ليست (غير راغبة) بل (غير قادرة) على القيام بدور

المملكة وسياسة أهل القبور

خالد شبكشي

الكاتب والصحافي الأستاذ عريب الرنتاوي، نشر مقالاً تحت عنوان (أين الدبلوماسة السعودية؟/ مركز القدس للدراسات السياسية، 11/6/2010)، علق فيه على وضع السعودية بعد العدوان الصهيوني على أسطول الحرية، حيث لاحظ أنه رغم الصخب العالمي فإن (إسم المملكة العربية السعودية يبدو قد سقط سهواً من نشرات الأخبار، فقلما نقرأ تصريحاً لمسؤول باسمه، لا زيارات ولا تحركات، لا أحد يذهب إلى المملكة أو يأتي منها، لكأن القوم في إجازة مديدة). وخلص الى نتيجة أن (الدبلوماسية السعودية في سبات عميق، العالم يجري من حولها بكل ضجيج وصخب ومن دون أن يحرك ساكنا في الرياض أو جدة). وتابع بأن السعودية غائبة عن المنتديات والمؤتمرات والدراسات، وأن الدبلوماسية السعودية تعودت الحضور والغياب المفاجئين منذ حرب تموز بين حزب الله واسرائيل عام 2006، وعلل سبب الحضور المفاجئ بعد تلك الحرب أنه جاء من أجل (احتواء تداعيات التمدد الإيراني). ولم يستطع الرنتاوي أن يجد تفسيراً مقنعاً للغياب السعودي، ولم يفهم (لماذا تفقد الرياض شهيتها للاطلاع بأدوار إقليمية تبدو مؤهلة للقيام بها أكثر من غيرها) حيث من الواضح أن هناك ظاهرة (قصر النفس تعانيها الدبلوماسية السعودية والتي باستثناء لبنان، لم تعد تتابع أي ملف من ملفات المنطقة حتى نهاية المطاف).

الدبلوماسيون والسياسيون أدركوا أيضاً أن السعودية لا تقوم بالدور المفترض بها، وراحوا يشجعونها على القيام بدور ما. وكان آخر التشجيع ما ألح عليه وزير خارجية النرويج الذي استضاف الأمير سلمان بن عبدالعزيز كيما تقوم بلاده بدور في أفغانستان، فما كان من الأمير الا أن قال بأن بلاده لا تبحث عن دور، وان الدور هو الذي يبحث عنها. واعتبر الرنتاوي هذا الجواب مؤشراً على (ثقة زائدة بالنفس، وينطوي على تهرب من مواجهة الحقيقة، أكثر من أي شيء آخر)! واعتبر الرنتاوي ان دور السعودية (مطلوب) في سياق التناقض الرئيسي مع العدو الإسرائيلي (وبخلاف ذلك، فإن أية انشغال بمعارك جانبية وتناقضات ثانوية، هو صرف للإنظار، وتشتيت للجهد، ومضيعة للوقت، وهدر للطاقات، مهما كانت المبررات المسوّغات.. بخلاف ذلك فإن الانكفاء سيكون حتما أفضل من الحضور). بمعنى آخر: إن السعودية يجب أن تقوم بدورها على صعيد مقاومة أعداء العرب والمسلمين وفي مقدمهم اسرائيل؛ أما أن تفتعل حروباً ومعارك أخرى مع ايران وغيرها، فهذا غير مقبول، ومن الأفضل للدور السعودي أن يبقى نائماً منكفئاً!

سلمان لوزير خارجية النرويج: الدور يبحث عنا!

استحالة الدور السعودي

المراهنة على السعودية للقيام بأدوار فاعلة في محيطها العربي والإسلامي، باءت جميعها بالفشل. يبدو لأول وهلة بأن السعودية انشغلت بوضعها الخاص عن الإهتمام بالوضع العام. في هذه الحالة، كيف يمكن أن نفسر مثلاً انزعاج السعودية من تمدد الدور الإيراني، طالما أنها لا تبحث عن دور؟!

لقد حاولت أمريكا مراراً بأن تجرّ السعودية كيما تلعب دوراً في العراق، ولكنها فشلت في ذلك. وحاول الغرب وأميركا كيما تلعب السعودية دوراً في أفغانستان، ففشلت تلك الدول، لأنه تبيّن بأن المطلوب شيء واحد: (تمويل أية اتفاق مع الطالبان). والطالبان في الأساس ترفض المفاوضات، والسعودية بسبب تجربتها السابقة غير متحمسة للقيام بدور. وفي اليمن، لم يطلب أحدٌ ما دوراً سعودياً، بل أن الغرب حذر السعودية من لعب دور سلبي، لكن السعودية أقحمت نفسها في حرب مع الحوثيين استمرت نحو اربعة أشهر وانتهت بفشل عسكري وسياسي ذريع، لولا المخرج الذي قدمه الحوثيون أنفسهم للسعودية، بأن انسحبوا من نحو خمسين موقعاً داخل الأراضي السعودية نفسها! وفي فلسطين، فإن السعودية تخلّت عن أيّ دور، مؤملة ان يقوم حسني مبارك بما عليه القيام به، وبما تريده السعودية. ومنذ اتفاق مكة بين حماس وفتح والذي فشل، فإن السعودية لا تريد أن تقحم نفسها في الشأن الفلسطيني بعمق، إلا فيما يخص مبادرة السلام السعودية ودعمها إرضاءً للغرب. وكذلك الشتيمة لحماس لاتزال متواصلة في الإعلام السعودي. عدا عن هذا لا يوجد حتى تمويل سعودي لسلطة ابو مازن؛ ومعظم الفلسطينيين يعتمدون على الاتحاد الأوروبي وأجهزة الأمم المتحدة في العيش، مع ان السعودية وعدت بالتبرع بمليار دولار لتعمير غزّة، ولكنها لم تسلم لها قرشاً واحداً، بل أن الأموال التي كانت تأتي حماس براً نهبها المصريون!!

السعودية غير معنية اليوم بالصومال، ولا بمشكلة السودان غير تغطيتها الإعلامية السلبية ضد البشير؛ وهي غير معنية بمشكلة الصحراء الغربية، ولا بالخلافات العربية العربية. السعودية باختصار خارج التاريخ. فهل كانت هي من قبل داخله؟!

كان العالم العربي منذ منتصف السبعينيات يعيش مرحلة سماها هيكل بـ (الحقبة السعودية). وقد كتبنا مراراً في هذه المجلة عن نهاية تلك الحقبة منذ زمن بعيد. السعودية لا تعيش حتى على الماضي ولا تبكي على الأطلال، بل صنعت لنفسها وهماً وصدّقته بأنها تقود العالم الإسلامي.

كيف تقوده، وهي لا تساعده مالياً ولا سياسياً ولا حتى إعلامياً ولا بالدعاء!! فقد منعت السعودية شعبها بأن يدعو في صلاة الجمعة على أمريكا واسرائيل!!

القيادة موقف. والسعودية لا تستطيع أن تتخذ موقفاً معارضاً لأميركا لا في لبنان ولا في فلسطين ولا في أفغانستان. وهي في نفس الوقت لا تستطيع أن تبتدع لها دوراً مستقلاً. السعودية راغبة في القيام بدور يبقيها زعيمة، ولكنها في هذا الظرف التاريخي، غير قادرة على القيام بدور قيادي.

الدور الريادي القيادي يتطلّب حياداً، والسعودية تحوّلت الى زعيمة معسكر يميني يميل الى امريكا ويعادي من يعادي اسرائيل!

والدور الريادي يتطلب إجماعاً بين القوى العربية الكبرى، والسعودية لم تقم بذلك، فهي تآمرت على العراق حتى تم احتلاله، وحاولت اسقاط نظام دمشق وفشلت، وعزلت الجزائر، ولم يبق إلا هي ومصر! فعلى من تريد السعودية أن تمارس زعامتها؟!

والدور الريادي يتطلب استقلالاً والسعودية فقدت الهامش القليل من استقلالها، وبالتالي أصبحت رهينة الوضع السياسي الغربي (الأميركي خاصة)، بحيث اذا ارتفع مؤشر امريكا في المنطقة ارتفعت معه السعودية واسرائيل والمعتدلون العرب؛ واذا هبط مؤشرها كما هو الحال اليوم هبط مؤشر الأتباع.

والدور الريادي يتطلّب عطاءً، والسعودية لم تعد تلك الدولة التي تقدم العطاء للدول العربية والإسلامية، اللهم إلا إذا أُمرت من قبل أمريكا. السعودية تعطي مالاً وصفقات ولكن للغرب. في أفغانستان كان عطاء السعودية أقل من ايران، وفي لبنان ـ البلد الأثير للسعودية ـ كان عطاء السعودية أعلى من كل أحد ولكن أكثر من 80% من عطائها ذاك ذهب لتجار السياسة والزعامات وليس الى الشارع. والسعودية اليوم لا تقدم دعماً لا لسوريا ولا للسودان ولا لجيبوتي ولا حتى لجزر القمر التي ميزانيتها السنوية مجرد 60 مليون دولار!! (أي أقل من مصروف رحلة يقوم بها أحد الأمراء الكبار).. هذه الدولة العربية (جزر القمر) متهمة بأن رئيسها شيعي!! وان بها نفوذ ايراني! ولكن السعودية لم تدفع هللة حتى الآن!، ربما قامت قطر وتلطفت بتلك الدولة العربية المنبوذة من الأغنياء، وأعطتها بعض المال!

السعودية لا تعطي الفلسطينيين مثلما كانت تفعل، ولا تعطي دولاً اسلامية بعينها، ولا الحركات الإسلامية المعروفة بولائها للسعودية في الماضي.. وبالتالي: فإن من لا يدفع لا يمكنه أن يكون زعيماً. لم يأت الآخرون للسعودية لنضج في فكر قادتها، ولا لحسن مواقفهم، ولا لعبقريتهم ولا لتجربتهم الفريدة! فهم إنما قبلوا في الماضي بالسعودية وزعامتها فلأنهم كانوا يتحصلون على منفعة ما. والسعودية اليوم لا تعطي، فلم تصبح زعيمة، وهي نائمة؟!

الحقبة السعودية ابتنيت في السبعينيات الميلادية على غياب الزعامات الكبيرة، وعلى صعود أسعار النفط وما تدفعه السعودية.

فيصل بنى مكانة للسعودية، وكان شخصية متحركة في الساحة الإقليمية والدولية، وكانت لديه جرأة لم تتوفر لخلفائه، وكان له منهج واضح تجاه اسرائيل. جاء فهد فحوّل التلّة السعودية الى أرض مستوية، فانخرط في مشاريع امريكا في افغانستان، ودخل في حروب مع ايران حيث دعم العراق في الحرب؛ ومع امريكا لتدمير العراق ومن ثم احتلاله؛ ومع اليمن الجنوبي ضد الشمالي؛ ومع الانفصاليين في جنوب السودان ضد البشير؛ ومع مصر ضد سوريا.. بكلمة أخرى، جاء فهد ودمّر الأسس التي تقوم عليها السياسة الخارجية السعودية. بمعنى آخر، دمّر السلّم الذي تصعد عليه بلاده نحو المجد والزعامة. وحين جاء عبدالله استمر على ذات النهج وزاد الطين بلّة، بأن ظهر لنا بمبادرة السلام مع اسرائيل، ثم حوار الأديان في نيويورك مع بيريس وليفني!، وقبلها وقف مع اسرائيل في حرب تموز 2006 ضد حزب الله، ووقف معها ضد حماس لاستئصالها. ويوماً بعد آخر تغرق السعودية في الأوحال، ولا تجني شيئاً، بل تخسر مواقع نفوذها الواحد تلو الآخر، ومع هذا لا تزال تصيح بأنها زعيمة العالم العربي والإسلامي!

ربما غداً سيظهر لنا الملك السعودي الأطرم أو أحد أخوته لينشد:

أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا/ ليوم كريهة وسداد ثغر!

اذا عملت السعودية وعلى أساس علمي لبناء مجدها السياسي الغابر، فإنها قد تنجح في ذلك بعد عشر سنوات على الأقل. ولكن لا يبدو أن العقل السعودي حيّ. بل هو في ثلاجة، كما أن حكام السعودية يعيشون في المقابر، او هم في تفكيرهم وأجسادهم يسكنون القبور فعلاً!!

سؤالنا: فاروق الشرع، وقد كان حينها وزيراً للخارجية، تلقى سيلاً من الإهانات السعودية التي كانت تواجه دمشق وتحرض عليها، لمجرد أنه قال في فبراير 2007 بأن دور السعودية في المنطقة (أصيب بالشلل بشكل فعلي)، وقال بأن السعودية إما باتت عاجزة أو أنها فقدت اهتمام حليفتها القديمة الولايات المتحدة. السعوديون قالوا بأن دورهم لم يتراجع، وأن ما قيل مجرد أكاذيب ومغالطات، ونقلت وكالة الانباء السعودية عن (مصدر مسؤول) قوله: (إن الحديث عن شلل دور المملكة العربي والإسلامي هو حديث لا يصدر عن إنسان عاقل متزن، فهذا الدور يعرفه القاصي والداني عبر العالمين العربي والإسلامي بل والعالم أجمع ولعل السيد الشرع زل لسانه وكان يقصد بالشلل السياسة التي ينطلق باسمها ويمثلها).

الآن وبعد ما يقرب من اربع سنوات.. هل تأكد العالم بأن السعودية مشلولة حقاً؟ أم هي سوريا التي شلّت كما يقول السعوديون؟!

متى تنتهي المكابرة السعودية؟!

الصفحة السابقة