سلطان يعود الى السعودية

الدفاع لسلمان لترتيب المملكة السديرية!

هاشم عبد الستار

وعاد سلطان أخيراً الى البلاد!

تزيّنت له بأوامر رسمية الرياض وبعض المدن، وشبعت الصحافة المحليّة أموالاً بسبب الإعلانات التي فرضت على رجال الأعمال!

عاد سلطان وكاد أن لا يفعل!

ولي العهد، ووزير الدفاع، أمضى ما يقارب العامين في الخارج، من مستشفى في جنيف الى آخر في نيويورك الى مقر للنقاهة في قصره بأغادير!

قالوا أنه عادى مشافى معافى تماماً!

العودة كانت مساء الجمعة 11/12/2009م، وكان الاحتفاء به في المطار من قبل الأمراء والوزراء، وفي مقدمهم الملك والأمير مشعل، وزير الدفاع السابق.

خرج سلطان من الطائرة بعد أن أعطي بعض المقويات لم تستمر معه لأكثر من خمس دقائق!

استند على متكّأ، وبعد أن سلّم عليه البعض، وغادر الملك مباشرة، اختفى سلطان من الشاشة، فلا ترى الا رؤوساً تلبس العقال، ضاع معها سلطان!

لقد وضع له كرسي ليجلس عليه ويرتاح، ولكن دون أن تظهر الصورة، ثم انكشف أمر الكرسي بسبب المخرج التلفزيوني الذي لم يضبط الحبكة!

قام سلطان مرة أخرى واستكملت المسرحية بالسلام عليه من جمهور الأمراء.. دقائق أخرى واختفى سلطان، ومصور التلفزيون السعودي يحرك الكاميرا يميناً ويساراً، بل والى سقف المطار!

العادة ان الكاميرا تلتصق بسلطان ومسلطة عليه دائماً. وتكون الصورة قريبة جداً.

لكن مخططي احتفال العودة قرروا أن تكون العودة في المساء، وأن تكون اللقطات بعيدة إلا فيما ندر!

دقائق أخرى، واختفى سلطان، وأمضى التلفزيون السعودي في نقل مباشر لمدة تقارب من نصف ساعة، لا يعلم المشاهد المتابع أين الرجل المحتفى به! الى أن أدخل السيارة التي لا تبعد سوى أمتار عنه، وارتحل!!

عاد سلطان الخير، كما يصفه الاعلام السعودي، والذي استمر في حملة دعائية مكثّفة له قبل اسبوعين من قدومه ولا زالت حتى كتابة هذه السطور!

سلطان: ترتيب البيت السديري

وفي صباح اليوم التالي، ظهر بيان مقروء من سلطان تمّ تسجيله وهو في قصره بأغادير وعلى مراحل!

البيان بمثابة اعلان العودة وبداية عهد النشاط لهذا الأمير الذي يصارع المرض.

ايضاً في اليوم التالي، مساء السبت 12/12/2009م، اجتمع كبار القوم من الأمراء، حضر الاجتماع سلطان في بداية الاجتماع، وذلك لمناقشة قضية واحدة: (سلطان سيبقى ولياً للعهد، ويتنازل عن وزارة الدفاع). والمقترح السلطاني هو: (أن يتولى الأمير سلمان ـ أمير الرياض، وزارة الدفاع، على أن يتولى خالد بن سلطان ابن ولي العهد، أمر الوزارة كنائب لوزير الدفاع، وليس كمساعد له كما هو الحال حالياً).

كل الدعاية والاعلام والتعمية على مرض ولي العهد والإصرار على أنه عاد سالماً، تستهدف العودة الى السلطة مجدداً، وايصال رسالة الى المواطنين والشامتين!، بأن ولي العهد بحالة جيدة وانه قادر على مواصلة نشاطه كملك قادم!

كأن الرسالة تقول بأنه من المعيب اعلان ان الامير سلطان مريض! فهو من جنس غير بشري لا يمرض ولا يموت!

الآن وقد عاد، فإنه مطالب بأن يباشر مهامه التي تركها وراءه لمدّة عامين، خاصة وأن البلد تخوض حرباً في اليمن.

أول الواجبات التي على الأمير القيام بها هي: استقبال المهنئين! وهو لا يستطيع ذلك، وقد وعد بأن يستقبلهم لاحقا! بدون تحديد تاريخ، ولا يبدو أنه سيفعل! لظروفه الصحيّة.

نايف ـ وزير الداخلية، والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وولي العهد القادم ـ خفّف الوطأة، فإضافة الى شهامته في احتفالات الاستقبال حيث قام بالامساك بيد شقيقه سلطان، وحركها صعودا وهبوطاً لمساعدته في السلام على المستقبلين، فإنه حدد يوم الاحد 13/12/2009 كيوم احتفال للمواطنين بقدوم شقيقه وسلامته! حيث دعا الى احتفال لم يكشف عن تفاصيله لعامّة الناس!

لا يستطيع سلطان أن لا يستقبل المواطنين طالما هو معافى مشافى تماماً!!، لا عذر له في هذا!!!

الأهم من كل هذا، فإن هناك استحقاقات!

جموع القبائل النجدية وشخصيات نجد تنتظر لقاء ولي العهد للحصول على (الشرهة)!

والشرهة تعني الهدية المالية التي سيقدمها الأمير لكل من يسلم عليه!

هذا واجب عليه!!

ومع أن الأمير سلطان معروف بأنه (سلطان الحرامية) وأنه كما يوصف (نهّاب وهّاب).. ومع أنه لا يهتم بمسألة الشرهات من حيث المال، إلا أنه غير قادر على الاستقبالات! فكيف يتم إخراج الأمر للجمهور الموالي الذي هو في أغلبه نجدي؟!

بعيداً عن كل هذا.. فقد رأى سلطان، وحتى لا يتم سؤاله حول أدائه مهماته في وزارة الدفاع، أن يتنازل فيها لأخيه سلمان الذي رافقه طيلة وجوده في الخارج! ولكنه اي سلطان لم يتنازل عن ولاية العهد.. وقد يكون التنازل عن الوزارة لأخيه سلمان بداية لتنازله عن ولاية العهد إما بالموت القريب، أو هي كتمهيد لذلك!

معروف ان سلمان ـ الشقيق الوفي!! ـ يأتي في الدرجة الثالثة من القوة بعد سلطان ونايف بين التجمع السديري.

لكن تعيينه وزيراً للدفاع، والذي يعني أنه سيكون إما ولياً للعهد القادم، أو ولياً للعهد بعد نايف، ان التعيين هذا، يصطدم مع طموحات الأمراء الآخرين من الأخوة والأشقاء أيضاً. فعبدالرحمن، نائب وزير الدفاع، وهو شقيق لنايف وسلطان وسلمان، بدا غاضباً من الطبخة السياسية الجديدة والتي يبدو أنها طبخت وسلطان في أغادير. لهذا كان لافتاً أن عبدالرحمن لم يأت الى المطار لاستقبال شقيقه. وهو قد سبق له أن عاش خلال العامين الماضيين صراعاً مع ابن اخيه خالد (ابن ولي العهد) حول ادارة وزارة الدفاع. فكيف يقبل الآن أن لا يصبح وزيراً للدفاع، بل أن يطرد حتى من منصب النيابة؟!

سلطان، الذي وزّع ثروته على ابنائه وهو حيّ ينتظر الموت، خشي أن يموت فيتصارع الابناء على الإرث من المليارات، مثلما فعل أبناء الملك فهد!

لكن السؤال يتعلق بمن يرث المنصب.

وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟

فبندر بن سلطان، لم يحضر استقبال أبيه بعد محاولته الانقلابية التي تمت قبل أشهر. لم يظهر في أية صورة منذئذ!

وآخرون ممتعضون مثل متعب الذي كان قبل استقالته مؤخراً يرفض حضور جلسات مجلس الوزراء احتجاجاً على تعيين نايف نائباً ثانياً للوزراء!

وبدر نائب رئيس الحرس الوطني لم يحضر استقبال سلطان ايضاً!

قيل انه بسبب المرض!!! وقيل أن مرضه سياسي!

فبدر هو الآخر غاضب على الملك عبدالله لأن ابن الاخير متعب هو الذي يسيطر على الحرس الوطني، ولم يبق من النيابة لبدر شيئاً!

لازال الصراع محتدماً حتى الآن، بانتظار ترتيب البيت السعودي ـ وإن أمكن قبل وفاة العجزة أعضاء اللجنة المركزية!

يقال ان سلطان بعد أن يتنازل عن وزارة الدفاع سيسعى مع اشقائه السديريين للاستيلاء على السلطة قبل وفاته.

الترتيب سيخرج الأمراء الآخرين الضعاف، ويعين بعض أبنائهم في مراكز ثانوية.

على الأرجح سيتولى نايف ولاية العهد ليخلف سلطان الذي يحتمل أن لا يطول بقاؤه.

وسيتولى سلمان ولاية عهد نايف بعد رحيل الملك عبدالله.

ويتولى وزارة الدفاع خالد بن سلطان، ووزارة الداخلية محمد بن نايف، ومتعب بن عبدالله يتولى رئاسة الحرس الوطني، وبقية المناصب من الدرجة الثانية توزع على أبناء الملك المؤسس! الشباب منهم، أو حفدته، أي أبناء الأبناء!

يعتقد كثيرون أن عودة الأمير سلطان تشابه الى حد كبير عودة الملك حسين قبل وفاته. عاد سالماً معافى وما هي الا أيام حتى مات!!

وقد تشبه عودة الأمير عبدالمجيد أمير مكة السابق، الذي خرج للعلاج من السرطان في اميركا وأمضى أكثر من عام، وعدة أشهر نقاهة في اوروبا (مثل سلطان تماماً) وحين عاد قالوا انه شفي تماماً! بضعة اسابيع ليس إلا، امتنع خلالها عن لقاء المهنئين، الا القلة منهم، ثم تدهورت حالته ومات.

ويعتقد كثيرون ان عودة سلطان تشير الى قرب وفاته. واذا كان هناك من وفاة فلتتم على الارض السعودية!

الملك الوحيد الذي مات في الخارج هو الملك سعود، فقد مات منفياً في اليونان، وأعيد جثمانه الى الرياض ليدفن بمقابر العود المخصصة للعائلة المالكة.

قال البعض قبل عودة سلطان ولي العهد، ان سبب تأخره عن العودة، هو أن الملك عبدالله يريد تطبيق نظام هيئة البيعة، الذي يقول بأن ولي العهد او الملك اذا ما عجز عن اداء مهامه، فتشكل لجنة طبيّة تفحصه، وتقدم تقريراً لهيئة البيعة، التي توصي بانتخاب خلف له. لكن سلطان، عاد، ولا يمكن ان يقبل بتشكيل لجنة طبية لفحصه، ولو شكلت ما جرؤ أعضاء اللجنة أن يشككوا في قواه وصحته!

ولذا كان الاختيار الاصعب لديه، هو التفاهم على ترك وزارة الدفاع التي تتطلب مسؤولية ونشاطاً، ومنحها للأمير سلمان أمير الرياض، على ان يديرها فعلياً ابن سلطان (خالد).

قد تبدأ مسألة ترتيب السلطة وتحويلها الى الأبناء بعد وفاة سلطان المتوقعة.

فمادام مصراً على أنه بخير وبصحة، ومادام انه متشبّث بولاية العهد، فما على الجميع الا الانتظار!

انتظر حلال المشاكل!

انه ملك الموت!

الصفحة السابقة