ظنّ نفسه في الرياض يستطيع فعل ما يريد فقتله وغسل الدماء التي لطخت يداه!

فلسفة الحكم وراء قتل الأمير الشاذّ لخادمه

جريمة الأمير السعودي الشاذّ واضحة، لا لبس فيها، ولا إمكانية للتغطية عليها،
وهي جريمة قتل ضد إنسان، أي أنها بلغت أقصى الاقترافات

سعد الشريف

ما كان لجريمة في مكان مشهور أن تطوى بسرعة، أو تكون العدالة الضحية الكبرى كما كانت قبل أكثر من عامين حين قرّر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير وقف التحقيق في قضية الرشاوى المتعلّقة بصفقة (اليمامة). جريمة واضحة لا لبس فيها، إرتكبها أمير سعودي في فندق لاندمارك على شارع مارلبون، القريب من متحف الشمع الشهير.

الأمير القاتل والشاذّ (يسار) مع محاميه أثناء المحاكمة

لا ريب أن الملك وكبار الأمراء قد تحرّكوا لحظة الإعلان عن وقوع الجريمة، ولا ريب أيضاً أنهم سعوا لتقليل الأضرار الى حدودها الدنيا وفي مقدّمها منع وسائل الإعلام البريطانية من الحصول على معلومات إضافية وتوظيفها في نقد العائلة المالكة وفسادها ومخالفتها للقانون، كما هو الحال دائماً مع الأمراء والأميرات الذين يأتون الى أوروبا ويعتقدون بأنهم في مأمن من حكم القانون، فيسرقون (نعم يسرقون) من الأسواق، أو يقودون سياراتهم الفارهة بجنون وفي حالة سكر دون مراعاة لأرواح الناس، أو يتبضّعون من المحال التجارية المشهورة دون تسديد الفواتير (ألم تفعلها زوجة الأمير نايف قبل أكثر من عام في فرنسا)؟!.

الأمير الشاب الذي جاء الى لندن بعقلية صاحب السلطة المطلقة، اعتقد للوهلة الأولى أن بإمكانه فعل ما يشاء وفي نهاية المطاف الإفلات من العقاب، فأفرغ كل غرائزه الطفولية في خادمه الذي تكشف الصور الملتقطة من داخل المصعد أن الخادم استسلم لطيش الأمير وجنونه، وهو ما شجّعه للإيغال في الجريمة والاستمرار في الضرب بطريقة وحشية قبل أن يستدرجه الى الفراش وخنقه حتى الموت.

حين عثر البوليس البريطاني على جثة الخادم بندر عبد العزيز لم يكن يدرك الأمير بأن جريمته الوحشية ستقوده الى السجن، اعتقاداً منه بأن (الأعمام) سيتدخلون، وقد حدث في حالات سابقة أن قام الأمراء بالتدخّل لدى سلطات أجنبية (وللأسف حتى أوروبية) وأعادوا بعض الأمراء المتورّطين في جرائم وإن لم ترتق الى مستوى القتل. مشكلة الأمير سعود بن عبد العزيز بن ناصر آل سعود أن جريمته صافية، لا لبس فيها، ووقعت في مكان مشهور، أي غياب إمكانية إخفاء الجريمة أو التغطية عليها، والأخطر من ذلك كله أنها جريمة قتل ضد إنسان، أي بلوغ أقصى ما يمكن للإنسان أن يقترفه ضد بني الإنسان، وهنا يصبح أقوى شفيع عاجزاً مهما بلغ نفوذه وشبكة علاقاته عن إنقاذ (قاتل) من العدالة. وليتخيّل المرء لو أن عائلة الضحية جاءت الى بريطانيا وطالبت السلطات القضائية بإبلاغها بمجريات التحقيق، وحصلت على إجابة من نوع: لقد تدخّل الأمير الفلاني أو الأمير العلاّني لدى الحكومة البريطانية واضطرّت الأخيرة لجهة الحفاظ على مصالحها القومية بالإستجابة لرغبة الجانب السعودي! هل يمكن تخيّل وقوع مثل هذا السيناريو؟ نعم ولكن، في حالة واحدة إن كانت القضية ليست مرتبطة بجريمة قتل، أو مخالفة لم تقع في مصيدة الكاميرا أو مطابخ وكالات الأنباء أو الصحافة. ولو فعل أي مسؤول سياسي أو قضائي خلاف ذلك، لربما سقطت الحكومة في أي فورة إعلامية وطنية كالتي شهدنا مثيلاتها في عهود سابقة منذ أيام السيدة الحديدية ثاتشر مروراً بحكومات جون ميجر، وتوني بلير، وأخيراً جوردن براون.

نعود الى جريمة الأمير القاتل، والتي وقعت في 15 شباط (فبراير) الماضي، حيث أقدّم الأمير سعود (34 عاماً) على خنق خادمه بندر عبد العزيز (32 عاماً)، الذي وُجد مقتولاً خنقاً في غرفة في فندق لاندمارك الفخم في حي مارليبون وسط لندن، وألقي القبض على الأمير من قبل البوليس البريطاني الذي اقتاده الى مركز التوقيف على ذمة التحقيق ريثما تبدأ المحاكمة.

بغرفة 312 في فندق لاندمارك بلندن وقعت جريمة القتل

وفي الخامس من أكتوبر الجاري أقر الأمير القاتل سعود بن عبد العزيز بن ناصر آل سعود أمام محكمة أولد بيلي في لندن، المحكمة الجنائية الرئيسة في انكلترا، بالتسبب بمقتل خادمه بندر عبد العزيز. وأكّد جوناثان ليدلو، المدعي العام البريطاني في القضية، أمام المحكمة في الخامس من أكتوبر أن الأمير سعود (اعترف بقتل مساعده). وقال ليدلو إنه يتعيَّن على لجنة المحلفين أن تقرر بالتالي ما إذا كان الأمير سعود مذنبا بالقتل العمد، أم القتل الخطأ. وأضاف المدّعي أنه (تمّ العثور على القتيل بعد تعرضه للضرب والخنق في الفراش في الغرفة التي كان يشترك فيها مع الامير). ولفت المدّعي الى (أن الاصابات التي ظهرت على القتيل ومن بينها اثار عض على الخدود، تظهر ضراوة الهجوم الذي تعرض له).

وأكّد المدّعي أن الامير هاجم خادمه عدة مرات في السابق، سجّلت إحداها كاميرا أمنية في مصعد فندق لاندمارك منذ الثاني والعشرين من شهر يناير/كانون الثاني المنصرم. وقال المدّعي أن الأمير سعود زعم أنه وخادمه أصدقاء.

وكانت المحكمة قد علمت أن بندر عبد العزيز قُتل (أثناء تواجده في الغرفة التي كان يشترك بالإقامة فيها مع المدَّعى عليه). لكن الأمير القاتل زعم أنه كان يعامل مساعده كـ (صديق وعلى قدم المساواة) مع نفسه (الكليشة الجاهزة لدى الأمراء). هذه المساواة كشفت عنها المحكمة البريطانية حيث علمت بأن الأمير القاتل كان قد اعتدى على القتيل عدة مرات قبل أن يفارق الحياة. وعندما عُثر على جثة بندر عبد العزيز في الفندق المذكور، زعم الأمير سعود أن القتيل كان قد تعرض للهجوم والسلب قبل ثلاثة أسابيع من مقتله. وجاء في عريضة الإتهام أن الأمير سعود (هو من نفَّذ عملية القتل)، وأن الإصابات العديدة التي وُجدت على جثة بندر عبد العزيز، ومنها عض على الوجه، أظهرت بوضوح (وحشية الهجوم الذي كان قد تعرض له).

وكان الأمير سعود قد نفى في آيار (مايو) الماضي أمام المحكمة التهم التي وجهتها إليه الشرطة البريطانية بقتل مساعده وبإلحاق الأذى الجسدي الخطر به في شهر فبراير الماضي. وقد خلص تشريح الجثة إلى أن بندر مات نتيجة الخنق والإصابات التي تعرض لها في الرأس.

يُشار إلى أن الأمير سعود بن ناصر أقام مع مساعده بندر عبد العزيز في فندق لاندمارك منذ العشرين من شهر يناير/كانون الثاني الماضي كجزء من (عطلة جرى تمديدها). وقد عُثر على جثة بندر في الغرفة رقم 312 من الفندق المذكور، حيث كانت وسادته ملطخة بالدماء.

الأمير يعتدي على الضحية في مصعد الفندق

وأبلغ الأمير الشرطة خلال التحقيق أنه كان ليلة الحادث يشرب في الحانة (البار) التابعة للفندق المذكور حتى ساعات الصباح الأولى قبل أن يعود إلى غرفته. وقال إنه عندما استيقظ حوالي الساعة الثالثة من بعد الظهر بتوقيت غرينتش، لم يستطع إيقاظ بندر.

ووجدت المحكمة أن تحاليل بقع الدم التي كان قد عُثر عليها في الغرفة (جاءت متسقة مع فرضية أن القتيل كان قد خضع لسلسلة من الاعتداءات المنفصلة قبل قتله). وقال ليدلو: (لقد حاول الأمير سعود إزالة بعض بقع الدم، وقام بغسل بعض الملابس الخاصة بالقتيل، والتي كانت ملطخة بالدماء).

صحيفة (ديلي ميل) كشفت في 5 أكتوبر الجاري بأن المحكمة ذكرت بأن الدافع الجنسي كان وراء قيام الأمير سعود بقتل خادمه، حيث قالت الصحيفة بأن (حفيد شقيق الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز كان شاذاً جنسياً). وقد استمعت المحكمة، وفق ما نقلته الصحيفة الى شهادات العديد من العاملين في الفندق، وشاهدت العديد من الصور التي التقطت بكاميرات المراقبة اثناء إقامة الاثنين في لندن. وأظهرت صور كاميرات المراقبة في الفندق أن القاتل قام بتوجيه إهانات قاسية وصلت حد الأذى الجسدي في الثاني والعشرين من يناير وفق ما علق به المدعي العام. واضاف الاخير ان بندر قتل اثناء إقامته مع الامير لوحدهما في الغرفة، كما كشفت مراجعات لأشرطة كاميرات المراقبة قيام الأمير في عدة مناسبات بإهانة خادمه مضيفاً (لقد أظهر وجود آثار للعض على رقبة الضحية أن هناك عاملاً جنسياً في إساءة معاملة الضحية، ووجود اثار للعض على رقبته وخدوده علامة واضحة للعلاقة الجسدية).

وتم ضرب الضحية بالقبضة في وجهه، وتم خنقه وضربه، حيث تسبب ذلك في جروح عميقة على شفته وأدّى ذلك إلى كسر أسنانه وفق المدعي العام (لقد حاول الدفاع إقناعنا بأن الأمير سعود بن عبد العزيز وخادمه بندر كانا أصدقاء، لكنهما لم يكونا كذلك، لقد كان بندر مساعده إن لم يكن خادمه). وقد أظهرت صور أخرى لشريط المراقبة يعود للخامس من يناير 2010 قيام الامير سعود بركل الضحية، وتوجيه إهانات قوية بحقه في الثاني والعشرين من يناير الماضي). وقال المدعي العام أيضاً (إن الدفاع يريد أن يقدم القاتل على انه يميل نحو الجنس الاخر، لكن الدلائل تؤكد وبصورة مستمرة أنه شاذ جنسياً وله ميول نحو ذلك الاتجاه).

وقد استمعت هيئة المحلفين الى بعض تفاصيل انتقال الأمير وخادمه الى لندن، حيث انتقل الامير سعود بن عبد العزيز عبر الطائرة في الدرجة ال، وقد عاش الاثنان حياة صاخبة في لندن حيث كانا يزوران النوادي الليلية حتى وقت متأخر ثم ينامان حتى ساعات الظهر (وإنهما كانا في علاقة جنسية تجمعهما وأنهما كانا شاذين).

الضحية بندر، 32 عاماً

وقال شاهدان استمعت لهما المحكمة وهما بائع الخمر في النادي الليلي التابع لفندق ومدير أحد المطاعم أن الأمير طلب منه الخروج، كما كشف جهاز كومبيوتر تابع للأمير أنه تبادل رسائل جنسية مع شاذين وكان يزور مواقع للتعارف الاجتماعي بين الشاذين.

وقدّم المدعي العام رؤيته لما حصل ليلة الحادي والعشرين من يناير بالقول أن الإثنين عادا الى الفندق الساعة الرابعة صباحاً، وانتقلا الى غرفتهما بالمصعد حيث قام الامير عبد العزيز بضرب خادمه بقبضات يده وكوعه (وأصبح الضحية في هذه اللحظة مستسلماً تماماً). ولم يترك القتيل بندر عبد العزيز غرفته حتى مساء الرابع والعشرين من يناير حينما توجه لتناول العشاء في المطعم حيث لاحظ احد القائمين على الخدمة فيه إحدى شفتي بندر وقد تورّمت وكان يبدو أنه يواجه صعوبة في الأكل.

كما لاحظ احد الحمّالين بعد عدة ايام وجه بندر متورماً وقد بدا عليه كما لو أنه تعرض لضرب مبرح، فأقنع بندر بضرورة تأجير سيارة تاكسي والذهاب الى المستشفى وهو ما حصل (لكنه بدا متردداً حينما كان يبلغ الشرطة عن أسباب الإصابة). وقالت احدى العاملات في قسم الحوادث والطوارئ في مستشفى سانت ماري أنها كانت أسوأ إصابة من نوعها شاهدتها واتضح انها كانت شديدة وانه كان بحاجة الى جراحة.

في ليلة مقتله، طلب الضحية حجزاً في فندق ايطالي وفي نادي ويسكي ميست الليلي في فندق الهلتون الساعة الواحدة صباحاً.

وأظهرت صورة المراقبة الامير وخادمه يدخلان فندق جميرا كارلتون قبل الذهاب الى مطعم سينغور ساسي، وقد أظهرت الصور فيما بعد قيام القاتل بتوجيه ضربات الى الضحية. لكنهما لم يكملا طريقهما المخطط له لتلك الليلة حيث عادا الى فندق لاندمارك وطلب الامير قنينة شامبين وستة اقداح من شراب الكوكتيل المعروف في الفندق باسم (الجنس على الشاطئ 3). وأظهرت صورة كاميرات المراقبة الامير عبد العزيز وخادمه بندر يغادران الساعة الواحدة وثمان دقائق، وفي الساعة الواحدة واربعة عشر دقيقة يتوجهان الى المصعد ليصعدان الى الطابق الثالث. وقد سمع احد القاطنين بالمقربة من غرفة الامير اصوات نقاشات عالية بالاضافة الى قطع الاثاث يتم تحركيها من مكانها.

واتصل الامير بعبادي عبد الله أحد العاملين في السفارة السعودية الساعة الثالثة والنصف مساءً قائلاً إنه استيقظ من نومه وفشل في ايقاظ بندر مضيفاً (لقد اعتقد القاتل أن بندر بحاجة ليتم نقله الى المستشفى). وصل عبادي عبد الله الى الفندق الساعة الرابعة والنصف مساء وطلب من القاتل الذي كان يبكي أن يتصل بالاستقبال بعد أن سأله ان كان قد اتصل قبل ذلك فأجاب القاتل بالنفي (لكن السيد عبادي كان يخشى من وفاة بندر قام باجراء الاتصال بنفسه).

وحينما قيل أن بندر قد مات (تنهد الامير)، وقد أكّد تقرير الطبيب الشرعي أن وفاة بندر كانت بسبب جروح في الرأس والرقبة والبطن، فيما عثر خبير آخر على آثار للعض على خدوده. وقال المدعي العام ان الامير اعترف بقيامه بقتل خادمه ولكن على هيئة المحلفين القرار اذا كان القتل عمداً أم بالخطأ.



الصفحة السابقة