السعودية تمضي الى الحرب

د. مي يماني

نشرت صحيفة (ذي جارديان) البريطانية في 23 نوفمبر الماضي مقالة للباحثة الحجازية الدكتورة مي يماني حول ضلوع السعودية في حرب اليمن، التي لا تزال مشتعلة مع انسداد أفق الانتصار العسكري والحل السلمي، هذا هو النص.

صراع في غاية الأهمية، ولكنه بكل أسى يحظى بتغطيّة مخفّضة في الغرب، وقد بلغ الآن ذروته في الشرق الأوسط. في رد فعل على الحرب الدائرة والتي قد تمتد إلى خارج الجزيرة العربية، دخلت السعودية في حرب مباشرة مع الثوار الحوثيين في شمال اليمن.

التدخل العسكري السعودي يسجّل أول مرة في تاريخ المملكة التي يعبر جيشها الحدود دونما حليف. في السابق، كان تدخّل المملكة يتم عبر حروب النيابة. وقد إستعمل السعوديون اليمنيين الملكيين في حرب عبد الناصر مصر في الستينيات من القرن الماضي، وصدام حسين العراق في حرب إيران في الثمانينات، والولايات المتحدة في حرب العراق في التسعينيات.

في واقع الأمر، حارب السعوديون كل الأيديولوجيات التي كانت تسعى للسيطرة على الشرق الأوسط، بما في ذلك القومية العربية التي رفع لواءها عبد الناصر، والشيوعية، والاسلامية اليوم لدى الإخوان المسلمين وحماس، وإرهاب القاعدة والتشيع في إيران. وكانت الأداة التي تعتمد عليها ـ السعودية ـ هي المال النفطي والإسلام الوهابي. وخلال الثمانينات من القرن الماضي، أنفقت السعودية ما يزيد عن 75 مليار دولار لنشر العقيدة الوهابية، بتمويل المدارس، والمساجد، والجمعيات الخيرية عبر العالم في محاولة لتعزيز نفوذها.

وقد تمّ تخصيص حصّة كبيرة من مواردها لدعم الحديقة الخلفية، أي اليمن. وقد تمّ تأسيس آلاف المدارس، تغطي كل مدينة وقرية في اليمن. وأنشأت السعودية في اليمن تياراً وهابياً قوياً، كان من الناحية السياسية والأيديولوجية موالياً لحكّام آل سعود. في الحقيقة، إستعمل رئيس اليمن علي عبد الله صالح الوهابية المستوردة لإنزال الهزيمة في خصومه المحليين ـ في البداية الشيوعيين، ثم الحوثيين، بالرغم من أنه شيعي زيدي.

ولكن هذه السياسة أحدثت الآن نتائج عكسية مع الحوثيين الذين تمرّدوا بصورة مفتوحة ضد التجاوز الوهابي على أيديولوجيتهم الدينية، بينما هم أنفسهم يتجاوزون على الأراضي السعودية المجاورة في حربهم ضد الحكومة.

وبعد أربعة شهور من القتال، فشلت قوات علي عبد الله صالح في احتواء التمرّد. وعليه، ولأنه غير قادر على كسب الحرب لصالحه، حوّل علي صالح التمرّد الداخلي إلى تهديد طائفي وأمني لكل الجزيرة العربية، وبذلك يناور السعوديين ـ المتحمّسين من البداية لمساعدة صالح، الذين ينظرون إليه باعتباره وكليهم ـ من أجل الحصول على الدعم العسكري.

تبرير السعوديين في التدخل هو أن حدودهم الوطنية تحت التهديد. ولكن هذه المجادلة هزيلة، فليس هناك دعم وطني لهذا الحرب في أي من الدولتين. على الضد، يعكس التدخل العسكري السعودي إرتياب المملكة إزاء منطقة شيعية معادية على حدودها الجنوبية، وخصوصاً بالنظر الى أن نفس القبائل والمذاهب التي تقطن اليمن الشمالي تهيمن على المناطق الجنوبية في جازان ونجران. وتشكّك الدولة السعودية في ولاء سكّانها الإسماعيليين والزيود، الذي يعتقد بأن عواطفهم الفطرية تميل الى الحوثيين.

ولذلك، أصبح جنوب السعودية وشمال اليمن علامة فارقة على الحرب الأهلية الحدودية التي تجري في العالم الاسلامي. ولكن التدخّل السعودي في الصراع قد تحوّل أيضاً من حرب باردة ـ حرب الموقع والنفوذ في المنطقة ـ الى حرب ساخنة بتداعياتها الدولية.

النزاع المبدئي هو بين السعودية وإيران، التي أقامت جسوراً سياسية قوية في سورية، لبنان، العراق، وغزة. ولعب علي عبد الله صالح دوراً رئيسياً في تعزيز مفاهيم السعودية للتهديد الأمني الإيراني الخطير، ولذلك ساهم في تحويل التمرّد الحوثي الى نزاع جيوبوليتيكي.

وقد زعم كل من الحكومتين السعودية واليمنية بأن ثمة روابط قوّية بين الحوثيين والقاعدة، من أجل الحصول على الدعم الأميركي. ولكن الحوثيين ليسوا إرهابيين. قال عبد الملك الحوثي، قائد التمرّد في صعدة اليمن، هذا الشهر (نوفمبر)، بأن الحوثيين، الذين هم شيعة زيدية، متناقضين أيديولوجياً واستراتيجياً مع تنظيم القاعدة السني الوهابي.

في الوقت ذاته، فإن القاعدة أفادت من النزاع، حيث أن الفوضى على الحدود الجبلية والوعرة بطول 1500 كيلو متر تسمح بتهريب السلاح والمقاتلين داخل السعودية في محاولة لزعزعة الإستقرار في المملكة. وقد أصبحت المناطق السنيّة في اليمن ـ الدولة الضعيفة إن لم تكن الفاشلة ـ بمثابة مناطق آمنة بالنسبة للقاعدة.

ومن غير المحتمل أن ينجح السعوديون عسكرياً في اليمن. الجيش اليمني المؤلّف من 700 ألف عنصراً لم يستطع قمع التمرّد الحوثي، بالرغم من خمس محاولات من العام 2004. فقد ترك المجال الآن للجيش السعودي غير المجرّب والمؤلف من 200 ألف عنصر للقيام بالمهمة بالنيابة عنهم. وفيما يعتمد السعوديون حالياً على قوتهم الجويّة، فإن حرباً بريّة واسعة النطاق من المقرر أن تعقب ذلك ـ في نفس البقعة الخشنة التي ساعدت في هزيمة قوات عبد الناصر شديدة المراس في الستينيات من القرن الماضي.

الحوثيون، من جانبهم، يفتقرون إلى الطائرات الحربية والملاّلات المسلّحة، ولكنهم يمتلكون ميزات تكتيكية ترجع الى أعدادهم، وخبرتهم في حرب العصابات، والاستعمال الماهر للألغام الأرضية. كما يفيدون أيضاً من التدريب الصارم، والمشابه لنشاطات حزب الله في لبنان.

وقد أعلن علي صالح بأن ليس ثمة نهاية لهذه الحرب، إذ أن الحل السلمي في هذه المرحلة سيضع الحوثيين في موقع أقوى لتحقيق مطالبهم، والتي تتعلق بصورة رئيسية بالحفاظ على الثقافة والهوية. على سبيل المثال، يريد الحوثيين جامعة زيدية.

هل هناك مخرج لهذه الحرب؟ لقد قامت قطر بدور الوساطة العام الماضي، وأقنعت الحكومة اليمنية بقبول وقف اطلاق النار. وعرضت أيضاً سوريا، التي تتمتّع بعلاقات جيدة مع اليمن، دور الوساطة. ولكن ليس من بين هذه العروض مقبولاً بالنسبة للحكام السعوديين، الذين يخشون من أن تفويض النزاع لوساطة خارجية قد يؤوول إلى انكماش السلطة الإقليمية للمملكة. ولهذا السبب، جرى النظر الى عرض إيران بالوساطة على أنه استفزاز تام.

ولذلك فإن الحرب تتواصل، دونما احتمالية مباشرة للتوصّل لحل سلمي ـ ومع فشل سياسة التدخل العسكري السعودي يتآكل موقعها في العالم العربي. مأزق السعوديين يكمن الآن في أن الضرر سيتعاظم ما لم يسحقوا الحوثيين، حيث أن ذلك سيشجّع القاعدة. هذا هو التهديد الأكبر الذي يواجه السعودية، ولكن استراتيجية حرب حمقاء لدى الحكّام جعلت التهديد أقرب.

الصفحة السابقة