إستطلاع لرأي السعوديين

الفساد يحتل المرتبة الأولى في السعودية

عمر المالكي

ثلث السعوديين مع ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني، وربعهم مع عملية اسرائيلية للقيام بذلك، وأكثر من الثلث مع تمويل المقاتلين المتطرفين في الخارج، ونحو 18% يؤيد القاعدة؛ وغالبية السعوديين يريدون انتخابات محلية، ويخشون التشدد الديني والفساد المالي

قياس اتجاهات الرأي العام في السعودية يتطلّب بعض الخدع للتغلب على الإنسدادات التي يفرضها أشد المجتمعات محافظة في الشرق الأوسط. إن مفهوم الرأي العام في دولة عالية السريّة كالسعودية يعتبر متناقضاً، فالحصول على معلومات صلبة يبدو صعباً، وماهو نادر للغاية هو معلومات حول القضايا الخلافية والاستراتيجية الخطيرة الجارية: النظرات حول العمل العسكري ضد إيران، الفساد، وحالة الحريات المدنية داخل المملكة، والتشدّد الديني والقاعدة، والتبرعات للمجاهدين الآخرين. وقد حصلت مجلة فورين بوليسي (في مقال نشر في 12 فبراير الماضي) على بعض المعلومات بالعمل مع نيو برينستون، وهي شركة تتخذ من ولاية نيو جيرسي مقراً لها، استطلاعات بيشتر الشرق الأوسط وفريق استطلاع اقليمي.

النتائج هي من النوع الذي يلفت الأنظار. فثلث الرأي العام السعودي يؤيّد ضربة عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني، وربعهم راغب بالقول بأنه يدعم عملية اسرائيلية. والغالبية العظمى من السعوديين يريدون انتخابات محلية، التي تم تأجيلها لمدة عامين. والغالبية العظمى تقول بأن الفساد والتشدّد الديني هي مشاكل خطيرة في البلاد. وفي الوقت نفسه، هناك 36 بالمئة يعتبرون التبرّع لتمويل (المجاهدين المسلّحين الذين يقاتلون في أماكن متفرّقة من العالم) بكونه (واجباً دينياً) ولكن نصف هؤلاء يعلنون عن دعمهم للقاعدة.

على أية حال، فإن ماهو مثير في ذلك كله، أنه ليست من القضايا الساخنة يحتل مكانة عالية في أجندة الناس بالقياس الى القضايا الاقتصادية. في واقع الأمر، أن الغالبية من المواطنين في البلد النفطي يضعون التضخّم، والبطالة، والفقر باعتبارها أولوية وطنية الأكثر أهمية في السعودية.

جمع هذه المعلومات للتوصل الى نتائج كان تحديّاً فريداً، ولكنه ليس مستحيلاً. فهناك مجموعتان من المصاعب العملية التي تحدّ مستطلعي الرأي العام من العمل في هذه المجتمع المحافظ والمقيّد بشدّة: القيود السياسية والثقافية، والتحديات التحليلية. من حسن الحظ، فبعد 25 سنة في هذا الحقل، تم تطوير بعض الخدع لجمع المعلومات في مجتمعات كهذه.

واحدة من الأدوات الثمينة الرائدة في هذه المنطقة خلال أزمة الخليج الثانية 1990 ـ 1991 هي حمل المسائل السياسية على استطلاع المنتج التجاري ـ حول السيارات، الشامبو، جمهور الاعلام، خطوط الطيران، كل شيء تقريباً. فمثل هذه الاستطلاعات هي الآن روتينية إلى حد ما في البلدان العربية، وأن هذه التقنية الإستطلاعية ذات الحدّين تحتفظ بسجل طويل وصلب. وهذه الاستراتيجية تنطوي على فائدة لتقليل بصورة كبيرة احتمالات تدخّل السلطات المحلية. وفي الوقت نفسه، لها قيمة إضافية بجعل المستطلَعين في وضع مريح بأسئلة تكسر الجليد قبل الإنتقال الى القضايا الاجتماعية والسياسية الحسّاسة.

أحياناً يكون الانتقال من موضوع الى آخر قد يكون مزعجاً إلى حد ما، ولكنه يمضي. وخلال منتصف التسعينيات، أي حين كنت، يقول معدّ الاستطلاع، أرصد استطلاعاً في قرية عربية، دخلنا في مسائل سياسية مباشرة جداً خاصاً باستطلاع تسويقي طويل المدى حول الألعاب البلاستيكية لشركة ليجوس. أحد المستطلَعين كان على قناعة بأن ثمة رابطة ما بين السياسة وليجوس وكان يلحّ في الطلب مني بشرح كيف أن الموضوعين مترابطان. لم أكن متأكداً ما إذا كنت قادراً على إقناعة بأنه لم يكن هناك في واقع الأمر رابطة ما، سوى توفير التكفلة والراحة من ربط موضوعين منفصلين تماماً في استطلاع واحد. مهما يكن، وحتى هذه المقابلة أنتجت ردود فعل ثرية فكرياً وصادقة بوضوح حيال كل الأسئلة الواردة في الطلب، سواء حول ليجوس أو السياسة.

استطلاعات الرأي عبر الهاتف، رغم كونها سهلة التنظيم، إلا أنه يتم النظر إليها بريبة في الشرق الأوسط. ولذلك يقلل من شأن مقابلات من هذا القبيل، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بقضايا خلافية. يلزم على من يجري المقابلات أن يكون من نفس المنطقة، ما يسمح لهم بالتموضع بسهولة في المجتمع، وأن يطمئن إلى أنه يستطلع آراء المواطنين السعوديين دون سواهم، وليس الملايين من العمال الوافدين من الناطقين باللغة العربية. أيضاً، فإن الأخذ بعين الاعتبار الإنقسامات على أساس الجنس (ذكر وأنثى) يبدو حيوياً: فالنساء تقابلن النساء، والرجال يقابلوا الرجال.

ظاهرة ثقافية سائدة أيضاً هي التردد الشائع بالإقرار بالجهل، حتى حول الأشياء الغامضة أو التافهة. ولذلك، حين تسأل ما اذا كان المستطلّعون مدركين لقضايا مختلفة، من المفيد تضمين الأسئلة أشياء غير حقيقية في القائمة، من أجل التوصل الى الحقيقة. في هذا الاستطلاع السعودي، 70 بالمئة من الرأي العام السعودي قالوا بأنهم على وعي بمجلس الشورى في البلاد، والمعيّن من قبل الملك، بأنه مجرد مجلس استشاري، ومن النادر أن يساهم في صنع أخبار حقيقية. في المقابل، كنت أتمنى أن أسأل سؤال (ضبط) للتحقق من صلاحية هذه النسبة.

في استطلاع تجاري جرى مؤخراً في مصر والأردن، على سبيل المثال، سألت ما اذا كانت بعض أسماء الماركات أميركية أم لا، وفبركت ماركة باسم (جورج للملابس الرياضية) ووضعتها في القائمة جنباً إلى جنب ماركات حقيقية مثل كريست لمعجون الأسنان، وزيروكس، ونيسكافيه. وبدا واضحاً، أن نصف المصريين والأردنيين عبّروا عن آرائهم حول ما اذا كان (جورج للملابس الرياضية) ماركة أميركية أم لا، بالرغم من كونها ماركة ليست موجودة على الإطلاق. وقد حصلت على نتائج مشابهة لأسئلة خيالية في اسرائيل أيضاً. الدرس المفيد الذي يمكن تعلّمه هو الحصول على نتائج مشابهة في هذه البلدان. لا أعرف على وجه الدقة لماذا يبدو مستطلعون في الولايات المتحدة وأوروبا مستعدين للاعتراف بأنهم لم يسمعوا مطلقاً بشيء كهذا، ولكن حين السؤال عن أمر آخر، فإنهم يعبّروا عن رأيهم على أية حال.

ترجمة الموضوعات قد ينجم أحياناً عن دلالات هامة. على سبيل المثال، في الاستطلاع السعودي الحالي، تم تقديم سؤال باللغة الانجليزية حول دعم (المجاهدين المسلّحين). وفي البداية، ظهر السؤال في اللغة العربية ناعماً (المجاهدين المسلمين)، ولكن تم تصحيح السؤال قبل طبع أسئلة الاستطلاع.

وحين يجري الكلام عن التحديات الفريدة لإنجاز استطلاع شعبي تمثيلي في السعودية، فإن الطرق المثالية يجب أن تنسجم مع الحقائق المحلية. في مجتمع تقليدي كهذا، وحيث أن استطلاعات الرأي نادرة، فإن قلة من الناس التي تم اختيارها بصورة عشوائية ستدعو شخصاً غريباً تماماً الى منازلهم والإجابة عن أسئلة غريبة، وبلا شك ستكون هناك نسبة أقل من النساء من ستقبل بفعل ذلك. وللإنصاف، فإن النتيجة هي استطلاع غير مكتمل، ولكنّه ممثل عن مراكز السكان الرئيسية ـ وهو في المحصلة أفضل بكثير من العمل التخميني، والنتف، والتنميطات التي غالباً ما تمرر لتحليلات الرأي العام السعودي.

الطريقة المبدئية التي تم تطبيقها في السعودية هي استعمال عينّات (هجينة). ولتحقيق ذلك، تم اختيار ما يقرب من 100 موقع بصورة عشوائية وتوزيعها بناء على الحجم السكاني. وفيما يقوم الإستطلاع المثالي على اختيار ملاّك البيوت تحديداً بصورة عشوائية، أرغمنا على القيام باستطلاع المستجيبن تأسيساً على (الإحالة/التوصية) أو نموذج (كرة الثلج). في كل موقع، يحيل أحد المستطلعين من يجري المقابلة الى منزل آخر، لم يخضع للمقابلة ـ ويجري ذلك بحيث أن الناس لا يستطيعون (اقتراح) آخرين يعتقدون بأنهم سيعطون الأجوبة (الصحيحة). وبدلاً عن ذلك، فإن شخصاً ما في البيت الثاني يحيل من يجري المقابلة الى بيت ثالث وهكذا. بهذه الطريقة يتم اختيار المستطلَع الآخر، وهذه المرة يكون أيضاً بطريقة عشوائية. هذه هي الطريقة العملية الوحيدة في المجتمع السعودي بالنسبة لأجنبي يقف خارج جدران المنازل العالية للقيام باستطلاع.

في إجراء الاستطلاع الأخير، قمنا بمضاعفة عدد المقابلات الى 1000 مقابلة ـ أي ضعف معدل استطلاعات عديدة للتأكد من أن استطلاعنا كان تمثيلياً. ولمزيد من الإطمئنان، تحققنا من ديمغرافية الاستطلاع (الجنس، العمر، التعليم، الطبقة الاجتماعية، الوظيفة) في مقابل الاحصائيات حول إجمالي السكان، وتعديل الأرقام في حال الضرورة. فتلك الإحصائيات يجب أن تكتشف من مئات الاستطلاعات السابقة لأن السعودية لا تعلن عن معلومات حول تعداد سكّاني تفصيلي.

بالإضافة إلى ذلك، ولأسباب لوجستية وعملية، فإن الاستطلاع هو مديني/حضري أكثر من كونه وطنياً. وقد جرى في ثلاث مناطق مدينية رئيسية: جدة، الرياض، الدمام/ الخبر، والتي تشمل المناطق الغربية، والوسطى والشرقية. وهذا يعني بأن هناك مناطق حضرية كبيرة الى حد ما قد تم إهمالها، بما في ذلك القلاع السنيّة الاصلية في مكة والمدينة في الغرب، والقصيم في الوسط. كما لم يشمل الاستطلاع منطقة القطيف ذات الكثافة الشيعية وما حولها في الشرق، التي لم تكن علاقاتها مع الغالبية السنيّة المهيمنة سلسة دائماً. فما نحن بصدده هنا هو استطلاع (القاطرة الرئيسية) للرأي العام السعودي.

فإلى أي حد يبدو ذلك مهماً، بالنظر الى أن السعودية ليست ديمقراطية حيث أن الرأي العام يمكن إطاحة الحكم أو حتى يؤثر على السياسة العامة؟ في الحقيقة هناك كثير من الحكومات العربية المستبدّة غير مكترثة، بنسب متفاوتة، حول السلوك الشعبي في مجتمعاتها. البعض، مثل مصر والأردن، يحتفظ بمستطلعي آراء رسميين ومنافسين لهذا السبب بالتحديد.

وحين يأتي الحديث عن القضايا الحساسة ذات العلاقة بالأمن الداخلي أو الخارجي، فإن الحكومات العربية تنزع نحو تجاوز الرأي العام. فخلال العقد الماضي، حافظت هذه الحكومات (السعودية ومصر والأردن) على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، بالرغم من أن استطلاعات الرأي أثبتت بأن حرب العراق حوّلت المشاعر الشعبية إلى اتجاه مناهضة الأميركيين بصورة حادة. الحكومة السعودية أبدت حتى الآن شهيّة ضعيفة لمكافحة جادة للفساد، بالرغم من أن الاستطلاعات تكشف بأن معظم الرأي العام يرى بأنه ـ أي الفساد ـ يعتبر مشكلة خطيرة. وقد تبنت مصر والأردن مواقف خشنة إزاء حماس، بالرغم من أن استطلاعات الرأي تشير الى أن المجموعة ـ أي حماس ـ مازالت تتمتع بشعبية (وإن كان أقل من السابق) في هذين البلدين.

بكلمات أخرى، فإن معظم الحكومات العربية تتعامل بصورة دائمة مع شعبيتها. وحين لا يكون هناك إمكانية لتجاوز الخيار والحسم، فإن الحذر غالباً ينتصر. على أية حال، فإن حاصل السياسة الدقيقة، هو غالباً خليط مبعثر من أمرين: الحذر والشعبية ـ على سبيل المثال، التعاون الحذر مع واشنطن، التلطي وراء إعلام رسمي وشبه رسمي مناهض للأميركيين. تحليل الرأي العام، حتى في هذه الدول المستبدة، هو الخطوة الأولى لاستكشاف احتمالية أن تكون قرارات السياسة العربية حاسمة أو فوضوية.

ماذا يريد السعوديون؟

كتبت ديفيد بولوك في (فورين بوليسي ـ السياسة الخارجية) في 12 فبراير مقالاً في ضوء نتائج الاستطلاع السابق بعنوان (ماذا يريد السعوديون)، قال فيه: إنه الإقتصاد يا أحمق. إنه الإقتصاد، لا الإسلام أو إيران أو إسرائيل ما ينظر إليه بصورة واسعة باعتباره الأولوية الوطنية العليا. فهناك 40 بالمئة قالوا بأن وضعهم الاقتصادي الشخصي ازداد سوءً في العام 2009، فيما قال نحو 36 بالمئة بأن وضعهم تحسّن. وهناك ربع من يتوقع الأفضل في العام 2010.

وحول الدور الأميركي، سئل المستطلَعون عما يجب على الولايات المتحدة فعله في المنطقة، فإن المساعدة الاقتصادية والتقنية إحتلّت المركز الأول، حيث نالت 30 بالمئة من الاجابات. أما تشجيع الديمقراطية فتراجع الى حد بعيد، أي 9 بالمئة فقط.

وبشأن اتجاه البلاد، فبالرغم من المخاوف الإقتصادية، فإن السعوديين راضون نسبياً حول اتجاه البلاد، فبينما قال 54 بأنها تسير في الإتجاه الصحيح، قال 39 بالمئة بأنها تسير في الإتجاه الخاطىء. وقال بولوك بأن 59 بالمئة من الشباب يشعرون بأن السعودية كانت تسير في الاتجاه الصحيح. المقيمون في الرياض والدمام/ الخبر هم أيضاً الى حد ما يميلون الى هذا الرأي أكثر من نظرائهم في جدة.

الفساد: هناك نسبة عالية بصورة صادمة من السعوديين يذكرون الفساد، في الإجابة على سؤال مفتوح حول التحدي الضاغط في البلاد. وهناك كثيرون ذكروا التضخم والبطالة. في هذا الموضوع، تقول الغالبيات الكبيرة بأن الفساد هو مشكلة وطنية خطيرة (74 بالمئة في الرياض)، (85 بالمئة في الدمام/ الخبر)، ولكن في جدة تنخفض النسبة، دونما أسباب قابلة للشرح، الى 42 بالمئة فحسب.

الصفحة السابقة