تقرير أمريكي:

أوباما يغطي انتهاك الحريات الدينية في السعودية

توفيق العباد

ذكرت اللجنة الأميركية للحرية الدينية الدولية بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما خفّف من موقفه حول حماية حق الاعتقاد للأفراد في وقت يتزايد فيه الاضهاد الديني، بحسب التقرير الصادر في 29 إبريل الماضي. ويضيف التقرير السنوي الحادي عشر الصادر عن اللجنة بأن دعوة أوباما الأخيرة للدول باحترام (حرية العبادة) بدلاً من (الحرية الدينية) تسمح للأنظمة بالإدعاء بأنها لا تضطهد أدياناً محددة، إذا ما كانت هذه الأديان في هيئة مقبولة بالنسبة للنظام. ويقول ليونارد ليو، رئيس اللجنة، لصحيفة (يو إس أيه توداي) (حين تبدأ بتضييق النقاش، فإن الإدارة تبعث برسالة الى المجتمع الدولي بأنه طالما يقوم بدعم بعض الكنائس ودور العبادة (لأديان الأقلية)، فلن تكون هناك مشكلة).

وانتقد التقرير إدارة أوباما بسبب فشلها في تعيين سفير للحرية الدينية. وموقع السفير المفوّض تابع لوزارة الخارجية وكان من مقتضيات قانون 1998 الذي يجعل من الحرية الدينية هدفاً للدبلوماسية الأميركية. الجدير بالذكر أن الهيئة تأسست لمراقبة الحريات الدينية وإصدار تقرير سنوي ضمن جهود الولايات المتحدة في هذا المجال. ويتم تعيين أعضاء اللجنة من قبل الكونغرس والبيت الأبيض. وتقدّم اللجنة توصيات حول البلدان التي يجب أن توضع تحت عنوان (بلدان ذات قلق خاص) بسبب انتهاكاتها الصارخة وتقترح عقوبات لذلك.

وقد وضعت السعودية، من بين الـ 13 بلداً التي حدّدتها وزارة الخارجية الأميركية باعتبارها بلدان تمارس انتهاكات صارخة في مجال الحريات الدينية وأنها (بلدان ذات قلق خاص). وهذا التحديد يستوجب من الإدارة النظر في فرض عقوبات ضد هذه الدول.

ولحظ التقرير السنوي الصادر هذا العام بأن أوباما تحدّث عن أهمية الحرية الدينية في خطاباته في تركيا والقاهرة في بداية عهده. ولكن منذاك، توقّف عن استعمال مصطلح (الحرية الدينية)، حسب التقرير. وقد عارض البيت الأبيض هذه الاتهامات وقال تومي فيتور، الناطق بإسم البيت الأبيض (أن الرئيس تحدّث بوضوح وبطريقة لا تقبل الريب حول دعمه للحرية الدينية).

ويقول ستيفن جروف، المحلل في (مؤسسة التراث ـ هيرتيج فونديشن)، وهو عضو محافظ يعمل في أحد مؤسسات التفكير في واشنطن، بأن التغيير في العبارة يثير سؤالاً حول التزام الإدارة بمواجهة أنظمة في الشرق الأوسط وأماكن أخرى. ويضيف قائلاً، بأن (مصطلح الحرية الدينية يحمل معه فهماً محدداً في المجتمع الدولي، وهو على ذلك الأساس حق أوسع بكثير من حرية العبادة).

الجدير بالذكر، أن تقرير اللجنة وجّه صفعة للدول المدعومة من قبل الولايات المتحدة، مثل العراق وباكستان والسعودية بسبب فشلها في حماية أفراد الأقليات الدينية الذين تم استهدافهم بالعنف والتمييز.

في إبريل 2009، قال أوباما في خطاب له في العاصمة التركية أنقره: (إن الحرية الدينية وحرية التعبير يقودان الى مجتمع مدني قوي وحيوي وهذا فحسب يقوّي الدولة). ولكن في خطاباته اللاحقة في الصين واليابان، بدا أوباما وكأنه يتراجع برؤيته حول الحرية الدينية، بحسب التقرير، الذي أحال الى خطبته في اليابان في 14 نوفمبر من العام الماضي باستعماله مصطلح (حرية العبادة)، ثم أعاد استعمال ذات العبارة في اجتماع صالة اللقاءات بطلبة صينيين بعد يومين من خطابه في اليابان.

التقرير إنتقد أيضاً الإدارتين السابقة والحالية في واشنطن بعمل القليل جداً لجعل الحقوق الدينية الأساسية عالمية، وهذا كان الهدف لقرار الكونغرس الذي أسس اللجنة الأميركية للحقوق الدينية الدولية في العام 1998. فاللجنة تحقّق في أوضاع ما تصفه (البقع الساخنة) ، حيث تواجه الحرية الدينية الخطر. وأن عمل اللجنة هو اقتراح سياسات للحكومة الأميركية لتحسين الأوضاع.

رغم أن الحرية الدينية تعتبر موضوعاً ثانوياً في السياسة الخارجية الأميركية، وهو ما تسعى بعض اللجان الحقوقية الى تحويله إلى قضية رئيسية، فإن هناك من يرى بأن ثمة نقطة على درجة كبيرة من الاهمية حين يتم ربط موضوع الحريات الدينية بالأمن القومي، وهذا من شأنه تشجيع الإدارة الأميركية على وضعه على قائمة أولويات السياسة الخارجية، وإرغام الدول الحليفة على الالتزام بمعايير الحرية الدينية الدولية. يبدي التقرير أسفه لأن الإدارتين الأخيرتين في البيت الأبيض لم تقم بما يجب لوقف الانتهاكات المتواصلة والمتصاعدة في مجال الحرية الدينية. ويذكر التقرير بأن حتى هذا الموضوع الثانوي ينكمش عاماً بعد آخر بالنسبة للبيت الأبيض ووزارة الخارجية.

التدابير الأميركية السارية حالياً ضد ثمان دول يذكرها التقرير بما يشمل الحصار الإقتصادي، والذي غالباً ما يكون في قائمة العقوبات، وحرمان هذه الدول من المساعدة العسكرية والمالية. العقوبات على السعودية تم تأجيلها لأمد غير محدود، فيما حصلت أوزباكستان على 180 يوماً من التأجيل الذي لايزال سارياً.

الجدير بالذكر أن إدارة الرئيس باراك أوباما لم تقبل بصورة رسمية حيثيات العام 2009 أو تسمية بلدان محددة باعتبارها منتهكة للحقوق الدينية، وكذلك الحال بالنسبة لإدارة الأميركية السابقة برئاسة جورج بوش الإبن في الفترة ما بين نوفمبر 2006 ـ يناير 2009.

التقريرالصادر في 29 إبريل الماضي وصف المخالفات في مجال الحرية الدينية في السعودية بأنها (منظّمة، فظيعة، ومتواصلة) بالرغم من الاصلاحات المحدودة التي قام بها الملك عبد الله.

يقول رئيس اللجنة، ليونارد ليو، في تصريح حول زياراته لـ (البقع الساخنة) بأنه لاحظ (أوضاعاً) حيث الحرية الدينية معوّقة، وأن الاوضاع ذات الصلة بحقوق الإنسان بالغة السوء. ويقول ليو بأن التقرير يقترح حلولاً هامة للسياسة الخارجية التي يستوجب تنفيذها. وأن نتيجة التقرير واضحة وعلى الإدارة عمل الكثير.

المطيف.. أبرز المعتقلين الدينيين في العالم

وفي بيان عاجل صدر عن اللجنة الأميركية الحرية الدينية الدولية في 25 مارس الماضي بخصوص هادي المطيف، الذي مازال معتقلاً منذ العام 1993. وجاء في البيان أنه عشية الذكرى السنوية الأولى لتعيين إبنه حاكم منطقة نجران، يلزم على الملك عبد الله إصدار أمر إفراج فوري عن هادي المطيف، أحد أطول المعتقلين الدينيين في العالم، بحسب تقرير اللجنة الأميركية للحرية الدينية الدولية.

المطيف، وهو مسلم من الطائفة الإسماعيلية من نجران جنوب غرب المملكة، لا يزال في السجن لأكثر من 16 عام على خلفية مدوّنات عفوية (إرتجالية) قام بها في سن المراهقة العام 1993 والتي وصفت بأنها زندقة وإلحاد من قبل محكمة سعودية. وفي العام 1996 حكم عليه بالاعدام بتهمة الإرتداد، بالرغم من أن حقيقة كونه لا يزال مسلماً. المحامون والخبراء المطّلعون عن قرب على القضية قالوا بأن القاضي كان منحازاً ضد المسلمين الاسماعيليين وأن محاكمة السيد المطيف كانت غير عادلة وغير شفّافة. وكان المطيف قد ذكر بأنه تعرّض لتعذيب جسدي وسوء معاملة خلال السنوات الستة عشر من اعتقاله.

وبموجب تفسير الحكومة السعودية للشريعة الإسلامية، فإن العقوبات الجنائية قد تطبّق ضد الأفراد بتهمة القذف، والتشهير، والذم، والهجوم، والتشوية، والانتقاص، والزندقة ضد الاسلام، والتي غالباً ما تفضي الى انتهاكات حقوق الانسان الأساسية.

وتعتبر هذه القضية كلاسيكية حيث يتم استهداف عضو في أقلية دينية غير مرغوبة من قبل السلطات، ويتعرض على أساسها لعقوبة مفرطة في قساوتها من قبل النظام القضائي المتصدّع، بحسب رئيس اللجنة ليونارد ليو. ويضيف ليو بأنه (بالرغم من ذلك، فقد كانت هناك عدّة حالات خلال السنوات الماضية حيث أصدر الملك عبد الله عفواً عن أفراد متّهمين بالردة والزندقة، وأن قضية السيد المطيف هي من سنخ تلك الحالات ولايجب أن تكون الحال مختلفة).

وتشعر كثير من المنظمات الحقوقية والجماعات الدينية التي تتعرض للإضطهاد الديني والتمييز على قاعدة دينية بأن السعودية، شأن أنظمة أخرى في العالم، قد توصّلت الى قناعة بأنها ستكون في مأمن من أية عقوبات اقتصادية أو عسكرية على خلفية انتهاكها لحقوق الانسان، ولأن بإمكانها أن تعالج الانتقادات الموجّهة لسجلها في مجال حقوق الانسان والحرية الدينية عن طريق القنوات الدبلوماسية والروابط الاقتصادية والاستراتيجية الوثيقة مع كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية. وهذا ما يجعل التطمينات التي حصلت عليها لجنة الحرية الدينية غير ذات جدوى، بالرغم من صدور تلك التطمينات من شخصيات رفيعة المستوى في الحكومة السعودية.

ما يزيد في خشية المنظمات الحقوقية، بما فيهم اللجنة الأميركية للحرية الدينية الدولية، أن تغيير المصطلحات في خطاب الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما يبعث رسالة خاطئة الى بعض الأنظمة ما يجعلها قادرة على انتهاك حقوق الأفراد من الأقليات الدينية الأخرى غير المرغوبة من قبل الأنظمة، ما يعفي الإدارة الأميركية من أي تبعات تتعلّق بدول حليفة لها، باعتبار أن ما تقوم به لا يندرج في خانة انتهاك (الحرية الدينية).

وفي نوفمبر 2008، عزل الملك عبد الله حكم نجران، وعيّن في 26 مارس 2009 إبنه الأمير مشعل، حاكماً على منطقة نجران، حيث لا يزال السيد المطيف معتقلاً في أحد سجونها. وكانت تقارير سابقة ذكرت بأن الحاكم السابق كان يمارس تمييزاً بدرجة كبيرة حيال المسلمين الإسماعيليين. وأن غالبية ما يقرب من مليون مسلم إسماعيلي في السعودية تعيش في منطقة نجران.

وفي أغسطس الماضي، أمر الملك عبد الله بالإفراج عن 17 مسلم إسماعيلي في نجران والذين تم اعتقالهم بصورة غير عادلة لما يقرب من عشر سنوات. بالإضافة الى ذلك، فإن الناشط الاسماعيلي أحمد تركي آل صعب، قد تم الإفراج عنه في سبتمبر بعد أن أمضى 18 شهراً في السجن بتهمة توزيع عريضة في مايو 2008 تطالب بإزالة الحاكم السابق لمنطقة نجران.

ورغم ذلك، تم الحكم على المطيف في سبتمبر 2009 بإمضاء خمس سنوات أخرى في السجن حين تم تسريب شريط فيديو من داخل السجن وبثّه على مواقع الإنترنت ومحطات تلفزيون أجنبية. وبحسب ما جاء في شريط الفيدو، وجّه السيد المطيف إنتقادات للنظام القضائي السعودي والسجل البائس لحقوق الإنسان في هذا البلد.

وقد توصّلت اللجنة الأميركية للحرية الدينية الدولية، والخارجية الأميركية، ومجموعات حقوق الإنسان الدولية الى أن المسلمين الإسماعيليين يعانون تمييزاً ومعاملة سيئة وقاسية من قبل السلطات السعودية.

وفي حال أراد الملك عبد الله أن يتم النظر إليه بصورة جديّة بكونه متعهّداً بالتسامح الديني على المسرح الدولي، فإن عليه ابتداءً أن يقوم بخطوات لقيادة المركب في وطنه، بحسب المقرر إمام طلال عيد، طالباً بالافراج عن السيد المطيف والذي وصفه بأنه (خطوة صغيرة في الإتّجاه الصحيح).

وكانت لجنة الحرية الدينية التابعة للكونغرس قد أثارت قضية المطيف لسنوات عديدة. وفي زيارة لأعضائها للمملكة خلال عام 2007، تم إبلاغ اللجنة من قبل مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة السعودية بأن قضية المطيف سيتم حلها قريباً. ولكن بعد مرور ثلاث سنوات من تلك التطمينات، لا يزال السيد المطيف في المعتقل، حيث يمضي معظم الوقت في زنزانة انفرادية. وقد حاول السيد المطيف، بحسب بيان اللجنة، الانتحار، وأن صحته النفسية والجسدية تبقى مصدر قلق جدي.

ويعلّق البيان: السعودية تعتبر واحدة من أسوأ المسيئين لحقوق الانسان والحرية الدينية في العالم، ومنذ العام 2004، تم تسميتها من قبل وزارة الخارجية بأنها (بلد ذات قلق جدي) بسبب الانتهاكات المتواصلة، والمنظّمة، والفضيعة للحرية الدينية.

الصفحة السابقة