الجنرال الخائب:

الحرب انتهت بدون نصر مبين

سعد الشريف

فاجأ الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الصيني يانغ جيتشي في الرياض في يناير الماضي الصحافيين بتفجيره قنبلة إعلامية غير موقوتة، حين ردّ على اتهام الايرانيين لدولته بالضلوع في حرب اليمن. فرد الفيصل قائلاً:(اتهام المملكة بأنها تحارب الحوثيين لا أعلم بأي مصدر أتى بهذا الكلام. الحوثيون أنفسهم لا يقولون إن السعودية تحاربهم، فما بال إيران تدعي ذلك؟).

نقل صحافي حضر المؤتمر رد فعل الصحافيين وقال تحوّل الجو الرسمي الى ما يشبه جولة ضحك محفوفة بصدمة من تصريحات الأمير. يضيف الصحافي: همست بأذن صحافي إلى جانبي قائلاً: يبدو أن ثمة شيئاً ما حدث للأمير خلال فترة علاجه. ونقول نحن بأن الأمير تعرّض لإشعاع كثيف من مادة الكذب شديدة الإنفجار بعد عودته. لأنه من غير المعقول أن يتجاهل المسؤولون السعوديون بيانات الحوثيين منذ 4 نوفمبر من العام الماضي وحتى الآن، ثم يأتي الفيصل، المعروف لدى بعض الاعلاميين الغربيين بواقعيته، ليقول بأن (الحوثيين أنفسهم لا يقولون أن السعودية تحاربهم)، فكيف يجب أن نقرأ بيانات الجنرال خالد بن سلطان وتصريحاته حول المواجهات العسكرية، وأحاديث الناس في الانترنت، وخطب المساجد، وفتاوى التكفير ضد الزيدية عموماً والحوثيين خصوصاً.

على أية حال، فإن الحرب التي فقدت منذ الأيام الأولى مبرراتها، ووصلت إلى طريق مسدود بالنسبة لكل الأطراف الضالعة فيها وخصوصاً السعودية باعتبارها طرفاً خارجياً دخل على خط المواجهات دونما أسباب وجيهة، بحجة ملاحقة المتسلّلين الى أراضيها، دخلت مرحلة جديدة منذ إعلان الزعيم الحوثي عبد الملك بن بدر الدين الحوثي عن مبادرة (حسن نيّة) بسحب مقاتليه من أكثر من 40 نقطة داخل الأراضي السعودية كانت تستعمل لقصف شمال اليمن، بعد وساطة قام بها زعماء قبليون في اليمن لوقف القتال، على أن توقف السعودية قصفها الصاروخي البري والجوي على مدن وقرى شمال اليمن.

كان واضحاً أن المبادرة الحوثية جاءت بعد اخفاق القوات السعودية من إحداث خرق عسكري في أي من الجبهات الشمالية، ما جعلها تكّثّف من غاراتها الجوية للتعويض عن خسارتها على الأرض، وبهدف الضغط على الحوثيين من خلال إيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى المدنيين في المناطق الشمالية التي يسيطر عليها الحوثيون. وبالرغم من أن التكتيك العسكري السعودي لم يحقق ما كان يرجوه في الميدان، لسبب بسيط أن تفوّقها الجوي لا أثر له في الأرض، التي فقدت القوات السعودية السيطرة عليها، وأدى الى ذلك الى رد فعل هستيري في تكثيف القصف الجوي وارتكاب المزيد من المجازر في صفوف المدنيين.

كانت خشية القيادة العسكرية السعودية أن تتوقف الحرب في وقت لا يزال فيه أجزاء من أراضيها تحت السيطرة الحوثية، وهي التي تمسّكت في بياناتها بأنها طردت المتسللين منذ الأيام الأولى لتدخّل قواتها، واستعادت السيطرة على حدودها، وكان آخرها اعلان الجيش السعودي في أوائل يناير الماضي أن قواته طردت المسلّحين الحوثيين من الأراضي السعوديين، ولكن تبيّن من بيانات حوثية مصوّرة أن القوات السعودية لم تكن تملك زمام المبادرة في البر، وهو السبب وراء غياب (الكاميرا) عن جبهات المواجهة البرية.

الوساطة التي تقدّم بها زعماء قبليون سمعوا كلاماً واضحاً من الجانب السعودي: يجب على الحوثيين الإنسحاب من النقاط العسكرية التي سيطروا عليها قبل انهاء القتال. وقد فسّر مراقبون قريبون من الوساطة بأن السعودية لم تشأ أن تدخل في مفاوضات مع الجانب الحوثي على أساس إمساك الأخير بورقة الأرض، ما يسبب حرجاً بالغاً للسعوديين الذي يواجهون تنظيماً عسكرياً صغيراً من حيث العتاد والعدّة، ولذلك أرادوا أن يخلي الحوثيون النقاط العسكرية في مبادرة من طرف واحد قبل الموافقة من جانب السعودية على وقف اطلاق النار.

بعد إعلان السيد عبد الملك الحوثي عن مبادرة الإنسحاب من المناطق الخاضعة تحت سيطرتة قواته كانت كل التكهّنات تشير إلى أن السعودية ستبادر فور استعادة المناطق الى نفي الحاجة الى المبادرة الحوثية على أساس أنه تم استعادتها بالقوة. وبحسب مصدر سعودي رسمي في 25 يناير الماضي فإنه اعتبر مبادرة عبد الملك الحوثي للإنسحاب من الأرضي السعودية (ليست بالأمر المهم، لأن القوات السعودية نجحت في السيطرة على مواقعها الحدودية ودحرت المتسللين وردعتهم).

على أية حال، بدا الجانب السعودي في اليوم التالي أكثر واقعياً، حين أعلن إبراهيم المالك المتحدّث بإسم وزارة الدفاع السعودية في 26 يناير الماضي بأن بلاده تدرس عرض الهدنة الذي طرحه الحوثيون لوقف القتال مع قوات المملكة في منطقة الحدود اليمنية السعودية. وقال اللواء المالك بأن الوزارة ستعلن عن قرارها الرسمي في وقت لاحق من يوم الثلاثاء (26 يناير).

الإعلان جاء في سياق مبادرة أخرى كان الحوثيون على وشك إطلاقها فيما يخص القتال الدائر مع القوات الحكومية اليمنية، حيث وضعت صنعاء خمسة شروط تعتبرها أساساً للتسوية مع الحوثيين، وهو ما أعلن عنه السيد عبد الملك الحوثي في مبادرة بتاريخ 30 يناير الماضي يوافق فيها الجانب الحوثي على الشروط الخمسة التي وضعتها الحكومة اليمنية لوقف القتال.

وقف إطلاق النار هش

جاءت المبادرة الحوثية بوقف القتال مع القوات السعودية قبل يوم واحد من انطلاق مؤتمر لندن لمناقشة الملف اليمني، وفهم المراقبون من التوقيت بأنه جاء لحفظ ماء وجه السعودية التي ستكون محرجة للغاية فيما لو تم تداول المؤتمرين موضوع سيطرة الحوثيين على أراض سعودية. أعلنت السعودية عن وقف القتال مع الحوثيين يوم 27 يناير على لسان الأمير خالد بن سلطان وقال (لقد حققنا نصراً مبيناً على الأعداء)، فيما أكّد سعيد الغامدي القائد العام للواء المظلي الأول (أن المعركة انتهت بحمد الله).

ابن سلطان: جنرال (خرطي)!

ولكن هل فعلاً وضعت الحرب السعودية على الحوثيين أوزارها؟ كل الدلائل تكشف أن السعودية واصلت هجماتها البرية وقصفها الجوي والمدفعي على الشمال اليمني، وأن كثافة الصواريخ التي سقطت على المناطق المدنية تكشف عن أن السعودية تسعى الى تحسين شروط المعركة بعد أن تأكّدت من انسحاب المقاتلين الحوثيين من النقاط العسكرية التي كانت خاضعة تحت سيطرتهم، وهذا ما يفسّر طرح شروط جديدة سعودية ويمنية في 29 يناير الماضي، تتمثل في تسليم أسرى الحرب (أو ما يطلق عليهم الجانب السعودي المفقودين)، وسحب القناصة الحوثيين من الحدود، والتراجع أكثر عن الحدود لإنشاء منطقة عازلة عمقها 10 كليومترات داخل اليمن يؤمّنها الجيش اليمني. أما الجانب اليمني فطالب الحوثيين بالتعهد بعدم مواجهة القوات السعودية، وهذا يعتبر شرطاً سادساً الى جانب الشروط الخمسة التي وضعها النظام اليمني لوقف القتال.

بحسب مراقبين، فإن الجانبين السعودي واليمني شعرا بالاطمئنان بعد مؤتمر لندن بأن الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لن يرسلوا قوات عسكرية الى اليمن تحت شعار محاربة القاعدة ومكافحة الإرهاب، وكانت الخشية من أن يتم استغلال الطعم الذي قدّمه الرئيس اليمني للولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية بغير الطريقة التي أرادها لهم.

عودة السعودية الى شروطها الأولى جاءت بغير نصر عسكري، وانما باستغلال ظروف سياسية مؤاتية، فيما نظر إليه الحوثيون على أنه نكث بالتعهدات التي أعطوها للوسطاء القبليين الذي أدى الى انسحاب المقاتلين الحوثيين من أكثر من 40 نقطة عسكرية سعودية. إصرار السعودية على شروط غير قابلة للتنفيذ قد يكون ناجماً عن ضغوطات داخلية يتعرّض لها خالد بن سلطان الذي حمل على عاتقه قرار الحرب وثقته المفرطة بقدرته على القضاء على الحوثيين خلال فترة قياسية.

من المعلوم بحسب الوقائع الميدانية والتجربة الطويلة أن الحوثيين لا يثقون بنظام علي عبد الله صالح، وهم حذرون في كل ما يصدر عنه من قرارات، ولعل إضافته شرطاً سادساً يأتي في هذا السياق، رغم أنه تحصيل حاصل، بعد تأكيدات القيادة الحوثية على أن ليس لديها أطماع في الأراضي السعودية وليست في وارد الهجوم عليها، وأنها مارست حق الدفاع عن النفس. ومع ذلك، فقد أبدى الحوثيون مرونة كافية وكفيلة بوقف العدوان وقالوا بأنهم لن يبادروا إلى رد عسكري إلا في حال تعرّضهم لعدوان سواء من الجانب السعودي أو اليمني الرسمي، وأما الأسرى فيمكن الاتفاق عليها من خلال عملية تبادل بين الطرفين.

السعودية تريده انتصاراً واضحاً أو مبيناً كما وصفه خالد بن سلطان، وهذا لم يحصل، ولذلك فهي تصعّد من حملاتها العسكرية الأخيرة وترفع سقف مطالبها لناحية الوصول الى مستوى النصر المبين. ولكن هل هذا ما سيغيّر في اتجاه الرأي العام الداخلي الذي اعتبر طول أمد الحرب أولاً، ثم إعلان السيد عبد الملك الحوثي المبادرة من طرف واحد بالإنسحاب من الأراضي السعودية، وثالثاً سقوط عدد كبير من الجنود من الجيش السعودي، فشلاً عسكرياً محقّقاً.

كيف ينظر السعوديون الى وقف القتال

يقول أحد روّاد موقع (منتدياتنا) الذي يشرف عليه محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ المقرّب من الحكومة:

إعلان الحوثي عن انسحابة له أكثر من دلالة فهو يعني أن الحرب التي شنها خالد بن سلطان وراح ضحيتها 112 جندي من الجيش السعودي ومئات الجرحى والمعاقين لم تحقق أهدافها وهي سحق الجماعة الحوثية المتمركزة على الحدود الجنوبية.. كما أنها تعني أن الحرب انتهت بقرار حوثي وهو الإنسحاب وليس بحسم عسكري سعودي..!

بعد هدوء العاصفة أتمنى مراجعة ما حدث وقراءة الواقع بعيداً عن التشنجات الوطنية والحماس البدائي للارض والقبيلة فقد خسرنا الحرب بكل المقاييس وكانت أول خسارة أننا دخلنا حرب كان يمكن تفاديها بمليون طريقة.. وثانيها أن أداء الجيش كان ضعيفاً جداً رغم صفقات التسلح والتدريب التي استنفذت مليارات الدولارات من خزينة الدولة.. وثالثها أن جماعة الحوثي مازالت تحتفظ بكامل قدرتها البشرية والعسكرية وستكون مصدر إزعاج مستمر للبلاد.. ورابعها أن الإستخبارات السعودية فشلت في جمع معلومات وافية ودقيقة عن مصادر تمويل الحوثيين وأماكن تمركزهم وهياكلهم الادارية والتنظيمية بالرغم من أنهم يحاربون الحكومة اليمينة منذ ست سنوات وكان يفترض أن الإستخبارات السعودية جمعت ما يكفي من المعلومات عن تحركاتهم حتى قبل دخولهم الحدود السعودية وقتل الجندي تركي القحطاني..

وعلّق آخر:

الجنود القتلى راحو ضحية تهور شخص لم تمس له شعرة بينما ترمّل الأطفال من جانبنا والجانب اليمني كذلك في الوقت الذي كان يمكن لملمة الموضوع بشكل سلمي.

الحرب بين العرب والمسلمين فيما بينهم مرفوضة رفضاً باتاً. الخيانة هي دعم تورطنا في الحرب مع جيراننا مهما أخطأوا.

هل سيتم تشكيل لجنة مثل الاسرائيليين للتحقق في الأسباب الحقيقية لشن هذه الحرب الغبية والتي دفع ثمنها هذا الوطن ومئات العوائل البسيطة والتي فقدت إبناً أو أباً أو عماً أو أخاً.

وكتب آخر مؤيّداً هذا المقترح:

نعم، فليفتح تحقيق حول مسببات هذه الحرب وأهدافها ونتائجها.. وأن لا يكون شبيهاً بتحقيق سيول جدة ، الذي لم نسمع عنه شيئاً منذ إعلانه!!

واعتبر آخر أن المنتصر لم تكن الحكومة ولا جيشها:

الكاسب الوحيد في تلك الحرب كان الوهابيين والشعراء المهايطين فقد استغل (الصحويون) الظرف لزيادة ارتباطهم بالحكومة بعد تلك الحركات الإستعراضية على الجبهة من قبل العريفي وغيره وتقديمهم أنفسهم وتيارهم على أنه تيار وطني فدائي لا شك فيه.. والشعراء أيضا زادوا أرصدتهم من الإبل والغنم في الحضائر والصوالين وجيوب اللاندكروزر بقصائدهم المهايطية..

وفسّر آخر قبول الحوثي بالشروط الستة بأنها انتصار:

هناك أطراف قامت في الخفاء في إنهاء هذه الحرب الغبية والسبب هو التفرغ للقاعدة! أما بخصوص انسحاب الحوثي من الاراضي السعودية وقبوله بالنقاط الستة مع الحكومة اليمنية فهو.. مؤشر على انتصار الحوثي وليقول لهم أنا سأبقى هنا في صعدة ومجاوراً للسعودية! فالحكومة السعودية واليمنية كانوا متفقين مسبقا على إنهاء الحوثي نهائيا ولكنهم كانوا أضعف بكثير من أن يفعلوا ذلك!.. المسرحية القادمة مع القاعدة ولكن هناك وجوه جديدة أمريكا وبريطانيا وغيرهم أتمنى لكم قضاء وقت ممتع في مشاهدتها.

أحد المراقبين ذكر بأنه لا يستبعد أن يكون بيان الواحد والأربعين من مشايخ السلفية المتشدّدين في السعودية والمقرّبين من الحكومة قد صدر قبل يوم واحد من اعلان موافقة آل سعود على وقف اطلاق النار مع الحوثيين لمشاغلة الرأي العام المحلي والخارجي وصرف الأنظار عن النتائج المخيّبة لآمال القيادة العسكرية السعودية وقطاع من السكّان الذين انتظروا (السحق) و(النصر المبين) على الحوثيين.

الصفحة السابقة