الإعتراض الإجتماعي المتسارع في السعودية

عرفان علوي

عرفان علوي

بدأ الإضطراب الإجتماعي بالإنفجار في السعودية منذ 23 سبتمبر الماضي. في السنوات الخمس الماضية، كان هذا التاريخ إحتفالياً بوصفه اليوم الوطني السعودي. وبالرغم من أن السخط بين النساء، وغير المنتمين للمذهب الوهابي الرسمي، مثل الأقلية الشيعية، والعمال الأجانب غالباً ما يكون متوقعاً أو حتى موصوفاً، في المملكة، ونادراً ما ينجم عنه حوادث بارزة. ولكن في هذا العام، وفي ذلك الأسبوع، وخلال وبعد العطلة برزت موجة جديدة وواسعة من الإحتجاج.

في هذا العام، شهد اليوم الوطني السعودي شباباً غاضبين في الشوارع الرئيسة في منطقة الحجاز، وهي المنطقة المقاومة للتهديد الوهابي. وبحسب صحيفة (سعودي جازيت)، فإن مائة شاب قد جرى اعتقالهم بعد تفجّر عنف واسع خلال العطلة، وشمل ذلك تهشيم واجهات المحال التجارية، والسيارات في المواقف العامة، وإلقاء علب الزجاج الفارغة، وإشعال الحرائق على الطرق السريعة حول مدينتي الطائف والمدينة.

تميّز الأسبوع اللاحق بالمزيد من الاهتياج العام، وتركّز في أغلبه حول حقوق المرأة. وبالرغم من أن المدارس السعودية غالباً ما يتم انتقادها بسبب تعاليمها الإرتدادية حول غير الوهابيين، وغير المسلمين، وغير الذكور، فقد نقلت ولاء حواري في 26 سبتمبر من صحيفة (عرب نيوز) شبه الرسمية عن الكتاب المدرسي الجديد في (الفقه)، بأن تطبيق الشريعة قد تم دمجه في المنهج التعليمي، بعنوان (الفقه والسلوك). أحد مؤلفي الكتاب، الشيخ يوسف الأحمد، قد تسبب في وقت سابق من هذا العام خضّة حين أفتى بهدم المسجد الحرام في مكة المكرمة وأن يبنى على شكل دائرة، بحيث يتم تخصيص أماكان للرجال وأخرى للنساء. وبدا بأن دافعه في ذلك هو منع الاختلاط بين الجنسين في الطواف.

وهذا الرأي للشيخ الأحمد يتناقض مع أربعة عشر قرناً من التاريخ الإسلامي، حيث لم يكن الرجال والنساء في حال انفصال خلال الرحلات الدينية الى مكة، وخصوصاً الحج أو العمرة. الاحتجاجات ضد دعوة الأحمد للفصل بين الجنسين وصلت أسماع الشعوب الإسلامية قاطبة.

قال الشيخ الأحمد بأن تم تعيينه لتصنيف منهاج دراسي جديد وفق الشريعة تشرف عليه جامعة الإمام محمد بن سعود الوهابية في الرياض، حيث كان محاضراً سابقاً فيها، وحيث يطلق عليها السعوديون (المعمل الإرهابي)، كونّها تبشّر بالتطرف. وأيضاً، يعتبر الأحمد سيء الصيت بسبب اقتراحه منع النساء من العمل كمحاسبات في المحال التجارية الكبرى. من شخص كهذا، سيكون من المؤكّد المنهاج المدرسي السعودي حول الشريعة والسلوك الشخصي ذا طابع رجعي ـ على العكس ما يريده المواطنين السعوديون الشباب. قبل الاعلان عن تبنيّ المنهج الدراسي المعياري، طافت شائعات بأن الكتاب سيتم سحبه، ولكن حتى الآن لا يزال الكتاب في المدارس.

وكما يعرف العالم، فإن النساء السعوديات لسن وحدهن ضحايا إنكار حقوق المرأة. فقد تم رفض منح تأشيرات سفر لسيدة مغربية، وكذلك عوائل مع بنات صغيرات السن، لأداء فريضة العمرة، على أساس جدلية أنهن شابات بأخلاقيات مشكوكة، وليس كمسافرين مسلمين ورعين، ولكن تلبية الحاجات الروحية هي بالكاد الحق الوحيد المنكر للنساء اللاتي يقمن في السعودية. فقد عقدت صحيفة (عكاظ) اليومية مناظرة شرعية حول عجز النساء عن الحصول على عمل بدون إذن محرم، سواء كان المحرم أباً أو زوجاً أو أخاً.

قرابة ربع السكّان في السعودية البالغ تعدادهم 28 مليون نسمة هم من العمال الأجانب. ومن الطبيعي، فإن بعض هؤلاء من تقنيي (العالم الأول) يحصلون على مرتّبات عالية، وهم يعملون في مجال الطاقة وبعض القطاعات ذات الصلة بالتكنولوجية العالية، ويعيشون في مجمعات خاصة وعلى الطراز الغربي. ولكن كثير من هؤلاء هم خدم منازل، وسائقين، وقرويين من القارتين الآسيوية والأفريقية.

مع قرب نهاية سبتمبر، كما ذكرت ذلك صحيفة (سعودي غازيت)، ساءت حالة خادمة هندية حين رفعت (فوكاسا) وهي جمعية إتحادات كيرالا في السعودية، وتمثّل 28 منظمة من المهاجرين من ولاية كيرالا على ساحل الجنوب الغربي من الهند، رفعت عريضة الى وزير الشؤون الهندية في وزارة الخارجية خلال زيارة له للرياض لمنع التعاقد من قبل السعوديين مع النساء الهنديات كخادمات منازل.

وذكر رئيس (فوكاسا) ر. موراليدهران بأن الموظّفات في المنازل مثل سائقي السيارات الخاصة، والخدم الشخصيين الآخرين، ليسوا مكفولين من قبل قوانين العمل السعودية، ويتعرّضون للإبتزاز المثير للغضب وإساءة المعاملة. وسلّطت عريضة (فوكاسا) الضوء على حالات التحرّش الجسدي، والعقلي والجنسي، وكذلك زيادة ساعات العمل، وإرغام العاملات على العمل في بيوت أصدقاء وأقارب المتعاقدين معهم، ومعاملتهم كـ (عبيد)، حيث يمكن بيعهم من قبل المتعاقدين الى ناس آخرين. مجموعة كيرالا ذكرت أيضاً بأنه حين يرغب الموظفون السعوديون التهرب من دفع مستحقات مالية متراكمة، يلقون بالعمال عند السفارة الهندية في الرياض أو يسلمونهم الى مراكز الإبعاد والترحيل، والمعروفة بظروفها القاسية والمزدحمة.

(قانون العمل السعودي) هو شيء شديد التناقض، حيث أن حتى العمال السعوديين المحليين لديهم قلة نادرة من حقوق العمل المكفولة بصورة اعتيادية في الدول المتقدّمة. من المؤسف بالنسبة لشيوخ النفط، أن الغالبية العظمى من العمال الاجانب يأتون من دول حيث أن المعايير موجودة على الورق فحسب، وبعضها يجري تحديثه كيما يتوافق مع العصر. في نهاية سبتمبر، نظّم عمال صينيون متعاقدون يعملون في مشروع إنشاء سكة حديد في مكة إضراباً عن العمل. وقد تطلّب الأمر مترجمين لإبلاغ الشرطة السعودية بأن العمّال لم يتلقوا مرتّباتهم منذ شهور. وبحسب الإعلام السعودي، فإن شرطة مكة تدخّلت للحصول على وعد بدفع المرتّبات للمضربين، الذين عادوا مجدداً الى أعمالهم.

الإعتراضات بخصوص حقوق المرأة، ومظالم العمال، والحريات العامة تشكّل تحدياً متنامياً للحكام السعوديين. الاتصالات الحرة، والتدوين ومواقع الأخبار على شبكة الانترنت باتت منتشرة بصورة واسعة، وقد انطلق نقاش ساخن حين أعلن المشرف على الإعلام المحلي التابع لوزارة الإعلام السعودية، عبد الرحمن الهزّاع على قناة (العربية) بأن قانون الإعلام الإلكتروني الجديد يستوجب ترخيصاً حكومياً من قبل المدوّنين. أثار هذا المقترح غضب مستخدمي موقعي (فيسبوك) و(تويتر)، كونهما قد يخضعان تحت سيطرة الحكومة. سارع الهزاع الى (توضيح) بأن المواقع الأخبارية على شبكة الانترنت تتطلب ترخيصاً، ولكن أصحاب المدوّنات قد يتم مجرد تشجيعهم لتسجيل مواقعهم.

في خضم هذا التنازع، أوصل الهزّاع ملاحظة إيحائية حول المدوّنين: هناك الكثير (من المدونين) حسب قوله، و(ليس في مقدورنا ضبطهم والسيطرة عليهم). وهذا التعليق يمكن أن ينطبق على المناصرين الآخرين لحقوق الانسان في المملكة ـ النساء السعوديات المعارضات للضوابط (الإخلاقية) الوهابية، والعمال الأجانب من الجنسين، وفوق ذلك كله، الشباب.

القوى الإجتماعية في حال تطوّر، وتضغط بإلحاح متنامي ضد قيود الدولة السعودية القهرية.