الوهابية بدون تكفير يعني عطالة عن العمل!

المفتي السعودي المكفراتي

محمد شمس

من خلال ثلاث أو أربع تجارب طائفية وقعت مؤخراً.. يبدو أن السعودية ستشغل على مدى السنوات القادمة بأزمات في العلاقات مع جيرانها تعود في الأساس الى الموضوع الطائفي البغيض الذي أشعلته واقتات عليه في حروبها السياسية.

فيما مضى من الزمان، كان من السهل على مشايخ الوهابية أن يكفّروا العالم أنّى شاؤوا، وكيف شاؤوا، وبأيّ لغة اختاروا.

لم يكن أحدٌ يلتفت الى الموضوع، ولا يسمع به ـ التكفير والشتائم ـ إلا قليلون، وفي الغالب أيضاً يكون رد الفعل محدوداً، ويُحرص دائماً أن يكون مستتراً (احتراماً أو خشية من السعودية نفسها). وكان الوهابيون يومها غير قادرين على متابعة فتاوى التكفير بالتنفيذ (قتل الكافر).

مثلاً، لقد شتم مفتي السعودية السابق ابن باز، الشيخ الخليلي مفتي سلطنة عمان في الثمانينيات، في وقت كان يحضر ضيفاً على السعودية لحضور مؤتمر ديني، وتمّ تكفير الأباضية بصراحة من قبل المفتي وهو في استقبال الخليلي، ما دفع بالأخير الى العودة مباشرة من حيث أتى ولم يحضر المؤتمر، وكان ردّ الفعل أن خطب الخليلي منتقداً الوهابية، وشنّت الإذاعة العمانية حملة اعلامية محدودة ومصغرة استمرت فترة وجيزة! أما السعودية فلم تفعل شيئاً، لم تعلّق ولم تعتذر!

وقد تنوّعت موضوعات التكفير، وشملت طوائف كثيرة، الصوفية.. الأشاعرة.. الشيعة بمختلف تصنيفاتهم.. فضلاً عن أتباع الديانات التوحيدية. كما شمل التكفير أنظمة عربية، وقيادات عربية، دون أن يرفّ للرياض جفن، أو تعتذر عن فعل، فكل التكفير لشخصيات سياسية ـ سواء لعبدالناصر وللقذافي والخميني والأسد وغيرهم ـ جاء بتغطية سياسية من النظام السعودي نفسه.

العولمة من جهة.. والحصار الذي تعاني منه الوهابية خلال السنوات الماضية، شعبياً وإسلامياً ودولياً بسبب تكشّف آثار التكفير وارتباطه المباشر بعمليات العنف والقتل الأعمى.. كشفا من جهة حجم النزعة التكفيرية في التراث الوهابي، وأوضحا من جهة ثانية أن الوهابية برعاتها السعوديين ما هي إلا مخلب قط يستخدم في السياسة عبر البوابة الطائفية.. كما وفّرا من جهة ثالثة الفرصة للمتضررين بالرد من خلال ذات التكنولوجيا التي فضحت الوهابيين.

لم يعد ينظر الى التكفير السعودي الوهابي في الذاكرة العربية والإسلامية والعالمية، بأنه مجرد موقف ديني مسجّل في بطون الكتب، غير مفعّل على أرض الواقع.. بل أن التكفير صار يعني دعوة مفتوحة للقتل والحرب الطائفية. فالكافر سواء كان كاتباً صحافياً أو مفكراً، او روائياً، أو شاعراً، أو شخصية سياسية محلية أو عربية، وسواء كانت التهمة موجهة لفرد أو لجماعة، في أرض عربية أو أعجمية.. فإنه يعني وجوب القتل للمتهم. لا فاصلة بتاتاً بين التكفير والقتل، وقد شهدنا بعضاً من تطبيقات ذلك في افغانستان والعراق والباكستان والسعودية نفسها.

من المفتي الى الكلباني الى العريفي الى الجبرين الى العقلا الى كل مشايخ التطرف الوهابي.. سلسلة متواصلة من فتاوى التكفير، أدخلت السعودية في أزمات متواصلة مع الجوار.. مع السودان الصوفي، ومع الجزائر، والمغرب، ومع إيران، والعراق، وسوريا، وتونس وليبيا، وموريتانيا، وأندونيسيا، بل ومع دول خليجية أيضاً.. فضلاً عن الأزمة القائمة مع المواطنين السعوديين المختلفين مع الوهابية النجدية سواء في شرق السعودية أو في حجازها أو جنوبها.

التكفير يحتلّ مساحة كبيرة من التراث الوهابي. وما يظهر من تكفير بشكل شبه يومي على مئات المواقع الوهابية لن يتوقف أو ينتهي. الوهابية بدون تكفير يعني وهابّية عاطلة عن العمل. لا دور للوهابية إلا تكفير المحتفلين بالمولد النبوي، وتفجيرهم وقتل المئات منهم. لا موقع للوهابية إلا بالتكفير العام للمسلمين، بل ولأكثر المواطنين السعوديين أنفسهم، باعتبار ان الوهابية مذهب أقليّة. ولهذا نتوقع أن تتواصل عمليات التكفير. وحجج الحكومة لن تقنع أحداً، فهي حتى الآن متعلقة بحروبها السياسية الخارجية والداخلية على أساس منهجي طائفي، وعليها ان تدفع ثمن التحريض. ونظن أنه فات الأوان على ضبط مشايخ الوهابية حتى لو أرادت. وحججها بأن هذا الشيخ لا يمثل الحكومة لن يجدي نفعاً. فما عساها مثلاً أن تقول عن فتاوى التكفير التي يطلقها أعضاء هيئة كبار العلماء، أو المفتي السعودي نفسه؟

بالأمس فقط (5/2/2010) وفي خطبة الجمعة.. كفر المفتي الصوفية والشيعة، واتهم أتباعهما بأنهم يعملون في الباطن على هدم ثوابت الدين والقيم والأخلاق والفضائل.. شأنهم في ذلك شأن الماسونية التي ترفع شعارات برّاقة. وفي الوقت الذي حثّ فيه المفتي على طاعة ولاة الأمر (آل سعود) فإنه اعتبر الصوفية ومذاهب اسلامية أخرى لم يسمّها من الفرق الضالة، وقال أنها: تدّعي الإنتساب للإسلام وتدعو للشركيات وتخالف الحق، وأنها تفسد العقيدة والأخلاق وتشويه سمعة الإسلام. ووجه المفتي تهماً إضافية وتكفيرية ضدّ الشيعة، واعتبرهم ضالين يدعون نصرة الإسلام والدفاع عن قضايا المسلمين. وسبق للمفتي أن كفّر جماعة التبليغ، ورأى أن أية قيادة دينية تُتّبع خارج السعودية، هي قيادة ملحدة! كما سبق له وأن وصف الإخوان المسلمين بشتى الأوصاف التي تقترب من حدّ وصفها بالكفر.

وكان الوهابيون قد كفّروا عدداً غير قليل من علماء المسلمين، من مختلف المذاهب، كالمرحوم السيد محمد علوي مالكي زعيم المالكية في الحجاز، وألفوا ضده عشرات الكتب، وكالشيخ القرضاوي الذي ألف الوهابيون عدّة كتب ضدّه من بينها: (إسكات الكلب العاوي يوسف القرضاوي) ولما انتقدوا على تشددهم وغلوهم أمعنوا وألفوا كتباً أخرى تعزز الأولى مثل: (تعزيز الرد الكاوي في إسكات الكلب العاوي يوسف بن عبدالله القرضاوي). ولم يسلم عشرات العلماء من فتنة الوهابية وتكفيرها ومن بينهم الشيخ محمد سعيد البوطي، وأمثاله.

ما نخلص اليه.. كل يوم سترينا الوهابية فتاوى تكفيرية. إنها حالة عامة وليست زلّة. إنها منهج مدعوم من السلطة وليس رأي فرد. إنها وظيفة الوهابية ولا شيء لديها سواه (التكفير).

الصفحة السابقة