العائلة الشاملة!

محمد السباعي

تحقّق العائلة المالكة صفة الشمولية، وتضع بصمة لها في كل مجالات الحياة، بحيث تصبح العائلة النموذجية التي تستوعب الحياة بكل أبعادها. فمنها يخرج الحاكم والتاجر والطيّار المدني والحربي والعالم (الفضائي) والمقاتل والبطل وحتى المعارضة لم تسلم من أطماع العائلة المالكة، فقد خرج علينا قديماً وحديثاً أمراء حملوا لواء المعارضة، وزايدوا على المعارضين المعتّقين في المطالبة بتغيير النظام السياسي، والدعوة الى دستور وطني، وتوزيع الثروة وتحقيق المساواة، وإرساء مبدأ العدالة الاجتماعية.

مسلسل الشمولية يجري على قدم وساق، وأخيراً برز علينا أمير ـ بطل إعلاني. فقد نشرت صحيفة (دايلي تلجراف) البريطانية في موقعها على شبكة الانترنت في 10 إبريل الماضي تقريراً بعنوان (أمير سعودي يظهر في إعلان لهاتف محمول)، تتحدث فيه عن الضجة الكبيرة التي تسبب بها ظهور الأمير عبد الله بن متعب، حفيد الملك عبد الله بن عبد العزيز، في إعلان تلفزيوني تجاري.

يقول تقرير الديلي تلجراف إن ظهور الأمير الشاب بدور البطولة في الإعلان للترويج لهاتف محمول جديد لصالح شركة (اتحادات اتصالات) (موبايلي)، وهي ثاني أكبر شركة للهواتف المحمولة في السعودية، قد أثار الدهشة والاستغراب، وأطلق جدلاً واسعاً بين الدبلوماسيين والمواطنين السعوديين العاديين على حد سواء.

ويضيف التقرير قائلاً إن الجدل تركز حول ما قد يحمله ظهور الأمير، وهو فارس يشارك في بطولات قفز الحواجز، في الإعلان من معانٍ وتأويلات بشأن دور الأسرة السعودية المالكة، والتي طالما عُرف عنها التكتُّم والسريَّة حول قضاياها وأمورها الخاصة.

حفيد الملك في الدعاية

لماذا حفيد الملك؟

ينقل التقرير عن دبلوماسي غربي يقيم في العاصمة السعودية الرياض تساؤله باستغراب بشأن الحدث: (تُرى، لماذا يظهر الأمير في إعلان تلفزيوني؟ ولماذا يجب أن يكون من يظهر هو حفيد الملك، وليس شخصا آخر؟). لكن الصحيفة تنقل عن آخرين قولهم إن الإعلان يسلِّط الضوء على التغييرات التي بدأت تطرأ على الأسرة المالكة في السعودية خلال السنوات القليلة الماضية، إذ أصبحت العائلة أكبر حجماً وأكثر شباباً.

يتابع التقرير قائلا إن العائلة المالكة في السعودية باتت تضم الآن عدة آلاف من الأمراء من نسل مؤسس المملكة عبد العزيز آل سعود الذي توفي في عام 1953. وتنقل الصحيفة عن أحد المحللين السعوديين قوله عن أفراد الأسرة المالكة: (لقد بدأوا يقتربون أكثر فأكثر من العامَّة، إذ بات عدد الأمراء الشباب يفوق بكثير عدد الآباء في العائلة المالكة التي أخذت المظاهر البرجوازية تطغى على نمط حياة أفرادها). ويضيف المحلل السعودي قائلا: (تصبح الأسرة المالكة جزءا من النخبة السعودية، وذلك سواء أكان ذلك من خلال مشاركتهم في الحياة الاقتصادية، أم في العمل الخيري).

وتذكِّر الصحيفة في تقريرها بأن الملك عبد الله بن عبد العزيز كان قد أعلن مرارا عن التزامه بتحديث المملكة عبر إدخال إصلاحات سياسية واقتصادية، وإن كان قد أجرى أيضا في عام 2006 إصلاحاً على النظام الملكي نفسه عبر إنشائه لمجلس العائلة المالكة، والذي أُنيط به أمر تعيين ولاة العهد والملوك في المستقبل.

ويحصل معظم الامراء السعوديين على رواتب من ميزانية الدولة بالرغم من أن الملك عبد الله سعى لخفض هذا عندما كان ولياً للعهد. ويشغل كثير من الأمراء مناصب عليا سواء في الحكومة أو في الجيش في حين أن كثيرين آخرين منهم رجال أعمال.

ويظهر في الإعلان الأمير وهو يقوم بالاعتناء بجواده بينما يتحدث صوت قائلاً (في عالم مليء بالتحديات يقودنا شغف لنكون في المقدمة وهكذا نحن في موبايلي). ثم يقفز الأمير بجواده فوق حاجز.

وقال حمود غبيني نائب رئيس موبايلي ان الشركة عرضت رعاية الامير لانه فارس ناجح لكنها لم تكن تتوقع أن يقبل الاقتراح.

وقال غبيني (هذه هي أول مرة يظهر أمير سعودي على إعلان تجاري.. نحن لم نحتضنه ولم ننتج هذا الاعلان لأنه أمير. سبق لنا أن احتضنا فرق كرة قدم والعديد من الهيئات الرياضية وحتى المدارس قبل أن نتّصل بصاحب السمو الملكي).

انتهى خبر الصحيفة، ولكن لم تنته التعليقات الساخرة من وجود أمير في اعلان تجاري، فقد أسهبت المواقع الحوارية على الشبكة العنكبوتية في اطلاق تعليقات جادة وساخرة حول الأدوار التي يلعبها الأمراء في الحياة العامة، بما يرمز الى التغلغل الواسع النطاق للعائلة المالكة في المجال العام. أحد المعلّقين ذكر بأن زيادة حجم العائلة المالكة زاد من حدّة التنافس داخلها بحيث بات الأمراء يتسابقون في الوصول الى المجالات الواعدة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، ولا يستبعد بروز أمراء يتسنّمون مهام فكرية، فنرى الأمير المفكر..وكل أمير بالذي فيه ينضح.

الصفحة السابقة