حرب لا أخلاقية ولا دينية ولا وطنية

الحرب السعودية الثانية على اليمن

محمد فلالي

الحرب التي تشنها الحكومة السعودية ليست حرباً وطنية.

بمعنى أنها ليست حرباً من أجل استرجاع أرض احتلها الحوثيون.

ولا هي حرب لمنع حوثيين من احتلال أراضٍ سعودية.

لقد أشاعت الحكومة السعودية أن أراض لها قد احتلت. وأشاعت ثانياً أن هناك متسللين حوثيين الى أراضيها لم تقل لنا ماذا صنعوا وفعلوا بعد مزاعم تسللهم، وحاولت ربطهم بهجمات انتحارية لم تقع، محاولة الربط بينهم وبين القاعدة.

وبعد هذا، قالت الحكومة السعودية أنها طهرّت أراضيها من المتسللين، كما أنها استعادت اراضيها، المزعومة في جبل دخان.

الحوثيون: مجتمع مقاوم للتمييز الرسمي

إذن ماذا تبقى من مبررات الحرب؟

لماذا لم تقف السعودية عند الحدود؟

ولماذا يراد من العرب والمسلمين والمواطنين أن يدعموا العدوان السعودي المستمر؟

بهذا المعنى لا يمكن وصف الحرب السعودية إلا عدواناً وظلماً، خاصة وأن الطرف الحوثي يؤكد المرة تلو الأخرى بأنه مستعد للحوار، ويناشد السعودية احترام الجوار، وعدم الدخول في الحرب الى جانب الحكم في صنعاء ضد مواطنيه. ولطالما أعلن الحوثيون أنهم لا يبتغون أرضاً ولا يستهدفون شعباً سعوديين.

وفضلاً عن هذا، فإن أحداً لا يمكن أن يقتنع بأن الحوثيين بتلك القوة التي تجعلهم يستولون على أراض سعودية، أو يهددون أمنها القومي! ولم تظهر أية مؤشرات لذلك، ولم يكن دخول الحرب مبرراً من أساسه إلا العدوان. وحتى مقتل حرس حدودي سعودي واحد لا يمكن أن يكون مبرراً وطنياً لقصف الآخر ذي الأسلحة البدائية والأفراد المحدودين، قصفه بالتورنادو والإف 15 والأباتشي، وتدمير مدنه ومواقعه، في استعراض للعضلات مرافقاً لحالات من التشفي والإنتقام الطائفي البغيض.

النابحون باسم الوطنية السعودية، وكثير منهم يزعم الليبرالية، وأكثرهم من النجديين القابضين على السلطة، كشفوا عن روح طائفية وكراهية دينية وتعصباً مشيناً ضد الآخر الحوثي، وحتى ضد الآخر المذهبي في السعودية نفسها، وهو (آخرٌ) يمثل نسبة أكبر من السكان بالقياس الى الوهابيين، ومع هذا يتهم الأخيرون الأولون بأنهم مشركون وغير وطنيين، حتى ولو وقفوا مع الحكومة في عدوانها!

تحاول السعودية أن تختلق مبررات أخرى لتواصل الحرب في عملية مخطط لها، أي تطوير أهدافها، الى القضاء على الحوثيين.

أعلن خالد بن سلطان، القائم على العملية العسكرية، ووزير الدفاع الفعلي للدولة، أعلن في 10/11/2009م، بأن الحرب لن تتوقف ضد الحوثيين ما لم يتم إبعادهم عن الحدود عشرات الكيلومترات!! حتى تأمن السعودية على (أمنها القومي!) وهذا من الأهداف مستحيلة الوقوع، لأنه يعني تخلياً عن صعدة كاملة، وربما أبعد من ذلك، وتهجير كل السكان بعيداً عن الحدود!

ومن مبررات السعودية التي ستتخلى عنها قريباً، مسألة تحالف القاعدة مع الحوثيين، وقد كفانا الطرفان رداً على النظام، فزعيم الحوثيين قال في 10/11/2009 أنهم يختلفون مع القاعدة في المنهج، وأنهم لا يكفرون أحداً، وأن القاعدة صناعة أميركية في أساسها، وفي خدمة أغراضها. وقبل هذا، وفي نفس اليوم نشرت الصحف تصريحاً لمسؤول قاعدة جزيرة العرب (السعودية واليمن) يكفر فيها الشيعة بكل أصنافهم بمن فيهم الزيدية ويعتبرهم أعداء للسنّة وقال بأن الزيدية يزحفون على مناطق السنّة، وأن الشيعة هم (العدو الأول) وأن النظام السعودي (العميل بنظرهم) مقصّر في مواجهتهم!!

بمثل هذا الموقف القاعدي الصريح، يتبين أن القاعدة أو بعض أجزائها يمكن جرّها لخدمة المشروع السعودي الحربي في اليمن، أي أن تشارك في الحرب الى جانب شاويش صنعاء والجيش السعودي ضمن غطاء طائفي وهابي. وقد سبق للسعودية أن دعمت القاعدة والزرقاوي في العراق، وصدرت مقاتلي القاعدة السعوديين لتفجير أنفسهم في شوارع بغداد والمدن الأخرى واسواقها ومساجدها. ايضاً استخدمت السعودية القاعدة في رفح مؤخراً ضد حماس حينما أعلن القاعديون تشكيل حكومة اسلامية هناك، كما استخدمتها في نهر البارد (فتح الإسلام). بمعنى آخر، فإن السعودية (ضد) القاعدة إن كانت تضرب السعودية أو دول لها علاقة طيبة معها، ولكنها (معها) إن كانت تواجه سوريا أو حماس أو حزب الله أو إيران (جند الله البلوشية). فمالذي يمنع السعودية من استخدام القاعدة في اليمن لو أتيح لها ذلك؟!

وكما أن الحرب السعودية العدوانية حرب غير وطنية في مبرراتها، وراح ضحيتها مدنيون أبرياء، فإنها حرب غير وطنية في استهدافاتها الحقيقية، أي في استهداف الحوثيين واجتثاثهم كما يوضح ذلك إعلام السعودية نفسه، المحلي والخارجي. لماذا تريد السعودية أن تقضي على الحوثيين؟ أي جرم ارتكبوه ضدها؟ لماذا لم تعتبر الأمر (صراعهم مع الحكم المركزي) شأناً داخلياً، وتكف عن التدخل، أو تقوم بفعل خير فتتوسط بين الطرفين لحل الأزمة؟ لماذا تخلق السعودية لها عدواً لم يعلن عداءه لها، ولا قال أن مواجهة السعودية من أهدافه، ولا مارس فعلاً على الأرض يمكن تصنيفه ضمن ذلك، ولا كان خطابه السياسي والإعلامي موجهاً ضد السعودية. هذا بالرغم من أن السعودية تشن حربها الإعلامية ضد الحوثيين، وتدفع أثمان شن الغارات العسكرية عليهم، قبل أن تشنّها بنفسها، وتجنّد جهدها السياسي لخدمة طرف في اليمن، هو علي عبدالله صالح، الذي يعتبر الكثيرون بقاءه في الحكم تفتيتاً للدولة وتفكيكاً لها. 31 عاماً والرئيس يحكم، ويسيطر على مفاصل الحياة السياسية والإقتصادية وغيرها. فلماذا تربط السعودية نفوذها ومصالحها مع حاكم انتهت صلاحيته، مع حصان كان رابحاً يوماً ما، أما اليوم فإن دعم السعودية له يحملها أعباءً سياسية ويقلص نفوذها في حال حدث تغيير راديكالي في اليمن.

تضخيم الخطر الايراني لاستحلاب الدعم السعودي

لا يوجد هدف وطني، ولا مصلحة وطنية بشن الحرب على الحوثيين الذين كانت قبائلهم الى وقت قريب حليفاً تاريخياً للسعودية ولحكم الإمامة في اليمن الذي دعمه السعوديون بعد سقوطه، ولمدة سبع سنوات في حرب مع مصر عبدالناصر.

لا يوجد هدف وطني ولا مصلحة وطنية، في تضخيم القوة الحوثيّة، وفي ربطها بإيران قسراً، وفي افتعال الأكاذيب والأضاليل ضدها، وفي ربطها بالقاعدة زوراً وبهتاناً، وفي تحويل المعركة الى حرب إقليمية، وحربً طائفية على مستوى العالم العربي والإسلامي وحتى اليمني.

ولهذا نتساءل لماذا يراد من الجمهور المسعود أن يدعمها وأن يصطف وراء آل سعود في ظلم يراه رأي العين، في حين يرى بالعين الأخرى التهاون السعودي تجاه اسرائيل، ويرى صم الآذان عن استغاثات أهل غزّة؟

هل الجمهور مغفل لكي يركض وراء دعايات الوهابية النجدية الحمقاء التي تستثير الروح الطائفية للحرب، وهو يرى أن الطائرات السعودية والقوات المظلية تستقدم من الحدود القريبة من اسرائيل (قاعدة تبوك) الى مناطق الجنوب، لملاقات (شرذمة أو فئة ضالة) يريد آل سعود وعلي عبدالله صالح والوهابية رديفاً: حرقها وقتلها واستئصالها الى آخر عبارات التهديد؟

إن ما تقوم به حكومة آل سعود ليست حرباً وطنية، وليس غرضها الدفاع عن أرض أو عرض أو حتى حماية ثغر من ثغور الوطن.

الحرب ضد شعب اليمن أو قسم كبير من ذلك الشعب، هي حرب علي عبدالله صالح. هي حرب مغطاة من بعض أركان الإدارة الأميركية، وهي حرب تخدم اسرائيل في النهاية التي لم يوجه لها السعوديون والوهابيون بالذات وخاصة القاعديون، طلقة واحدة، فيما هم يتهمون أعداءهم المذهبيين (وهم باقي المسلمين) بالكفر والعمالة والإلحاد والضلال.

إنها حرب طائفية في دوافعها.

وإنها لحرب غبيّة في إدارتها.

وهي حرب خاسرة منذ بدايتها، وستتأكد الخسارة في نهايتها.

وإنها حرب عدوانية ولا أخلاقية ضد طرف اعتقد السعوديون أنه الأضعف فرأوا تدريب طياريهم ومدافعهم في رأسه!

ولذا كله..

هي ليست حربنا نحن المواطنين!

إنها حرب النظام الذي يريد أن يتحصل على اصطفاف شعبي يديم قمعه واستبداده ويطيل عمره بها.

وحرب النظام السعودي لا علاقة لها بمصلحة إسلامية ولا بحسن جوار ولا بأخلاقيات ومناقبيات الحرب.

يكفي أن تقرأ موقعاً وهابياً أو نجدياً لتتأكد أن وجهة الحرب والإعتداء على اليمن لا علاقة له بتسلل ولا باحتلال أرض ولا بأي هدف وطني.

إنها ليست حربنا، ومدافعنا وطائراتنا التي خرست لعقود طويلة، منذ أن تأسس ملك آل سعود، ها هو النظام يستخدمها اليوم بالصورة المباشرة ضد الجار الفقير والضعيف، معتقداً أنها ستمنحه اعتباراً إقليمياً إن هو انتصر فيها.

ولكن، قد يكون المخبوء عكس ذلك تماماً.

إننا لا نريد للحرب أن تستمر، ليس فقط لأنها تضر بالأبرياء اليمنيين بدرجة أساس، وأنها عدوان سافر عليهم ولا يدعمها رادع اخلاقي أو مبرر سياسي حقيقي. بل أننا لا نريد الحرب أيضاً، لأن قناعتنا تقول بأن الشعب المسعود نفسه سيكون خاسراً، والحكومة السعودية نفسها وجيشها سيخسران الحرب سياسياً وعسكرياً وأخلاقياً أيضاً. وإن مكانة السعودية في استعراض عضلاتها على من تعتقد أنهم ضعفاء وستنتصر عليهم، قد يدمون مقلتها، ويهيينون كرامتها وكرامة جيشها على أرضهم.

وحتى الآن فإن المواطنين خاصة في جازان يدفعون الثمن، فضلاً عن الثمن الإقتصادي.

لقد تبيّن أن إجلاء عشرات الآلاف من المواطنين من 240 قرية، وآلاف آخرين في الطريق، لم يكن بدافع الحرص عليهم، فأي محلل سياسي يدرك بأن الإجلاء القسري لم يكن بسبب تهديد الحوثيين، ولا توجد مبررات له حفاظاً على أرواحهم، بل لأن السعودية تتهيّأ لمعركة تعتقد أنها فاصلة، وأنها ستجر الحوثيين لإطلاق قذائفهم على القرى السعودية.

لم يقتل مواطن واحد قبل الإجلاء ودخول السعودية المعركة مباشرة. نعم جرح بضعة مواطنين حين قصفتهم طائرة يمنية خطأ في مركز الرعاية الصحية في الجابري، كما أعلن رسمياً في حينه. ويوم اشتعلت الحرب، قصفت طائرة سعودية قرية القرن خطأ وقتلت سبعة بينهم ثلاث نساء، احتسبوا ضمن ضحايا الحرب وخسائرها جنباً الى جنب عنصر حرس الحدود، وكأن الحوثيين هم الذين قتلوهم!

إن كانت السعودية تبحث عن صراع مع إيران، فليس ساحته اليمن، ولن نصدّق بأن الحوثيين الزيود الذين كانوا بالأمس في جبهة الإسلام السعودي ضد كفر عبدالناصر، تحولوا فجأة الى كفار مشركين روافض، حسب الأوصاف الوهابية للشيعة الإمامية.

ملخص القول: الحرب السعودية غير وطنية، ولا دينية ولا أخلاقية، ولا يجب أن يدافع عنها المواطنون. وكل من يؤيدها إما مضلل، أو منتفع مأجور، وما أكثر المأجورين عند آل سعود!

الصفحة السابقة