مات أم لم يمت..

القسمة بدأت بين عبد الله ونايف قبل رحيل سلطان

محمد الأنصاري

صمت مشوب بالحذر ساد الأجواء بعد عودة الأمير سلطان الى الديار بعد غياب دام قرابة العام قضاه في العلاج من مرض السرطان في الجهاز الهضمي. هناك دون ريب من همس سراً أو خوفاً بشأن عجز الأمير سلطان عن القيام بأدواره المعهودة، فقد خفّف من جولاته، ولقاءاته..وسطواته (بكل المعاني المحتملة)، حتى بدأ (الفأر يلعب في عب) كثيرين من أن الرجل ليس كما قيل بأنه شفي مم ابتلاه به الله جلّت قدرته وعظمته قاهر الجبابرة والفراعنة.

في غضون ذلك، كان هناك حديث طويل عن سبب عودته المبكرة، ومن بين أهم فقراتها أنه (لحق على عمره) قبل أن ينجز الملك عبد الله ونائبه الثاني صفقة ثنائية يتقاسمان فيها شؤون الحكم بما فيها حصة الأمير سلطان، الذي يوشك أن تتداعى عليه الأجنحة بعد أن دنى أجله وقربت منيته. فعاد منتقماً وناقماً، واقتطع الجنوب بأكمله لصالحه بحجة الدفاع عن حياض الوطن من المتسللين (يبدو أن التسلل كما الإرهاب صار مصدر استرزاق ونهب ونفوذ)..

ولكن لكل شيء قانون، ولكل أمة سنّة، ولكن الموت سنّة الحياة، فالرجل الذي كان يحارب بأسنانه لمنع تسرّب خبر موت شقيقه فهد قبل استكمال القسمة بين الأشقّاء والأخوة اللدودين بات اليوم تحت رحمة الموت الذي يصارعه منفرداً، ولن ينفعه وساطة وشفاعة البشرية قاطبة (كل شيء هالك إلا وجهه)، و(قل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ماشاء الله لكل أمة أجل، إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).

في نبأ مفاجىء، أعلن في 28 يوليو الماضي بأن ولي العهد وزير الدفاع والطيران والمفتش العام الأمير سلطان بن عبد العزيز سيصل الى مدينة أغادير المغربية لقضاء فترة استجمام في قصره الخاص تدوم نحو شهرين، بناء على نصيحة أطبائه، وذلك في إشارة على ما يبدو إلى انه عاد ليعاني من مشكلات صحية. وقالت مصادر دبلوماسية لـ (يونايتد برس انترناشونال) نقلتها صحيفة (القدس العربي) إن قرار سفر ولي العهد السعودي وبخاصة في شهر رمضان الذي تحرص العائلة المالكة على قضائه داخل البلاد جاء بناء على نصيحة من الأطباء لتخفيف أعباء العمل الرسمي عن الأمير سلطان وحاجته إلى مزيد من الراحة. وألمحت المصادر إلى أن الأمير سلطان (85 عاما) خضع لفحوص طبية الشهر في المستشفى العسكري في جدة ولكن لم يعلن عن ذلك رسمياً.

الثلاثي الحاكم قد ينقص واحداً قريباً

ورفضت مصادر دبلوماسية غربية تأكيد ما إذا كانت صحة ولي العهد السعودي تتجه إلى التدهور، واكتفت بالقول ليونايتد برس انترناشونال إن حالته الصحية أضعف من صحة أخيه غير الشقيق الملك عبد الله البالغ من العمر 87 عاما.

حسناً، هذا القدر من الإيضاح يكفي لدفع المراقبين للتحليل الى أبعد ما يمكن أن يخفيه الخبر، لأن القرار المفاجىء بالسفر، ولمدة شهرين وأن القرار جاء متزمناً مع فحوصات طبية وأن ثمة نصائح وجّهت للأمير سلطان من الأطباء بعد خضوعه مباشرة لفحوص طبية تجعل الشكوك متزايدة.

قبل ثلاثة أيام من عيد الفطر السعيد، وتحديداً في 7 سبتمبر الجاري انتشر خبر في الامارات العربية المتحدة يفيد بأن الأمير سلطان قد فارق الحياة في المغرب، ما دفع كثير من المراقبين الى إطلاق التوقعات بإعلان الوفاة بعد انقضاء عطلة عيد الفطر، وإجراء الترتيبات النهائية لمرحلة مابعد الأمير سلطان، خصوصاً وأن مشكلة النائب الثاني ستتجدد مرة أخرى في ظل توقّعات بنشوب معركة حكم بين الملك والجناح السديري تنتهي غالباً بتقاسم السلطة بين الجناحين، ما لم تنجح الأجنحة الأخرى في انتزاع مغانم سياسية أو اقتصادية ما.

ما لفت المراقبين هو أن جناح الأمير سلطان نفسه هو من اضطلع بمهمة نفي وفاته. وجاء في خبر تلّقته وكالات الأنباء الخارجية في 9 سبتمبر الجاري: نفى مصدر مقرب من قصر ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز في أغادير المغربية الإشاعات التي راجت بعد ظهر اليوم الثلاثاء (7 سبتمبر) بشكل واسع في السعودية وباقي دول منطقة الخليج عن وفاته. وقال المصدر لـ (يونايتد برس انترناشونال) طالب عدم الإفصاح عن اسمه (أن صحة الأمير مستقرة ولديه استقبالات رسمية هذا المساء في قصره) مؤكداً أنه (لازال يتلقى العلاج المعتاد تحت إشراف أطبائه). وهنا تبدو أول إشارة لافتة، حيث أن الخبر المنشور حين مغادرته البلاد تحدّث عن (فترة استجمام) سيقضيها الأمير بناء على طلب الأطباء، ولكن هذا الخبر يؤكّد أن الأمير يخضع للعلاج، وهذا يكشف عن أن المرض الذي يعاني منه الأمير سلطان مازال باقياً.

ما هو مثير للغرابة حقاً في الخبر، أن المصدّر المقرب من الأمير سلطان نفى خبراً ولكنّه كشف عن خبر آخر لم يعلم به أحد، وإن كان الكشف من باب توضيح اللبس الذي أحاط بخبر موت الأمير سلطان. يقول المصدر أن سبب إشاعة وفاة الأمير سلطان عائدة إلى (وجود خلط بين اسم ولي العهد وبين الأمير سلطان بن تركي بن عبد العزيز نجل شقيق الأمير سلطان والموجود منذ قرابة الأسبوعين في غرفة العناية المركزة بمستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض تحت مراقبة طبية لصيقة لحراجة وضعه الصحي نتيجة إصابته بعدة أمراض من بينها التهابات حادة في الرئتين). والخبر كما يظهر ينطوي على إشارات بعضها مفهوم والبعض الآخر يثير فضول البحث عن دواعي الكشف عنه، لأن إخراج الخبر بهذه الطريقة يعتبر مثيراً، وأيضاً إبداء حالة الأمير سلطان بن تركي هو الآخر مثير..أليس في المبالغة بالتشديد على حالة الأمير سلطان بن تركي مدعاة للتركيز على خلفيات الإشاعة، بل خلفيات صحة الأمير سلطان نفسه.

نشير الى أن الأمير سلطان الذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء أتمّ فحوصا طبية بعد عملية جراحية أجريت له في نيويورك في فبراير/شباط العام الماضي لم تعلن تفاصيلها إلا أن إشاعات تحدثت عن إصابته بالسرطان.كما خضع لعملية لإزالة ورم في الأمعاء في السعودية في 2005 .

وتولى الأمير سلطان وزارة الدفاع منذ العام 1962 وحتى الآن وعلى الرغم من أن ابنه خالد هو أحد نوابه إلا انه لا يحتمل أن يخلف والده في وزارة الدفاع (لافتقاده قاعدة القبول والشعبية لدى الرأي العام السعودي وخصوصا في قطاع القوات المسلحة) على حد تعبير دبلوماسي غربي مطلع على شؤون منطقة الخليج.

الصفحة السابقة