السعودية تخسر إن تم التمديد للمالكي

غضبت على المالكي ولم يغضب أحدٌ لغضبها!

عبدالحميد قدس

اذا أصبح المالكي رئيس وزراء العراق القادم، فإن أبرز معاني بقائه في السلطة: خسارة مؤكدة للسعودية ولنفوذها الذي تحلم به في العراق.

السعودية لم تبن نفوذاً حتى الآن في ذلك البلد، وقد استثمرت فيه عبر تمويل العنف والتطرف المذهبي، وتخريب العملية السياسية، أكثر مما استثمرت لكسب أي من اللاعبين السياسيين، سنّة أو شيعة أو كرداً أو حتى تركمان!

وهنا لا داعي لأن يتباكى السعوديون على وضع العراق ونفوذهم فيه، إذ أنهم لم يربحوا شيئاً كثيراً منه حتى يخسروه.

لم يكن العراق في تاريخه الحديث كلّه ـ منذ تأسيسه كدولة في العشرينيات الميلادية من القرن العشرين ـ إلا على خلاف وعداء مع السعودية.

ولم تكن الأخيرة في تاريخها تحلم أو حتى تريد أن يكون لها موطء قدم في العراق. العراق بالنسبة للسعودية مصدر خطر وليس فاكهة سهلة قابلة للقطف.

هو كذلك اليوم رغم أنه تحت الإحتلال. فالأميركي والإيراني والتركي والسوري كما الكويتي والسعودي والأردني تنتابهم جميعاً الحيرة والعجب بين فينة وأخرى، تجاه ما يمكن لهم أن يفعلوه في هذا البلد المحتل، وكيف يمكن التعامل مع شعب صعب المراس وغير قابل للتطويع، مثل الشعب العراقي!

السعوديون يدركون أن العراق حتى وإن كان محكوماً سنيّاً طيلة القرن العشرين، فإن سنّته ـ حكاماً ومحكومين ـ لم ينظروا يوماً الى آل سعود إلا كزمرة موالية للغرب بل هي أداة بيده يستخدمها في الطعن في الحقوق العربية. ولازال السنّة في العراق اليوم في أكثرهم ضد السعودية التي يرون أنها هي التي فتحت الأبواب لقوات الغزو الأميركي لاحتلال بلدهم والإطاحة برموز سلطتهم.

لكن السعوديين أنفسهم ـ ونقصد الأمراء الحاكمين ـ يعزون ألمهم لما يجري في العراق.. لا شفقة على أهله الذي أُحرق بسنته وشيعته، كرده وعربه، بأموال السعودية وأفكار وهابييها المتطرفين.

ولا لأنهم ـ أي السعوديين ـ خسروا لهم مواقع بارزة فيه كانت بيدهم من قبل.

ولا لأن ما يجري سيؤدي الى خطر أمني داهم بالسعودية كدولة.

ولا يعود الألم السعودي الى غيرة عربية وهي تجد العراق مسرحاً لنفوذ دول غير عربية.. إذ لو كان الأمر كذلك، إذن لظهرت الغيرة ضد الإحتلال الأميركي، وضد النفوذ الإسرائيلي خاصة في كردستان العراق، التي انخرط الأمراء السعوديون في الإستثمار فيها جنباً الى جنب الإسرائيليين!. وإذن لاحتجت السعودية على النفوذ التركي في العراق، عبر عن نفسه عبر تدخلات عسكرية، وهو نفوذ متعدد المشارب الإقتصادية والسياسية والأمنية، وشمل التركمان والسنّة والشيعة والأكراد شمالاً وجنوباً.

مشكلة السعودية وألمها يعود الى الوتر المذهبي الذي تريد أن تلقي عليه خسارتها وفشلها وخيبتها.

السعودية لديها عقدة من إيران. وقد توافق الأمر هذه المرّة، فإيران مكروهة مذهبياً، وهي الآن مكروهة سياسياً، فكيف سيكون الحال إن اجتمع الكره الإسرائيلي والأميركي مع الكره السعودي؟

المالكي لم يكن مرشحاً لإيران، بل مرشح الأميركيين بدرجة أساس. وأكثر جهة مقربة من ايران (المجلس الأعلى) رفضت المالكي حتى الآن.

رئيس الوزراء تعيّنه الأكثرية الشيعية، والمالكي أقوى مرشح بين تلك الأكثرية ومن الصعب تجاوزه. وحتى حزب الدعوة ليس لديه مرشح أفضل من المالكي.

وبالرغم من قربه من الأميركيين.. فإن السعودية لا تريد المالكي، لأنه أبدى قدراً من الصلابة في العلاقة معها، وهذا ما سبب نفورها منه.. مع ان السعودية كان بإمكانها ان تلاحظ بأن المالكي أزعج السوريين والإيرانيين وحتى الاميركيين، وما كان يجب أن تأخذ الأمور بانفعال شخصي، متصورة بأنها تستطيع أن تملي على العراقيين من يحكمهم وكيف يحكمهم. إن هذا الأمر لم تستطعه أميركا وإيران اللتان تتقاسمان النفوذ الأكبر في العراق.

السعوديون وضعوا لهم سقفاً عالياً من الأهداف في العراق؛ ولم تكن لديهم لا القدرة ولا المكانة ولم يبذلوا أدنى الجهد لتحقيقها.

لا الأميركيون كانوا قادرين أو راغبين في تحقيق كل أهداف السعودية في العراق، ولم يكونوا يعملون ضمن السياسة السعودية بل العكس.

حتى كتابة هذه الأسطر، يبدو ان المالكي هو مرشح التسوية (الأميركي/ الإيراني). ويبدو ايضاً انه الأقرب الى كرسي رئاسة الوزراء. ولا يبدو ان الدول المجاورة الأخرى مؤثرة في اعتراضها عليه إن كان هناك اعتراض أصلاً. فقد تحسنت علاقة المالكي مع سوريا، وتم استقبال وفد من حزب الدعوة في دمشق، كما تمت اعادة علاء الجوادي سفير بغداد لدى دمشق وهو من حزب الدعوة، ليتوج كل ذلك بزيارة المالكي الى دمشق وهي أشبه ما تكون بزيارة اعتذار.

وتركيا كما الأردن تريان ان مصالحهما أفضل في عهدة المالكي، ولا يمكن للأردن ان يجرؤ بإقحام نفسه في الموضوع الداخلي العراقي، وإلا خسر المساعدات العراقية!

وحدها السعودية التي تناطح الجبال، جهلاً لا شجاعة.

ومع هذا تقول بانها تقف على مسافة واحدة من اطراف الصراع!! وهي ذات العبارة التي تستخدمها حين الحديث عن لبنان!! ولكن هل يصدق ذلك أحد؟!

المالكي ليس دمية، وهو ليس نسخة من علاوي، او حتى من الجعفري. لقد قررت السعودية عدم التعاون معه، رغم انه ـ ومن باب تأكيد استعداده لعلاقة طيبة مع السعودية ـ زار اول مازار الرياض بعد توليه رئاسة الوزراء في الفترة الأولى.

تصورت السعودية أنها اذا غضبت على المالكي فإن العالم كله سيغضب لغضبها!.

اذا غضبت عليك بنو تميم/ حسبت الناس كلهم غضابا

هذا القول لم يصدق على السعودية، وإن كان بنو تميم موالين لآل سعود فعلاً!

لم يعد مهماً كثيراً إن غضبت السعودية أم لم تغضب.

ولم يعد مثيراً أن السعودية لم تفتح سفارتها في بغداد، فقطار الرياض بغداد تأخر وصوله كثيراً، وتحول الركاب الى خطوط أخرى.

يقال بأن السعوديين غاضبون على الأتراك والسوريين، حيث يقال بأن هناك تفاهمات سعودية معهم لدعم المرشح السعودي لرئاسة الوزراء (علاوي) أو على الأقل رفض ترشيح المالكي. الآن تبين بأن طهران وواشنطن لهما الكلمة الفصل. وأن اتفاق طهران ـ دمشق هو الذي يحدد من يحكم العراق.

السعوديون قالوا لأنفهسم بأن الفيتو السعودي كفيل بإسقاط المالكي وأي مرشح من الشيعة لرئاسة الوزراء عدا الأثير (علاوي). وقد كان الخطاب السعودي السياسي هنا واضحاً واستعلائياً الى حد بعيد: (المالكي يعلم ما تريد منه المملكة) (على المالكي أن ينفذ ما وعد به المملكة) (المالكي مجرد صدام صغير) كما تقول الشرق الأوسط!

لكن السعوديين طفح بهم الكيل بمجرد أن تم ترشيح المالكي لرئاسة الوزراء نيابة عن الإئتلاف الوطني العراقي.

كل الساسة العراقيين والمرجعيات الدينية يعرفون ميول السعودية وانحيازها لمرشحين معينين وأنها لا تحب المالكي ولا غيره ممن لهم نفس الخلفية المذهبية.

مع هذا كتب بعضهم محتملاً أن ترشيح المالكي حظي بتأييد السعودية. فما كان من الأخيرة إلا أن ثارت وفقدت أعصابها، مع ان كلام الجرائد هذا لا أحد يؤخذ به.

لكن السعوديين توقفوا عند التعليقات ليقولوا وبالفم المليان بأنهم غير مرتاحين من ترشيح المالكي، وهو أمرٌ لم يقل به بمثل هذه الصراحة سياسي من الدول المجاورة (سوريا وتركيا وايران والأردن والكويت) فما هذا الذكاء في الخطاب السياسي السعودي؟!

وكالة يو بي آي المملوكة للسعودية ، نشرت في 3/10/2010 تصريحاً سخيفاً وعجيباً لمصدر سعودي مسؤول ينفي فيه ان تكون السعودية (مرتاحة) من ترشيح المالكي لولاية ثانية، واضاف المصدر بأن المملكة (لم تبد رأيها في هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد انطلاقا من مبدئها الذي تسير عليه دوماً وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، وأن ما تم تناقله كذب وافتراء ولا صحة له).

هل هناك حاجة الى نفي ارتياح السعودية!! وبهذه اللغة الحادة، لو لم تكن السعودية مستاءة للغاية من ترشيح المالكي، وليس لانها لا تتدخل في الشؤون الداخلية؟

اعتدنا من السعودية في زمن الأفول المستمر منذ عقدين ان مسؤوليها أضاعوا بوصلتهم، وأن خطابهم السياسي آخذ بالإنحطاط في اللغة، ويتسم برد الفعل الأعمى الذي لا يفكر في المصالح بقدر ما يفكر في التنفيس عن الأحقاد السياسية.

أعقب الموقف السعودي ذاك استقبال الملك عبدالله كأرفع مسؤول لأياد علاوي في 10/10/2010 ومعه وفد كبير ضم عدداً من القياديين البعثيين السابقين، وبينهم اشخاص متهمون بممارسة العنف وتمويله. ترى أية رسالة تريد أن توجهها الرياض الى بغداد؟

العراق غني كما السعودية.

والعراق على علاقة جيدة مع الأميركيين كما السعودية.

وهذا ما يجعل السعودية غير قادرة على تحريض أميركا على الحاكمين في بغداد.

وهي بالقطع غير قادرة على فرض مرشحها (علاوي) وليس أمامها إلا أن تنصحه بأن يقبل بالشراكة، سواء جاءت من المالكي أو من غيره ممن لا ترتضيهم الرياض.

أما فرض الإرادة السعودية على العراق، فولّى زمنها فيما يبدو. هي لم تكن مقبولة في الماضي لكي تقبل في الحاضر.