البلد المنهوب!

سخاء في الخارج.. وكوارث في الداخل!

محمد فلالي

في زيارة الملك عبد الله الى البحرين في 18 إبريل الماضي، أعلن عن قيام مدينة طبية بإسمه بقيمة مليار ريال. نبأ بقدر ما يثير آراء متضاربة، كون المساعدات للدول الشقيقة واجباً دينياً وإنسانياً وأخلاقياً من جهة، ولكنّها في
المقابل مساعدات قد تنطوي على أغراض أخرى مخالفة. ردود فعل روّاد المواقع الحوارية، بما فيها المقرّبة من الحكومة لم تكن إيجابية في الغالب، خصوصاً أولئك الذين نظروا الى مشروع المدينة الطبية من زاوية تردي الخدمات الصحية المحلية. لم يكن الملك عبد الله مدفوعاً بالمثل الديني (الجار ثم الدار)، بل وليس ما هو أدنى من ذلك مرتبة (الدار ثم الجار)، فقد سبق وأن قدّم الملك هدية أخرى للأردن ببناء مدينة سكنية كاملة، فيما كان مشروع بناء مليون وحدة سكنية الذي أطلقه في العام 2003 لم يبصر النور، بل لم يبدأ بعد، ولن يبدأ!

مطالعة في ما كتبته الصحف المحلية حول الأوضاع المعيشية والاقتصادية تكفي للسؤال عن جدوى التريليون ريال الذي يراد استثمارها مع الولايات المتحدة، وعن مصير المشاريع الإنسانية الطبية والسكنية. معطيات صادمة عن المشكلات المزمنة والملحّة التي كان الجميع يأمل في أن تكون على أجندة العائلة المالكة من أجل وضع حلول حاسمة لها، خصوصاً بعد أن توافرت عائدات مالية ضخمة لدى الدولة.

في مقالته عن معدلات البطالة واستمرارها، كتب د. عبد الله الفوزان في صحيفة (الوطن) في 24 إبريل الماضي مقالاً بعنوان (مازالت البطالة تجثم على صدور شبابنا يا سمو ولي العهد). وفيما يشبه النداء الى الأمير سلطان الذي وعد قبل خمس سنوات بإيجاد برامج ستوفر الفرض الوظيفية للشباب. الأمير سلطان المعروف بـ (أبو الكلام)، زفّ البشرى بنهاية البطالة في هذا البلد في أكثر من مناسبة، وأكّد، كما هي عادته غير الكريمة، بأنه (خلال خمس سنوات لن يبقى لدينا عاطل بإذن الله).

ومن يراقب مسلسل الوعود التي يطلقها الأمير سلطان، يدرك تماماً بأن الجداول الزمنية ليست واردة بحال في تفكير (أبو الكلام)، ولطالما وعد بأمور أخرى خلال فترة زمنية ولكنها انتهت إلى المجهول. فيما يرتبط بمشكلة البطالة، جاء في بشارة الأمير سلطان أن ثمة خططاً وبرامج بل، حسب اعتقاد الفوزان، إنها تتمثل في (تلك المدن الاقتصادية التي خططت لها وأشرفت على تنفيذها الهيئة العامة للاستثمار ومازالت كذلك، وكذلك في الاستراتيجية العامة للسياحة التي صدرت بقرار من مجلس الوزراء منذ خمس سنوات، وكذلك في المشروعات التعليمية التي بدأنا التوسع فيها عبر المؤسسة العامة للتعليم الفني وهي كليات التقني..) على أساس أن توفّر هذه المشاريع مئات الآلاف من الفرص الوظيفية.

وبحساب المشاريع كانت بشارة من هيئة الاستثمار بتوفير مائة وخمسين ألف (150000) فرصة عمل سنوياً، أما استراتيجية السياحة الصادرة بقرار من مجلس الوزراء، فوعدت بتوفير ما يربو عن مليوني فرصة عمل خلال عشرين عاماً، إضافة الى افتتاح خمس كليات سياحة كل سنتين.

ولكن النتيجة جاءت مخالفة للوعود، بل ثمة ما يبعث على خيبة الأمل من كل وعود الأمراء وخصوصاً (أبو الكلام). فقد مضت خمس السنوات العجاف الذي وعد بها الأمير سلطان لحل مشكلة البطالة. مصلحة الاحصاءات العامة جاءت بأرقام صادمة، رغم أنها لا تقول الحقيقة كاملة عن أرقام البطالة، فقد نشرت الصحف المحلية في 22 و23 إبريل الماضي أرقام مفزعة عن حجم البطالة، فقد بلغ عدد العاطلين والعاطلات (448547) أي إلى ما يقارب نصف مليون عاطل بما يمثل 10.5% من قوة العمل في المملكة منهم 44% من الجامعيين والجامعيات و39.9% من الحاصلين والحاصلات على الثانوية العامة وإن 89% منهم في العمر الحرج أي ما بين 24 إلى 29 عاماً.

يستدرك الفوزان بالقول (الأكثر غرابة من هذا أن تلك البرامج والخطط (السرابية) التي وضعها فريقنا الاقتصادي لم تكن فقط تعد باستيعاب شبابنا ومعالجة البطالة، ولم تكن تعد فقط بعدم بقاء مواطنين بلا عمل، بل كانت تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، فقد قال الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز في مقابلة أجرتها معه صحيفة الوطن منذ خمس سنوات تقريباً أي خلال تلك الفترة التي كان فيها فريقنا الاقتصادي يفرش طريقنا بالورود، قال الأمير سلطان في المقابلة ما معناه أنه فهم مما بلغه من ولاة الأمور أنه خلال السنوات القادمة ليس فقط لن يبقى عندنا مواطنون بلا عمل، بل إننا لكثرة ما سيتوفر لدينا من الفرص الوظيفية لن نستطيع سد احتياجاتنا من القوى العاملة حتى من الخارج).

إذاً، هكذا هي وعود (أبو الكلام) الذي إذا وعد، وفى بعكسه تماماً ودائماً. يعلّق الفوزان على التقرير الذي قدمه محافظ الهيئة العامة للاستثمار الأستاذ عمرو الدباغ للأمير سلطان عن إنجازات الهيئة خلال السنوات الخمس الماضية الذي ورد فيه أن المملكة استقطبت بجهود الهيئة استثمارات أجنبية تصل إلى 143 مليار ريال وأن تلك الاستثمارات أسهمت في إيجاد 335 ألف فرصة عمل وصلت نسبة السعودة فيها إلى 27 بالمئة علاوة على ما حققته الهيئة من تطور في إنشاء المدن الاقتصادية في المملكة.

وللمواطن تخيّل مصير فرص العمل من وراء استثمار تريليون ريال مع الولايات المتحدة. ويقدّم تقرير الهيئة العامة للاستثمار التي هي طرف رئيسي في المشاريع الاستثمارية بين المملكة وأمريكا، دليلاً دامغاً على أن معاجلة مشكلة البطالة تأتي في أدنى هموم المملكة. فقد بشّر رئيس الهيئة الدباغ، نيابة عن الأمير سلطان، بأن هيئته ستعمل على توفير (150) ألف فرصة عمل سنوياً. يعلّق الفوزان (أي أن الفرص التي يفترض أن الاستثمارات التي جاءت عن طريق الهيئة قد وفرت خلال السنوات الخمس التي شملها تقرير الهيئة ما يزيد على سبعمئة ألف فرصة عمل وليس فقط ثلاثمئة ألف، ثم إن كثيراً من الاستثمارات التي شملتها الـ143 ملياراً التي شملها تقرير الهيئة كانت في مشاريع بتروكيماوية، أي أن الغاز الرخيص الذي تقدمه المملكة لتلك المشروعات هو الذي اجتذب تلك الاستثمارات، كما أن هناك جزءاً من تلك المليارات كان أصلاً موجوداً في المملكة في مشاريع مشتركة مع مواطنين ونظام الهيئة هو الذي جعل أصحاب تلك الاستثمارات ينفصلون عن الشراكة مع المواطنين ويستقلون بمشروعاتهم).

والسؤال: (ما هو حجم الاستثمارات التي استقطبتها المملكة بجهود الهيئة مما لم يستقطبه الغاز الرخيص ولم يكن موجوداً أصلاً في شراكة مع مواطنين)؟

ويخلص الفوزان من قراءة النتائج الصادمة لحجم الاستثمارات وارتفاع معدّلات البطالة (الخلل لا يكمن في قلة فرص العمل بل يكمن في مجتمع يتواجد لديه ما يزيد على السبعة ملايين غالبيتهم يعملون في الفرص المتوفرة لديه وقد يكونون أكثر من حجم قوة العمل أصلاً ومع ذلك يعاني شبابه من البطالة القاتلة... هذا أمر مضحك.. وشر البلية ما يضحك).

في مقالة بجزئين للدكتور أنور أبو العلا في صحيفة (الرياض) في 24 إبريل الماضي بعنوان (السعوديون أقلية في بلادهم ـ حتى أنت ياهيئة الاستثمارات!)، جاء في الجزء الأول منه تعليق على ما وصف بـ (انجازات هيئة الاستثمارات العامة)، والذي نشرته الصحف المحلية نقلاً عن وكالة الأنباء السعودية بعنوان (المملكة نجحت في استقطاب استثمارات أجنبية تصل الى 143 مليارا.. أوجدت 335 ألف وظيفة). لم يكن، والحال هذه، الحديث عن انجازات بقدر ما كان حديثاً عن اخفاقات مفزعة، على الأقل هكذا نظر إليه المراقبون والخبراء الاقتصاديون.

قام أبو العلا بتحليل أو بالأحرى إعادة بناء المعطيات التي قدّمتها هيئة الاستثمارات، من أجل التحقق من دعوى (الإنجازات). يقول (فهمت - في الوهلة الأولى - أن الـ 143 مليار تم تدويرها في داخل المملكة وأن الـ 335 ألف وظيفة التي نجحت هيئة الاستثمارات في ايجادها هي للسعوديين.. تبيّن لي عند متابعة تفاصيل الخبر أن نصيب السعوديين من هذه الوظائف هو 27 % فقط وهذا يعني أن نصيب الأجانب منها هو 73 % أي إن 250 ألف وظيفة من الوظائف التي تفخر هيئة الاستثمارات بإيجادها قد تم حجزها مسبقاً لتلائم استقدام العمالة من الخارج وهذا يجعلها تستحق أن تنال لقبا ثالثا (فات على واس أن تضيفه لإنجازات الهيئة) وهو أن المملكة حققت الترتيب الأول في ايجاد وظائف لتشغيل العاطلين في بلاد العالم وليس فقط تحقيق الترتيب الثالث عشر في العالم في استقطابها للاستثمارات الأجنبية).

يعلّق أبو العلا على هذه المعطيات بالقول (واضح للعيان - كوضوح الشمس في رابعة الضحى - أن من بين كل أربع وظائف تفتخر هيئة الاستثمارات العامة أنها نجحت في ايجادها ستخصّص وظيفة واحدة للسعوديين وثلاث وظائف منها محجوزة للاستقدام من الخارج وبمعنى أكثر وضوحاً أن مبلغ الـ 143 ملياراً الذي استقطبته الاستثمارات الأجنبية بيدها اليمين الى داخل المملكة ستخرجه العمالة الأجنبية بيدها اليسار الى خارج المملكة).

يناقش أبو العلاء برنامج السعودة في ضوء الخطط التنموية الخمسية، ويرى بأن اللوم في تحديد نسب السعودة لا يقع فقط على صندوق الموارد البشرية وبنك التسليف وهيئة الاستثمارات العامة، والتي يرى بأنهم (مجرد أربع حلقات ضمن حلقات أخرى في سلسلة طويلة من الإجراءات التي تم استغلالها (لكثرة ثغرات التنفيذ وتجاهل معالجتها في خطط التنمية) كوسائل للاستقدام وتحويل السعوديين تدريجاً الى أقلية في داخل بلادهم. يذكر أن أهداف خطة التنمية التاسعة الثلاثة عشر ليس من بينها ابطاء معدلات سرعة تحول تركيبة السكان في داخل المملكة الى عولمة المجتمع.

ويخلص أبو العلاء الى أن كلمة المستدامة الواردة ضمن الأهداف العامة للخطة التاسعة مرتين (الهدف الثالث والهدف العاشر) كديكور انشائي ولكن الحقيقة أنه (من المستحيل تحقيق الاستدامة في اقتصاد أي دولة من دول العالم من غير توطين عنصر العمل الذي هو أهم عنصر بين عناصر انتاج الناتج (أو الدخل) القومي).



الصفحة السابقة