السعودية ذات الوجه المنافق

الملك عبدالله لساركوزي: لا تثقوا بالسوريين!

يحي مفتي


ضيف مزعج!

■ الأميركيون: زيارة ساركوزي ناجحة نسبياً.. واتصالاتنا السعودية تحدثت عن مشاعر عدم ارتياح سعودي من بعض التصرفات الفرنسية

■ ساركوزي أزعج مضيفيه حين تفادى تذوّق الأكل العربي التقليدي، ونظرته المتبرمة خلال حفلة (العرضة) المتلفزة

■ قدّم ساركوزي عرضاً بتوفير تكنولوجيا نووية سلمية للسعودية، ورغم انفتاح الأخيرة على العرض لم يتم التوصل الى اتفاق حاسم بهذا الخصوص


حكاية السعودية مع فرنسا سهلة غير معقدة. اتفق بوش مع شيراك على محاصرة النظام السوري وإسقاطه. وقد راق ذاك للسعوديين. ولكن بعد هزيمة شيراك في الإنتخابات، وبعد إبرام اتفاق الدوحة بين اللبنانيين. قام خليفة شيراك (ساركوزي) بسياسة التفافية، وانفتح على دمشق بعد أن تبيّن فشل السياسة السابقة. لم تتحمل معدة السعوديين ذلك، رغم أن واشنطن تفهمت الأمر وتقبلت الخسارة!

جنّ جنون الأمراء السعوديين. فهم طمعوا بإسقاط الأسد، وإذا بساركوزي (يفكّ الحصار عنه) حسب رأيهم. وطفقت الصحافة السعودية وكتابها يشتمونه. ولازالت تلك جريمة ساركوزي الكبرى بنظر السعوديين حتى اليوم. يومها عبّر عبدالرحمن الراشد عن الموقف السعودي بدقّة متناهية فقال تحت عنوان (هل اختار ساركوزي الجانب السوري؟)(الشرق الأوسط 24/6/2008) بأن (ساركوزي، زلقت رجله في الفخ السوري بمساعدة الحلفاء الصغار). وأنه (أسعدته لعبة الأرانب السورية) وتساءل: (هل أخطأ ساركوزي حين كسر الدائرة المضروبة وكافأ دمشق التي تلام على فوضى لبنان، وخلاف الفلسطينيين، ودعم إيران؟). يجيب نعم!: (اعتقد ان الرئيس الفرنسي دفع المنطقة من حالة الجمود الى الصدام، وشجع دمشق ليس كما يبدو تهدئة مع اسرائيل، بل تعنتا حيال القضايا الرئيسية.. وبالتالي عزّز الرئيس الفرنسي معسكراً على حساب آخر، وخلق حالة أكثر خطورة). وختم: (ربما يعتقد ساركوزي أنه قادر على تعديل مواقف سورية، مستنداً إلى الخطوات الإيجابية من دمشق، لكن كل ما فعله أنه كافأها وخفّف عنها الضغط الذي كان يهدف أساساً الى تعديل سلوكها).

وعاد الراشد فكتب في 21/9/2008 مقالاً تحت عنوان: (ساركوزي وبيع السودانيين) وصف فيه محبوب آل سعود: شيراك بأنه: (أكثر صبراً وبأساً وحكمة). وأما خليفته ساركوزي فقليل الأخلاق والمبادئ معاً (انقلب على نفسه مرات، آخرها في جورجيا، وقبلها مع سوريا، الى الغزل مع إيران)!

أما الجاهل طارق الحميد، وعضو الجوقة إيّاها، فكتب منتقداً دعوة باريس لإيران كيما تحضر مؤتمراً عن أفغانستان (سيكون مؤشراً على انفتاح مع طهران، وهذا خطأ سياسي... [هذا] يعني أن الأوروبيين سلّموا الضبّة والمفتاح بالكامل للإيرانيين في المنطقة. كما أن ذلك يعد إعطاء مشروعية للتمدّد الإيراني بمنطقتنا). وذكر الحميد بأن ذلك إن حدث فـ (سيكون مشابها لما فعلته باريس مع السوريين) واشتكى بأن التقارب الفرنسي مع سوريا غير ناضج و(إن هناك تسرعاً في السياسة الفرنسية... المزعج هو التسرّع الفرنسي في كل اتجاه، والسؤال ببساطة هو ما ثمن الحوار مع إيران، أو دمشق؟)(الشرق الأوسط 11/10/2008).

لم يغفر السعوديون لساركوزي موقفه من سوريا. فهم يكرهونها ولا يثقون بها، ويطلبون من ساركوزي أن يفعل ذات الأمر. ولعلنا سنلاحظ أن الملك السعودي المنفتح مع الولايات المتحدة والداعي الى حرب إيران، لم يكن هو نفسه مع ساركوزي حيث تحدث الملك بنعومة عن ايران وعن الحلول السياسية لملفها النووي. لا يوجد تفسير لذلك سوى أن السعوديين لم يثقوا في ساركوزي أيضاً. لقد خافوا أن ينقل ما يقولونه الى دمشق، ومنها الى طهران، فيظهر عوار سياستهم. لكن ويكيليكس أظهرت المستور.

الوثيقة التالية (08RIYADH102) تتعلق بزيارة ساركوزي الى السعودية، كما رصدتها السفارة الأميركية في الرياض، وكما أعدها السكرتير الثاني في السفارة ديفيد راندل في 26/1/2008. وهذا نصّها:


1 ـ ملخّص: زار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي السعودية في 13 ـ 14 يناير كيما يبدي رأيه بوضوح بأن السعودية باتت الآن على رأس قائمة سياسة فرنسا في الشرق الأوسط. إلتقى الرئيس ساركوزي مع الملك عبد الله، وتحدّث أمام مجلس الشورى، وتداول باختصار مع كبار التجار في السعودية. الموضوعات التي جرت مناقشتها كانت الطموحات النووية الايرانية، وعملية السلام في الشرق الاوسط، والتدخل السوري في لبنان، والوضع الأمني في العراق، والتعاون الفرنسي السعودي، بما في ذلك عرض تكنولوجيا الطاقة النووية. يمكن النظر الى الزيارة على أنها ناجحة بدرجة معتدلة بالنسبة للعلاقات الثنائية الفرنسية ـ السعودية، بالرغم من عدم صدور تصريحات لافتة في هذا السياق. التقارير الصحافية حول الزيارة الى جانب القراءة الخاصة من قبل السكرتير الثاني الفرنسي كانت إيجابية، ولكن اتصالاتنا السعودية نقلت عدم ارتياح سعودي من الأداء الفرنسي.

2 ـ وصل الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي الى الرياض في 13 يناير في زيارة لمدة يومين/ ليلة واحدة. وهذه الزيارة هي متابعة لزيارة الملك السعودي عبد الله بن عهبد العزيز آل سعود الى باريس في يونيو 2007. وقد رافق ساركوزي كل من وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير، ووزير الثقافة كريستين البانيل، ووزير التعليم فاليري بكريس. السكرتير الثاني الفرنسي في الرياض إيمانويل بون قدّم قراءة خاصة للقنصل المناوب بول حول الزيارة. الموضوعات التي جرى تداولها شملت الطموحات النووية الايرانية، عملية السلام في الشرق الأوسط، التدخل السوري في لبنان، الأمن في العراق، والتعاون الفرنسي السعودي، بما يشمل عرض تكنولوجيا الطاقة النووية. بالإضافة الى ذلك، كان الموضوع الرئيسي هو تقوية العلاقة الشخصية بين الرئيس ساركوزي والملك عبد الله.

وفي المجمل، شدّد الملك عبد الله على الحلول المتعددة، والتقليل من المقاربات ذات الطبيعة الثنائية، بشأن عدد هائل من القضايا التي جرت مناقشتها.

القراءات من قبل الجانب الفرنسي والصحافة كانت إيجابية، ولكن اتصالاتنا السعودية تتبادل بصورة خاصة مشاعر عدم ارتياح من بعض التصرفات الفرنسية.


إيران

3 ـ إستعاد الرئيس ساركوزي قلقه الشديد إزاء الطموحات النووية الايرانية مع الملك عبد الله، وشدّد على أن العقوبات كانت السبيل الأحسن من أجل الضغط على ايران. بحسب ما نقل، فإن عبد الله لم يرد أن يزيد في توتير الوضع، وأوصى بمواصلة الحوار الدولي (5+1) مع ايران. وشدّد على أن ايران يجب أن تلتزم بالقرارات الدولية، وخصوصاً معاهدة عدم الانتشار النووي. وافق عبد الله، بحسب ما نقل، على ما لحظ بأنها نشاطات إيرانية لزعزعة الاوضاع في كل من العراق ولبنان، الى جانب الاعتقاد السعودي بأن الهدف النهائي لإيران هو الحصول على أسلحة نووية. على أية حال، فإن السعوديين ليسوا على استعداد للقيام بأي عمل خارج الدبلوماسية حتى الآن، وقد أكّدوا على التزامهم بالجهود الفرنسية للحل الدبلوماسي مع ايران. وقال الملك عبد الله بأن ايران تعرف واجباتها، وأن الخطوة القادمة هي أن يلتزم الايرانيون بواجباتهم. وتمنى الجانب الفرنسي بأن يصدر بيان مشترك حول إيران، ولكن السعوديين رفضوا لأنهم لا يريدون إثارة الوضع الإيراني.

تعليق: لم يفصح بوضوح لماذا يؤدي البيان المقترح الى تأزيم العلاقات السعودية الايرانية. نهاية التعليق

4 ـ وافق كل من الرئيس ساركوزي والملك عبد الله على دعم مبادرة أنابوليس لحل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني. وأبلغ عبد الله ساركوزي بأن قضية اللاجئين الفلسطيين يجب أن تحل أولاً، وأن على الإسرائيليين وقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية. وقال عبد الله بأن القدس الشرقية يجب أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية، وأن هذا القسم من القدس يجب أن يبقى تحت سيطرة العرب وحدهم. تمنى الجانب الفرنسي بأن يصدر بيان مشترك حول عملية السلام الاسرائيلي ـ الفلسطيني، ولكن لا إجماع يمكن الوصول إليه.


سوريا/ لبنان

5 ـ أثار ساركوزي موضوع لبنان. وحذّر الملك عبد الله من أن أي شخص يريد الحديث مع السوريين يجب أن يكون حذراً، مشيراً الى ازدواجيتهم . أضاف بأن على الفرنسيين أن يكونوا شديدين مع سورية في موضوع لبنان. وفي لقاء منفصل بين وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير ووزير الخارجية سعود الفيصل، دعم الجانب الفرنسي المبادرة العربية حول لبنان. وأضاف سعود بأنه كان مرتاباً حيال الاحزاب السياسية اللبنانية الحالية وشكّك بأن يلتزم السوريون بأي اتفاق.


العراق

6 ـ فيما يخص العراق، توافق كل من الرئيس ساركوزي والملك عبد الله على أن أمن العراق قد تحسّن بصورة دراماتيكية منذ 2006. واعتقد عبد الله بأن العراق يجب أن يبقى دولة موحدة، وأن اللاعبين الخارجيين، مثل ايران، يجب نصحها بعدم التدخل.


التعاون الفرنسي السعودي

7 ـ جرت مناقشة سياسة الطاقة العامة، بما في ذلك الغاز، والنفط، والطاقة النووية. وقدّم الرئيس ساركوزي عرضاً لتقديم تكنولوجيا نووية سلمية للمملكة. الملك عبد الله كان منفتحاً على العرض، ولكن لم يتم التوصل الى اتفاق حاسم بهذا الخصوص.

8 ـ في خطابه أمام مجلس الشورى في 14 يناير، دعم الرئيس ساركوزي التسامح بين مختلف الأديان، وحقوق المرأة، وحرية التعبير. لايكاد خطابه يذكر القضايا السياسية، وبدلاً من ذلك ركّز على سياسة الحضارة ـ الاحترام والكرامة لكل الثقافات. وبينما تعتبر بعض هذه الموضوعات على النقيض مع المجتمع السعودي التقليدي، فإن الرئيس ساركوزي جرى استقباله بصورة حسنة في هذه المناسبة.

9 ـ شمل الوفد الفرنسي عدداً من الوزراء لتقوية الروابط التعليمية، التجارية، والطاقة مع المملكة. تمّ التوصل لأربع اتفاقيات:

1 ـ المشاورات السياسة لتنسيق النشاطات الإقليمي.

2 ـ سياسة الطاقة فيما يتعلق بالغاز والنفط.

3 ـ زيادة تدريب اللغة المهنية من 100 الى 500 طالباً للمساعدة في التغلب على عائق اللغة الفرنسية ـ العربية.

4 ـ التعليم العالي بهدف زيادة عدد الطلاّب السعوديين في فرنسا (يبلغ عددهم حالياً 4000 طالباً).

عرض الرئيس ساركوزي كلمة مختصرة (لمدة عشر دقائق) لكبار التجار السعوديين.

10 ـ الموضوع الأسمى للزيارة، بحسب السفارة الفرنسية في الرياض، كان تقوية العلاقة الشخصية بين الرئيس ساركوزي والملك عبد الله. الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك والملك عبد الله كانا على صداقة وثيقة واتفاق على جملة قضايا.

يروى بأن السعوديين كانوا قلقين إزاء انتخاب ساركوزي في العام الماضي بسبب دعمه المعلن لإسرائيل وخلفيته اليهودية. هذه الزيارة كانت لتبديد قلق السعوديين وتطمينهم بأن الرئيس ساركوزي يمكن الاعتماد عليه بنفس القدر من القوة كما كان الحال بالنسبة لجاك شيراك. وبالمثل، فإن الفرنسيين أبلغونا بأنهم يقومون بتعديل سياستهم الشرق أوسطية. دول الشرق كانت موضع تركيز فرنسا في سياستها الشرق أوسطية، بينما كان الخليج العربي في أسفل القائمة. الإقرار بالمقام والنفوذ السعودي البارز أفضى الى أن تضع فرنسا السعودية على رأس قائمة السياسة الخارجية الفرنسية في الشرق الأوسط.


زيارة جيدة، ولكن ليست عظيمة

11 ـ تعليق: الوفد الفرنسي كان مسرواً تماماً بزيارة ساركوزي. كان أعضاء الوفد محبطين بأنهم لم يتمكنوا من إصدار بيان مشترك في عدد من القضايا الرئيسية مثل ايران أو عملية السلام في الشرق الأوسط. يبقى، أنهم ينظرون الى الزيارات المتبادلة بين الدولتين على أنها خطوات للأمام في العلاقات الفرنسية ـ السعودية. التغطية الصحافية للرئيس ساركوزي كانت إيجابية مع صور الصفحة الأولى للصحف لكل من القيادتين وهما يبتسمان معاً.

12 ـ مهما يكن، فإن مصادرنا السعودية زوّدتنا ببعض التعليقات السلبية. قليلة في حجمها، ولكنها معبّرة بالنسبة للحساسيات السعودية. أولاً، كان من المتوقع أن تصحب ساركوزي خطيبته كارلا بروني (ولكنها في الأخير لم تسافر)، وقد اعتبر السعوديون اصطحابها تصرفاً مهيناً بالنظر الى ثقافتهم المتشدّدة والمحافظة ضد اصطحاب إمرأة غير متزوجة. أخطاء بروتوكولية عدة وقعت من قبل الوفد الفرنسي خلال الزيارة. تقدم الوفد الفرنسي، من وجهة النظر السعودية، بطلبات لوجستية غير منطقية. وأخيراً كانت النظر الى ساركوزي في عيون السعوديين بأنه أقل لطافة خلال مناسبات محددة في الزيارة، مثل تفاديه تذوّق الأكل العربي التقليدي أو النظرة المتبرمة خلال حفلة (العرضة) المتلفزة. وفيما تعتبر هذه نقاطاً صغيرة، فإن الحقيقة هي أن مصادرنا السعودية ذكرتها بما يبدي امتعاضهم. وهذه الحوادث تشخّص تعليقاً خاصاً كبيراً من السعوديين بأن الرئيس ساركوزي لم يحل محل الرئيس شيراك في عيون السعوديين. مطلّعون آخرون من مصادر سعودية عوّلوا على الطبيعة التجارية الاجمالية للزيارة. تقدّم ساركوزي بقائمة من 14 صفقة بيع ترغب الشركات الفرنسية القيام بها مع الحكومة السعودية، تماماً مع السعر الأصلي والتخفيضات التي كان ساركوزي جاهزاً لمناقشتها (نهاية التعليق . فراكر).

الصفحة السابقة