التحقيق مع جنّي ليكون شاهداً!

قاض مسحور أم قضاء يسحق العدالة؟!

هاشم عبد الستار

قاض متهم بالفساد، واستلام الرشاوى. وجد لديه عشرات الملايين من الريالات. القي القبض عليه بالجرم المشهود، ولكنه خرج من المشكلة كالشعرة من العجين!

كيف يبرر القاضي فساده؟

لا نظن ان تبريراً استخدمه أحد من قبل وتم قبوله رغم سخافته إلا في مملكة الوهابية المتحدة. قال القاضي بأن ما فعله إنما كان بسبب جنّي قام بسحره ودفعه لفعل ما فعل من استلام الرشاوى والتآمر!

ويبدو أن هذا العذر قد قبل من قبل مؤسسات القضاء الوهابي وحماته.

فالقاضي لم يصبه أيّ أذى. بل ولم يفصل من وظيفته.

الأغرب والأسخف في كل ما يقال عن قضاء الوهابية هو ما تمّ لاحقاً.

فقد صار البعض يطالب بتحقيق مع الجنّي الذي أثر على القاضي الفاسد اللص وسحره! حتى أنه تم طلب إثبات شهادة الجنّي لاعتمادها!!

راقٍ كذّاب آخر، اسمه فايز القثامي، أجرى مقابلة مع صحيفة عكاظ 24/10/2010 قال انه استنطق الجنّي آنف الذكر، وذلك في جلسة رقية بحضور اعضاء لجنة السحر في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وللمزيد من الخزعبلات والأكاذيب، طلب رئيس محكمة المدينة المنورة فهد المحيميد من هذا الراقي إعداد خطاب للمحكمة يتضمن المعلومات التي أوردها (الجني) لدى استنطاقه!

حلقة أكاذيب وتشويه وضحك على الذقون للتعمية على قاض وهابي فاسد!

في 31/10/2010، سئل أمين المجلس الأعلى للقضاء، الشيخ عبدالله اليحي، عن هذا القاضي الفاسد، فقال أن المجلس لم يبلغ ما يفيد بصدور قرار يقضي بعزله بتهمة الفساد، وأن المجلس لم يصدر قراراً من هذا النوع.

وكان المجلس الأعلى للقضاء قد أصدر بياناً في 30/9/2010، حول القضية نفى فيه بشدّة وبشكل قاطع أن تكون الإتهامات بالرشوة والفساد والتي وجهت للقاضي المسحور صحيحة، واتكأ المجلس وهو أعلى سلطة قضائية على العبارات الهشّة كالثقة (في ولاة أمورنا) والتأكيد (على نزاهة القضاء في بلادنا وثقة ولاة الأمر - أيدهم الله - والمجتمع في القضاة وأنهم يتحلون – بحمد الله - بالنزاهة والأمانة والمسؤولية.. ويدعو الجميع لتحري الدقة والحيطة في طرح مثل هذه الأمور، وتغليب المصلحة العامة، والرجوع للمجلس لمعرفة الحقائق).

وتبع المجلس وزارة العدل التي قالت أنها لم تتلق أي اتهام لأحد من قضاة المحكمة العامة بالمدينة المنورة من قبل اللجنة المختصة المكلفة بالتحقيق في تجاوزات تتعلق بفساد مالي!

هذا ليس قضاءً بل مزبلة فساد حقاً! وأسوأ ما فيه هذا الإستهتار المريع بعقول الناس وتسطيح أفهامهم، وتحويل القضايا العلمية القانونية الشرعية الى مادّة سخرية تتعلق بالجنّ والسحر والشعوذة.

القاضي السابق والمحامي حالياً محمد الجذلاني، انتقد مجلس القضاء الأعلى في تعاطيه مع قضية (القاضي المسحور!!). وقال لصحيفة الحياة ـ الطبعة السعودية في (27/10/2010) بأن ما تناوله الإعلام أصبح مسيئاً للقضاء، وأشار الى تناقضات مجلس القضاء وقراراته، واضاف: (نفي هذا الأمر يعتبر استخفافاً بالناس، والجميع يعرف أن القضاة متورطون في القضية)!

وزيادة على ذلك فقد رفض مجلس القضاء الأعلى تحقيق الأجهزة الأمنية مع قاضي المدينة المنورة (اللص المسحور!!).. جاء ذلك في خطاب وجهه المجلس لوزارة العدل مبرراً ذلك بأنه جاء (تجنّباً للفتنة)!

وزير العدل دخل هو الآخر على خط الدفاع عن القاضي الفاسد، وسقط في الفتنة، وقال في محاضرة له تحت عنوان: (القضاء السعودي بين أصالة المنهج ورغبة التطوير) بأن كل ما أثير حول تهم الفساد (كله من باب القيل والقال)! وزاد: (عندما نتكلم عن سلطة بحجم السلطة القضائية ونلمز بعضها دون بينة وتحقق، فأعتقد أن هذه كبيرة، وما أشير إليه في قضية قاضي المدينة كلها أقاويل من سياق قيل وقال "وبئس مطية القوم زعموا").

انظر لهذه الدقّة من وزير العدل! الذي أضاف مبرراً بأنه: (قد يصدر من القاضي ما يساء فهمه فيه، بالظاهر ويؤخذ، وما أحسن التثبت والتبيّن)! حسب ما نشرته صحيفة الوطن 27/10/2010.

سبق وأن قال الشاعر عبدالمحسن حليت في قصيدة له حملت عنوان: (المفسدون في الأرض) ما يجول في خاطر كل مواطن أصابه الظلم والعنت من جهاز القضاء الفاسد، الذي يزعم أنه يتحدث باسم الدين والشرع. قال حليت:

كُلكم قاتـلٌ ولا استثنـاءُ

والقتيلُ القضاءُ والشـرفاءُ

سقطت رايةُ الحسينِ وعادت

من جديدٍ بثوبـها كـربلاءُ

مات عصرُ الفاروقِ، لم تبقَ منهُ

غير ذكرى سُطورها بيضاءُ

واعتلتْ عُصبةُ اللصوصِ وماتتْ

في السجونِ العـدالةُ العذراءُ

كُلكم من سقوطها مستفيدٌ

كلكم مذنبٌ .. ولا أبرياءُ

أكبرُ المجرمين أنتمْ ولـكن

لا وجوهٌ لكم ولا أسـماءُ

أيها المرتَشونَ من أين جئتمْ

ألغيرِ التُقاةِ كـان القـضاءُ؟

تدَّعونَ التُقى وأنتمْ ضِباعٌ

أَكَلتنا .. فـكُلنا أشــلاءُ

تحتَ أنيابكم نَئنُ.. ومنكم

لا فـقيرٌ نـَجا ولا أغنيـاءُ

فكأنـَّا وحـلٌ وأنتم زُلالٌ

وكَأنا أرضٌ وأنتم سـماءُ

نحنُ أهلُ الضلالِ دوماً وأنتم

عندنا المرســلونَ والأنبياءُ

لكُمُ الدينُ كُلهُ ولنا الشـ

ـركُ فنحـنُ الخوارجُ السفـهاءُ

فأبونا "الحجاجُ" وابنُ "سلولٍ"

وأبوكمْ "عليُّ" و "الزهـراء"!

نحنُ من خانَ كلَّ شرعٍ ودينٍ

وعلى الدينِ أنتـمُ الأمنـاءُ!

.. أيها المفسدونَ في كلِّ أرضٍ

قاتل اللهُ علمكمْ، والسماءُ

كم ذبحتمْ من آيةٍ وحديثٍ

ولِحاكُمْ كم لطَّختها الدماءُ

وتُداجونَ ألفَ طاغٍ وطاغٍ

.. ولهُ وحدهُ يكونُ الـولاءُ

ولهُ منـكمُ النفاقُ المُصفَّى

والركوعُ الطويلُ والإنحناءُ

وتُحِلُّونَ ما يـراهُ حـلالاً

فالفتاوى منكمْ ومنهُ الجزاءُ

..أيها المتُخمونَ فسقاً.. أهذا

ما تقـولُ الشريعةُ السمحاء؟!

كيفَ صارَ القضاءُ عنزاً حلوباً

يتسلى بحـَلْبِها من يشاءُ

أَكْلُ لحمِ الخنزيرِ في عُـرفكمْ شِر

كٌ، وأكلُ الحقوقِ فيهِ الشفاءٌ

وكلامُ "الصكوكِ" أحلى لديكمْ

من كلامِ الـذي لـهُ الأسماءُ

لا من الناسِ تستحونَ ولا اللهِ

الذي منهُ يستـحي الأنبـياءُ

كلُ ظلم بنا وكـلُ فسـادٍ

أنتمُ الرأسُ فيـهِ والأعضاءُ

الصفحة السابقة