تحريض على شنّ الحروب وتشديد المقاطعة

ويكيليكس وسياسة السعودية الإيرانية

عمر المالكي


■ أبلغ الملك الجنرال جونز، مستشار الأمن القومي، بأن المأزق الداخلي الإيراني قدّم فرصة لإضعاف النظام ـ وهو ما يشجّعه الملك ـ على أن يتم بشكل سري، لأن التصريحات العلنية في دعم الاصلاحيين كانت غير مثمرة

■ الملك عبدالله للجنرال جونز: العقوبات قد تساعد في إضعاف إيران شرط أن تكون قاسية ومستمرة، ووقتها قد حان. أما خطط الدفاع فبحثها الملك مع الجنرال بترايوس في مخيمه الصحراوي

من حق الأمراء السعوديين أن يصابوا بالهوس تجاه إيران. فإذا كان الغرب والولايات المتحدة مصابين بهذا الداء (حجم وثائق ويكيليكس عن إيران ينبيء عن ذلك فعددها يمثل النسبة الأعلى من الوثائق الأميركية المسرّبة)، فماذا عسى أن يكون حال بلد تابع كالسعودية، ليس لديه عقد سياسية فحسب، بل وعقد تاريخية وطائفية مسيطرة على ذهنية مسؤوليه؟!

السناتور بوند وقبل أن يزور السعودية في الفترة ما بين 6-8/4/2009، قدّمت له السفارة الأميركية في الرياض تقريراً عن الموضوعات التي سيناقشها مع المسؤولين السعوديين وما يحتمل أن يسمع منهم، وما هي القضايا المثيرة. جاء ذلك كله في الوثيقة رقم 09RIYADH496 والمؤرخة في 31/3/2009، وموضوعها: (إعداد المشهد قبل زيارة السناتور بوند الى السعودية).

ابتداءً تبلغ السفارة السناتور بوند

كما ستسمع، فإن حسابات السياسة الخارجية السعودية محثوثة بالخوف العميق والشكوك من النفوذ الإيراني المتمدّد. وفيما تحسنت العلاقات الاميركية السعودية بصورة دراماتيكية منذ أعقاب 9/11، فإن الخلافات تبقى حول السياسات الأميركية في الشرق الأوسط. فلدى السعوديين ثلاث قضايا رئيسية ذات قلق خاص حول السياسات الاميركية :

2 ـ وبالمثل ـ من وجهة النظر السعودية ـ لقد تجاهلنا نصيحة الملك ووزير الخارجية بشأن غزو العراق. وبحسب تعبير وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل (التدخل العسكري في العراق وافغانستان تسبب في إحداث خلل في ميزان القوى لصالح إيران).

3 ـ وأخيراً، النقاش الأميركي حول ما اذا كان هناك قرار بمهماجمة ايران وكيف؟ وقد تسبب ذلك النقاش في تغذية مخاوف السعودية من أن الإدارة الاميركية الجديدة قد تعقد صفقة مقايضة دون التشاور مع البلدان العربية المجاورة للخليج الفارسي.

بترايوس في الرياض

وفي التفصيل تبلغ السفارة السناتور بوند بما يفكر به السعوديون ومرئياتهم حول الأخطار وبواعث القلق التي تنتابهم، وكيف أن السعوديين ينظرون الى كل القضايا الإقليمية في سياق ما يسمونه بـ (الخطر الإيراني):

تبقى إيران، التهديد الاستراتيجي، وفي مقدمة مصادر القلق الأمني السعودي. مسؤولون أميركيون كبار زاروا المملكة مؤخراً سمعوا الملك وهو يتحدث بصورة واسعة عن الخطر الكبير الذي تمثله إيران في المنطقة. وبصورة عامة، فإن القيادة السعودية بدأت في النظر الى كل القضايا الأمنية الاقليمية عبر التماعات المخاوف بشأن تنامي النفوذ الإيراني. فهم ينظرون الى نشاطات إيران بأنها تحريضية بدرجة خطيرة، ليس في العراق فحسب، ولكن في لبنان، والبحرين، واليمن، وأجزاء من أفريقيا، وشرق غرب آسيا.

وتقدم السفارة الى السناتور مقتطفاً سريعاً حول ما دار بين جون برنان والملك والأمراء السعوديين فيما يتعلق بإيران، خصوصاً ما ذكره الملك من المداولة الساخنة وتوبيخه لوزير الخارجية الإيراني متكي (بأن الفرس لا حق لهم التدخل في شؤون العرب).. وكذلك ما قاله رئيس الإستخبارات السعودي الأمير مقرن لبرنان بأن (الهلال الشيعي أصبح قمراً تاماً)، مدللاً على أن (السعوديين محاطون من قبل المخادعين الايرانيين) حسب تعبيره.

وتمضي الوثيقة آنفة الذكر لتقول:

في موضوع النشاطات النووية الايرانية، فإن وجهة النظر السعودية هي بأن الأمم لها الحق في امتلاك برنامج نووي سلمي، ولكن إيران ليس لها الحق في أن تعمل ما تعمله الآن. يريد السعوديون أن يروا حلاً سلمياً للمشكلة النووية الإيرانية، ولكنهم يريدون أيضاً ضماناً بأن المصالح السعودية تؤخذ بنظر الاعتبار في أي صفقة مع ايران.

يلاحظ هنا تغيير طفيف في الموقف السعودي، فهم يتحدثون عن حل سلمي للمشكل النووي، في حين أنهم اعتادوا على التحريض لشن حرب. السبب أنه في الفترة التي ظهرت فيها هذه الوثيقة كانت هناك آمال معلّقة على حل بين طهران وإدارة أوباما، وبدا كأن السعوديين أسقط في يدهم، وانتقلوا الى الموضوع الأكثر أهمية: إن كان ولا بدّ أن يكون هناك اتفاق مع ايران، فلا تنسوا مصالحنا نحن في الخليج!

في وثيقة أخرى توضح حجم التوتر السعودي من إيران، هناك لقاء هام بين مساعد الرئيس الأميركي أوباما لمكافحة الإرهاب جون برنان مع وزير الداخلية السعودية. هذا الأخير حمّل إيران كل ما يجري في العالم من إرهاب. نسي الأمير أن التكفير والقتل مصنعه السعودية. وان القتلة والإنتحاريين تربوا في حواري بريدة ومساجد الرياض الوهابية، ونسي أن الأموال التي تقتات عليها القاعدة ليست إيرانية بل سعودية، ونسي أن من قام بتفجيرات نيويورك ولندن وبالي ومدريد وغيرها ليسوا إيرانيين. ومع هذا، لا يوجد ـ بنظر أمريكا وإسرائيل والسعودية ـ أسوء من الإيرانيين!!

ملخص ما قاله نايف تكشف عنه الوثيقة رقم 0111328Z الصادرة من القنصلية الأمريكية بجدة في سبتمبر 2009، وموضوعها: (مناقشة مساعد الرئيس برنان في 5 سبتمبر مع وزير الداخلية السعودية الأمير نايف) يقول الملخص التالي:

شكى الأمير من أن إيران نكثت بالاتفاقية الأمنية الموقعة مع السعودية الموقعة في العام 2001، وكانت تدعم العدوان ضد المملكة، وعبّر عن إحباطه من الدول الأوروبية لسماحها للإرهابيين بالعمل ضد المملكة (بدلاً من تسليمهم إلينا)، وطالب نايف بتدخّل الولايات المتحدة لتغيير هذه السياسة الأوروبية. وقد أعاد الطرفان التشديد على التزامهما بالعلاقة الأميركية السعودية التي بدأت منذ عهد الرئيس روزفلت والملك عبد العزيز، وخصوصاً الشراكة بين القنوات الأمنية.

في التفاصيل، قالت الوثيقة تحت عنوان (إيران تنمي الإرهاب) ما يلي:

كلينتون في السعودية

شكى نايف من أن ايران خلال السنتين الماضيتين آوت سعوديين ـ كلّهم من السنة ـ بمن فيهم إبراهيم إبن أسامة بن لادن، والذي كانت لديهم إتصالات بالإرهابيين. وتعتبر الحكومة السعودية ذلك عملاً عدوانياً، ونقضاً للإتفاقية الأمنية لعام 2001 بين البلدين. الحكومة السعودية أبلغت إيران عبر سفيرها تطلب من الحكومة الإيرانية تسليم هؤلاء السعوديين. ويتذكّر نايف بأنه بعد عمليات الخبر في 1996، حاولت الحكومة السعودية فتح قنوات مع إيران، وسعت لتحسين علاقاتها خلال رئاسة خاتمي، وقال بأنه التقى شخصياً بالأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الدكتور حسن روحاني، ووقعا على اتفاقية أمنية، تعهّدت فيها إيران بإبداء الإحترام، وعدم القيام بأية أعمال داخل أو خارج إيران ضد المملكة.

أكّد برنان على أن إيران لديها القدرة على التسبّب في المتاعب، وطمأن الأمير نايف بأن حكومة الولايات المتحدة قلقة للغاية، وأنها تراقب الوضع عن كثب. مضيفاً بأن رغبة الرئيس الأميركي أوباما في الحديث الى الإيرانيين لا يعني أنه لا يتفهّم المشكلة. وشدّد على وجود أصدقاء أقوياء لدى الحكومة السعودية في البيت الأبيض، بمن فيهم الرئيس أوباما، الذي يريد العمل بصورة وثيقة مع السعودية على هذه الجبهة.

الملك عبدالله لمستشار أوباما: هناك فرصة لإضعاف النظام الإيراني

هناك وثيقة أخرى تتعلق بالموضوع الإيراني السعودي، وتوضح موقف الملك والمسؤولين السعوديين الحقيقي من ايران. الوثيقة صادرة من السفارة الأميركية في الرياض، أعدّها السفير جيمس سميث، حملت رقم 10RIYADH178 وتاريخ 11/2/2010 أي أن عمر الوثيقة نحو عشرة أشهر تقريباً، أرسلها لوزيرة الخارجية كلينتون قبيل سفرها للسعودية وملاقاة الملك. موضوع الوثيقة: (إعداد مشهد قبل زيارة الوزيرة كلينتون في فبراير 15 ـ 16 الى السعودية)، أي تقديم رؤية من السفير عن الموضوعات التي سيتم مناقشتها وما ينبغي توقعه من مواقف الملك والمسؤولين السعوديين تجاه القضايا التي تهم البلدين. هناك مواضيع شتّى تطرقت اليها الوثيقة، ولكن يهمنا ما يتعلق منها بموضوع هذه المراجعة المطوّلة من خلال الوثائق للعلاقات السعودية الإيرانية. في موقع من الوثيقة آنفة الذكر يقول السفير الأميركي في الرياض لكلينتون، وزيرة الخارجية: (يعتقد الملك عبد الله بأننا لسنا دائماً موثوقين، ثابتين، أو راغبين بالأخذ بالنصيحة في القضايا الهامة، مثل العراق. سعود الفيصل وآخرون انتقدوا بصراحة سياسات الولايات المتحدة التي يصفونها بأنها حوّلت ميزان القوى الإقليمي لصالح منافستهم إيران). وضمن الحسابات السعودية الإستراتيجية، فإن مواجهة إيران تمثل حجر أساس في تلك السياسة:

مواجهة إيران: نتوقع بأن السعودية ستواصل تطوير روابطها مع الصين، جزئياً لموازنة علاقاتها مع الغرب. وفيما الخيار المفضّل لدى الملك هو التعاون مع الولايات المتحدة، فقد خلص الى أنه بحاجة الى المضي باستراتيجيته الخاصة لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، والتي تشمل إعادة بناء تحالف تنسيق الرياض ـ القاهرة ـ دمشق، ودعم المصالحة الفلسطينية، ودعم الحكومة اليمنية، وتوسيع العلاقات مع شركاء غير تقليديين مثل روسيا، الصين، والهند لخلق ضغط دبلوماسي واقتصادي على إيران.

إذن، كل التحركات السياسية السعودية حول التضامن العربي منذ ما قبل قمة الكويت والإنفتاح النسبي على سوريا، لا يستهدف تقوية الجسد العربي المنهوش صهيونياً كي يستعيد بعض الحقوق العربية، وإنما الهدف مواجهة ايران. كما ان التوجه السعودي شرقاً غير محكوم بعامل الإقتصاد بقدر ما هو عامل السياسة: العلاقة مع الصين والهند وروسيا لخلق ضغط متعدد الجوانب على إيران!

كنّا ـ في مجلة الحجاز ـ نعتقد بأن الولايات المتحدة الأميركية هي التي تضغط على السعودية لمساومة الصين وروسيا وإغراءهما من أجل زيادة الخناق على إيران دبلوماسياً. لكن تبيّن أن الأمراء السعوديين المتشيطنين لا تنقصهم الحماسة للقيام بهذا الدور من تلقاء أنفسهم.

وقد أبلغ الملك عبدالله الجنرال جونز [المستشار الأميركي السابق للأمن القومي] بأنه في حال نجحت إيران في تطوير أسلحة نووية، فإن كل طرف في المنطقة سيعمل الشيء ذاته، بما في ذلك السعودية.

الملك مقتنع بان الجهود الاميركية الحالية مع طهران لن تنجح، ومن المحتمل أن يكون قد شعر بأنه على حق في وجهة نظره، بعد أن أعلن أحمدي نجاد في 11 فبراير، بأن إيران نجحت في تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، وأن إيران قد أصبحت دولة نووية.

وأبلغ الملك الجنرال جونز بأن المأزق الداخلي الإيراني قدّم فرصة لإضعاف النظام ـ وهو ما يشجّعه الملك ـ ولكنه ألّح أن يتم ذلك بصورة سرية وشدّد على أن التصريحات العلنية في دعم الاصلاحيين كانت غير مثمرة.

الملك يقيّم الأمور بأن العقوبات قد تساعد في إضعاف الحكومة الإيرانية، شرط أن تكون تلك العقوبات قاسية ومستمرة. الملك يريد أن يعقّب على تصريح الرئيس بأن وقت العقوبات قد حان. فهو يريد أن يسمع خططنا لدعم دفاعات الخليج في مقابل إيران (لقد دعا الملك الجنرال بترايوس الى مخيمه الصحراوي لمناقشة هذا الموضوع يوم الثلاثاء 16/2/2010).

الملك عبدالله وبترايوس

هذا هو الوجه السعودي.. أما اللسان الدعائي فتسمع منه حكايات الملك وإخوته عن (حسن الجوار) (وإيران المسلمة) (وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى) و (التضامن الإسلامي) و(الحلول السلمية)، الى آخر عبارات الدجل والنفاق السعودي. هذه تنطبق على علاقات السعوديين بدولة واحدة فقط في المنطقة هي إسرائيل! فهذه الدولة تتمتع مع السعودية بحسن الجوار وعدم التدخل والتضامن واعتماد الحلول السلمية وغيرها.

التوجّه السعودي شرقاً: حربٌ على الجبهة الدبلوماسية

لفت السفير الأميركي في الرياض جيمس سميث، في برقيته (11/2/2010) نظر وزيرة الخارجية كلينتون قبيل سفرها الى الرياض، بأن السعوديين تحوّلوا شرقاً للإفادة الإقتصادية ولكن الأهم: للضغط على إيران:

الدوران ناحية الشرق: تحاول السعودية أن تتعامل مع شروط التحوّل في الطاقة العالمية والروابط التجارية ناحية آسيا، والتي لها تداعيات سياسية واقتصادية. إن العلاقات التجارية مع الصين ليس فقط تجاوزت ثلاثة أضعاف معدلها، بل إن الصين ستصبح عما قريب أكبر مستورد من السعودية. وقد التزمت السعودية باستثمارات هامة في الصين، بما فيها مصفاة فوجيان بقيمة 8 مليار دولار. التجارة المتعاظمة قد جلبت أيضاً زيادة احتكاك، بما في ذلك شكاوى مناهضة لدفن النفايات من كلا الجانبين. وقد أبلغت السعودية نظيرتها الصين بأنها على استعداد للتجارة بدرجة فاعلة في تزويدها بنفط مضمون، في مقابل الضغط الصيني على إيران للحيلولة دون تطوير أسلحة نووية.

وكان السفير الأميركي في الرياض جيمس سميث قد أرسل الى حكومته برقية سرية رقم (10RIYADH118) وتاريخ 26/1/2010 كان موضوعها مثيراً للغاية: (وزارة الخارجية السعودية تضغط على الصين لوقف الانتشار النووي الايراني).. بعض ملخص تلك الوثيقة يقول:

أبلغ مسؤولون في وزارة الخارجية السعودية الزائر الأميركي فيلتمان بأنهم على قناعة بأن إيران تنوي تطوير سلاح نووي، وأن وزارة الخارجية السعودية تضغط على نظيرها بقوة من أجل انخراط صيني أكبر فيما يرتبط بهذا التهديد خلال زيارة وزير الخارجية الصيني في بداية شهر يناير. وفيما لم تتم مناقشة أي صفقة علنية، فإن السعودية بدت واضحة في موقفها بأنها على استعداد لإطلاع الصينيين على مصادر قلقها حيال أمن الطاقة والتجارة في مقابل دعم صيني فعّال لمنع الإنتشار النووي الإيراني.

في التفاصيل، ناقش فيلتمان مساعد نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط والأدني، وسفير امريكا السابق في بيروت، ناقش الطموحات النووية الإيرانية وقضايا أخرى مع وكيل وزير الخارجية السعودية الأمير تركي بن محمد بن سعود الكبير، وذلك في 26/1/2010، وقد قام هذا الأخير بإطلاع فيلتمان على تفاصيل زيارة سعود الفيصل الى بكين من أجل الضغط عليها لاتخاذ موقف شديد ضد إيران (زيارة الفيصل تمت في 17/1/2010) وكذلك لإطلاع فيلتمان على بعض تفاصيل الموقف السعودي من إيران وبرنامجها النووي.

سعود الفيصل أبلغ الصينيين ـ حسب الأمير تركي ـ بأن..

حصول إيران على أسلحة نووية سيفتح الباب أمام البقية في الشرق الأوسط للحصول على أسلحة نووية. وحين ردّ وزير الخارجية الصيني بأن الصين لن تقبل بتطوير إيران لأسلحة نووية، أبلغه سعود الفيصل بأن الصين يجب أن تعمل بصورة وثيقة مع بقية دول العالم ومجلس الأمن الدولي لمنع حصول ذلك.

أكّد الأمير تركي على أنه لم يكن مساعداً أن ترسل الصين وفداً من مستوى متدنِ الى محادثات 5+1. كما أكّد أيضاً على أنه كان مخيّباً للآمال أن الوفد لم يوافق على أن الوقت قد حان لزيادة الضغط على إيران. ولحظ الكبير بأن الوقت لم يكن في صالح مجلس الأمن الدولي، ولكن كان في صالح إيران. وأضاف بأن السعودية كانت على قناعة بأن الوقت قد حان لدفع الصين باتجاه هذه القضية. وسيكون من المهم القول بأن تطمينات وزير الخارجية سعود الفيصل لم تكن تعكس مجرد موقف وزارة الخارجية، ولكنها مثّلت تفكير الحكومة بأسرها. وقال بأن السعودية أعادت هذه النقاط للمبعوث الخاص الصيني للشرق الأوسط، الذي قام بزيارة الإسبوع الماضي. وقد أثارت السعودية القضايا المقلقة مع روسيا، (والتي هي قريبة من المواقف الأميركية والسعودية)، وكذلك مع نائب وزير الخارجية الفرنسي قبل ثلاثة أسابيع. وأكّد الأمير تركي أيضاً على العمل مع بعثة لبنان التابعة للأم المتحدة، والتي هي على مجلس الامن، حيث أن عليها مواجهة الانتشار النووي الإيراني.

الملك وكلينتون في فبراير 2010

وقال الأمير تركي بأن الصين لم تثر قط بصورة مباشرة قضية قلقها حيال تأمين الامدادات النفطية الكافية خصوصاً في حالة قطع الامدادات النفطية الايرانية. مهما يكن، فإن السعودية تتفّهم بصورة كاملة قلق الصين، وفي ذلك السياق، هي مسرورة للمحادثات الناجحة بين وزير الخارجية الصيني وشركة أرامكو السعودية ومسؤولي التجارة حول قضية الطاقة وقضايا تجارية محدّدة.

وأخيراً أشار الأمير تركي الى أن السعودية أصبحت واحدة من أكبر مصدّري الطاقة الى الصين، وأنها استثمرت مليارات الدولارات في مصافي في الصين. وقد نمت التجارة من 140 مليون دولار قبل عقد الى 75 مليار دولار الآن، مع توقّعات بزيادة أكبر. وخلص الأمير تركي الى أن السعودية تدرك ما يقلق الصين، وهي على استعداد لأخذ كل الاجراءات للتعامل مع مصادر قلقها، ولكن لا بد من تعاون الصين في وقف تطوير ايران للسلاح النووي. وأن السعودية تشجّع بلداناً خليجية أخرى للقاء مع الصين لاكتشاف مجال تعاون مماثل، بالرغم من أن هذه الدول، بحسب توقعها، تبحث عن شيء مماثل في مقابل التعامل مع قلق الصين فيما يرتبط بموضوع الطاقة.

لا نظن أننا بحاجة الى التعليق هنا، فالتفاصيل كثيرة، والسعودية تتحرك ليس على الصين فقط، بل وعلى روسيا وفرنسا وأمريكا. أي أنها أخذت على عاتقها مهمّة التصدّي الكوني لإيران ومشروعها النووي التي تقول الرياض أنها (متأكدة!!) من أنه غير سلمي وأن طهران تسعى للحصول على سلاح نووي.

وكان وزير الخارجية الصيني يانج جيتشي قد زار الرياض في 13/1/2010 والتقى بالملك ووزير الخارجية سعود الفيصل. ومع انه شدد على الموضوع التجاري مع السعودية إلاّ أنه تمّ جرّه للتعليق على قضايا سياسية إقليمية بشكل مختصر كالدعم الصيني للعراق، والقلق بخصوص الطموحات النووية الإيرانية، والآمال المعقودة على عملية السلام، وهي موضوعات لم يكن يرغب بها. ويعتقد السفير الأميركي جيمس بي سميث بأنها جاءت (كنتيجة لحث وزير الخارجية سعود الفيصل علناً أو خلف الأبواب المغلقة، وهو انعكاس لتطوّر العلاقة السعودية الصينية).

وذكّر السفير رؤساءه في الخارجية الأميركية (الوثيقة رقم 10RIYADH123، 27/1/2010، وموضوعها: وزير الخارجية الصيني يانغ يزور الرياض) بأن الصين أصبحت أكبر مستورد للنفط السعودي، وأن هناك استثمارات سعودية متزايدة في الصين (3.5 مليار دولار قيمة مصفاة في فوجيان؛ و2.86 مليار دولار كمجمع مشترك للبتروكيماويات في تيانجين)، وأن الصين تأتي في المرتبة الثانية من حيث الشراكة مع السعودية (40 مليار حجم التجارة البينية عام 2008؛ في حين كان حجم التبادل التجاري مع اميركا 67 مليار دولار).

الوثيقة أعلاه، وتحت عنوان: (وزير الخارجية سعود الفيصل: الصين بحاجة لأن تواجه بقدر أكبر من الجديّة النووي الايراني)، أوردت تفاصيل عن لقاء وزيري خارجية الصين والسعودية، قدمت (مع التحية) لفيلتمان يوم 26/1/2010، من قبل مضيفه وكيل الخارجية السعودية الأمير تركي. قال الأخير بأن

وزير الخارجية سعود ضغط على وزير الخارجية الصيني بقوة من أجل الحاجة لأن تكون الصين أكثر فاعلية في العمل مع بقية المجتمع الدولي ومجلس الأمن لمواجهة تهديد تطوير إيران للسلاح النووي. وأبلغ وزير الخارجية سعود نظيره الصيني يانغ بأن السعودية كانت على قناعة بأن إيران تنوي تطوير سلاح نووي، بالرغم من تطميناتها، وأنه لا يمكن بغير موقف عملي دولي وقف ذلك.

تضيف الوثيقة عن شبه المقايضة الصينية ـ السعودية:

وفيما لم تتم مناقشة مقايضة صريحة، فإن وكيل وزير الخارجية تركي أوضح بأن السعودية علمت بأن الصين كانت قلقة إزاء الحصول على إمدادات الطاقة/ النفط، والتي قد تقطع من قبل إيران، وتريد جذب المزيد من التجارة والاستثمار. وقد كانت السعودية ترغب بتقديم تطمينات في هذين المجالين للصين، ولكن ذلك في مقابل مواقف عملية صينية واضحة لوقف توجّه ايران نحو الأسلحة النووية.

يخلص السفير بنتيجة بشأن العلاقات السعودية الصينية فيقول:

منذ الزيارة التاريخية التي قام بها الملك عبد الله الى بكين في يناير 2006، تركّزت العلاقات السعودية الصينية بصورة أساسية على الطاقة والتجارة. على أية حال، فإن العلاقة قد تبدي مؤشرات على التطوّر السياسي. وفيما قد يفضّل الصينيون البقاء بعيداً عن الخلافات السياسية، فإن قوتهم الاقتصادية ومقعدهم الدائم في مجلس الأمن قد جعل من الصعوبة بمكان تفادي السياسة بصورة كاملة.

الحوافز بالنسبة للسعوديين في سعي وتعزيز علاقاتهم الاقتصادية مع الصين لمكاسب سياسية بالنظر الى القضايا الاقليمية الحساسة مثل ايران والصراع الفلسطيني الاسرائيلي هي على درجة كبيرة من الأهمية وتتنامى. وبعد التركيز بتودة على بناء علاقات اقتصادية منذ 2006، فإن حث الأمير سعود الفيصل في العلن والسر لوزير الخارجية الصيني يشير الى أن السعوديين على استعداد لانفاق المال في بعض القنوات السياسية.

الصفحة السابقة