التنمية دثار الفساد في دولة آل سعود

عبدالحميد قدس

حين تعلن الحكومة عن خطة تنموية هذه الأيام فإن أول ما يتبادر لذهن الناس في هذا البلد: كم سيكون حجم الفساد؟ بل إن الأغلبية الخاسرة من السكّان لم تعد تأمل من برامج التنمية الحكومية معجزة إصلاحية فقد أجهضت وعود الملك الزائفة أحلام الأغلبية، ومن أبرزها مكافحة الفساد ومحاسبة المتورّطين في المظالم العامة.

في 9 أغسطس الماضي، أقرّت الحكومة خطة تنمية للأعوام 2010 ـ 2014 بقيمة 385 مليار دولار. خبر كهذا مرّ كما لو أنه خبرٌ عادي شأن أخبار عديدة تطرح في وسائل الإعلام ولا تحدث أدنى قدر من اهتمام الناس، كرسائل التهنئة باليوم الوطني لدول لم يسمع أحد بها إلا في رسائل الملك وولي العهد.

هل يمكن لأحد أن يقدّم تفسيراً لحجم الفساد المالي الذي بلغ 3 تريليونات ريال (800 مليار دولار)، وكيف تمّت عمليات الفساد بهذا الحجم الفلكي وتحت أي عنوان، وهل لبرامج التنمية دور فيها؟ هل تعيد خطة التنمية الحكومية هواجس المشاريع الوهمية التي بلغت نحو 6 آلاف مشروع بحسب أسامه فقيه.

بعد صدمة الميزانية الفلكية لمدينة الملك عبد الله الرياضية والتي بلغت نحو 38 مليار ريال، بدأت تكرّ سبحة الصدمات، فإذا كان تطوير موقع الكتروني لجامعة الإمام محمد بن سعود يبلغ 250 مليون ريال، وهو مبلغ يكفي لبناء جامعات بكل تجهيزاتها المخبرية والبحثية، فإن الباب سيبقى مفتوحاً لمشاريع نهب بأرقام فلكية (وهل يسأل أحدٌ لماذا لم يفد الناس من زيادة مداخيل النفط وتأمين الحاجات الأساسية الملحّة؟!).

في الآونة الأخيرة، تدفّقت بصورة مفاجئة طائفة من الاحصاءات الصادمة، والتي تخفي أزمة عميقة في هذا البلد، وبات يشعر كثيرون بأنه يوشك أن يتهاوى لفرط عمليات القضم المتواصلة لمقدّرات وشروط استمرار واستقرار الدولة.

في خبر مثير نشر مؤخراً يقول: منحت جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن شركة ميلينيوم عقد تصميم وتنفيذ ما وصفته الجامعة (أكبر نظام تسخين بالطاقة الشمسية في العالم)، ومن جانبها أعلنت شركة ميلينيوم عن فوزها بعطاء تصميم وتزويد وتنفيذ اكبر نظام تسخين مياه بالطاقة الشمسية في جامعة الاميرة نورة بنت عبد الرحمن في المملكة العربية السعودية. كلفة المشروع كما أعلن أيضاً تبلغ حوالي 11.5 بليون دولار. وبناء على الاتفاق تأسس ائتلاف مشترك بين بين شركة اتحاد المقاولين CCC وشركة السيف للمقاولات ودار الهندسة كمستشار للمشروع.

للتذكير فحسب، هذا المشروع لا يستهدف تصميم نظام تسخين بالطاقة الشمسية للبلاد بأسرها، وإنما بحسب ما جاء في خبر الاتفاقية (وسيخدم نظام تسخين المياه بالطاقة الشمسية الذي سيتم تصميمه من قبل شركة ميلينيوم لصناعة الطاقة كافة مناطق الحرم الجامعي بما فيها منطقة سكن الطلاب والمستشفى ذي المستوى العالمي وسيوفر النظام طاقة بمقدار 17 ميجا واط من المياه الساخنة، ومن المتوقع أن يوفر هذا النظام نسبة عالية من استهلاك الوقود ويقلل نسبة انبعاث الكربون .وسيتم الانتهاء من تصميم وتنفيذ هذا النظام قبل تاريخ اطلاق الجامعة المقرر في عام 2011). وللمرء تخيّل كيف أن 11.5 مليار دولار التي تعادل ميزانية خمس دول عربية مجتمعة، وهي ميزانية كافية لبناء نظام تسخين على المستوى الوطني وفق معايير عالية الكفاءة عالمياً، لا يتجاوز هدف المشروع حدود الحرم الجامعي..ما يثير الدهشة، أن الجامعة لم تطلق بعد، وقد سبقتها مشروعاتها، ولا ندري كم ستكون أحجام المشاريع بعد بدء عمل الجامعة؟!

ولمعرفة حجم الفساد في هذا المشروع، نورد خبراً مماثلاً عن كلفة مشروع استغلال الطاقة الشمسية بالأردن، حيث أعلنت الحكومة الأردنية عن مشروع لاستغلال الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء في جنوب البلاد بقدرة أولية مقدارها 100 ميجاواط وبتكلفة إجمالية تبلغ 400 مليون دولار. وقال رئيس مجلس ادارة الشركة المنفذة للمشروع كريم قعوار في تصريحات لوكالة الأنباء الكويتية إن المشروع سيقام على أرض تبلغ مساحتها 2000 دونم بزرع خلايا شمسية تنتج بنهاية عام 2012 حوالي 100 ميجاواط من الكهرباء. وأضاف قعوار أن المشروع الذي سيقام على أرض مدينة "معان" الصناعية جنوب العاصمة عمان سيستخدم في مراحله النهائية من 360 ألفاً إلى مليوني لوحة فلتو ضوئية لينتج حوالي 168 جيجا واط في السنة. وكان وزير الطاقة والثروة المعدنية الاردني المهندس خالد الايراني قد أكّد خلال رعايته لحفل إطلاق المشروع على أهميته بالاستفادة من الاشعاعات الشمسية التي تتمتع بها بلاده والتي قال أنها تزيد على 2000 كيلو واط في الساعة لكل متر مربع في السنة (ما يجعلها من أعلى النسب في العالم ويشجع على استغلال الطاقة الشمسية). وأشار الوزير الإيراني إلى مساعي الاردن لرفع مساهمة الطاقة المتجددة في الخليط الكلي من الطاقة إلى 10 % عام 2020 منها ما يقارب 300 بحوالي 600 ميجا واط من الطاقة الشمسية و1000 ميجا واط من طاقة الرياح.

هل من وجه للمقارنة بين المشروعين، وهل يتبين من المقارنة الفارق المرعب في كلفة كل منهما؟ يقول أحد العاملين في مشروع جامعة الأميرة نورة بما نصّه: (بحكم عملي في بعض أجزاء هذا المشروع أحب أن أقول لكم أن سعودي أوجيه المملوكة للحريري و مجموعة بن لادن قد نهبت نهباً لا يمكن تخيله وكله علشان جامعة متخلفة ستجمع البنات في نظام حرملك مغلق ومنغلق ليقال أن عندنا أكبر جامعة للبنات! صدقوني الوطن ينهب نهب منظم من قبل عصابات ومافيات والكارثة أن بعضها أجنبية تماماً كحال الحريري قاتله الله).

فهل يعقل أن مشروع للطاقة لدولة بكاملها تكون كلفته 400 مليون دولار، بينما مشروع لمنشأه داخل مدينه يكلف 11.5 بليون دولار؟.

من القصص المثيرة للدهشة أيضاً ما جرى في مشروع قطار المشاعر، الذي كان بمثابة الجبل الذي تمخّض فأراً. فقد أصيب الناس بصدمة بعد مشاهدة صور القطار الذي كان بمثابة أتوبيسات جرى وضعها على سكة حديدية. كلفة المشروع 6.65 مليارات ريال، رغم أن المسافة التي يقطعها القطار لا تتجاوز 18 كيلومتراً، أي أن كلفة الكيلو متر الواحد تساوي 369 مليون ريال. وقام أحد المهتمّين بعملية مقارنة لمشروع قطار المشاعر بمشروع قطارات في ليبيا نفّذته الشركة الصينية نفسها التي نفّذت مشروع قطار المشاعر. وجد المهتّم في موقع الشركة الصينية خبر تنفيذ مشروع ضخم مع ليبيا. يقول (المشروع عبارة عن خطي سكة حديد مجموع طولهما أكثر من 1152 كيلو متر. وكم كانت التكلفة؟ أقل من 10 مليار ريال (بالتحديد 9.75 مليار ريال). وحين نحسب تكلفة الكيلو متر مع بعض: 10 مليار ريال تقسيم 1152 كيلو = 8.5 مليون ريال لكل كيلو متر فقط لا غير). يعني بحساب اجمالي: تكلفة قطار المشاعر بلغت أكثر من 40 ضعفاً مقارنة بتكلفة قطار ليبيا! بالرغم من أن الشركة المنفذة واحدة في المشروعين. فهل من يجيب عن سؤال الفارق الفلكي في الكلفة بين المشروعين؟!!

يقال لنا بأن الايرادات لعام 2009 بلغت 613 مليار ريال بزيادة 20 بالمئة، ولكن مع ذلك سيكون هناك عجز بسبب زيادة في الانفاق تتراوح بين 20 و25 بالمئة. يقول خبير اقتصادي بأن زيادة الانفاق هو التزام فرضته مجموعة الدول العشرين لدعم الولايات المتحدة وأوروبا في مواجهة الأزمة المالية. هذا يعني ببساطة أن الحكومة السعودية مطالبة بحل مشكلات كل الدنيا إلا الحيز الذي تحكمه، فإن السكان فيه لم يشعروا قط بتغيّر ملحوظ في أوضاعهم المعيشية، ولم تحل مشكلة البطالة، أو يتحسّن مستوى الخدمات العامة، أو تعالج مشكلة السكن (22 بالمئة فقط من سكان هذا البلد يمتلكون سكناً خاصاً)، أو مشكلة الفقر (هناك 3 ملايين إنسان في الحد الأدنى يعيشون تحت خط الفقر). ومع ذلك، فهذه الحكومة توقع مشاريع استثمارية مع الولايات المتحدة بقيمة تريليون ريال، ولا تشتمل على معالجة ولو جزئية لمشكلة البطالة، رغم أن المشاريع تلك توفّر آلاف الفرص الوظيفية ولكنها للأجانب وليس للمواطنين.

في هذه الدولة، المصدِّر الأكبر للنفط في العالم (نحو 12.5 مليون برميل يومياً) بقيمة 80 دولار للبرميل الوااحد، والتي تجاوزت فيه مداخيلها النفط أرقاماً قياسية، ولديها أكبر مخزون نفطي على مستوى العالم، يكشف مؤشر سنوي مختص بمعرفة أفضل الدول معيشة في العالم أن السعودية أصبحت في مرتبة معيشية سيئة، حيث إحلت السعودية المركز 169 من بين 190 دولة تضمنها المؤشر وتفوقت تونس على كافة الدول العربية واحتلت المركز 83 عالميا بينما احتلت الأردن المركز 104, الكويت 106, لبنان 113, المغرب 116، البحرين 120، سوريا 125، قطر129 ومصر 135.

والمثير للدهشة في الإحصائية التي أعدها موقع internationalliving.com أن السعودية تقدمت على العراق المحتل بفارق درجة واحدة فقط حيث جاء العراق في المركز رقم 170 بينما احتلت الصومال واليمن والسودان المراتب الأخيرة.

ويعتمد موقع internationalliving.com في تصنيفه للدول الأفضل معيشة على معايير معينة من بينها غلاء الأسعار والمستوى الترفيهي والثقافي والوضع الاقتصادي والبيئة، والديمقراطية والصحة والبنى التحتية للدول ومقدار الأمن والسلامة وطبيعة الأحوال الجوية السائدة في البلاد.

وبحسب الموقع، حصلت فرنسا على 100 نقطة بالنسبة لمعيار الديمقراطية بينما حصلت السعودية على 8 نقاط فقط لتتساوى مع الصين وكوبا وزيمبابوي واريتريا وأفغانستان.

ويتساءل البعض عن سبب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في المملكة في الوقت الذي تحقق فيه عائدات مالية هائلة كونها من أكبر الدول المصدرة للنفط على مستوى العالم.

هل تعلم أن المملكة العربية السعودية تعتبر البلد الأول في العالم في انتاج البترول واحتياطه. والخامس في احتياط الغاز الطبيعي. والعاشر في انتاج الغاز الطبيعي.

ثلاثة ملايين مواطن سعودي يقبعون تحت خط الفقر..!

توصل أعضاء مجلس الشورى السعودي إلى أن 22 في المئة من سكان السعودية فقراء وذلك بناء على إحصائيات التقرير السنوي لوزارة الشؤون الاجتماعية السعودية رغم الإعلان عن إنشاء إستراتيجية وطنية لمكافحة الفقر منذ نحو ستة أعوام تقريباً.

السكن في العراء والقوارب والحافلات المركونة أصبح مشهدا شائعا في السعودية حيث يعيش ربع ابنائها تحت خط الفقر.. جامعيون يتسولون في أكبر بلد مصدر للنفط في العالم.

بعد العرض السابق، نعيد طرح السؤال عن خطة التنمية التي أقرتها الحكومة الشهر الجاري. سؤال قد ينجب أسئلة أخرى عن مصير الخطط السابقة، خصوصاً بعد أن أزاحت السيول الستار عن حقائق مروعة، فقد تبيّن أن البنية التحتية كانت آخر ما يمكن أن يدخل في حسابات العائلة المالكة، بل إن المشاريع المخصّصة للبنية التحتية تمثّل المنفذ المثالي لحصد أكبر كمية من الاموال أو العمولات، والسبب لأن المخصصات المالية لمشاريع البنية التحتية تكون غالباً عالية جداً، ولا تخضع للمراقبة لأنها غير ملحوظة.

في هذا البلد كل مشروع جديد يحمل في باطنه فايروس الفساد الذي ينشط قبل لحظة بدء تنفيذ المشروع، فيتم اقتطاع حصة المتعهّدين قبل أن ينقل المشروع الى المقاول، فيذهب على الأقل 60 بالمئة من المشروع الى جيوب الكبار ثم تتناقص الميزانية لتصبح 20 بالمئة من المبلغ المخصّص..وهكذا هي كل مشاريع الدولة.

الصفحة السابقة