دولة اللإنسانية

اخترنا في هذا العدد قضية ساخنة مازالت السلطات القضائية البريطانية تتابع تفاصيلها حتى بعد صدور الحكم، وهي ترمز الى حالة العائلة المالكة وعلاقتها بالمجتمع. فقد اعتاد الأمراء أن يفعلوا ما يشاؤون في أرض (أخذوها بالسيف) كما يردد الأمراء الكبار، وقد ذكرها الأميران سلمان ونايف في مجالسهما وشهد سماعهما جمع من الحلفاء والخصوم.

ليست القضية جنائية محض حين يقدم أمير شاذ على قتل خادمه بطريقة وحشية أثارت غضب وحزن ممرضات قسم الطوارىء في مسستشفى (سانت ماري) وسط العاصمة البريطانية، لندن، إنها قضية تتجاوز ذلك كله. إنها فلسفة الحكم ياسادة، فهذه العائلة المالكة تجد في القانون الناظم للعلاقات الإنسانية ضداً تكوينياً، وفي حقوق الإنسان سلاحاً ضد امتيازاتها، التي تكفّل السيف بضمانها. لا لم يمت خادم الأمير عن طريق الخطأ، لأن الفلسفة التي حرّضت الأمير كانت مسؤولة عن اقتراف مثل هذه الجريمة البشّعة التي تدخّلت التكنولوجية الاستخبارية في فضح بعض جوانبها. ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، وقد سبقها عشرات من الحالات من بينها قضية منذر القاضي الشهيرة التي فقد فيها شاب يافع عمره بنزوة من أمير طائش أرداه قتيلاً برصاص من مسدسه الشخصي، وأرغم والد الضحية على تقديم عفو عن الأمير المجرم. فلسفة الحكم هي المسؤولة عن كل الجرائم التي يرتكبها الأمراء في هذا البلد وفي أرجاء العالم.

كانت مواقع الكترونية محلية وأجنبية تتداول قبل أكثر من عام مقطعاً مصوّراً بالبلوتوث لأمير سعودي يقوم بالإعتداء بالضرب على شاب، تارة بالركل وأخرى بالصفع على وجهه دونما أسباب معروفة، فيما تركه (إخوياه) يمارس نزوة التسلّط ضد الشاب الذي بدا مستسلماً، لأنه يعلم بأن (صاحب السمو) لن يطاله العقاب في أي مرافعة قضائية، وأن الضحية سينال عقابه بتهمة إزعاج السلطات، والإبتزاز. السلاح الوحيد الذي كان يحمله الضحية هو عبارة كان يرددها طيلة جولة بطش الأمير المجرم (رجاءً خلاص).

بالمناسبة المقطع المحفوظ على موقع (يوتيوب) تمّت إزالته، فيما احتفظت بعض المواقع بصور للأمير النزق وهو يهوي بيده على رأس ضحيته. ما هو علامة فارقة في تبجّح الأمير الهائج، أنه وهو يقوم بصفع الشاب يرغمه على الإلتفات للكاميرا التي كان يحملها أحد (خوياه)، بحسب ما أظهرته إحدى اللقطات.

حالة الشاب هي الأخرى ليست الأولى، ولولا المياه في أفواه سكّان الرياض وجدّة، لجهروا بما شهدوا وعرفوا من قصص اعتداءات الأمراء على الأملاك والأرواح والحقوق العامة والخاصة، فكم من شاب دُهِس بسيارة (سمو أمير)، ولم يكن غير المال العام الذي يسيطر عليه الأمراء لاجماً لشكوى الناس، وكم من ممتلكات خاصة (بساتين، وشركات، ومعامل، وعقارات) تمّت مصادرتها أو دخل الأمراء شركاء فيها دون وجه حق للحيلولة دون أن تكون الحرائق شريكاً بديلاً، كما فعل الأمير محمد بن فهد في مخازن عدد من التجار في المنطقة الشرقية.

والقبح بالقبح يذكر، من صرعات الأمير إجبار التجار على التبرّع لبناء جامعة بإسمه ثم يفرض على المتقدّمين بطلب الالتحاق رسوماً باهظة. فقد تجاوز الأمراء مرحلة الاعتداء على أموال وممتلكات الدولة، وانتقلوا الى مرحلة العدوان على ممتلكات الناس، وبطريقة تستحضر فلسفة الحكم لدى العائلة المالكة. في سرائرهم، وحين يختلون إلى أنفسهم لا يخشون أحداً في الكون في الجهر باحتقارهم لكل الآدميين على وجه الأرض، ويدلون بأحاديث يربأ الآدامي عن سماعها، لأنها لا تخرج إلا من عقول لا تقيم وزناً لقيم إنسانية أو شرائع سماوية، وإلا مالذي يجعل القانون آخر ما يمكن النظر فيه وإقراره فضلاً عن اعتباره ملاذاً لمن وقع عليه الظلم، ولماذا يضطر المعتدى عليه اللجوء الى المعتدي طلباً للنصفة.

وقد جاء في خبر الأمير الطائش الذي كان يعتدي على الشاب خارج ستاد أحد الملاعب الرياضية بالرياض، أن انتشار المقطع على شبكة الانترنت فجّر شعور الكرامة المهدورة في ضمير ولي أمر الشاب المعتدي عليه بعد أن رأى إبنه وقد أصبح فريسة في يد الأمير النزق، فقرر التقدّم بشكوى إلى إمارة الرياض بطلب رد الاعتبار وحفظ الكرامة. المعلوم من القصة أن تفاصيل الشكوى مجهولة، ولكن ماهو معلوم بالضرورة أن شكوى ولي أمر الشاب استندت على مقطع الفيديو، وهذا يكشف سبب إزالة المقطع من موقع (يوتيوب)، لأن القضية كما يبدو انتهت بترضية.

ولكن هل الترضية وسيلة ردعية، وكيف سيتم ترضية الآلاف من المظلومين من مواطنين وأجانب تتعرض حقوقهم للإنتهاك المتناوب على أيدي الأمراء. في تقارير حقوق الإنسان ما يكفي من الظلامات في مملكة اللإنسانية، تشهد عليها سجون وزارة الداخلية التي تضمّ الأبرياء من السجناء السياسيين والحقوقيين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم جهروا بما يدور في عقول غالبية أفراد مجتمعهم من مطالب بالحرية والعدالة والمساة وحكم القانون، وتشهد عليها أيضاً بيوت الصفيح ومساكن الفقراء التي انتشرت صورها على شبكة الإنترنت، حتى خيّل لمواطني هذا البلد بأنها صور لبلدان أفريقية، وتشهد عليها أيضاً صور العاطلين والعاطلات عن العمل وهم يجوبون الوزارات والدول المجاورة بحثاً عن وظائف، في بلد يعمل فيه 8 ملايين عاملاً أجنبياً، وفي بلد تبلغ فيه مداخيل النفط رقماً تاريخياً غير مسبوق، فيما حال الناس لم يشهد تغيراً يتناسب وحجم المداخيل.

في مملكة اللإنسانية، تفغر نزوات الأمراء الكبار والصغار أفواهها، فيما يلوذ الضحايا إما بالصمت وكتمان الألم، أو البوح بهمس عن ألم عجزت الصدور عن احتجازه، وسيبقى الأمراء في غيّهم يعمهون حتى اشعار آخر..

الصفحة السابقة