي) وهي الطائفة الزيدية. هذا يمثل الدخول الى (عش الدبابير) كما كان الملك عبدالعزيز يسمي اليمن!

نعم السعودية لا تريد لنظام علي عبدالله صالح أن يرحل، وهو يواجه شعبه في الشمال كما في الجنوب. اليمن صار دولة (فاشلة) بحسب التعبيرات السياسية الغربية، وهذا يعني أن الطبقة الحاكمة في اليمن فقدت مقومات شرعيتها، ولزم أن ترحل. ولكن البديل من وجهة نظر الولايات المتحدة الأميركية، كما وجهة النظر السعودية أسوأ من الوضع الحالي، حيث الخوف من وصول فئات الى الحكم لا تكنّ بالضرورة ودّاً للحكومة السعودية، وإن لم تشكل خطراً عليها، كون اليمن بشكل عام بشماله وجنوبه لا يرغب وغير قادر على الدخول في مواجهة مع السعودية، فضلاً عن أن مبررات تلك المواجهة بطابعها العسكرية تفتقد المبررات.

لكن السعودية تخشى من أمرٍ صحيح وهو جوهر سياستها:

1/ إنها تخشى أن ينفلت الوضع في اليمن، دون أن يسقط النظام، فيصبح مرتعاً للقاعدة (فرع السعودية بالذات والذي تحالف مع نظيره اليمني) بحيث تشكل ملاذاً أمنياً لها وقاعدة تنطلق منها لمواجهة العائلة السعودية المالكة.

2/ إنها تخشى من وصول الشيعة الزيدية (أكثرية اليمن الشمالي) الى الحكم، أو حتى استعادة حكم الإمامة الذي انتهى عام 1962م، ما يجعل نفوذها المتواصل مذهبياً وسياسياً محلّ تساؤل، وقد يضيع في زحمة التضاربات والمنافسات السياسية الإقليمية. لاحظ أن حرب السعودية في اليمن (1962-1968) والتي دعمت فيها الإمامة الزيدية مقابل الجمهوريين المدعومين من عبدالناصر تغيرت الآن، وتحاول السعودية ان تعطيها صفة طائفية، فيما كانت في الماضي ولاتزال تحتضن عناصر من العائلة المالكة الزيدية اليمنية.

قصف يمني لجازان

لكن الحرب الحالية في اليمن والتي يشنها النظام ضد الحوثيين وضد الجنوبيين، تبقى في إطارها المحلّي، ولم يعهد عن الأخيرين أن لهم أجندة خارجية لها علاقة بالسعودية، أو تتقصد الإساءة إليها، أو حتى قامت بعمل يبرر الموقف السعودي. وكان يمكن للحكومة السعودية ان تتخذ موقفاً مشابهاً لمواقف دول خليجية أخرى اعتبرت الموضوع شأناً محلياً، ولم تقم بإرسال المال والسلاح وتجنيد الإعلام والموقف السياسي الى جانب الرئيس صالح، كما هو الموقف المتوازن لسلطنة عمان التي لها حدود مع اليمن، وكما هو الموقف القطري الذي تدخل مراراً لحل النزاع، وفي كل مرة يخرقه الجانب الرسمي اليمني فيفشل.

لكن السياسة السعودية التي تعتمد الهيمنة، وتعتبر اليمن (حديقة خلفية) لها، لم يسعها ما وسع الآخرين. وهي تعتقد أن لديها مبررات للحفاظ على نفوذها المذهبي والسياسي هناك. إنها تعتبر نفسها قوّة عظمى يحق لها التدخل في شؤون الآخرين شاؤوا أم أبوا، إذ لا ينحصر الأمر بالدعم الرسمي للرئيس اليمني، بل وبدعم القبائل الموالية والمليشيات الوهابية التي شكلتها، والتي تستطيع استخدامها في الإتجاه الذي تريده، كما فعلت من قبل ضد الجنوبيين في حرب 1994، وكما تفعل مع الحوثيين الآن، ويمكن أن يستخدمها آل سعود في المستقبل إن رأوا ذلك ضد علي عبدالله صالح نفسه، إن خالف النهج السعودي.

حجم التدخل السعودي

ليست المسألة اليوم فيما إذا كانت السعودية قد اقتحمت أتون الحرب في اليمن، فهذا لا يحتاج الى براهين جديدة. تكفي إطلالة على الإعلام السعودي المحلي والخارجي (العربية والشرق الأوسط) لتكتشف ليس الإنحياز فحسب، بل لترى كيف أن الإعلام السعودي صار إعلاماً حربيّاً يمنيّاً، وفقد مصداقيته في هذا الأمر. ولا يوجد أفضل من صور مخازن الذخيرة والسلاح التي استولى عليها الحوثيون والتي تظهر عليها شارات السعودية. ومنذ البداية أعلن الحوثيون ان الحرب السادسة جاءت بتحريض من السعودية واستجاب لها بعض العسكر من أجل استحلاب دعم السعودية المالي (3 مليون دولار يومياً) وقد ذكر المتحدث الإعلامي للحوثيين محمد عبدالسلام، بأن السعودية أرسلت طائرات حربية لتقصف مواقع الحوثيين في الملاحيظ، مطالباً إياها بأن تقف موقفاً عادلاً يحترم حقوق الجوار.

الأمير أحمد بن عبدالعزيز، وفي مؤتمر صحافي عقد في 3/10/2009م، نفى مشاركة الطيران السعودي، وقال أن ترويج ذلك ليس في صالح الحوثيين أنفسهم، ولكنه أكد على وجود تعاون مع الجيش اليمني واصفاً إياه بأنه (جيد ونطمع في مزيد من التعاون والسيطرة على الاوضاع الداخلية في اليمن). والجملة الأخيرة (السيطرة على الأوضاع الداخلية في اليمن) تكشف طبيعة التعاون. واعترف الأمير بأن الحرب (تؤثر في الوضع بصفة عامة ونتوقع أن الإخوان في اليمن ـ الحكومة ـ يبذلون كل جهد).

وتقول الأنباء أن السعودية أحيت فلولاً قديمة من قوات المجاهدين لتدريب عناصر وهابيّة، سبق أن أعلنت عزمها على الإنخراط في معارك مع الحوثيين على خلفيات طائفية، وتحدثت عن عزمها للقيام بذلك في مواقع الإنترنت. وكان الأمير محمد بن نايف ـ الذي زار واشنطن مؤخراً لمناقشة الملف اليمني وملف القاعدة ـ قد كثّف اتصالاته منذ أواخر رمضان الماضي مع بعض المشايخ الوهابيين موضحاً لهم بأن المملكة تتعرّض لتهديد (شيعي) قادم من الجنوب، في مسعى منه لاستنفار الوهابيين المتوترين طائفياً ضد الشيعة للمشاركة في الحرب إن تطلّب الأمر.

نازحون من قريبة مجدعة السعودية

وحسب الخطة التي تسربت بعض تفاصيلها، فإن وزارة الداخلية تعمل على تشكيل ميليشيات سلفية سعودية ليصل عديدها الى نحو 4 آلاف شخص، فيما لم يتوفر في معسكرات التدريب حتى بداية اكتوبر سوى 1700 شخص يتلقون التدريب في معسكرين قديمين وأقيم ثالث لذات الغرض بالقرب من المنطقة المواجهة لصعدة.

وفي الطرف اليمني، حشدت السعودية حلفاءها القبليين والوهابيين للقتال الى جانب حكومة علي عبدالله صالح. وحسب سياسي يمني مستقل، فإن السعودية زادت من تمويلها لقبائل موالية بشرط اشتراكها في المعارك، مع أن أكثرها غير راغب في ذلك. واستثنى الموالين دينياً للسعودية، الذين اعتبرهم تواقين لخوض معارك طائفية. وأشار الى أن الحكومة السعودية قدمت تمويلاً للحكومة اليمنية بصدد تجهيز معسكر تدريب للعناصر القبلية، بعد أن تبيّن أنها ضعيفة التأهيل وليس بمقدورها تغيير نتيجة المعارك ما لم تتلقى تسليحاً وتدريباً أفضل.

وفي وقت بدأت فيه المعلومات تترى حول محاولة السعودية لتشجيع القاعدة في اليمن ومعها عناصر وهابية سعودية للإشتراك في الحرب ضد الخصم (الزيدي/ الشيعي) المشترك، في محاولة لتكرار دعم السعودية لقاعدة العراق، عبر التمويل والفتيا من المشايخ الوهابيين في السعودية.. فإن المصادر السعودية بدأت تتحدث ـ كما العربية في برنامج صناعة الموت ـ عن علاقات بين القاعدة والحوثيين، في فبركة اعلامية لا أساس لها من الصحة.

ميدان آخر للتدخل السعودي في الحرب اليمنية، وهو محاصرة اللاجئين اليمنيين، وقصف المدنيين في صعدة، واعتبار ذلك جهداً حربياً (ضمن سياسة الأرض المحروقة) والسبب هو أن الحكومتين اليمنية والسعودية تريان بأن الدعم الشعبي للحوثي مبرراً لضرب المدنيين، تماماً مثلما فعلت اسرائيل في حرب تموز 2006م. لهذا قطعت عن المواطنين المدنيين الإمدادات والمؤن، ولم تفتح لهم حتى ممرات عبور آمنة فراراً من الحرب، كما لم يسمح لمنظمات الإغاثة من الوصول اليهم إلا نادراً عبر الأراضي اليمنية، أما السعودية فقد رفضت مرور قوافل الإغاثة عبر اراضيها، كما رفضت توطين النازحين بالقرب من حدودها، وزيادة على ذلك أطلقت النار على نازحين قدموا من صعدة، وأصابت العديد منهم بجراح من نساء وأطفال. نعم، قبلت السعودية وصول نازحين يمنيين من قبائل موالية لعلي عبدالله صالح والسعودية، ودخلوا محافظة جازان، وهم قلّة، لأن الحرب لم تشملهم إلا عرضاً.

لاحظ أن السعودية لم تعلن ولو لمرة واحدة أنها بصدد ارسال معونات للنازحين جراء الحرب وقد وصل عددهم الى ما يقرب من مائتي الف انسان، ولاحظ أيضاً أن السعودية لم تعلن دعمها لمجهود الأمم المتحدة لجمع بعض المال لإغاثة نازحي اليمن، رغم أن عدداً من مسؤولي المنظمات الإغاثية والدولية مرّوا بالرياض، وكل همهم هو أن تفتح حدودها للنازحين أو على الأقل تسمح بمرور المعونات اليهم عبر اراضيها.

المرة الوحيدة التي سمحت فيها الحكومة السعودية بمرور قوافل الإغاثة بعد حملات تنديد من قبل المنظمات الإغاثية والحقوقية الدولية، جاءت في يوم 3/10/2009، وهو اليوم الذي شهد تجمعاً دولياً في الرياض لمناقشة موضوع الكوارث والتعاطي معها، ولم تشأ السعودية ان تحرج من قبل الضيوف فسمحت للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين وبمساعدة من قبل الأمم المتحدة بتسيير قافلة من المساعدات الإنسانية الدولية انطلقت من ميناء جازان ومنطقة خميس مشيط. وقد أدّى خلاف بين المسؤولين السعوديين واليمنيين حول طريقة توزيع المعونات وتأمين طريق الحماية للقافلة إلى توقفها في اليوم التالي، لحين حصول اتفاق بين الطرفين، ما فرض تغيير مسار القافلة وتوزيع المعونات يوم 5/10/2009، وهي قليلة ولا تفي بالغرض، واشتكى مسؤولون دوليون بأنها لم تعط للفئات الأكثر احتياجاً لها، كما أن جزءً منها قد تمّ نهبه من قبل جهات لم تسمّها. هذا ولا يزال مسؤولون إغاثيون تابعون للأمم المتحدة مقيمون في الجنوب السعودي، ينتظرون الموافقة السعودية لنقل المؤن، ولكن دون جدوى فيما يبدو.

ثمن اقتحام (عش الزنابير)

كما قال نائب وزير الداخلية، فإن السعودية تتأثر بالحرب على الحدود، ليس من الزاوية المالية، وإنما من الوجهة السياسية، وربما الأمنية والإنسانية أيضاً.

فمن يدخل الحرب عليه أن يدفع بعض ثمنها، خاصة وأن صعدة محاذية في حدودها مع السعودية. فما هو ثمن دخول (عش الزنابير)؟!

اعتصام لنازحين أمام محافظة الحرث مطالبين بإيقاف القصف والتعويض

أولاً ـ إن المشاركة السعودية في الحرب اليمنية الداخلية، يجعلها طرفاً في الحرب، ولأن السعودية تعتمد الى جانب دعم الجهد العسكري اليمني الرسمي، استخدام عناصرها الموالية وهابياً أو قبلياً، فإن ما تقوم به ينذر بتفتّت النسيج الإجتماعي اليمني، وخلق اصطفافات مذهبية وقبلية، سيكون لها أثرٌ مباشر على الجهد الحربي، وتحويلها الى حرب أهلية، وليس بين طرف متمرد كما يصفه الإعلام الرسمي اليمني والسعودي، والحكومة. السعودية لا تجلب لنفسها منفعة إن هي خلقت انقساماً حاداً مذهبياً وقبلياً، لأن من شأن ذلك خلق صورة أخرى عن الحرب، وجلب الكثير من الأنصار الى جانب الحوثيين دفاعاً عن هويتهم ومصالحهم. الحرب الأهلية هي النتيجة الحتمية للدور السعودي المشبوه في اليمن. المشكلة ان السعودية لا تجيد إلا المعارك الطائفية، فهي عنصر يدخل في تفاصيل المواقف والسياسات السعودية الخارجية والداخلية، ولذا، فإنها بدل أن تساهم في تطويق المشكلة، فإنها بإشراك عناصرها الوهابية والقبلية والترويج الإعلامي على أنها حرب مذهبية حتى داخل السعودية، تزيد النار ضراوة، وتشرك عناصر في الحرب لم تشترك فيها حتى الآن لصالح هذا الطرف او ذاك. أي أن الحرب ستطول، وسيكون لها امتدادات مذهبية وقبلية حتى داخل السعودية.

ثانياً ـ إن الحرب قد تصبح حريقاً يصل الى السعودية نفسها. وهناك معلومات متداولة ـ ربما يكون السعوديون هم من روّجها ـ تفيد بوقوع عدّة قرى تتبع منطقة جازان تحت سيطرة الحوثيين، مثل قرية المعرسة، التي يقال أنها محتلة منذ أسابيع، وأن جماعة الحوثي يتحصنون في مدارسها وفي مبان حكومية. ويعتقد محللون بأن السعودية تبحث عن ذرائع للمشاركة المباشرة في الحرب ضد الحوثيين من منطلق طائفي، وربما يأتي الترويج لاحتلال قرى سعودية من أجل تهيئة الرأي العام المحلي والخارجي للمشاركة النشطة والمفتوحة في المعارك، خاصة مع ظهور أنباء غير مؤكدة تقول بأن واشنطن لا تحبذ في الوقت الحالي توسعة الحرب اليمنية، الى أن تستجد أمور أخرى.

ويعتقد بأن الوجود السعودي في اليمن من مراكز دينية وهابية ومقرات لنشاطات متعددة، قد يتعرض للإنتقام، فضلاً عن رجال السعودية أنفسهم، والذين استعدوا الأكثرية من اليمنيين منذ طردهم مليون يمني عامل في السعودية أواخر عام 1990 حينما غزا صدام للكويت، بعد نهبهم ممتلكاتهم. فذلك الموقف لا ينسى وهو محفور في الذاكرة اليمنية، فضلاً عن أن تدخلات السعودية في اليمن ليست محبذة لدى أكثرية النشاطاء الإعلاميين والسياسيين، وأرباب الثقافة والفكر. زد على ذلك أن السعودية سبق وأن قتلت رئيسين لليمن هما الغشمي والحمدي اغتيالاً كما هو معروف. كل هذا المناخ يشجع على القيام بأعمال انتقامية ضد مواقع النفوذ السعودي في اليمن، ويجعله محاصراً، حتى ولو انتصرت القوات الحكومية في معاركها الحالية، فحسّ الإنتقام قد يتضاعف بدل أن يضعف.

ثالثاً ـ استثمار الحرب من قبل القاعدة. فقد وجدت الأخيرة مناخاً مناسباً للنشاط والعمل سواء داخل اليمن أو في التمدد نحو السعودية. ومع أن الحكومة السعودية تروج لتحالف بين القاعدة والحوثيين وهو تحالف مستحيل بالنظر للخلفية الطائفية الحادّة للقاعدة، بغية تشويه سمعة الطرفين وتبرير المواقف السعودية.. فقد ثبت بأن القاعديين قد تمددوا الى جازان، وفي أهم إشارة لذلك، ما جرى يوم 13/10/2009، من مواجهات في شوارعها. فقد تحدثت الحكومة عن صدام مع جماعة من القاعدة (3 اشخاص) يستقلون سيارة، اثنان منهم تنكرا بزي النساء، وذلك عند نقطة تفتيش (الحمراء) الواقعة عند مدخل محافظة الدرب، وقد حدثت مواجهة قتل فيها جندي حكومي وجرح آخران، فيما قال البيان الرسمي لوزارة الداخلية السعودية بأنها قتلت اثنين وأسرت الثالث.

إن المناطق الحدودية مع اليمن تعيش حالاً من الإنفلات بالرغم من الحضور الأمني والعسكري المكثّف، ما يسهل عمل القاعدة. وبهذه الحادثة بالذات، قيل بأن المجموعة القاعدية كانت تخطط لاغتيال ابنة الملك عبدالله (صيتة) والتي كان مقدراً لها القيام بزيارة لجازان في اليوم التالي (14/10/2009) لرعاية الملتقى الأول لسيدات الأعمال في جازان. هذا وقد عثر لدى المهاجمين على كمية من المتفجرات وأجهزة التحكم في التفجير عن بعد.

رابعاً ـ توتر الأوضاع في المناطق السعودية المحاذية. حيث تعيش منطقة جازان قلقاً متصاعداً من الحرب، والحشود العسكرية السعودية على الحدود، والتي يمكن أن تدخل ساحة المعارك في أية لحظة. والقلق نابع من أمور متعددة تحوّلت الى سخط ضد النظام نفسه، كما تكشف عن ذلك تعليقات مواطني الحدود في منتديات الإنترنت. أسباب القلق والسخط ما يلي:

مدنيون يمنيون ضحايا قصف الطائرات

1/ أن السعودية ما زالت متكتمة حول ما يجري على الحدود وفي المناطق الحدودية. فهناك أمور عديدة لا يسمع بها الكثيرون. فمثلاً هناك آلاف النازحين السعوديين من تلك المناطق، لم يلقوا عوناً من الحكومة. وهناك الوجود الأمني المكثف والتجاوزات المتعددة التي أدّت الى مقتل العديد من المواطنين خطأ من قبل قوات الأمن. وهناك إهمال حكومي في توجيه المواطنين ونقص في المعلومات حول ما يدور. وهناك أيضاً إهمال كامل لاحتياجات مواطني مناطق الحدود والنازحين منهم.

2/ تجاوزات أو أخطاء الجيش اليمني، الذي قصف مراراً المناطق الحدودية السعودية خطأ بدباباته ومدفعيته. ما دفع بالأهالي الى الإحتجاج والإعتصام، فقد قام أهالي القرى الحدودية في محافظة الحرث باعتصام أمام باب محافظة الحرث مطالبين بتأمين بيوتهم وأرواحهم من القصف المستمر عليهم يومياً، وإعادتهم إلى بيوتهم، وإن لم يمكن ذلك فإعطاؤهم مساكن في المحافظة، كما طالبوا بتعويضهم عن بيوتهم التي دمرها القصف القادم من اليمن.

وكانت طائرة سوخوي تابعة للطيران اليمني قد قصفت في يوم الإثنين 12/10/2009 قرية سعودية هي قرية الخفاقة التابعة لمركزالجابري بمحافظة جازان، وهي قرية قريبة من الخوبة ومنطقة الحرث الحدودية المتاخمة مع الحدود اليمنية. وقد أصاب القصف ـ الذي اعترفت به الصحافة السعودية الرسمية مكرهة بعد انتشار الخبر عبر الإنترنت والجوال ـ مستوصف الرعاية الصحية الأولية بالقرية، ما أدى الى جرح ممرض سعودي وعدد من المواطنين بجروح مختلفة، كما أصيبت ممرضة هندية إصابة بليغة بترت على أثرها أصابع يدها، كما أصيب بكسر في فخذها. كما أدّى القصف الى إلحاق أضرار فادحة بالمبنى، وتصدع في المباني المجاورة له بشكل كبير. وأدى القصف ـ حسب المصادر الحكومية ـ الى إصابة طفلين أيضاً، والى انهيار أجزاء من سكن العمال بالمركز الصحي.

الطائرة اليمنية أطلقت صاروخين، وجاء ذلك بعد تحليق مكثف من قبل الطيران الحربي اليمني منذ ساعات الصباح الأولى على علو منخفض جداً فوق جميع القرى السعودية المنتشرة في محيط المنطقة وعلى طول الحدود بين البلدين، وبالخصوص قرى المجدعة وقرية المعرسة. وبرغم انتشار خبر القصف الصاروخي فور وقوعه عبر رسائل الجوال ومواقع الإنترنت الأخبارية، إلا أن الحكومة السعودية لم تدل بأي تصريح حيال الموضوع، وكل ما ظهر خبر صغير في اليوم التالي عن الأمر في صحيفتين سعوديتين، واكتفت الحكومة بإرسال فريق أمني لتطويق المكان ومنع المواطنين من الوصول إليه، ومصادرة الصور الملتقطة!

وبرغم الطوق الرسمي المفروض على جميع وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، إلا أن أحد مواقع الإنترنت المحلية قام بتسريب الخبر مدعماً ببعض الصور لمنطقة القصف، وصور سابقه لمناطق القتال، والقصف العشوائي الذي يصيب القرى الحدودية بشكل شبه يومي، كان آخر ضحاياه مقتل عائلة يمنية نازحة بواسطة قذيفة مدفعية سقطت على قرية بتول صباح يوم العيد الماضي، سبقها إصابة مسجد بعدة قذائف صاروخية.

وتقول الأنباء الواردة من جازان، بأن الأهالي يعيشون أجواء قلق بسبب الأخطاء الكثيرة التي وقع فيها الجيش اليمني، وتوجيه قذائفه للقرى السعودية الحدودية، فيما تصاعدت الإنتقادات للحكومة السعودية من أنها تعتمد سياسة تعتيم إعلامي، وتتجاهل وضع النازحين السعوديين الذين فرّ الآلاف منهم بسبب تزايد الأخطاء، وبسبب المنشورات التي تلقي بها الطائرات اليمنية على القرى والمدن السعودية في جازان (مثل قرى: الحصمة، وعيسان والكوادمة وغيرها). وفي غمرة الفوضى الأمنية، توفي صباح 13/10/2009 في جازان مواطن يمني بسبب استهتار رجال الأمن في حادث سير، كما تحدثت المصادر عن اختراق طائرات حربية لحاجز الصوت فوق مدينة صبيا يوم 12/10/2009، ما جعل السكان يعتقدون أن السبب هو هزّة أرضية. هذا وقالت الحكومة بأنها كانت في حالة استنفار (لتهدئة روع السكان)!

ومما زاد قلق المواطنين، شعورهم بأن القوات الحكومية على وشك الدخول في القتال المباشر. فقد نقل الجيش يوم الجمعة 9/10/2009، ألوية عديدة من منطقة خميس مشيط (القاعدة العسكرية الرئيسية في الجنوب) إلى المناطق الحدودية القريبة من منطقة الصراع، في ظل تردد أنباء مؤكدة عن مشاركة الطيران الحربي السعودي في قصف الحوثيين المتحصنين في المناطق المطلة على الجانب السعودي، وتقديم الدعم اللوجستي و تقديم تسهيلات و فتح بعض المناطق الحدودية للجيش اليمني للإلتفاف على الحوثيين المتحصنين في المناطق الحدودية. والمعلوم أن غرفة عمليات مشتركة تم انشاؤها بين الجانبين لمراقبة تطورات العملية العسكرية للجيش اليمني ضد الحوثيين.

خامساً ـ السعودية اعتادت أن تظهر بمظهر البريء دائماً، بينما هي مصدر الشرور في كثير من الدول. من تآمر على احتلال العراق وعلى احتلال أفغانستان؟ ألم تكن القيادة العسكرية الأميركية التي أدارت الإحتلال لأفغانستان كانت في الرياض؟ ألم تنطلق الطائرات الأميركية وفي أول معاركها لاحتلال العراق من المطارات السعودية الشمالية لاحتلال قواعد H2, H3 العراقية القريبة من الحدود الأردنية؟ ألم تقف السعودية مع اسرائيل سياسياً واعلامياً في حربها ضد لبنان في 2006م؟ ألم تقف ضد حماس في حرب اسرائيل على غزة عام 2008؟ ألم تفجر السعودية مصائب نهر البارد وحركة الوهابية في رفح مؤخراً؟ ألم تموّل عمليات القتل في العراق على الهوية حتى كاد البلد ان يدخل في حرب أهلية على أساس طائفي؟ ألم تمول تفجير السي آي ايه لمجزرة بئر العبد في بيروت عام 1983 والتي راح ضحيتها أكثر مائة شخص قتيل؟

السعودية تقاتل بغيرها عادة، وهي لا تجرؤ على الدخول في معارك بجيشها اللهم إلا الى جانب الأميركيين كما حدث في حرب 1991م. لكنها هذه المرة تحث الخطى باتجاه ذلك في اليمن، إن لم ينجح الجيش اليمني في حربه، والأرجح أنه لن ينجح. ما يوقف السعوديين هو أن (الضوء الأميركي الأخضر) لم يأت بعد. وفي حال أتى، فإن الصورة التي رسمتها السعودية لنفسها كدولة بريئة ولا تتدخل في شؤون الآخرين ستتمزق الى الأبد.

ثم إن السعودية لا تقدم حتى الآن مبررات مقنعة بشأن حماستها للحرب. وهو حماس اتخذ جانباً معاكساً في بيروت وغزة حين كانتا تذبحان بالسلاح الإسرائيلي. وتعتقد السعودية والكثير من انصارها، بأن دخول السعودية للحرب سينهيها خلال أيام، نظراً لقوة الجيش السعودي. الشيء الذي لا يعرفوه، أن السعودية لم تخرج جنوداً مقاتلين، ولا ربّت جنوداً عقائديين، ولن يتحمس جنودها للقتال، خاصة في اليمن، في حين تبقى الجبهة الشمالية مفتوحة لاسرائيل، حيث تعربد طائراتها فوق قاعدة تبوك ولم تملك السعودية سوى شكوى يتيمة واحدة قبل ثلاث سنوات لمجلس الأمن، في حين أن اسرائيل تخترق الأجواء الجوية لعقود طويلة، وتنتهك المياه البحرية السعودية لسنوات وسنوات. فمن هو العدو، ولمن يجهز الجيش السعودي؟ ستكون تجربة السعودية قاسية في اليمن لو دخلت قواتها هناك، وستكون أول تجربة قتال حقيقي لجيشها، وعلى الأرجح فأنه سيخسرها بسرعة كبيرة.

الصفحة السابقة