اف ـ 35 مجانية لإسرائيل مقابل اف ـ 15 متقاعدة وبعشرة أضعاف سعرها على الأقل!

أكبر صفقة بيع سلاح تشهدها البشرية في تاريخها!

التسلح السعودي وكذبة الصراع مع اسرائيل

يحي مفتي

في كل مرة تسجل السعودية رقماً قياسياً في مشتريات الأسلحة، تلغي بموجبها الرقم القياسي السابق الذي سجلته لنفسها!

إن صفقات الأسلحة جميعاً، تلك التي توقعها السعودية، عادة ما توصف بأنها صفقات تاريخية، ليس فقط على مستوى المشترين، بحيث أن السعودية تمثل أكبر مشتر للسلاح في العالم، ولا من حيث تسجيل الأرقام القياسية لصفقات الأسلحة على مستوى المشتري فحسب، بل وعلى مستوى البائع أيضاً.

ستون مليار دولار قيمة الصفقة السعودية الأميركية الجديدة؛ ستعقبها على الأرجح وقريباً صفقة تسلحية (بحرية) تقدر قيمتها بنحو ثلاثين مليار دولار. فيكون المجموع 90 مليار دولار، المؤكد منها ستون مليار، وهذا المؤكد ـ بدون الثلاثين مليار دولار الأخرى ـ يؤكد أنها أكبر صفقة حدثت في التاريخ وفي عمر البشرية!

وكالعادة مع هكذا صفقات سعودية تاريخية!!، فقد شغلت الصفقة الجديدة الإعلام العربي والأجنبي، ومنتديات السعودية المحلية أيضاً، والتي تمثل الملاذ الآمن للنقاش في الموضوعات المحظورة، وطرحت حولها ـ كما الصفقات السابقة كالتورنادو واليورو فايترز وغيرها ـ علامات استفهام وتعليقات ساخرة.

في كل صفقات الأسلحة، ينشط الإعلام السعودي لتبريرها. وما يلاحظ على التبريرات أنها لا تقول بأن تلك الأسلحة جاءت (للدفاع عن المملكة من هجمات اسرائيلية)؛ فضلاً عن أن تقول بأن تلك المشتروات الهائلة من الأسلحة هي (من أجل معركة ضد العدو الإسرائيلي). لم تقل السعودية هذا لا في الماضي ولا في الحاضر، ولا يرجّح أن تقولها في المستقبل.

السعوديون يقولون بأن الأسلحة من أجل (الدفاع عن الوطن)!

وهذه جملة عامّة، يقصد بها أن الأسلحة ليست من أجل (الهجوم) على أحد، وإن كان إسرائيل. وإنما هي (دفاعية) في حال تمّت مهاجمة السعودية.

فمن هو الذي يمكن له أن يهاجم السعودية؟

ما هو مصدر الخطر والتهديد للسعودية الذي يدفعها بهذه الشراهة لشراء الأسلحة؟

الى ما قبل أربعة عقود، كان هناك من يعتقد بأن السلاح الذي تشتريه السعودية، قد ينتقل الى جبهات القتال باتجاه إسرائيل.

لكن من الناحية الفعلية، فإن السعودية في تاريخها لم تنقل سلاحاً لدولة أخرى، بما فيها مصر وسوريا، اللتان خاضتا حرب عام 1973. وعدا المشاركة الرمزية في حرب 1967م، وفي قوات الردع العربية في لبنان بعد اشتعال الحرب الأهلية، والتي كانت تشكيلها ـ أي قوات الردع ـ عام 1976 بموافقة وغطاء أميركي لحماية مسيحيي لبنان من أن يهزموا على يد القوى الوطنية.. عدا عن ذلك، فإن السلاح لم يكن مسموحاً له أن ينتقل الى جبهة حرب ضد اسرائيل. لم يحدث هذا من قبل، ولا هو بالأمر الذي تزعمه السعودية اليوم.

السعودية ملزمة ـ وفق عقود التسلح مع الغرب وخاصة اميركا ـ بان لا تستخدم سلاحها ضد اسرائيل، في أية معركة تنشب. وهو ما حدث بالفعل في كل معارك اسرائيل، ابتداء من احتلال لبنان عام 1982، وانتهاء بحرب لبنان الثانية 2006، وما تلاها من حرب على غزة 2008.

ما يجعل هدف شراء السعودية للسلاح أمرٌ آخر غير مواجهة اسرائيل.. ليس هو فقط (الإتفاقات مع موردّي السلاح التي تحظر على السعودية نقل سلاحها الى دولة أخرى بدون موافقة البائع، والتي تحظر عليها استخدام أسلحتها في "الهجوم" على اسرائيل).. بل وأيضاً، هناك أسباب أخرى غير ما أثبتته التجربة.. من بينها أن السعودية ليست مشاركاً وشريكاً في دعوات السلام مع اسرائيل فحسب، بل وأنها أيضاً كانت ممولاً لها ولمؤتمراتها بما فيها مؤتمر مدريد وما تمخّض عنه، فضلاً عن المبادرات التي سبقت ذلك (مبادرة فهد للسلام التي انطلقت من مؤتمر القمة العربية في فاس بالمغرب 1982؛ والتي تطورت وفرّخت، ونبت عليها الريش لتصبح في مؤتمر قمة بيروت عام 2003م (مبادرة السلام العربية)!

لا السعودية تعتبر اسرائيل خطراً عليها، ولا الأخيرة تتمنى زوال نظام مثل نظام آل سعود؛ وبالتالي تتمنى إضعافه لأنه عدو أو حتى منافس.

ولقد حدث أن اخترقت الطائرات الإسرائيلية ـ ولاتزال ـ المجال الجوي السعودي؛ وغالباً ما تتعمد اسرائيل ارسال طائراتها فوق قاعدة تبوك الجوية في الشمال الغربي السعودي، وكانت ترمي في بعض الأحيان بخزاناتها الإضافية الفارغة في الأراضي السعودية. واستمرت اسرائيل في فعلها هذا لسنين طويلة ولاتزال؛ ولكن السعوديين لم يشكوا إسرائيل بشكل علني ولدى الأمم المتحدة إلا مرة واحدة قبل نحو سنتين!

أضف الى ذلك، لطالما اخترقت قوارب اسرائيل العسكرية المياه الإقليمية البحرية السعودية وفي ذات المنطقة، منطقة الشمال الغربي للمملكة، بالقرب من العقبة ومرفأ إيلات الصهيوني؛ حتى أنه حدث وقبل بضع سنوات أن نُشر في الصحافة بأن أحد القوارب الإسرائيلية غاص في المياه الضحلة السعودية، ما دفع بخفر السواحل السعودي ـ وبناء على أوامر عليا ـ بأن يعمل لساعات طويلة على جرّ القارب الصهيوني الى المياه العميقة.

أكثر من هذا، يتحدث المواطنون السعوديون في منطقة تبوك، عن نشاط اسرائيلي في ترويج المخدرات في تلك المنطقة بالتعاون مع بعض الأردنيين. ويشار دائماً الى أن كميات من المخدرات تلقيها القوارب الإسرائيلية في المياه البحرية السعودية كيما يلتقطها ضباط سعوديون ويقومون بتسويقها وترويجها.

إن السعودية واسرائيل اليوم هما أقرب الى بعضهما من أي وقت مضى؛ وهما تتشاركان الهموم: (مواجهة إيران، وسوريا وحزب الله وحماس)، وتنسقان الجهود لتغيير توجه باراك أوباما تجاه إيران ليكون حازماً معها ولتدفعا أميركا دفعاً الى مواجهة مباشرة عسكرية، وقد نجحت الدولتان في هذا الأمر الى حد غير قليل.

وقد التفتت الإدارة الأميركية منذ بداية التسعينيات الميلادية الماضية الى حقيقة تصاعد التنسيق بين السعودية وإسرائيل؛ بما فيها التنسيق معاً من أجل الإطاحة بحكم حافظ الأسد بعيد ما سمي بحرب تحرير الكويت! ويقال بأن الأميركيين هم من أوقف المحاولة الإنقلابية قبل أن تبدأ. فكأن ما قام به السعوديون قد جاء مكافأة للسوريين للدخول في الحرب الى جانبهم ضد قوات صدام حسين.. وكانت خشية الأميركيين ان تنكشف مثل تلك العلاقات فتؤثر على استقرار السعودية نفسها. لكن السعوديين لم يكونوا يعبأون بالرأي العام المحلي، أو العروبي، أو حتى الإسلامي، خاصة الملك فهد. ولكن تجربة حرب لبنان 2006 كشفت أموراً أكثر فظاعة، حيث تعددت قنوات الإتصال السعودي الإسرائيلي (بطولة الثلاثي مائير داغان/ رئيس الموساد وبندر بن سلطان وتركي الفيصل).. الى حد اعتبار السعودية الجيس الإسرائيلي أداة لتنفيذ الأجندة السياسية المشتركة بينها واسرائيل!

كان أيهود أولمرت وقادة اسرائيليون آخرون يقولون مراراً: ان دولاً عربية تطالبهم بأن لا يوقفوا حرب تموز إلا بعد القضاء على حزب الله! وكان الجميع يدرك بأن الموقف السياسي السعودي من الحرب كان يمثل الغطاء المناسب لاستكمال دائرة الحرب الصهيونية (المقصود بيان السعودية الذي مثل موقف السعودية من الحرب الصهيونية، واعتبرت ما قام به حزب الله مغامرة ملقية اللوم عليه وعلى حماس في كل ما يجري).

في تلك الفترة أيضاً.. كان بندر بن سلطان يجري اللقاء تلو الآخر مع رئيس الموساد في أماكن متعددة من عمّان (بتغطية وسمسرة من ملك الأردن) يتباحثان فيها حول شجونهما المشتركة؟!

فهل هذا هو وضع دولة تشتري سلاحاً لمحاربة إسرائيل؟

هل من يصرّ على مبادرة الإعتراف المجاني باسرائيل ويمضي في خط الإستسلام يريد حرباً مع اسرائيل؟

وهل أميركا والغرب تمنحان او تبيعان سلاحاً لأي أحد إن كان سيوجّهه لإسرائيل؟

وهل السعودية التي تعتبر محمية اميركية ـ غربية، ولا يستطيع نظامها السياسي البقاء بدون الحماية الغربية.. هل هذه الدولة السعودية تستطيع أولاً، وتجرؤ ثانياً، على استخدام أسلحة اشترتها من الغرب، وتخالف شروط الإستخدام وتوجهها لإسرائيل؟!

هنا يأتي السؤال الأكبر في موضوع السلاح السعودي وعلاقته بالموضوع الإسرائيلي. وهو: إذا كانت اسرائيل لا تخشى السلاح السعودي أو تسليح السعودية عامة، كما قيل في هذه الصفقة الأخيرة ذات الستين مليار دولار، فلماذا إذن يثير اللوبي الإسرائيلي الكونغرس ضد صفقات الأسلحة السعودية؟

يمكن تلخيص الإجابة في التالي:

أولاً ـ أن صفقات الأسلحة السعودية كانت تمرّر جميعاً عبر الكونغرس، رغم كل التهويل الذي يصاحبها، بما فيها صفقة الأواكس التي تمت في 1981، والتي أثارت جدلاً غير مسبوق. حيث دفعت السعودية ثمن الطائرات ولكنها لم تفد العرب حين اخترقت الطائرات الإسرائيلية الأجواء السعودية وتوجهت لقصف مفاعل تموز النووي العراقي الذي كان في طور الإنشاء.

ثانياً ـ الإثارات الصهيونية هدفها الواضح ابتزاز الأميركييين. والصفقات السعودية هي من يوفّر لإسرائيل أفضل الوسائل لتحقيق ذلك الإبتزاز.

كيف؟

مقابل كل صفقة تعقدها السعودية تحصل اسرائيل على ثمن مجاني: سلاح وغيره!

هذا هو الوضع مختصراً.

حتى هذه الصفقة السعودية التي طرحت على الكونغرس، ظهر في الأخبار (15/9/2010) طلب اسرائيلي للحصول على طائرات اف ـ 35 (20 منها) المتطورة اضعاف تطور الـ اف ـ 15 السعودية والتي سحبت منها مخالبها وعينها وأهم أجهزتها، فصارت صفقة طائرات بلا أنياب ولا مخالب ولا عيون حتى، كما علق المعلقون. مع ملاحظة أن طائرات الإف 15: (اعتراضية/ دفاعية) قديمة فعمرها يصل الى اربعين سنة، وما لدى السعودية منها استلمته عام 1978م.

أما الإف ـ 35 فهي أحدث ما في الترسانة الأميركية على الإطلاق، وسوف تمرر الصفقة الإسرائيلية جنباً الى جنب الصفقة السعودية. ولكن يا لرخص الصفقة الإسرائيلية، 20 طائرة يتراوح سعرها بين 1.8 ـ 2 مليار دولار (سعر الطائرة بين 90 و 100 مليون دولار) ويعتقد على نطاق واسع بان اسرائيل لن تدفع ثمن الطائرات على الإطلاق كما جرت العادة، وانما يجري التخلص واسقاط تلك الديون لاحقاً، أو تعتبر دعماً إضافياً، أو تستقطع من المعونة السنوية المتصاعدة من اميركا لأسرائيل، أو أي عذر آخر.

وفي وقت سابق لم تقبل اسرائيل بيع اميركا السعودية الأواكس عام 1981، إلا بعد أن استلمت وعداً قاطعاً بأن تشارك السعودية واميركا المعلومات التي تجمعها الأواكس!!

معلومات الأواكس من أين تأتي، وعن من تجمع المعلومات؟!

بالطبع فإن الأواكس لن تجمع معلومات عن اسرائيل!!

وإنما عن الدول العربية والإسلامية: العراق، وسوريا، وإيران وربما حتى مصر ايضاً!!

الصفحة السابقة