اليمن.. مفاوضات لا إستسلام!

السعوديون يغدرون بالحوثيين

عمر المالكي

بعد أن انسحب الحوثيون من 48 مرتفعاً سعودياً، واصل السعوديون القصف والقتل للمدنيين اليمنيين. الجيش اليمني لم يقم بحجم ما قام به الجيش السعودي من قصف بالطائرات والمدفعية، والسبب أن ذلك قد ينذر بتفكك الجيش اليمني. فهناك حدود للجيش اليمني حين يقصف شعبه، أما أن يقصفه السعوديون فمباح، ولاتزال ترد صور بالفيديو تؤكد في كل يوم تقريباً سقوط العديد من القتلى المدنيين بقذائف وقنابل الجيش السعودي.

المفاوض السابق يحي الحوثي

الجيش السعودي لن يوقف القتال، وهناك مؤشرات تفيد بأنه يقوم بحالة تصعيد في القصف، من أجل الضغط على الحوثيين لكي يستسلموا، وليس يفاوضوا الحكومة اليمنية التي أنابتها السعودية أن تتحدث باسمها رافضة المفاوضات المباشرة مع الحوثيين بشأن أسراها وحدودها.

انسحاب الحوثيين من الأراضي السعودية، يفترض أن لا يترك لها مبرراً لمواصلة الحرب، مع أنها هي من بدأها. ولطالما أعلنت السعودية بأنها حررت أراضيها، وحين انسحب الحوثيون زعمت أن جيشها هو من أخرجهم صاغرين، ما جعل الطفل العسكري خالد بن سلطان يعلن عن (نصر مبين) حققته القوات السعودية.

السعودية التي أرسلت وسطاء يمنيين من مشايخ المنطقة موالين لها وذلك لمفاوضة الحوثيين قبيل انسحابهم من المرتفعات السعودية، وعدت بإيقاف الحرب حالما يتم الإنسحاب. وكانت طيلة شهر يناير الماضي تحاول جاهدة استعادة ولو مرتفع واحد، ولكنها فشلت. ولكن حين اعلن الحوثيون نيتهم في الإنسحاب، قدّمت السعودية رداً موارباً. قالت في البداية أنها (ستدرس العرض الحوثي). ولا يمكن ان تكون هناك (دراسة) لولا أن الحوثي مسيطر وصامد في مرتفعات سعودية. إن كلمة (دراسة) تعني نسفاً لمقولة سعودية ظهرت بعد الإنسحاب الحوثي، بأن الجيش السعودي قد استعاد المرتفعات بالقوة. وقالت السعودية في الرد على المبادرة الحوثية ـ بعد أن انسحب الحوثيون ـ أنها تضع شرطين أساسيين: تسليم الأسرى السعوديين، وأن تتولى الحكومة اليمنية أمن الحدود. معنى هذا، أن الحكومة السعودية سيطرت على المواقع مجاناً، وخدعت الحوثيين حين لم تلتزم بالتفاهمات الشفهية التي سعت اليها عبر وسطائها. لا أحد يسلّم الأسرى أو يبتعد عن الحدود اليمنية ـ حيث معاقل ومساكن الحوثيين ـ بدون مقابل وبدون اتفاق أوسع بين الحكومة اليمنية والحوثيين. وتجدر الإشارة ان السعوديين شرعوا في قصف الحوثيين والمدنيين اليمنيين من مواقع انسحب عنها الحوثيون مثلما هو الحال بالنسبة لموقع (الجابري) السعودي.

اعتبرت السعودية واليمن انسحاب الحوثيين من المرتفعات السعودية، وقبولهم بالنقاط الست التي وضعتها الحكومة لإيقاف إطلاق النار، دلالة على تضعضع الحوثيين وضعفهم وبالتالي راودهم شعور بإمكانية إنهائهم. لكن المعارك التالية التي أعقبت ذينك الإنسحاب والقبول بشروط الحكومة، لا تشجع هذا الإعتقاد. فرغم أن الهجمات السعودية بالمدفعية والطيران، وكذلك هجمات الجيش اليمني قد تكثّفت داخل مدينة صعدة وفي حرف سفيان وغيرها، إلا أنها لم تسفر عن أية نتيجة عسكرية إيجابية للطرفين. على العكس، فقد خسرت الحكومة اليمنية بعض المواقع العسكرية، كما خسرت عشرات من جنودها القتلى. بحيث يمكن القول أن الوضع العسكري على الأرض لم يتغير لصالح الحكومتين السعودية واليمنية، حتى يمكن البناء عليه مسألة إنهاء الحوثيين من ميدان القتال فضلاً عن ميدان السياسة.

واضح أن ما تريده الحكومتان هو استسلام غير مشروط من قبل الحوثيين. وليس مفاوضات كما كان الحال في جولات الحرب الخمس الماضية. لكن هذا الإستسلام لا يمكن أن يحدث حسب موازين القوى العسكرية. ولقد قدّمت الحكومة تصوّرها لآلية إيقاف الحرب، رفضها الحوثيون، فزادت من تحركها العسكري ليس فقط لفرض شروطها التي قبل بها الحوثيون، بل لإنهائهم.

الحكومة اليمنية أرادت استسلاماً غير مشروط، وليس مفاوضات. وأرادت فرض الإستسلام بعيداً عن الإعلام، وبعيداً عن الوساطات، بل أنها وفي الوقت الذي أعلنت قبولها من حيث المبدأ بإيقاف الحرب، حكمت على يحي الحوثي ـ أخ عبدالملك الحوثي والمقيم في ألمانيا ـ وهو عضو برلمان، بخمس عشرة سنة سجن. ويحي هو الذي فاوض الحكومة في الجولات الخمس السابقة. وقد أرادت الحكومة ابعاده عن ساحة المفاوضات، كما إبعاد الوسطاء من الدول. ما قامت به الحكومة عنى لدى الحوثيين أن الحكومة غير جادة في وقف اطلاق النار، وان نيّتها تتجه الى مواصلة الحرب على الحوثيين عبر الإغتيالات وغيرها بعد أن يوقف اطلاق النار، ولن يسمح لهم حتى بتشكيل حزب سياسي كبقية الأحزاب.

الحكومة اليمنية لا تريد أن تدفع أي ثمن من أجل السلام، حتى مع قبول شروطها من قبل الحوثيين. هي لا تريد أن تطلق سراح معتقلي الحوثيين، ولا عودة المهجرين، ولا أن تلزم نفسها ببرنامج إعمار. تريد أن تقول للعالم بأنها انتصرت وأنهت الحوثيين. لكن هل تستطيع فعل ذلك، بحيث ما عجزت عنه في الحرب يمكن أن تحققه في لعبة مفاوضات واضح أنها تريد أن تجعل منها مصيدة للحوثيين؟ وهل هؤلاء بتلك السذاجة، وهم قد خبروا النظام في حروب ومفاوضات سابقة؟

إن كان قصف المدنيين (عبر الطيران والمدفعية السعودية) يشكل الخاصرة الضعيفة لدى الحوثيين؛ فإن الحكومة اليمنية وجيشها في ورطة حقيقية في ساحة المعركة. جيشان قوامهما مليون جندي لم يستطيعا مواجهة الحوثيين. صنعاء والسعودية تتعرضان لضغوط دولية وإقليمية لإيقاف الحرب التي صار من المستحيل حسمها عسكرياً. ووفق هذه النتيجة، فإن البديل هو المفاوضات. والمفاوضات لا تعني استسلاماً، كما لا تعني أن الحكومة ستأخذ ما تريده بدون ثمن ودون أن تنظر للمطالب الحوثية. إنها إن اعتقدت ذلك، فإن الحرب لن تتوقف، بل وسيزداد سعارها، وسينفذ الحوثي تهديداته باستعادة المرتفعات السعودية للضغط على السعوديين من أجل إيقاف الحرب على شعبهم.

ربما نحن نتجه الى ذلك. المعارك الدائرة ستكون أكثر ضراوة من جهة؛ وما لم تتراجع صنعاء والرياض وتنسيا مسألة (الإستسلام) فإنهما تجازفان بحرب مستمرة، وبضغط غربي ـ يريد مواجهة القاعدة ـ قد يؤدي الى حد الإطاحة بعلي عبدالله صالح نفسه.

الصفحة السابقة