من يقف وراء تهريب مشتقات النفط إلى أوروبا؟

فتّش عن الأمراء!

محمد الأنصاري

سؤال كبير بقي ثاوياً في الأحاديث الخاصة عن الجهة التي تقف وراء تهريب المشتقات النفطية الى أوروبا عبر ميناء الملك فهد الصناعي في ينبع على شاطىء البحر الأحمر، ويمتد السؤال إلى جانب آخر حول السر في استمرار عملية التهريب لأكثر من إحدى عشر سنة. ولكن ما هو أهم من ذلك كله السؤال حول دور ما لأمراء كبار في العائلة المالكة في هذه العملية، خصوصاً وأن المعاملات تتّم في مجال حيوي يصعب بل يستحيل خروجه عن نطاق سيطرة الملك والأمراء الكبار، ألا وهو المجال النفطي.

المشتقات النفطية التي تحصل عليها الشركة الضالعة في عمليات التهريب (صفرا) التابعة لمجموعة زينل والتي يرأسها خالج زينل من شركة أرامكو تدنو عن السعر العالمي بنسبة تصل إلى 90 %، وتبيع هذه المشتقات مثل الكيروسين في الأسواق العالمية بصورة مباشرة وفق التسعيرة العالمية، وهذه العملية سارية المفعول منذ نحو عقد ونصف.

عائلة آل زينل معروفة تاريخياً وتجارياً بارتباطها بالعائلة المالكة، وبالجناح السديري على وجه الخصوص. المطلّعون على ملف تهريب المشتقات النفطية يقولون بأن القضية لم تعد سراً، وما إخضاعها للتحقيق إلا لكونها بلغت درجة الفضيحة، الأمر الذي دفع بالملك عبد الله للتدخّل شخصياً للحيلولة دون تفجّر صندوق باندورا المليء بالأسرار المرعبة.

وزير البترول علي النعيمي كان ملتزماً بالصمت طيلة المرحلة الأولى من الفضيحة، ومازال صامتاً حتى إعداد هذا التقرير، وهو صمت مريب على أي حال، خصوصاً حين يكون أمد الصمت يصل إلى أكثر من عقد. في 11 فبراير الماضي، كشفت صحيفة (عكاظ) عن عمليات تهريب للمشتقات النفطية من ميناء الملك فهد الصناعي في ينبع إلى فرنسا ودول أوروبية أخرى منذ أكثر من إحدى عشر عاماً، ولم يصدر حينذاك بيان رسمي يوضّح ملابسات القضية، ويشرح حقيقة ماجرى، رغم أن رواية ما ذكرت بأن المباحث الإدارية أثبتت تورط مالك شركة وعشرة موظفين آخرين يعملون في شركات في قطاع البتروكيماويات، في عمليات التهريب. وفي 18 فبراير، نشرت الصحيفة نفسها مقالاً للدكتور حمود بو طالب بعنوان (بسيطة..11 سنة تهريب!!) جاء فيه: (تهريب صفيحة، صفيحتي بنزين أو كيروسين، أو حتى بضعة براميل عبر حدود وعرة، مسألة يمكن فهمها، ويمكن اعتبارها في نطاق العادي..وإنما تهريب نفط لمدة 11 عاما من ميناء صناعي حكومي يعمل فيه مئات الموظفين وعليه مئات الحراسات، فإنها مشكلة يصعب فهمها ويصعب تمريرها بسهولة..).

ويعلّق بو طالب على ماقاله المتحدّث الرسمي للجمارك السعودية حول محاولات لتهريب مواد بترولية مدعومة عبر المنافذ البحرية والبرية، وإنها تعالج ضمن جرائم النظام الجمركي، وتعالج وفقا لنظام الجمارك الموحد، ويقول (هذه مفهومة يا سعادة المتحدث الرسمي عندما تحدث في أماكن متفرقة وبكميات قليلة، لكن أن تقوم بذلك شركة كبيرة وتصدر مهرّباتها إلى دول أوروبية لمدة 11 عاما، ثم تقولون إنها تحايلت في نوعية السوائل المنقولة من الخزانات النفطية إلى الناقلات البحرية المتجهة إلى الخارج فإن في ما تقولونه هذا تبسيط مخل ومخيف لما حدث..)، ويضيف (11 عاما يا إخواننا وليست 11 يوماً أو شهراً، فهل كان ذلك يتم في ليل أسود لا رقيب فيه أو حسيب، ولا أحد يعرف عما يحدث أبداً..). ويمضي (أكرّر وأقول، مشتقات بترولية وليست مواد يمكن تهريبها بين طيّات الملابس أو على ظهور الحمير أو في سيارات تعرف طرق التهريب. إنها بواخر تمخر عباب البحر بعد أن تملأ خزاناتها بأطنان المواد البترولية، وتغادر مياهنا الإقليمية إلى أوروبا وغيرها لمدة 11 عاما، فهل يمكن (بلع) هذه القضية ببساطة؟؟). ووضع بو طالب علامات تعجّب في نهاية خبر أوردته صحيفة (عكاظ) في وقت سابق على المقال، حول ضبط المباحث الإدارية لعمليات تهريب بعد تتبع لحركة النقل التجاري للشركة، واكتشافها، زعماً، أنها تستخدم حيلة تتمثل في شحن النفط في براميل زيوت سيارات مستهلكة وتتم إعادة تصديرها إلى شركات أجنبية لإعادة تكريرها في مجالات صناعية، وعلّق متعجبّاً مشفوعاً بطائفة أسئلة (تتبع لمدة 11 عاما !!! وتهريب بترول من ميناء حكومي؟؟ وتبرير بهذه البساطة؟؟ ماذا نقول أيها الناس؟؟؟).

خالد زينل

أما الدكتور سالم بن أحمد سحاب فكتب مقالاً في صحيفة (المدينة) في 21 فبراير الماضي بعنوان (سرقات في وضح النهار!)، جاء فيه: قصة فساد أخرى، بل وكبرى، وأمام أعين أكثر من جهاز حكومي مجتمعين.. فساد لا يُصدق.. لا يمارسه فرد خائن، أو مرتشٍ سافل، أو سارق وضيع، وإنما شركة متعاقدة رسمياً مع وزارة البترول والثروة المعدنية. المثل يقول: (حاميها حراميها)، ومالك الشركة يطبق المثل حرفياً، فهو غير آبه بجهاز الجمارك ولا بمراقبة إدارة الميناء، بل وصل الأمر إلى تقنين السرقة عبر أنابيب مُدت أمام (عينك يا مسؤول). يقول مدير ميناء الملك فهد الصناعي في ينبع بأن (الحرامية) أقاموا أنابيب ضخمة لتهريب النفط من خزان الشركة داخل الميناء إلى النقالات البحرية التي تبحر بها إلى فرنسا ودول أوروبية أخرى، فتبيعها هناك وتقبض الثمن لتودعه غالباً في مصارف أوروبية سرية وغير سرية. تساؤل: هل النفط مال سائب لا يدري عنه أحد؟ وهل إدارة الجمارك (نايمة في العسل)؟ وهل إدارة الميناء غضت الطرف بدعوى (مو شغلي) أو (في 60 داهية).

الطريف أن مدير الميناء كان في إجازة وربما لا يزال، وهو لا يملك إجابة (نهائياً)، فالإجابة لا زالت مجهولة، لكن المعلوم هو أن ثمة فساداً ضارباً في مكان ما في الميناء الصناعي لا يعلم مداه إلا الله والراسخون في الفساد. هناك قضية أخرى معروضة للرهان الخاسر، فالبعض يراهن على أن الجهات المعنية ستفتح (العين الحمراء) على (الحرامية)، وستفضحهم وتشهر بهم و (تلعن خاشهم)، وستضع الحقائق كاملة أمام الشعب السعودي النبيل.

أما الرهان الرابح، فهو مقابل مليون ريال عداً ونقداً، على أن لا شيء من الحقائق سيظهر، فالسائد هو التكتم الشديد والحرص على سمعة اللص الكبير والمنفذ الصغير لا على الوطن الكبير ولا على المواطن الصغير. سؤال أخير أوجهه لوزارة البترول: هل كميات النفط سائبة إلى هذه الدرجة؟ أليس يُعرف بدقة كم يُضخ إلى الخزانات ثم كم يُشحن في عرض البحر!! نحن هنا لا نتحدث عن سرقة مائة أو مائتي برميل، بل هي ألوف أو عشرات الألوف، وعلى مدى 11 عاماً بالكمال والتمام! أفيدونا رحمكم الله!! وأما أنتم أيها اللصوص، فعليكم من الله ما تستحقون!!).

تعليق واحد يمثّل إجماع الناس في هذا البلد أن السرقة ليست فردية وليست من أشخاص عاديين، فلا بد أن تكون السرقة من أناس يمتعّون بحصانة وسلطة واسعة، وليس هناك غير الملك والأمراء. وهو ما حاول عبد العزيز السويد الإقتراب منه حين تحدّث في مقال لصحيفة الحياة عن وجود (وسطاء في القضية)، ولكن العجب كله يكمن في غياب أي صوت لديوان المراقبة العامة ولا هيئة الرقابة والتحقيق ولا مجلس الشورى (في قضية يجب أن يحقق فيها من جهات متخصصة) كما يقول السويد. ويضفي نكهة تهكّم على صمت هذه المؤسسات المعنية ويقول (لم تعقد واحدة منها مؤتمراً صحافياً أو تصدر بياناً يحترم فيه الوطن والمواطن وحقوقهما. تنويع مصادر الدخل مقصود به دخل الوطن لا دخل شركة عائلية أو مستثمر أجنبي).

من هي هذه الشركة العائلية ومن هو المستثمر الأجنبي، هذا ما طالب غالبية المواطنين بالإجابة عنه، واتخاذ إجراءات رادعة، ولكن لأن 11 سنة من التهريب دون عقاب، لأن قاعدة حاميها حراميها هي الحاكمة، فهل يتوقّع من الملك السابق فهد أو الملك الحالي عبد الله أن يصدرا أمراً ملكياً بالتحقيق مع كل الجهات المتورّطة في عمليات التهريب دون استثناء؟! ولذلك تبدو كل الأسئلة مشروعة، بما فيها السؤال عن غياب المباحث الإدارية مدة 11 سنة، ولماذا حتى بعد افتضاح أمر القضية لم يتقدّم أي من وزير التجارة أو البترول أو أي مسؤول بالاستقالة حتى لو ختم القرار الملكي (بناء على طلبه)، أو (لأسباب صحيّة)، درءً للإحراج.

بعد خمسة شهور على طرح قضية تهريب النفط في صحف محلية، وخصوصاً غربية (عكاظ والمدينة على وجه الخصوص)، تشكلّت، بحسب صحيفة عكاظ في 12 يوليو الجاري، لجنة مكوّنة من ست جهات حكومية فتحت ملف التحقيق في قضية تهريب النفط إذ تأكدت من أن الشركة المهربة للنفط عمدت إلى شراء فائض النفط من أرامكو بسعر رمزي، شريطة استخدامه في منتجات وطنية؛ كالمذيبات العطرية والدهانات. وأوضح المصدر أن النتائج التي خرجت فيها اللجنة الجديدة المكونة من وزارة الداخلية، المباحث الإدارية، وزارة البترول والثروة المعدنية، مصلحة الجمارك، المؤسسة العامة للموانئ، وشركة أرامكو السعودية، تضمنت أن الشركة لجأت إلى تهريب فائض النفط الذي تعهدت باستخدامه في منتجات وطنية، وتصديره إلى دول أوروبية على أنه زيت مستهلك.

ما يثير الدهشة هو صيغة القرار الصادر عن وزارة البترول والثروة المعدنية السعودية الذي استعمل عبارة (قرار عاجل)، حيث يأتي هذا بعد 11 سنة من تورّط شركة (صفرا). جاء في خبر تعليق أنشطة الشركة، أن إدارة الميناء تنصّلت من تحمّل أية مسؤولية لتهريب النفط، محملاً إدارة الجمارك كامل المسؤولية، الأمر وصل إلى درجة نقل النفط من خزان الشركة الواقع خارج الميناء إلى الناقلة البحرية مباشرة، وذلك عبر أنابيب ضخمة، دون الحاجة إلى البراميل أو أية وسائل نقل أخرى.

شركة صفرا يرأسها خالد زينل وهي تابعة لمجموعة زينل الصناعية، وهي من تملك شركات (اللجين)، و(الكابلات)، و(سيسكو)، وتقوم صفرا بشراء مشتقات بترولية مثل الكيروسين والقاز وغيرها من شركة أرامكو لتقوم بتصنيعها كمنتجات بتروكيميائية تدخل في صناعت متعددة كالدهان والمذيبات والمبيدات الحشريه والملصقات و الاحبار ...الخ. الدوله تبيع المشتقات بأسعار منخفضة جداً، وما جرى أن شركة صفرا قامت ببيع المنتجات المستلمة من أرامكو مباشرة من السوق العالمي وبدون أن تصنع أي شيء في تحايل فضح، بحيث كانت تحقق أرباحاً بنسبة 80 % دونما أي جهد يذكر.

الفضيحة ليست فيما جرى خلال 11 عاماً، بل ما كشف عنه قرار صادر عن مجلس الوزراء يحسم قضية شركة (صفرا للبتروكيماويات)، ينص القرار:(على وزارة التجارة تصحيح تلك المخالفات التي اتخذتها وزارة التجارة والصناعة بخصوص سماحها لشركة صفرا للبتروكيماويات بشراء المنتجات البترولية الخاصة بالإنتاج من السوق المحلية، واستخدامها كلقيم لتصنيع منتجاتها، وبالسعر المحلي المدعوم، إضافة إلى إبلاغها للشركة بأنه لا توجد قيود أو حظر على شراء المنتجات البترولية من السوق المحلية واستخدامها كلقيم خلافاً للأوامر السابقة المنظمة لهذا الأمر).

هذا القرار الهادىء والناعم الذي يكتفي بمجرد تصحيح المخالفات، أي وقف بيع شركة صفرا منتجات بترولية خاصة بالانتاج من السوق المحلية واستخدامها كلقيم لتصنيع منتجاتها وبالسعر المحلي، يكشف عن أن القضية ليست مرتبطة بشركة صفرا ولا بمديرها خالد زينل، فقد بعث القرار الصادر في هذا الشأن سؤالاً كبيراً وجدّياً: إبحث عن من وراء زينل؟ وحسب تعليق أحدهم (لايوجد مخلوق في البلد يمتلك مثل هذه الشركات دون شراكه أحد الامراء).

الصفحة السابقة