تتويج العلاقات الإستخبارية بين الرياض وتل أبيب

تركي الفيصل يصافح الصهيوني أيالون

محمد الأنصاري

قالوا عن المصافحة أن الأمير أُحرج، فلم يكن هنالك من بدّ من مصافحة نائب وزير خارجية العدو داني أيالون.

وقال السعوديون: المصافحة لا تعني الاعتراف بإسرائيل، ولا تغيّر من مواقف المملكة الثابتة!

وقال طبّالون سعوديون: ما هو حلال للفلسطينيين مثل أبو مازن وغيره، هو حلال لقادة المملكة.

وقالوا: ان تركي الفيصل لا يمثل إلا نفسه، ولا يمثل موقف المملكة!

واعتبروا ما قام به الفيصل خطوة شجاعة، وأن الإسرائيلي نزل من المنصّة معتذراً، وعدّوا ذلك انتصاراً سعودياً، وعبقرية من أحد أبناء الملك فيصل!

وطالب طبّال سعودي في صحيفة الحياة في مقالة له تركي الفيصل: أن يصافح ويصافح ويصافح!

أما الوهابية العمياء فظلّت صامتة! ترى ماذا كان سيحدث لو أن مندوب إيران، أو لبنان، أو سوريا، حضر مستمعاً في الندوة، مجرد الإستماع!

إذن لقامت الدنيا ولم تقعد، ولأصبح هؤلاء عملاء للصهيونية! واجتماع بين الصادات الثلاث على محاربة المسلمين، كما قال وهابي متطرف: (الصفوية، والصهيونية، والصليبية)!

سكت الوهابيون عن ظهور ملكهم وهو يكرع الخمر، عن دعوته لبيريز وليفني في مؤتمر حوار الأديان.

وسكتوا عن لقاءات بندر بالصهاينة بمن فيهم أولمرت وممثليه أثناء وبعد حرب تموز، وذلك في الأردن وغيرها.

وشنّعوا على حماس أنها لم تطلق صواريخ على اسرائيل، وأنها (حامية) لحدود اسرائيل.

الفيصل وأيالون: يا مرحبا!

وأصابهم البكم عن لقاءات تركي الفيصل السابقة مع أكاديميين ورجال أعمال صهاينة، حيث ظهر علناً معهم في أوكسفورد وفي واشنطن.

وأصمّوا آذانهم عن مقولات تركي الفيصل للفلسطينيين بأن يلقوا السلاح، وأن يعتمدوا النضال السلمي، وأن ذلك دليل قوّة، وأن السلاح لا يستخدمه إلا الضعيف (ليته قال ذاك لأصدقائه الصهاينة)!

المصافحة التي تمت في ميونخ على هامش مؤتمر يبحث موضوع الأمن في الشرق الأوسط، أخذت مساحة واسعة من الإعلام العربي والأجنبي، وعدّت انتصاراً اسرائيلياً على المستوى الإعلامي والنفسي والسياسي.

الأمير السعودي أجرى مقابلة يدافع فيها عن نفسه، قال فيها أن مصافحته لا تعني اعترافاً، وأن أيالون جاء معتذراً إليه، وهذا لم يحدث بالطبع. مكتب ايالون نفى ذلك، أي نفى أنه اعتذر للأمير السعودي، ونصح بأن يتم الإستماع الى ما جرى نصّاً من خلال ما تمّ تصويره عبر الكاميرات التلفزيونية. وحاول الأمير في العربية أن يقول بأنه كان محرجاً، فإمّا أن يخرج من القاعة أو يصافح!

أولاً، ما كان للأمير أن يكون حاضراً في الندوة أساساً. لقد اعتاد العرب ان يخرجوا من المؤتمرات التي يحضرها الصهاينة. بالطبع هناك استثناء من بعض الدول، لكن السعوديين انضمّوا الى البلدان التي تبقى وتستمع، فيما لا يحضر مثلاً السوري او اللبناني أو الإيراني وغيرهم. وفي هذه المرّة كان المندوب التركي رافضاً للحضور والإستماع الى الصهيوني أيالون.

وثانياً، إن الأمير لا يمثل نفسه في المؤتمر، بل يمثل حكومته. والحكومة السعودية من جانبها لم تقل بأن الفيصل لا يمثلها ولم تصدر بياناً تتبرّأ فيه من عمله، وهي لم تفعل ذات الأمر في تجاوزات سابقة قام بها هو وغيره مثل الأمير بندر والأمير مقرن رئيس الاستخبارات، ما يدل على أن ما قام به الفيصل يمثل سياسة رسمية. زد على ذلك، فإن من المنتظر أن يصبح تركي وزيراً للخارجية مكان أخيه سعود. فكيف سيكون الحال حينها؟ نذكر ان تركي الفيصل كان رئيساً للإستخبارات السعودية، ثم سفيراً في لندن، ثم سفيراً في واشنطن.

وثالثاً، كان بإمكان الأمير أن لا يحضر، وكان بإمكانه أن لا يردّ بعد أن حضر، وكان بإمكانه أن يجيب الإسرائيلي بأنه لن يصافحه الآن، وأنه سيؤجل المصافحة الى ما بعد تحقيق السلام.. كان بإمكانه أن يقول أشياء كثيرة أو يراوغ خاصة وأنه كما يزعم دبلوماسي محنّك! لكن تركي الفيصل بمصافحته التي لم يكن مضطراً اليها ـ وإن زعم ذلك ـ كان مستخفّاً بمشاعر الجمهور العربي والمسلم، بل أنه كان مستخفاً بردود الفعل إن جاءت على تلك المصافحة، وهي مصافحة ليست الأولى على أية حال.

ورابعاً، إن مصافحة الفيصل تأتي في ظروف التهديد الاسرائيلي المستمر والعلني لسوريا ولبنان وغزة. وفي وقت تواصل فيه السعودية ومصر حصار الأخيرة وتجويع أهلها دون أن يرفّ لها طرف، أو تشعر بخجل. فلأهل غزّة الصفعات والتجويع، ولاسرائيل الكلام الدبلوماسي والمصافحة والتنسيق في المواقف تجاه إيران.

وخامساً، إن القضية الفلسطينية لم تعد أولوية في السياسة السعودية. ذكرنا ذلك مراراً في (الحجاز). الأولوية لمواجهة إيران. هذه هي السياسة الغربية والإسرائيلية عامّة. الأنظار والمعركة الناعمة تتجه الى هناك. وعليه يجب أن يخفّض حجم الإهتمام بالموضوع الفلسطيني، وأن تتجه بوصلة العداء من اسرائيل الى إيران، وقد كانت السعودية بإعلامها وسياساتها سبّاقة في الترويج لمقولة أن الخطر الإيراني على العرب أكبر من خطر اسرائيل. ولاتزال السعودية عمياء عن كل شيء إلا عن المواجهة مع ايران، وحلمها بأن يتم القضاء عليها عسكرياً. تمنيات تقرؤها في كل الإعلام السعودي. هذا الموقف من ايران يلتقى مع الموقف الإسرائيلي، ومن هنا كان التنسيق بين الطرفين مبكراً وقبل سنوات طويلة، ولكن من تحت الطاولة. الآن ظهر بعض التنسيق فوق الطاولة والى العلن، والإتجاه اسرائيلياً وسعودياً الى التحريض على القيام بعمل مباشر ضد طهران، لفقء الدمّلة كما سمّاها كاتب سعودي في (الشرق الأوسط).

ليس هناك من جديد في العلاقات الاسرائيلية السعودية. الجديد هو (العلنية). أو بعضها.

الصفحة السابقة