صدمة التحريض السعودي لشنّ حرب على طهران

سعد الشريف


■ الملك عبدالله يرسل نداءات متكررة الى واشنطن لتقوم بعمل عسكري تقطع به رأس الأفعى الإيرانية

■ سعود الفيصل يوصي الجنرال بترايوس بتشديد العقوبات على إيران ويلحّ بأن لا تستبعد بلاده شنّ حربٍ عليها

■ أمير مسؤول: السعودية قلقة من أن تكون هناك مقايضة أميركية مع إيران دون التشاور معها

ماذا في جعبة ويكيليكس لتحدثنا عن الموقف السعودي من إيران؟


القصة المحورية التي استقطبت انتباه المعلقين من وثائق ويكيليكس هي (تحريض الملك والمسؤولين السعوديين الآخرين واشنطن كي تشنّ حرباً ضد إيران). وربما تنشر في المستقبل وثائق أكثر أهمية من التحريض تتعلق بالتبادل الإستخباري والعمل المشترك بين البلدين. لكن حتى الآن، فإن أهم عبارة نقلت عن الملك قوله ـ حسب سفيره في واشنطن عادل الجبير ـ أن الملك أرسل نداءات متكررة الى واشنطن (بمهاجمة إيران وبالتالي وضع نهاية لبرنامجها النووي: «لقد أخبركم بقطع رأس الأفعى»، وقال بأن العمل مع الولايات المتحدة لتقليص النفوذ الإيراني هو أولوية استراتيجية بالنسبة للملك وحكومته). فضلاً عن الملك وأمراء آخرين أكدوا بصرامة على التعاون مع واشنطن لمقاومة إيران. هذا الكلام قاله الأمراء السعوديون للجنرال بترايوس وللسفير الأميركي في بغداد كروكر اللذين كانا في زيارة للسعودية في 14-15/4/2008. يومها أبدى سعود الفيصل إصراره على تشديد العقوبات على ايران وألح على المسؤولين الأميركيين الزائرين بأن لا تستبعد واشنطن خيار شن حرب على ايران.

كان لنشر هذه الوثيقة في الأيام الأولى لتسريبات ويكيليكس وقع الصدمة على الرأي العام.. فالسعودية التي تحاول الظهور بملمس ناعم.. بدت وقحة ـ بل شديدة الوقاحة ـ وحادّة وشرسة ولا تقيّدها أعراف أو اتفاقيات، وأن لديها الإستعداد للمغامرة الى أبعد الحدود. وتساءل الجميع: وأين الرياض من تل أبيب؟ هل تحولت طهران فصارت هي العدو بدل إسرائيل؟. وكثر المعلقون في المدونات، وفي مواقع الإنترنت بما فيها مواقع سعودية تكرر عبارة: (يا للعار! ياللعار!) بل وتكررت عبارات التنصل من العروبة: (لستم عرباً والذي رفع السماء!)!

في لقاء مستشار أوباما لمكافحة الإرهاب جون برنان مع الملك عبدالله في 15/3/2009، لم يخل الحديث الملكي من تحريض سعودي على ايران، لأنها تنشيء أحزاباً مشابهة لحزب الله في دول أفريقية! وتنشر الفوضى والمشاكل في كل مكان. تقول الوثيقة آنفة الذكر:

عبّر الملك عن أمله بأن الولايات المتحدة ستقيّم سياستها إزاء ايران، وأن تخلص الى النتيجة الصحيحة. ورد برنان بأن الرئيس أوباما كان شخصياً يستعرض سياسة الولايات المتحدة إزاء إيران، وأراد سماع أفكار الملك. شدّد الأخير على أن إيران تحاول إنشاء تنظيمات مشابهة لحزب الله في البلدان الأفريقية، ملفتاً الانتباه الى أن الإيرانيين لا يعتقدون بأنهم يقومون بعمل غير صائب ولا يقرّون بأخطائهم. (إنها مشكلتكم) على حد قول الملك لمتكي. وقال الملك بأنه يفضل رفسنجاني في الانتخابات الايرانية، لو كان هو من يدير الإنتخابات. ووصف إيران بأنها ليست (جاراً يريد المرء رؤيته)، ولكنها (جار يريد المرء تحاشيه). وقال الملك بأن (الإيرانيين نصبوا صواريخ على أمل زرع الخوف في الناس والعالم). وقال الملك بأن حل الصراع العربي الاسرائيلي سيكون إنجازاً عظيماً، ولكن إيران ستجد طرقاً أخرى للتسبّب في المشاكل فـ (هدف ايران هو خلق المشاكل)، ويواصل (ليس هناك شك بأن ثمة شيئاً ما غير مستبعد حيالهم). ووصف إيران بأنها (مغامرة) بالمعنى السلبي، وقال (الله ينجينا من السقوط ضحية لشرورهم).

الملك يلتقي برنان (مارس 2009)

وقال الملك بأنه (قبل ثلاث سنوات أرسل المرشد الأعلى خامنئي مستشاره علي أكبر ولايتي حاملاً رسالة يطلب منها موافقة الملك عبد الله لتأسيس قناة خلفية رسمية للتواصل بين القيادتين). يقول عبد الله بأنه وافق وتشكّلت القناة مع ولايتي ووزير الخارجية سعود الفيصل كنقاط تواصل. ومنذ سنوات، حسب قول الملك، فإن القناة لم يجرِ استخدامها قط.

هذه الرؤية السعودية شديدة السلبية لإيران والتي تحملها وزر الكون كله، هو ما يريد الأميركيون وحتى الإسرائيليون سماعه، حتى أن المرء يشك في أن هناك مزايدة بين الطرفين. يكاد الخطاب الغربي السعودي الأميركي تجاه إيران موحداً. السعودية ـ كما يظهر من انزعاج الملك ـ ليست معنية بسياسات إيران التي تخصّ المنطقة مثل: (أمن الخليج، والنفوذ الإيراني في الدول العربية).. بل هي معنية بما تقوم به إيران في أفريقيا وأي مكان في الكون أيضاً. حتى صراع إيران مع اسرائيل والذي له جانب خاص قد لا يتعلق بالموضوع الفلسطيني (لا ننس دعم اسرائيل للشاه) صار شأناً سعودياً.

نحن نعلم جميعاً بأن سياسة واشنطن في الشرق الأوسط، تجاه مواضيع مختلفة: لبنان وفلسطين وإيران، تساهم إسرائيل في صناعتها بشكل كبير، أي أن سياسة أمريكا في الشرق الأوسط في الجزء الأكبر منها سياسة إسرائيلية، صممت لمصلحة إسرائيلية. ترى الى أي حد تعتمد واشنطن على الرؤية السعودية تجاه إيران.. خاصة وأن تلك الرؤية تتطابق تماماً مع الرؤية الإسرائيلية المعادية، وهو ما أوضحته ويكيليكس؟

المدهش هنا، أن إيران كانت على الدوام صاحبة المبادرة لتخفيف حدّة التوتر مع السعودية. عشرات المسؤولين زاروا السعودية. نجاد سافر الى الرياض مرتين، والتقى بالملك عبدالله ثلاث مرات، واحدة منها في الدوحة. أما متكي وغيره فزاروا إيران مرات ومرات. لكن السعوديين هم الذين يتمنّعون، ويتشدّدون ولا يبادرون لحل المشكلات أو مناقشتها. لا يريد المسؤولون السعوديون زيارة طهران كما يفعل الخصم المنافس، لسببين: عجز حقيقي في السياسة الخارجية السعودية المترهلة؛ وزهد سعودي من العلاقات مع إيران ومحاولة تخفيضها الى أدنى حد، على أمل أن تأتي واشنطن أو تل أبيب فتقصفها وتريح آل سعود من النظام الحاكم هناك! كما فعلت من قبل مع عبدالناصر ومع صدام حسين.

زيارة طهران قد تكون اضطراراً، هذا ما تقوله وثيقة امريكية نقلاً عن سعوديين.. فأي اجتماع غير ثنائي، أو أي مؤتمر يعقد في طهران ينظر السعوديون الى مشاركتهم فيه وكأنه مكسب لإيران، وهم لا يريدون منحها ذلك المكسب فيفضلون الغياب!!، وهم بهذا يعطون أنفسهم حجماً أكبر من حجمهم الحقيقي، أو يصورون ـ في المقابل إيران ـ وكأنها متلهفة وضعيفة ومتهافتة بانتظار مباركتهم!. الوثيقة السرية الأميركية رقم 08RIYADH1134 والصادرة عن السفارة الأميركية بالرياض في 22/7/2008 حملت عنواناً يقول: (السعوديون حول ايران في الاجتماع القادم لمؤتمر وزراء خارجية حركة عدم الانحياز)، والذي كان مقرراً عقده في طهران في الفترة ما بين 27-30/7/2008. الأميركيون بعثوا بوجهة نظرهم تجاه الإجتماع للسعوديين (لم تقل الوثيقة ما هي وجهة النظر الأميركية تلك)، وبالتحديد الى مجاهد علي الوهبي، نائب المدير في قسم الشؤون الغربية بوزارة الخارجية السعودية. الوهبي أبلغ الأميركيين بأن وزير الدولة للشؤون الخارجية نزار عبيد مدني سيقود الوفد السعودي، وأضاف: (إن السعودية لم تكن تريد بأن يصبح لقاء حركة عدم الانحيار حدثاً دعائياً إيرانياً، وأضاف بأنه رأى الأجندة المقترحة ولم يتوقّع بأنها ستتطور بهذه الطريقة).

غير أن الوهبي كشف عن حقيقة أن السياسة الخارجية السعودية لا تصنعها وزارة الخارجية، وإنما بضعة أمراء كبار. أكثر من هذا، فإن موظفي الخارجية السعودية مجرد أدوات إجرائية لا تدرك حقيقة الموقف السعودي حتى في بديهياته وتنخدع بالموقف المزيف العلني مثل الآخرين. بمعنى آخر، إن الموقف السعودي هو في الغالب غير معلن، ولا يطلع عليه إلا الأمراء الكبار، ولكن هؤلاء وجدوا مشكلة أحياناً من جهة أن السفراء لا بد وأن يطلعوا على بعض الخفايا، فقرروا أن يكون السفراء في الدول الأساسية من الأمراء: كما في واشنطن ولندن وباريس واسبانيا، وعدد من الدول الأوروبية!

هذا الموظف مجاهد الوهبي، ردّد أمام الأميركيين الموقف العلني للحكومة السعودية، ولكنه ليس الموقف الأصلي.

وعارض الوهبي بقوة أي عمل عسكري لتحييد البرنامج النووي الايراني. وبدلاً عن ذلك، قال بأن التأسيس لحوار أميركي ـ إيراني هو الخيار الأفضل، ومشدّداً على أن فتح قسم المصالح الأميركية أو إعادة فتح في سفارة السعودية في طهران ستكون خطوة إيجابية.

وقد تشجع الوهبي بالمبادرة الأميركية لنائب وزيرة الخارجية بيرن للقاء الإيرانيين الاسبوع الفائت في جنيف. وأضاف، بأن الموقف الإيراني، حسب وجهة نظره، يتجّه للتحول وأنه كان يريد تفادي تصعيد التوتّرات. ولحظ بأن الروس قاموا مؤخراً بالضغط بصورة فاعلة على ايران كيما تكون أقّل تحريضاً. وخلص الوهبي الى أنه يتوقّع أن تبقي إيران على مستوى منخفض من التوتّرات على الأقل حتى بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.

لكن الموقف السعودي الصحيح هو غير هذا، لهذا جاء بعد هذه الفقرة مباشرة تعليق أميركي من السفارة الأميركية ـ وقد يكون من السفير نفسه ـ يقول ما نصّه:

تعليق: هذه التعليقات [الصادرة عن الوهبي] مألوفة من قبل البيروقراطيين في الخارجية السعودية الذين يأخذون موقفاً هادئاً إزاء إيران، ولكنه يختلف بصورة رئيسية عن النصائح العنفية التي نحصل عليها من كبار الأمراء السعوديين.

لا نظن أننا بحاجة الى توضيح أن للسعودية أكثر من وجه، وأنها تمارس سياسة منافقة.

هناك شخص في الخارجية السعودية، يعتبر ناقلاً أميناً للموقف الرسمي. والناقل مطّلع. والمطلع لا بد أن يكون أميراً، وليس من عامة الشعب، من الموظفين الإجرائيين (البيروقراطيين حسب تعبير السفارة الأميركية في الرياض). إنه الأمير تركي بن محمد بن سعود الكبير، نائب وزير الخارجية لشؤون الجاليات في الوزارة. وحسب الوثيقة السرية الصادرة من السفارة الأميركية في الرياض رقم 09RIYADH181 والمؤرخة في 28/1/2009 والتي كان موضوعها (الموضوع: المفاوضات السعودية مع السفر الروسي حول الخطط النووية الايرانية).. فإن هذا (الأمير تركي ليس صانع قرار، ولكنه ناقل موثوق للتفكير السعودي الرسمي) حيث نقل في 25/1/2009 الى السفيرين الهولندي رون ستريكر، والروسي فيكتور جيبينيفيش، والى القنصل الاميركي في الرياض سكوت ماكجي ملامح من الموقف السعودي تجاه إيران:

حذّر الأمير تركي بأنه في حال سعت إيران الى انتاج أسلحة نووية، فإن بلداناً أخرى في منطقة الخليج ستضطر الى عمل الشيء ذاته، أو ستسمح بنصب وبقاء أسلحة نووية في الخليج بغرض ردع الإيرانيين. كثير مما قاله ـ الأمير ـ ليس جديداً، بالرغم من أن ما قاله هو الأكثر صراحة مما سمعنا عن الرغبة السعودية في رؤية أسلحة نووية لدى دول مجلس التعاون الخليجي لردع ايران. وطالب تركي بعد ذلك بأن يطلع الأميركيون المسؤولين السعوديين حول خطط الولايات المتحدة من أجل إيران. هناك قلق سمعناه مراراً في الأسابيع الأخيرة، يفيد بأن الولايات المتحدة ستتفاوض على (مقايضة كبيرة) مع ايران دون التشاور مع السعودية.

وقال الأمير تركي لنظيره الروسي (إكتب ذلك لو سمحت، مهما كانت الموضوعات التي تتم مناقشتها مع الإيرانيين، يجب إبلاغنا عنها. فأي مفاوضات مع الإيرانيين يجب أن تأخذ بعين الاعتبار مصالح السعودية، وإلا فلن نقبل بها. فيجب أن نأخذ علماً مسبقاً بما تخططون لقوله).

الناقل الملكي يعبّر بدقّة عن رأي عائلته:

ـ إن أنتجت إيران سلاحاً نووياً سننتج سلاحاً، مع العلم ان السعودية لا تصنّع إبرة خياطة!. والحل استدعاء أميركا أو دولة غربية أخرى لنصب سلاح نووي مقابل لردع إيراني!

ـ هناك خشية من صفقة إيرانية أميركية لحل موضوع الملف النووي. إن اتفاق ايران وواشنطن يعني أن مكانة السعودية تتضعضع في الإستراتيجية الأميركية لصالح ايران. السعودية تتمنّى وتعمل على أن تكون ايران وكذا العراق ـ إن استطاعت ـ في صراع دائم مع واشنطن، حتى لا يبقى للأخيرة من حليف قوي في المشرق العربي سواها و... (اسرائيل) طبعاً!

ـ لغة ملكية استعلائية معتادة (انتفاخ وحمل كاذبين): أبلغونا أيها الروس وأيها الأميركيون بما تخططون قوله لإيران، ثم قدّموا لنا تقريراً بما قلتم!! وإلاّ... لن نقبل بمفاوضاتكم مع إيران وما ينتج عنها!!

غرور قاتل حقاً!

الصفحة السابقة